البرلمان يوجّه برقية تعزية    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    قيس سعيّد يترأس جلسة عمل حول مشروع تنقيح هذا الفصل..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    الميزان التجاري يستعيد عافيته...رصيد المبادلات الخارجية يتطور ب %24    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    وزيرة التجهيز تؤكد على جهود تونس في تحقيق التنمية بالجهات وتطوير الحركة الجوية بالمطارات الداخلية    التوقعات الجوية لهذه الليلة    نابل: وفاة شاب واصابة 10 أشخاص في حادث خطير    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    عروض ثريّة للإبداعات التلمذيّة.. وتكريم لنُجوم الدراما التلفزيّة    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    وزير التعليم العالي يترأس الوفد التونسي في منتدى التعليم العالمي 2024 في لندن    الافريقي يرفض تغيير موعد الدربي    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    موعد تنظيم أيام كندا للتوظيف بتونس.. وهذه الاختصاصات المطلوبة    رفض الافراج عن سنية الدهماني    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    النادي الإفريقي: اليوم عودة التمارين إلى الحديقة .. ومعز حسن يغيب عن الدربي    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    خامنئي يعزي بوفاة رئيسي ويعلن الحداد 5 أيام..#خبر_عاجل    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصدع الوهم العربي
نشر في الحوار نت يوم 09 - 08 - 2016

لم يكن النظام الرسمي العربي حارسا لحدود "سايكس بيكو" الترابية مثلما توهمنا بذلك أدبيات الممانعة والمقاومة، فهذه مهمة القوى الاستعمارية الكبرى مثلما أثبتت ذلك حرب الخليج الأولى عقب الغزو العراقي للكويت حيث تدخل شرطي النظام العالمي بنفسه لإعادة حدوده إلى مكانها. النظام العربي هو حارس للوعي الضامن لسلامة خطوط "سايكس بيكو" والقائم أساسا على آلية الإيهام والإلهاء التي مارسها إعلامه بمنصاته المختلفة طوال عقود الاستبداد العسكري والسياسي بحرفية عالية.
تسعى آليات الإيهام إلى تحقيق هدفين أساسيين:
يتمثل الأول في التغطية على عمليات الفساد والنهب المنظم الذي ينخر جسد الأمة والذي دفع أجيالا بكاملها إلى منحدرات الهجرة والانحراف والتطرف والالتحاق بجماعات العنف العابرة للحدود. أما الثاني فيتجلى في منع ولادة أي بديل حقيقي قادر على تحقيق الشعارات التي تنادي بها، أي أن جوهر الفعل الاستبدادي العربي هو منع نشأة فعل البناء الحقيقي عبر الإيهام بوجود هذا الفعل وهذا هو أخطر أدواره وأكثرها بشاعة.
خذ مثلا فكرة "المقاومة والممانعة" بما هي واحدة من أخطر أشكال الإيهام، فقد ملأ الشعار وأصحابه مجال الفعل العربي طويلا وبشكل منع نشأة الفعل المقاوِم الحقيقي تفعيلا لمبدأ المرآة العاكسة الذي يتقنه النظام الرسمي العربي.
الربيع وتعطيل آليات الإيهام
لا يمكن الجزم بنهاية الوهم لأن كل آليات التوهيم والتزييف لا تزال قائمة بل وتضرب عميقة في كل مفاصل المشهد الاجتماعي والسياسي والحضاري وهي تحاول اليوم التكيف مع الواقع الثوري الجديد بتقنيات مستحدثة تتراوح بين تفعيل نظرية المؤامرة كحد أقصى أو التماهي مع الخطاب الثوري كحد أدنى؛ لكن من ناحية أخرى لا يمكن الجزم أيضا بأنها لا تزال تمارس نفس الفعل التزييفي وبنفس النسق الذي كانت عليه قبل انفجار ثورات الربيع العربي يوم 17 ديسمبر/كانون الثاني 2010 بالريف التونسي العميق.
فقد شكلت ثورات الربيع العظيمة أكبر تهديد وظيفي لوعي "سايكس بيكو" وللحاضنة الثقافية التي خلقها رغم الصمود الكبير الذي أبدته الدولة العميقة بكل تشكلاتها ولا تزال. تجليات التهديد تبرز خالصة المعالم في انهيار حائط الخوف السميك الذي كان يحصن هيكل الاستبداد صورة وتمثلا وردود أفعال، فالقمع الوحشي الذي لا يزال يمارسه النظام السوري مثلا أو وحشية النظام الليبي السابق لم يثنيا السوريين ولا الليبيين عن مواصلة الصراع حتى سقوط رمز الاستبداد.
تهديد الحاضنة المعرفية التي خلقها منطق "سايكس بيكو" الحضاري تتجلى أيضا في السقوط المرعب لنخب الأيديولوجيا السياسية العربية التي انكشفت، والتي تمثل صمامَ أمان للنظام الاستبدادي الذي عاشت توهم الناس بمقارعته في الوقت الذي كانت تمثل فيه أعظم شروط وجوده.
لا يمثل هذا الانكشاف في الحقيقة إلا الجزء الأصغر من الكشف الذي حققته موجة التغيرات الشعبية العربية الأخيرة بخاصيتها السلمية الفارقة قبل أن تحولها أنظمة الوكالة الاستعمارية إلى حروب أهلية دامية ومحاور للتهجير وللتطهير العرقي والطائفي المتوحش.
"لقد حققت الثورات العربية في فترة وجيز جدا قفزة نوعية هائلة للوعي العربي وهي قفزة ما كان له أن يدركها إلا بعد عشرات العقود من السير التاريخي الطبيعي للوقائع، بل إن حجم القناعات الجديدة أصبح بالسرعة والكثافة التي يصعب معها استيعابه وتصديقه وتمثله"
على طرف آخر أصيبت خلايا كثيرة من خلايا الإيهام العربي بالعطالة وفقدت بريقها الوظيفي الذي كان لها سابقا. فمعجم النضال وسرديات المقاومة بل وحتى شيطنة الحاكم وكل الأغطية الذي كانت تتلحف بهما النخب العربية المحلية طويلا من وصل منها إلى السلطة ومن لم يصل لم يعد فعالا، بل كشف أن هذا الخطاب نفسه هو جزء من الفعل الاستبدادي خاصة عند التيارات القومية المتلحفة برداء "العروبة والوحدة ومحاربة الرجعية" والمدارس الاشتراكية والليبرالية.
تعطلت كذلك آلية أخرى من أخطر آليات النظام الاستبدادي ممثلة في شبكة النسيج الرمزي للأفكار والرؤى والتمثلات الثقافية والتعبيرات الفنية والاجتماعية التربوية التي يشكل الإعلام والمدرسة رأسي حربة في نظامها الداخلي، وهو أمر يفسر إلى حد بعيد بروز تعابير ورؤي محافِظة ومستحدثة بعد الربيع العربي لا تزال في طور جنيني لكنها تتقدم بسرعة كبيرة مدفوعة بقوة وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد حققت الثورات العربية في فترة وجيز جدا قفزة نوعية هائلة للوعي العربي وهي قفزة ما كان له أن يدركها إلا بعد عشرات العقود من السير التاريخي الطبيعي للوقائع، بل إن حجم القناعات الجديدة أصبح بالسرعة والكثافة التي يصعب معها استيعابه وتصديقه وتمثله.
قناعات كثيرة وخلاصات هامة ستمثل الأساس البديل لوعي سايكس بيكو من ناحية وستشكل كذلك قطيعة معرفية هي الأكبر في تاريخ القطائع المعرفية التي عرفتها الأمة عبر تاريخها الطويل في مكافحة الاستبداد باعتباره الوكيل المباشر والأشرس للاستعمار والممثل الرسمي لأطماعه ومصالحه في المنطقة العربية.
أول هاته القناعات هو زيف التحالفات الخارجية مهما بلغ حجم تطابقها الإستراتيجي مع الأمة في لحظة تاريخية ما؛ لأن تحالف بعض القوى الاستبدادية العربية مع الحليف الشيوعي سابقا والاشتراكي لاحقا لم تتمخض عن غير سوق محلية للخردة العسكرية التي لم تستعمل إلا لتقتيل الشعوب وذبحها كما فعل النظام الإجرامي في سوريا أو في مصر أو في الجزائر أو في اليمن أو في ليبيا.
إن ترميم الذات وإعادة صياغة التحالفات داخل البناء العربي نفسه قبل كل شيء ومهما بلغ حجم التنازلات والتضحيات هو السبيل الوحيد لتوجيه الوعي الناشئ من رماد الربيع العربي بالشكل الذي يعطل نهائيا آليات العنف والتخريب ويفعل من جديد آليات البناء الحضاري لأمة تملك كل شروط السيادة والاستقلال والتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.