برأته التساخير والاعمال القضائية.. اطلاق سراح مدير اقليم الأمن الوطني بنابل    دراسة: احذروا الشاشات... صحة أطفالكم في خطر!    احذر الشاي الأخضر إن كنت تعاني من هذه الحالات الصحية... القائمة    عاجل/ إصدار بطاقة إيداع في حق قاض معزول من أجل هذه التهم    مباراة ودية - نادي حمام الانف يتعادل مع مولودية الجزائر 1-1    فتح باب التسجيل لكافة التلاميذ المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية العمومية والخاصة للسنة الدراسية 2025-2026    من 9 إلى 24 أوت: مهرجان "إيكوفيلدج" يجمع نجوم الفن في سوسة    بطولة العالم للكرة الطائرة لأقل من 21 سنة اناث - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره التايلاندي 0-3    قبلي: إمضاء اتفاقية شراكة بهدف توفير مخزون تعديلي من الاعلاف الخشنة للنهوض بمنظومة الانتاج الحيواني    غدا.. نشر نتائج التعيين النهائي للطلبة المقبولين في مراحل التكوين الهندسي لدورة 2025    بن عروس: تواصل فعاليات البرنامج الجهوي "سباحة وتنشيط للمدن الشاطئية" ببرج السدرية    عاجل/ نتنياهو: ننوي السيطرة على غزة وتسليمها إلى قوات عربية    الالكسو تطلق سجلّ التراث المعماري والعمراني في البلدان العربية حماية لذاكرة المدن العربية    القضاء التونسي ينظر في طلب إيقاف عرض فيلم "اغتراب" لصاحبه مهدي هميلي لهذه الأسباب    رابطة حقوق الإنسان تعتزم التوجه إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان بخصوص الانتهاكات الواقعة على الجمعيات المساندة لغزّة    جندوبة: إدارة مصنع اللفت السكري تشرع في توزيع عقود الانتاج على الفلاحين الراغبين في زراعة اللفت خلال موسم 2025-2026    عاجل: وزارة المالية تعلن عن مناظرة جديدة بالديوانة... التفاصيل والتواريخ!    الاحتجاجات خلال شهر جويلية الماضي ترتفع بنسبة 45 بالمائة    جامعة كرة القدم تزف بشرى سارة للجماهير    عاجل/ الاعتداء على مقر اتحاد الشغل: بيان هام من منتدى الحقوق    المصطافون يلقون خلال فترة الصيف قرابة 8 آلاف متر مكعب من الفضلات على الشواطئ    عاجل/ فرنسا: حريق غابات يلتهم مساحة بحجم باريس.. ولا يزال خارج السيطرة    ترامب يعلن بدء فرض رسوم جمركية على 60 دولة بينها سوريا، لاوس، والعراق    هام/ هذا عدد المحلات التي ستشارك في "الصولد" الصيفي..    تقدّم موسم جني الطماطم الفصلية بولاية القصرين بنسبة 90 %    افروبسكييت (انغولا 2025): المنتخب التونسي يعيش فترة انتقالية حساسة وهدفنا تحقيق مشوار مشرف في الموعد القاري" (مهدري ماري)    أحمد الجوادي: "إستقبالي من قبل رئيس الجمهورية رسالة تحفيز على مزيد التألق"    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يكشف عن آخر تعاقداته    الحماية المدنية : 559 تدخلا منها 115 لاطفاء الحرائق خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    عاجل: هذه الدولة تستعد لموجة حرراة جديدة تبدأ السبت.. والسخانة قد تصل إلى 45 درجة    قابس: التعريف بفرص الاستثمار في القطاع الفلاحي المتاحة لأبناء الجهة في الخارج    زيادة بنسبة 16,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها خلال النصف الأول من 2025    بعد انصافه وتوجيهه لكلية الطب بالمنستير: التلميذ محمد العبيدي يوجه هذه الرسالة لوزير التعليم العالي وكل من سانده..#خبر_عاجل    عاجل/ معركة بين مغني "راب" بالأسلحة البيضاء في سكرة..والنيابة العمومية تتدخل..    فتح باب الترشح للمشاركة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة لأيام قرطاج السينمائية    منى نور الدين: مصدومة من جمهور سوسة... المسرح كان شبه خالٍ رغم تعبنا    وفاة والدة براد بيت عن عمر 84 عامًا    هاو وين تمشي فلوسك... 26٪ من شهريّة التونسي تمشي للمواد هذه    عاجل : فرصة عمل للتونسيين في السفارة الألمانية: شهرية محترمة وظروف عمل مميزة    عاجل: قرار صارم ضد الحكم حسام بولعراس بعد مباراة الترجي والملعب    عاجل : الحاضر يعلم الغايب ...الصولد يبدا ليوما يا توانسة    تحب البطاطا المقلية؟'' هذا علاش ممكن تجيبلك مرض السكري!''    حزب الله: "سنتعامل مع قرار تجريدنا من السلاح كأنه غير موجود"    اليوم.. طقس صاف والحرارة في ارتفاع طفيف    "عربون" لعماد جمعة على ركح مهرجان الحمامات: عرض كوريغرافي يرقص على جراح الفنان التونسي في ظل الوجع والتهميش    تونس وجهة صحية إقليمية: اجتماع وزاري لدعم السياحة العلاجية وتصدير الخدمات الصحية    فرنسا تعلّق إعفاءات التأشيرة لجوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية وماكرون يلوّح بتدابير "أشد حزماً"    استشهاد 41 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال    رئيس الجمهورية يستقبل رئيسة الحكومة في جلسة خصصت للتداول حول عدد من المواضيع التي تتعلق بسير عدد من المرافق العمومية    رئيس الجمهورية يقلد بطل السباحة العالمي أحمد الجوادي بالصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الرياضة    رئيس الجمهورية يستقبل البطل التونسي أحمد الجوادي    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    في دورتها الثلاثين... تتويج مبدعات تونسيات بجائزة زبيدة بشير... التفاصيل    مكانة الوطن في الإسلام    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصدع الوهم العربي
نشر في الحوار نت يوم 09 - 08 - 2016

لم يكن النظام الرسمي العربي حارسا لحدود "سايكس بيكو" الترابية مثلما توهمنا بذلك أدبيات الممانعة والمقاومة، فهذه مهمة القوى الاستعمارية الكبرى مثلما أثبتت ذلك حرب الخليج الأولى عقب الغزو العراقي للكويت حيث تدخل شرطي النظام العالمي بنفسه لإعادة حدوده إلى مكانها. النظام العربي هو حارس للوعي الضامن لسلامة خطوط "سايكس بيكو" والقائم أساسا على آلية الإيهام والإلهاء التي مارسها إعلامه بمنصاته المختلفة طوال عقود الاستبداد العسكري والسياسي بحرفية عالية.
تسعى آليات الإيهام إلى تحقيق هدفين أساسيين:
يتمثل الأول في التغطية على عمليات الفساد والنهب المنظم الذي ينخر جسد الأمة والذي دفع أجيالا بكاملها إلى منحدرات الهجرة والانحراف والتطرف والالتحاق بجماعات العنف العابرة للحدود. أما الثاني فيتجلى في منع ولادة أي بديل حقيقي قادر على تحقيق الشعارات التي تنادي بها، أي أن جوهر الفعل الاستبدادي العربي هو منع نشأة فعل البناء الحقيقي عبر الإيهام بوجود هذا الفعل وهذا هو أخطر أدواره وأكثرها بشاعة.
خذ مثلا فكرة "المقاومة والممانعة" بما هي واحدة من أخطر أشكال الإيهام، فقد ملأ الشعار وأصحابه مجال الفعل العربي طويلا وبشكل منع نشأة الفعل المقاوِم الحقيقي تفعيلا لمبدأ المرآة العاكسة الذي يتقنه النظام الرسمي العربي.
الربيع وتعطيل آليات الإيهام
لا يمكن الجزم بنهاية الوهم لأن كل آليات التوهيم والتزييف لا تزال قائمة بل وتضرب عميقة في كل مفاصل المشهد الاجتماعي والسياسي والحضاري وهي تحاول اليوم التكيف مع الواقع الثوري الجديد بتقنيات مستحدثة تتراوح بين تفعيل نظرية المؤامرة كحد أقصى أو التماهي مع الخطاب الثوري كحد أدنى؛ لكن من ناحية أخرى لا يمكن الجزم أيضا بأنها لا تزال تمارس نفس الفعل التزييفي وبنفس النسق الذي كانت عليه قبل انفجار ثورات الربيع العربي يوم 17 ديسمبر/كانون الثاني 2010 بالريف التونسي العميق.
فقد شكلت ثورات الربيع العظيمة أكبر تهديد وظيفي لوعي "سايكس بيكو" وللحاضنة الثقافية التي خلقها رغم الصمود الكبير الذي أبدته الدولة العميقة بكل تشكلاتها ولا تزال. تجليات التهديد تبرز خالصة المعالم في انهيار حائط الخوف السميك الذي كان يحصن هيكل الاستبداد صورة وتمثلا وردود أفعال، فالقمع الوحشي الذي لا يزال يمارسه النظام السوري مثلا أو وحشية النظام الليبي السابق لم يثنيا السوريين ولا الليبيين عن مواصلة الصراع حتى سقوط رمز الاستبداد.
تهديد الحاضنة المعرفية التي خلقها منطق "سايكس بيكو" الحضاري تتجلى أيضا في السقوط المرعب لنخب الأيديولوجيا السياسية العربية التي انكشفت، والتي تمثل صمامَ أمان للنظام الاستبدادي الذي عاشت توهم الناس بمقارعته في الوقت الذي كانت تمثل فيه أعظم شروط وجوده.
لا يمثل هذا الانكشاف في الحقيقة إلا الجزء الأصغر من الكشف الذي حققته موجة التغيرات الشعبية العربية الأخيرة بخاصيتها السلمية الفارقة قبل أن تحولها أنظمة الوكالة الاستعمارية إلى حروب أهلية دامية ومحاور للتهجير وللتطهير العرقي والطائفي المتوحش.
"لقد حققت الثورات العربية في فترة وجيز جدا قفزة نوعية هائلة للوعي العربي وهي قفزة ما كان له أن يدركها إلا بعد عشرات العقود من السير التاريخي الطبيعي للوقائع، بل إن حجم القناعات الجديدة أصبح بالسرعة والكثافة التي يصعب معها استيعابه وتصديقه وتمثله"
على طرف آخر أصيبت خلايا كثيرة من خلايا الإيهام العربي بالعطالة وفقدت بريقها الوظيفي الذي كان لها سابقا. فمعجم النضال وسرديات المقاومة بل وحتى شيطنة الحاكم وكل الأغطية الذي كانت تتلحف بهما النخب العربية المحلية طويلا من وصل منها إلى السلطة ومن لم يصل لم يعد فعالا، بل كشف أن هذا الخطاب نفسه هو جزء من الفعل الاستبدادي خاصة عند التيارات القومية المتلحفة برداء "العروبة والوحدة ومحاربة الرجعية" والمدارس الاشتراكية والليبرالية.
تعطلت كذلك آلية أخرى من أخطر آليات النظام الاستبدادي ممثلة في شبكة النسيج الرمزي للأفكار والرؤى والتمثلات الثقافية والتعبيرات الفنية والاجتماعية التربوية التي يشكل الإعلام والمدرسة رأسي حربة في نظامها الداخلي، وهو أمر يفسر إلى حد بعيد بروز تعابير ورؤي محافِظة ومستحدثة بعد الربيع العربي لا تزال في طور جنيني لكنها تتقدم بسرعة كبيرة مدفوعة بقوة وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد حققت الثورات العربية في فترة وجيز جدا قفزة نوعية هائلة للوعي العربي وهي قفزة ما كان له أن يدركها إلا بعد عشرات العقود من السير التاريخي الطبيعي للوقائع، بل إن حجم القناعات الجديدة أصبح بالسرعة والكثافة التي يصعب معها استيعابه وتصديقه وتمثله.
قناعات كثيرة وخلاصات هامة ستمثل الأساس البديل لوعي سايكس بيكو من ناحية وستشكل كذلك قطيعة معرفية هي الأكبر في تاريخ القطائع المعرفية التي عرفتها الأمة عبر تاريخها الطويل في مكافحة الاستبداد باعتباره الوكيل المباشر والأشرس للاستعمار والممثل الرسمي لأطماعه ومصالحه في المنطقة العربية.
أول هاته القناعات هو زيف التحالفات الخارجية مهما بلغ حجم تطابقها الإستراتيجي مع الأمة في لحظة تاريخية ما؛ لأن تحالف بعض القوى الاستبدادية العربية مع الحليف الشيوعي سابقا والاشتراكي لاحقا لم تتمخض عن غير سوق محلية للخردة العسكرية التي لم تستعمل إلا لتقتيل الشعوب وذبحها كما فعل النظام الإجرامي في سوريا أو في مصر أو في الجزائر أو في اليمن أو في ليبيا.
إن ترميم الذات وإعادة صياغة التحالفات داخل البناء العربي نفسه قبل كل شيء ومهما بلغ حجم التنازلات والتضحيات هو السبيل الوحيد لتوجيه الوعي الناشئ من رماد الربيع العربي بالشكل الذي يعطل نهائيا آليات العنف والتخريب ويفعل من جديد آليات البناء الحضاري لأمة تملك كل شروط السيادة والاستقلال والتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.