هام/بالأسماء: أعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين للمدة 2028/2025..    عاجل/ تفاصيل وأسباب إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود "CVIP"..    سليانة: تخصيص 5600 مساعدة مدرسية لفائدة أبناء العائلات المعوزة والمحدودة الدخل    النائب محمد علي: انطلاق أسطول "الصمود" من تونس رسالة تاريخية إلى العالم    بوحجلة: وفاة العرّاف "سحتوت" بعد تناوله مبيد حشرات عن طريق الخطأ    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    زغوان:حريق بجبل سيدي زيد أتت فيه النيران على مساحة هكتارمن الهشيم وبقايا سنابل الحبوب    ضربة اسرائيل على الدوحة..تصريح جديد لترامب حول العملية..#خبر_عاجل    استشهاد 38 فلسطينيا منذ الفجر مع تواصل غارات الاحتلال على قطاع غزة..#خبر_عاجل    بطولة العالم للكرة الطائرة : المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره الايراني 1-3    تصفيات كأس العالم لكرة القدم فتيات U20 : تونس تستضيف غانا بملعب صفاقس يوم 20 سبتمبر    وفاة عراف مشهور بعد شربه مبيد الحشرات..وهذه التفاصيل..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الزهروني: يتسلح بسكين ويطعن المارة والامن في الموعد    برنامج المباريات والنقل التلفزي للجولة السادسة.. كل التفاصيل هنا    تونس و طبقة الأمازون : معلومات مهمة لازمك تعرفها    محرز الغنوشي يبشر التونسيين:''جاي الخير وبرشة خير''    المعهد الوطني للاستهلاك يحذر: منتجات تقليدية للحليب تنقل أمراضاً خطيرة!    عاجل: الرابطة تستدعي الكنزاري.. شنوّة صاير مع مدرب الترجي؟    لبنان يعلن تفكيك شبكة دولية لتهريب المخدرات    وزارة الصحة: ردّ بالك من الماكلة المعلبة... السّر خطير    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    ضربة أمريكية لسفينة فنزويلية يتهمها ترامب بتهريب المخدرات ومقتل ثلاثة أشخاص في المياه الدولية    إيران تعلن عن ملاحظاتها على بيان قمة الدوحة أمس    حماس.. تصريحات ترامب هي تجسيد صارخ لازدواجية المعايير وانحياز سافر للدعاية الصهيونية    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    خواطر من وحى العودة المدرسية .. تخفيف البرامج والمواد واللوازم المدرسية وملاءمة الزمن المدرسي مع المحيط والبيئة    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    عاجل: وزارة الصحة تُحذّر: لا تستهلكوا المعلبات المنتفخة أو مجهولة المصدر    سيدي بوزيد ..أكثر من 400 مؤسسة تستقبل 105 آلاف تلميذ    تراجع في عائدات تصدير زيت الزيتون رغم زيادة في الكمية…    طقس الليلة    بعد الاحتفاظ بمنفذ السطو على بنك ببومهل...بنوك بلا حراسة ولا كاميرات رغم السرقات ؟    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية (AVC)    وزارة التجارة: الانطلاق في تنفيذ برنامج خصوصي للمراقبة المشتركة عبر الطرقات    تونس تعزز حضورها في السوق السياحية الصينية مع تزايد إقبال السياح الصينيين على الوجهة التونسية    وداع المدرسة: كيفاش نخليوا أولادنا يبداو نهارهم دون خوف؟    محرز الغنوشي:''ليلة تسكت فيها المكيفات''    عاجل: تعرّف على العطل المدرسية للثلاثي الأول    رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم معز الناصري رئيسا للجنة الاستئناف بالاتحاد العربي لكرة القدم    كافة أسلاك التربية ينفذون الاربعاء 17 سبتمبر 2025 وقفة احتجاجية بساعتين داخل المؤسسات التربوية وأمام المندوبيات الجهوية    عاجل: الرابطة المحترفة الأولى تعلن تغيير مواعيد المباريات...شوف كيفاش    عاجل و مهم : ابتكار طبي جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق    الرابطة الثانية: تعديل في برنامج مواجهات الجولة الإفتتاحية    كفاش تتعامل العائلة مع نفسية التلميذ في أول يوم دراسة؟    بطولة العالم لألعاب القوى: مروى بوزياني تتأهل إلى نهائي سباق 3 الاف متر موانع    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    تونس ضيفة شرف الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي من 15 إلى 21 سبتمبر 2025    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    وزارة الصحة تحذر    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلام رباني لا إسلام سعودي
نشر في الحوار نت يوم 30 - 08 - 2014

عمل حكّام السعودية – بعد الملك فيصل رحمه الله - على تأسيس إسلام على مقاسّهم يتميّز بالتركيز على التديّن الفردي وتغييب الأمة عن المساهمة في الحياة السياسية وصنع القرار ، ووطّدوا من أجل ذلك علاقتهم بالمؤسسة الدينية الرسمية فتركوا لها المجال واسعا لنشر الفكر الوهابي المتشدّد في المسائل الفرعية – العقدية منها والفقهية – مقابل التأصيل للحكم الفردي المطلق والاستبداد السياسي وخنق الحريات وإنكار الحقوق ، كلّ ذلك باسم الاسلام ، وقد أنفقت الأموال الطائلة في سبيل نشر هذا الاسلام عبر العالم من خلال حملات كتابية وخطابية تستهدف ذوي التديّن العاطفي بالأساس من شباب محدود الثقافة وطبقات ضيّقة العطًن والأفق والمستوى الذهني ، وانشغل الجميع بالمسائل الخلافية التاريخية والهامشية التي تفنى فيها الأعمار من غير طائل ليخلو الجوّ للقلّة الحاكمة تستنزف الخيرات والموارد في خدمة مشروع الأسرة و وأد مشروع الأمة ، مع رفع دائم لشعار الإسلام على ان يبقى مجرّد شعار ، في حين تتبع السياسة منهجا علمانيا صِرفا تكون فيه الدنيا لقيصر يتصرّف فيها بهواه الذي تزكّيه الفتاوى الرسميه ، أما الدين فمجاله – كما أشرنا – الوجدان الفردي والمعارك الحامية الوطيس مع الطواحين الهوائية حيث ييبذل الشباب البريء و" العلماء " أوقاتهم وقواهم من غير طائل ، ومن أهمّ ما يشغل السلفية الحكومية التي أنشأتها السعودية - أو على الأقلّ نفخت فيها الروح بعد موات وضخّمتها وأنفقت عليها بسخاء – ما يطلقون عليه " شرك القبور " ، فأتباع هذا التيار مهووسون بالموتى ومقارّهم ، يرون فيها أنواع الشرك والكفر والبدع المنكرة فيسمّون الأضرحة والمزارات أصناما وأوثانا ، ويكفّرون المسلمين من أجل أيّ خطأ سلوكي يتعلّق بها ولو كان جزئية مختلفا فيها ، ويتراءى للمتابع لثقافتهم في هذا المجال أنه لم يبق على وجه الأرض من المسلمين إلا الوهابيون لأنهم يسوّون القبور بالأرض ولا يشدّون إليها الرحال...( هم تابعون في هذه المسألة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي بالغ فيها مبالغات مفرطة بناء على آراء خالفه فيها جمهور العلماء) ، لكن في المقابل يغضّون الطرف على الشرك الذي يملأ قصور ملوكم وأمرائهم والذي شاعت أخباره في أطراف الدنيا ، ومن الطرائف أن أحد أعلام الاسلام السعودي – د. عبد العزيز الطريفي – قد راسل شيخ الأزهر أيام نظام حسني مبارك في شأن الأضرحة المنتشرة في مصر – وكلّ مسلم صحيح العقيدة يؤيّده في هذا بلا غلوّ – وأنكر عليه أشدّ الإنكار لكنّه لم يراسله في شأن نظام مبارك الاستبدادي الطاغي وما فعله بملايين البشر – وعلى رأسهم المسلمون وخاصة الدعاة إلى الله – طيلة 30 سنة من الحكم الأسري الظالم...وهكذا هو الاسلام السعودي ، يقول د. عبد الرزاق الشايجي عن أتباعه :فهم مع الدعاة إلى الله خوارج يكفّرونهم بالخطأ ويخرجونهم من الاسلام بالمعصية ، ويوجبون قتلهم وقتالهم ، واما مع الحكام فهم مرجئة يكتفون منهم بإسلام اللسان ولا يلزمونهم بالعمل ، فالعمل عندهم بالنسبة للحكام خارج عن مسمّى الإيمان " .
فأخطاء الأفراد في الفروع أخطر في نظر الاسلام الحكومي من مفاسد القصور وعبث الأسرة الحاكمة بموارد الأمة وحقوق الناس ومستقبل البلاد ، وكم من فضائح متعلقة بالجنس والمخدرات والقمار انغمس فيها أمراء وأميرات في الغرب وتناقلتها الصحافة العالمية بالصوت والصورة فلم تحرّك أولئك " العلماء والدعاة " ، فلا هُم نهوا عن المنكر ولا هم سكتوا عن الجميع كما يقتضي الحياء ، ومن المعلوم أن أكثر هؤلاء المرتزقين من خزائن الدولة من حملة الدكتوراه في الشريعة ، هذه الشهادة التي يحصل عليها عشرات اللوف وربما الملايين من " طلبة العلم " هناك مقابل عدد ضحل من المتخصّصين في التخصّصات الأخرى ، وهي شهادة ليس لها كبير وزن علمي لأن رشائلها – كما يمكن أن يتأكّد أي باحث – مجرّد ترديد للمقولات الموروثة عن محمد بن عبد الوهاب ومدرسته ، لا جديد فيها ولا تجديد ، ويستطيع المرء أن يقرأ بعض كتبهم ويستمع لخطب الجمعة من مكة المكرمة والمدينة المنورة ليقف على المستوى المتدني والرداءة المعشّشة.
هؤلاء الدكاترة يرفعون أصواتهم بالنكير على من يتابعون الشاشات الصغيرة ويسمعون الأغاني ويتوعّدونهم بسوء المصير وهم يعرفون ملكية الأمير الوليد بن طلال لأقذر تلك المحطات وتحالفه العلني مع روبرت مردوخ ، فما نبس " عالم " منهم ببنت شفة ، لكنّهم يصبّون جام غضبهم على من يحلق اللحية أو يحتفل بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم.
هكذا هو الاسلام السعودي : يؤوي الطاغية المتجبّر بن علي بعد فراره من تونس بعد أن فعل بالمسلمين هناك الأفاعيل وأهان دين الله وضيّق عليه وحاربه بلا هوادة ، أما الشيخ راشد الغنوشي فهو ممنوع من دخول السعودية قبل ثورة تونس وبعدها حتى لأداء الحج او العمرة.
ولا يتورّع هذا الاسلام المبدَّل عن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في خانة الإرهاب ويرسل البعثات الدبلوماسية والدينية إلى أطراف الدنيا للإقناع برأيه السديد لكنه لم يطلق صفة الارهاب على دولة الكيان الصهيوني بل قرّر منذ مدة – بمباركة المؤسسة الدينية الرسمية ومفتيها الأكبر أن اليهود جنحوا للسلم فيجب التفاهم معهم ، ومَنعَ خطباء المساجد من الدعاء عليهم ، ولا غرابة في ذلك فالطرفان تجمعهما مصالح البقاء والتسلّط مهما كان الثمن ، لكن حاخامات الدولة العبرية الغاصبة يخدمون مشروعهم الوطني في حين يُشرف رجال الدين السعودي على المشروع الهدمي بسلبيتهم القاتلة وينأون بأنفسهم عن المشروع البنائي الايجابي ويرمونه عن قوس واحدة لأنه يزعج المعبد الرسمي ، وفي سبيل ذلك يشيع الخطاب الاسلامي المبدًّل ثقافة العبودية للحكومات القائمة مهما كان ظلمها وطغيانها ، ويحرّم ويجرّم أبسط الحريات والحقوق كالمظاهرات والمسيرات والاعتصام وكتابة العرائض فضلا عن تكوين الأحزاب والجمعيات ، أي يغيّب المجتمع تماما ويلغي الانسان نهائيا ، وهذا عكس ما يقوم عليه الاسلام الرباني ويدعو إليه من كرامة الانسان وحقه في تسيير شؤون الجماعة واختيار الحكّام ومساءلتهم وعزلهم ، والنظام السعودي يروّج للدولة الدينية بمعناها الثيوقراطي ، ولا علاقة له بالدولة الاسلامية القائمة على الاختيار والحرية والشورى والعدل ، وتعرف جميع الدوائر المهتمّة بحقوق الانسان أن السجون هناك مكتظّة بأساتذة جامعات ومحامين ورجال فكر ودعاة أبرياء لا ذنب لهم سوى المطالبة بإقامة حياة سياسية واجتماعية نظيفة مرجعها القرآن والسنة وفق فهم جمهور علماء الاسلام لا وفق رؤية الاسلام الحكومي ، وبالمناسبة نذكر أن من أهمّ ما يجب الالتفات إليه بالنسبة للمسلمين إعادة بناء ثقافة الاجماع لتتمكّن الأمة من خدمة دينها وقضاياها المصيرية ، والغلوّ – الذي يمثّله الاسلام السعودي - أبعد ما يكون عن النهوض بهذه المهمة ، بل هو نقيضها لأنه يشيع التكفير والإقصاء والإلغاء ويحتكر النطق باسم السماء بعيدا عن المنهج الوسطي ، وعند تغييب هذا الأخير أصبحت السعودية منذ عقود مقبرة للدعاة ، يعيش أحسنُهم حالا في سجن كبير، ربما فيه الرفاهية لكن ليس فيه حرية ولا كرامة و لا عدل ، وهذا ما يخدم العلمانية المزدهرة هناك من جانبين ، فالإسلام ترك الدنيا للملوك والأمراء أي " علمَنَ " الحياة العامة ، فاغتنم " الليبراليون " الفرصة للتموقع في مفاصل المجتمع على مستوى الاعلام والجامعات والاقتصاد والمال في تحالف طبيعي غير معلن مع النظام القائم يعطي عن دين الله تعالى أبشع الصور ، ومن في الناس يستسيغ قطع يد من سرق رغيفا وغضّ الطرف عمّن يستنزف أموال الأمة جهارا ؟ ومن يستسيغ اعتبار مقاتلة الروس في أفغانستان جهادا ومقاتلة الأمريكان هناك إرهابا ؟
إنّ الدين الذي يلتفّ حولهم المسلمون ويملأ قلوبهم وأذهانهم دين التوحيد الحقّ ، لا عبودية فيه لغير الله تعالى ، يسيّر جميع ميادين الحياة ليس بطريقة فوقية مستبدّة ولكن بالثقة في الانسان وتوسيع صلاحياته وتقليص هيمنة الحكّام والصدع في وجوهم بكلمة الحقّ وتربية المجتمع على هذه المعاني وعدم تغوّل المؤسسة الدينية ، فلن يؤدي العلماء وظيفتهم إلا إذا استقلّوا عن الحكومة وتخلّصوا من وصاية السياسة ، ذلك هو الاسلام الرباني .

عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.