تونس تتحصّل على جائزة One Health Award 2025    غدا الاثنين.. ...إطلاق آلية تمويل الاقتصاد الأخضر في تونس    أسطول الصمود .. التونسي علي كنيس مازال رهن الاحتجاز لدى الاحتلال    مع التخفيض في العقوبة السجنية : إقرار إدانة رجل الأعمال الحبيب حواص    المحظوظون فقط: 8 من كل 10 تونسيين يتمتعون بالتغطية الصحية... والبقية يواجهون الخطر!    الأهالي يُطالبون بتفكيكه: ما هو المجمّع الكيميائي في قابس الذي يثير كل هذا الجدل؟    مع الشروق : نهاية مأساة    إصابة عدة أشخاص جراء عملية إطلاق نار بمدينة غيسن الألمانية    الرابطة الثانية.. نتائج الدفعة الأولى من مواجهات الجولة الرابعة    إيناس الدغيدي تحتفل بزواجها وسط العائلة والفنانين!    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    طبّ الشيخوخة في تونس بداية من ديسمبر: فماهو هذا الإختصاص؟    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد (الجولة9): النتائج والترتيب    النفطي: نحو تعزيز التعاون التونسي الإسباني والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية    مباراة ودية (اقل من 23 سنة): المنتخب التونسي يفوز على نظيره العراقي    مرصد المياه: تراجع نسبة امتلاء السدود إلى حوالي 27،4 بالمائة    سوسة: عروض تونسية وإيطالية تُثري ليالي مهرجان أكتوبر الموسيقي    المهدية : انطلاق مشروع طموح لتطوير القصر الروماني بالجم    تونس تحتضن القمة العلمية المهنية العربية الثانية للخبراء القانونيين من 1 الى 3 جانفي 2026    عودة مئات آلاف النازحين إلى شمال القطاع وسط جهود حكومية لإعادة الخدمات وبسط الأمن    حافظ القيتوني مدربا جديدا للألمبي الباجي    وزير التجارة يدعو الى استكشاف وجهات جديدة للترويج لزيت الزيتون والتمور    ما تنساش: مقابلة المنتخب الوطني يوم الإثنين على الساعة 14:00!    احذر: المياه البلاستيكية تنجم تولي سامة بعد هذا الموعد!    عاجل: الأمطار ترجع لتونس هذا الأسبوع وتحذيرات للشمال والساحل    دعتهم للحضور يوم 14 أكتوبر: استدعاء رسمي للمعلّمين المقبولين في التربية البدنية!    هذا عدد شاحنات المساعدات التي تنتظر الدخول الى غزة..#خبر_عاجل    250 مؤسسة من 19 دولة في الصالون الدولي للنسيج بسوسة    3 حاجات رد بالك تشاركهم مع الآخرين    كميات البذور الممتازة المجمعة موسم 2025-2026 تسجل ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالموسم الفارط –المرصد الوطني للفلاحة-    استعدادا لكأس العالم 2026 - فوز الأرجنتين على فنزويلا وتعادل أمريكا مع الإكواتور وديا    عاجل: ترامب يصدم الفائزة بجائزة نوبل بعد أن أهدتها له    عاجل/ قضية ذبح خرفان مريضة بمسلخ بلدي: هذا ما قرره القضاء في حق الموقوفين..    المهدية:أول إقامة ريفية ووجهة للسياحة البديلة و الثقافية في طور الانجاز    من دون دواء..علاج سحري لآلام المفاصل..    البيت الأبيض: ترامب يغادر غدا نحو فلسطين المحتلة ثم مصر    صفاقس تستقبل 7 حافلات جديدة : تفاصيل    عاجل : إيقاف لاعب تنس مشهور أربع سنوات و السبب غريب    الطقس اليوم: سحب وأمطار خفيفة بالشمال والوسط ورياح قوية في الجنوب    عاجل : الفرجة بلاش ... منتخب تونس لأقل من 23 سنة يواجه العراق اليوم    الدورة الثالثة لمعرض " لمة الصنايعية " من 16 الى 18 أكتوبر الجاري بتونس المدينة    منظمة الصحة العالمية تؤكد ضرورة استئناف عمليات الإجلاء الطبي العاجلة من غزة..    عاجل/ الإعلان عن انطلاق مشروع جديد لدعم تشغيل الشباب في هذا القطاع..    وزارة الفلاحة:اجتماع لعرض محتوى التّقرير الوطني لقطاع المياه لسنة 2024 في نسخته النهائية    كيف تتعامل مع الخوف من الطيران؟ خبيرة نفسية تشرح الأسباب والحلول    دوز تحتفي بالشعر الغنائي    على طريقة الجمعيات الرياضية وببادرة من أوركسترا لسوليست...لأول مرّة اشتراكات سنوية لعشاق الموسيقى السمفونية    اقتحام معهد في سليانة وسرقة هواتف تلاميذ: الاحتفاظ بمشتبه بهم    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    تطور جديد في أزمة شيرين عبد الوهاب بعد اتهامها بالسبّ والقذف..شنيا الحكاية؟    عاجل/ ضربة موجعة لمروجي المخدرات..    الاطاحة بعصابة لسرقة المنازل بهذه الجهة..    غرفة التجارة والصناعة لتونس تفتح مناظرة خارجية    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    الميناء البوني بالمهدية... ذاكرة البحر التي تستغيث    الجمعة: أمطار رعدية بهذه الجهات    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشريح أدعياء السلفية
نشر في الحوار نت يوم 30 - 10 - 2016

أنا أحب السلفية الأصيلة المتميزة بالوسطية والفهم العميق والأخلاق الرفيعة ، لكن معظم المنتسبين إليها الذين نصبح عليهم اليوم ونمسي على خلاف ذلك تماما.
يتميّز الشباب السائر في ركب الوهابية – وهو يعتقد أنه وحده المقتفي لأثر الرسول صلى الله عليه وسلم والممثل الوحيد للإسلام وأن ما دون ذلك باطل وضلال – بالإصابة بعاهات خطيرة وإصابات بالغة على مستوى القلوب والعقول والألسنة والسلوك ، إلى درجة يصعب الشفاء منها لظنّهم أنها ليست أمراضا فتاكة بل مقومات الدين وأدلة صحته.
· القلوب : رغم أنه محل نظر الله تعالى قبل كل شيء ، ورغم عناية القرآن والسنة بشأنه كميزان للصلاح، ومعيار لاستحقاق الجنة إلا أن أولئك الشباب – وقبلهم شيوخُهم - لا يعيرونه كبير اهتمام ويعانون جفافا روحيا يلمسه كلّ من يخالطهم ويتتبع سيرتهم ، ويرجع سبب ذلك إلى ولعهم بالحياة المضطربة في خضم سيل يملأ أيامهم ولياليهم كلُه اشتغال بالبدع ونواقض الاسلام وعدم الرضا عن أي شخص أو تيار لا يتبع ملتهم حتى ولو كان من العلماء الفحول والدعاة الراسخين والمصلحين المشهورين والعُباد والزهاد والقراء والفقهاء ، فضلا عن غير المسلمين ولو كانوا مسالمين ، فالعيش في هذا الجوّ المشحون بالرفض وإبصار المخالفات الشرعية في كل مكان وفي كلّ حين ، مع الاشتغال الدائم بمواضيع الخلافيات لا يترك مكانا لسلامة القلب وطيبته ولا لعواطف الرحمة والمحبة والعفو وحسن الظن ، فتجد هؤلاء الذين احتكروا الاسلام ونذروا أنفسهم " لحماية العقيدة وخدمة السنة " كما يقولون ، لا مكان في قلوبهم إلا للكراهية والبغض والحقد والشحناء وسوء الظن ، وليس ضروريا أن تشقّ على قلوبهم لتعرف ذلك فحديثهم وسلوكهم ومسارهم ينبئك بجلاء عن حال قلوبهم.
إن الدين طيبة قلب قبل كل شيء فإذا ذهبت هذه الطيبة ذهب جماله وفقد تأثيره وانحصر التدين في الأشكال والطقوس وحدها كما حدث للأحبار والرهبان ، وكان وبالا على الأمة ، ومن أين لهم هذه الطيبة وهم يعدّون ما يتعلق بتزكية النفوس وصقل القلوب و والتربية الروحية تصوّفا بدعيا ، من هنا عششت قسوة القلوب وباضت وفرّخت.
وما اجمل ما قاله السلف عن حال الأتقياء ألأبرار : إنها قلوب أصلحها ورباها القرآن ، فهنيئا لها الجنة ، لا تحزن على طيبتك فإنْ لم يوجد في الأرض من يقدرها ففي السماء من يباركها.
· العقول : ماذا يقول الناس الأسوياء فيمن كان له سراج يهتدي به في الظلام فأطفأه واتبع سراج غيره ، لا يدري أين سيذهب به ؟ هذه مصيبة قاصمة أخرى أصابت هؤلاء الشباب ، ما ان ينضمّ أحدهم إلى موكب ما يسمونه السلفية حتى يلغي عقله ويعتمد على عقل " الشيوخ " ، فهم يفكرون مكانه بناء على ثقة عمياء منهم يسندها الاعتقاد أن هؤلاء الشيوخ هم الحق ، والواقع أن معظم هؤلاء الشباب ليسوا من أصحاب المستوى الذهني الراقي ابتداء فيسهل انقيادهم حتى لا يبذلوا جهدا فكريا لا لفهم نصوص الوحي ولا الواقع ولا التنزيل عليه ، وزاد الطين بلة ان مستوى أولئك " الشيوخ " ليس بأفضل من مستوى أتباعهم ، فهم مجرد ظاهرية حرفيين كل بضاعتهم تلقين وحفظ آلي وترديد لمقولات الأقدمين ، لذلك يحدث لهم ولأتباعهم من الطامات ما لا يخفى على أحد ، أوّلها التناقض العجيب في الفتاوى والمواقف الذي يستسيغونه بسهولة كاملة ، فمثلاً قتال الروس في أفغانستان جهاد ، أما قتال الأمريكان فيه فإرهاب ، وتكوين الأحزاب بدعة منكرة في السعودية لكنه جائز شرعا في مصر ، والاقتراض من البنك الدولي من الموبقات في عهد محمد مرسي لأن فيه فوائد ربوية لكنه حلال في عهد السفاح السيسي ، والخروج على الحاكم المتغلب صاحب الانقلاب العسكري – هو أكبر الكبائر ، أما الخروج على الرئيس المنتخب فليس جائزا فحسب بل هو واجب يجمع في صف واحد " السلفيين " والكنيسة وغلاة العلمانيين ، والدعاء للفلسطينيين خاصة و أهل غزة غير جائز لأنهم مثل اليهود في الضلال ، أما الدعاء للحكام الظلمة على المنابر بطول البقاء فسنّة ثابتة من أحياها دخل الجنة... والقائمة طويلة ، ولا ينزعج الأتباع من هذا التلاعب بالدين لأنهم فقدوا أهلية الإدراك والتمييز يوم عطّلوا مهمة العقول واختاروا التقليد الأعمى وعدّوه دينا ، ويعلم كلّ مسلم أن القرآن الكريم ابتدأ بمخاطبة العقل قبل القلب وقبل تكليف الجوارح ، وعدم إبصار هذه البديهية هو الذي جعل أدعياء السلفية يقدمون – في الواقع - السنة على القرآن ، والسنة على الفرض.
الألسنة : هل رأيتهم واحدا من أدعياء السلفية يعفّ لسانه ويكسو عباراته أحسن الحُلل ؟ اسمعوا خطباءهم ، اقرؤوا تعليقاتهم على مخالفيهم في فيسبوك ، لن تجدوا سوى التكفير والتبديع والتضليل والكلام المنكر، وهم يرددون أن " المؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا البذي " ويؤكدون أن هذا حديث ثابت صححه الشيخ الالباني ... يقولون هذا ويخالفونه جملة وتفصيلا.
لقد أُشربوا في قلوبهم اتهام الناس والانتقاص منهم وسوء الظن بهم ثم جاء أحد كبرائهم ( أهو عند الله كبير ؟ ) فأوحى إليهم بدعة سخيفة منكرة سمّاها الجرح والتعديل لا علاقة لها ألبتة بذلك العلم الجليل الذي ابتكره علماء الحديث لتوثيق السنة النبوية ، فصارت الأمة تصبح وتمسي على أميين و شبه أميين يقعون في أعراض المسلمين وعلمائهم ودعاتهم ومصلحيهم بأبشع العبارات ويقولون إنهم يمارسون الجرح والتعديل!!! والواحد منهم لا يحسن تركيب جملة صحيحة ولا فهم مقالة في علوم الشريعة ، فانتشرت عبارات الاتهام بمضامين يهتزّ لها عرش الرحمن تصيب كلّ تقي نقي عامل مجتهد ، بحيث لم يسلم من التجريح الجائر قامة كبيرة ولا رمز له ذكر حسن بين الناس ، ويكفي أن أذكّر بعنوان الكتاب الذي ألّفة أحد أكبر مراجعهم المدعو مقبل الوادي ، وهو " إسكات العاوي يوسف القرضاوي " ، أي والله هكذا !!! وكتب قبله الألباني رسالة سماها " جهالة البوطي " ، فهل يحتاج هذا إلى تعليق سوى القول إذا كان هذا حال المراجع الكبرى فكيف يكون حال الأتباع المشهورين بالتقليد التام والإتباع بلا سؤال ولا فهم ، عُمدتُهم المبالغة بالثقة في الشيوخ ؟
وقضية فساد ألسنتهم من أبرز الأدلة وأوثقها على مخالفتهم للهدي النبوي ، وهو ما جعل جماهير المسلمين تنفر منهم وتحذرهم وتتركهم ، وشرّ الناس من تركه الناس اتقاء شرّه وفحشه كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه.
· السلوك : يشهد لهؤلاء الشباب الحرص على الصلاة ، مع مبالغة معروفة في الأشكال والحركات التي لا علاقة لها بصحة الفريضة ولا قبولها ، لكن مصيبتهم أنهم أبعد الناس عن العمل مع استغراق أوقاتهم في الجدل ، حياتهم فردية إلى أبعد حدّ ، لا يشاركون في أي عمل جماعي مفيد مجدٍ ينفع المجتمع ويخدم الاسلام ، إذا اجتمعوا مع بعضهم – لأنه من سابع المستحيلات أن يجتمعوا مع غيرهم من " أهل البدع والضلال والمروق من الدين " – فهم في خوض عميق طويل عريض في مسائل دينية جزئية خلافية لا ينبني عليها عمل في الغالب ، تفنى فيها الأعمار وسيبقى الخلاف فيها قائما ما دام للناس مدارك مختلفة ، اختاروا الاسترخاء والقعود مع الخوالف ، أفتاهم شيوخهم أن أي عمل منظم لشأن من شؤون الدنيا هو بدعة منكرة ، سواء كان حزبا أو جمعية خيرية أو مؤسسة دعوية ، فانحازوا إلى الكسل ، لا يشاركون حتى في تنظيف مسجد أو التعاون في تشييده فضلا عن الأعمال الكبرى التي تحتاج إلى أولي العزم من الرجال الذين يفكرون ويحسون بحاجات المجتمع ويساهمون في أيّ مبادرة نافعة .
ولعلّ الأخطر من هذا أن شهادات موثقة تؤكد أنهم إذا دخلوا مشروعا ربحيا أو صفقة تجارية لا يبالون بحرام لأن لديهم فتاوى تستبيح أموال أي إنسان – أو جهة – ليس على " مذهب السلف ّ" لأنه بالضرورة ضالّ لا حرمة له ولا لأمواله !!!
إن أتباع هذه الطائفة يزعمون أنهم حملة مشروع إصلاح المجتمع عبر الاشتغال بالجزئيات والشكليات والتدين الفردي وإحياء ما يسمّونه السنن – وهي في أحسن الأحوال مستحبات وفي الغالب مجرد عادات عربية كانت موجدة زمن البعثة – فأي إصلاح رأينا على أيديهم ؟ أليسوا هم المحضن الرئيسي الذي يخرّج القتاليين الذي بثوا الموت في طول البلاد وعرضها باسم الجهاد ولم يمت على أيديهم مقاتل صهيوني أو أمريكي أو روسي ؟ كيف يصلحون المجتمع بقلوب قاسية وعقول معطلة وألسنة قبيحة وسلبية قاتلة تميز سلوكهم ؟ أنا لا أنتظر إجابة منهم ولا أمل في مناقشتهم لكني ألفت أنظار المسلمين والشباب خاصة إلى خطر هذه الطائفة على مستقبل الاسلام وأمته والبشرية كلها ، وينبغي العمل المخلص الجادّ لإنقاذ أولئك الشباب المغرّر بهم الذين فقد المجتمع عطاءهم يوم انضموا إلى طائفة لا تحسن لا القول ولا العمل بل تسير من حيث لا تدري في خطة وضعتها أنظمة وجهات شديدة المراس تعمل على تجميد الطاقات المسلمة الشابة وإعطاء أبشع صورة عن الاسلام والمسلمين.

عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.