عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    فلوس للصناديق الاجتماعية: شكون مطالب بالدفع وعلاش؟    عاجل إستقالة الطبوبي: رياض جراد يفجرها..(فيديو)    البرلمان ينظم ورشة عمل حول اتفاقية الاتحاد الإفريقي لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات    عاجل : قرار يهم التوانسة بخصوص زيت الزيتون    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    كلّ الفرضيات مطروحة بشأن تحطّم الطائرة الليبية    عاجل : أمريكا تعرض فلوس ورحلة مجانية للمهاجرين باش يغادروا قبل نهاية العام    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مباريات اليوم    عاجل: بعد اختياره أفضل لاعب في مباراة تونس و أوغندا...هذا ماصرّح به إلياس العاشوري    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    بطاقة التعريف عن بعد لتلاميذ الثالثة ثانوي: شنيا الحكاية؟    وفاة المؤلف والممثل المصري طارق الأمير عن عمر 60 سنة    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    سر صحي في حبات التمر... تعرف عليه    مشروع "قانون الفنان"، يطبخ على نار هادئة    لمسة إنسانية تحت المطر... حين التقت كرة القدم بقيمها الأولى    كاس امم افريقيا (المغرب 2025-المجموعو3-الجولة1): المنتخب التونسي يفوز على اوغندا 3-1    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    الطبوبي يستقيل... أما القرار مازال موش نهائي: شنوّا اللي صاير داخل اتحاد الشغل؟    عاجل: بعد فوز ماتش البارح...هذا ما قاله سامي الطرابلسي    اليوم: الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل يحتجون    روسيا تعلن إسقاط مسيّرات متجهة إلى موسكو    كأس أمم افريقيا (المغرب 2025: تونس-اوغندا 3-1): تصريحات ما بعد المباراة..    كيف سيكون طقس اليوم 24 ديسمبر؟    صور: لقطة رائعة من لاعبي المنتخب وسط الأمطار الغزيرة في مباراتهم ضد أوغندا    الذهب فوق 4500 دولار للمرة الأولى.. والفضة تصعد إلى مستويات قياسية    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    اشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا    انفجار في دار لرعاية المسنين في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والنار تحاصر المقيمين    اللجنة العليا للإنتاج الخاص للكهرباء توافق على إنجاز مشاريع لإنتاج الطاقة باعتماد الطاقات المتجددة بعدد من جهات البلاد    عاجل/ تحديد سعر مرجعي لزيت الزيتون على مستوى المعاصر..    سيدي علي بن عون.. انطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الحكاية    صفاقس تصنع الحدث الثقافي... رحلة في عالم الكتب    قابس: حادث مرور يخلف حالتي وفاة واصابات    الشركة التونسية للملاحة تدخل تعديلا على برمجة السفينتين "قرطاج" و"تانيت"..وهذه التفاصيل..    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    القيلولة مفيدة أو مضرة : العلم يحسم الأمر    في تطاوين: اشكاليات الكتابة المسرحية في تونس    تونس تحل في المرتبة الرابعة افريقيا ضمن مؤشر ريادة الأعمال الرقمية 2025    أرقام: قطاع النسيج في تونس يوفر 155 ألف موطن شغل للتوانسة    عاجل: فيلم تونسي ''مخدوم بالذكاء الاصناعي'' يصل نهائي مسابقة عالمية في دبي    فيروسات الشتاء: هذه الفئات معنيّة أكثر    بتعريفة استثنائية "9 دنانير فقط": لا تفوتوا الفرجة في الفيلم الحدث "صاحبك راجل2"..التفاصيل..    حولوه لوكر لصنع المخدرات: إيقاف 13 شخصا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء داخل منزل..    إحباط توريد 9 كلغ من المخدرات بمطار تونس قرطاج    القصبة : وفاة أب أثناء مراسم زواج ابنه    الطقس اليوم شتوي مع أمطار غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    رقم مفرح: هذا عدد السياح الذين زارو تونس منذ بداية 2025..    عاجل/ تحذيرات عالمية من متحور جديد للانفلونزا..    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى " البردة " لمْ تنجُ منهم
نشر في الحوار نت يوم 27 - 12 - 2016

البوصيري هو صاحب أشهر قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، عاش في القرن السابع الهجري ومنذ ذلك الزمان ما فتئت ألسن المسلمين تلهج بمديحه وتحفظه وتحتفي به لأن تلك القصيدة تحفة فنية فريدة تتصاغر أمامها القصائد التي تمدح خير الخلق عليه الصلاة والسلام ، وقد وقع إجماع من الأمة على حبّها وتوارثها ، وقام علماء فحول بشرحها على مدار الزمان ، حتى إذا مرّت ثمانية قرون كاملة اكتشف أدعياء السلفية أن البردة رجس من عمل الشيطان وناظمُها رجل خطير على الاسلام ، ولم يكتفوا بتوجيه سهام النقد للشعر والشاعر بل أعملوا فيهما – كعادتهم – معاول الهدم واستعانوا بالأخضر واليابس لإحراق ذلك التراث ، وفَجَروا في الخصومة وخانوا الأمانة العلمية وهيّجوا أتباعهم وخطبوا وحاضروا وكتبوا المقالات وألّفوا الكتب ليقولوا لجماهير المسلمين إنكم أجمعتم على الباطل منذ قرون واتبعتم الضلال المبين ولا سبيل للنجاة إلا بمحو البردة من الذاكرة وتناول صاحبها بالتجريح والنبذ.
لِمَ كل هذا ؟ يقول أدعياء السلفية المعروفون بالتنطع والشذوذ الفكري إن البردة مليئة بالشركيات والبدع المنكرة ، وبادئ ذي بدء نلاحظ غرورهم وشذوذهم لأنهم يتهمون الأمة وعلماءها المحققين وفقهاءها المدققين بالوقوع الجماعي في خطأ عَقدي جسيم بتبجيلهم لقصيدة صنمية كلها انحرافات وبدع ، كما يتهمون الأمة وعلماءها وفقهاءها بالتغافل عن طامة تتهدد العقيدة طوال قرون لم يكتشفها إلا خَلَفٌ في أواخر القرن الرابع عشر الهجري ، ولولا هؤلاء الخلف للقيت الأمة ربها متلبّسة بذنب عظيم توارثت اقترافه من غير أن تلتفت إلى خطره !!! وإني ألمح خلف هجومهم الشرس على البردة والبوصيري مرضا نفسيا توارثته عامتهم عن خاصتهم هو الحسد ، فقد كبُر عليهم أن تلتفّ الأمة عبر القرون حول القصيدة الشهيرة بينما يطوفون هم وحدهم حول أدبياتهم المتشنجة الهزيلة ، وسأذكر نُقولا عن شيوخهم تؤيد ظنّي فيهم وتؤكد ما أقول.
تقع القصيدة في 160 بيتا ، مطلعها :
أمن تذكّر جيران بذي سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وهي من روائع الأدب العربي ، فيها من الحِكم الجميلة والمواعظ البليغة الشيء الكثير ، أفاض بعدها الشاعر في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال فيه ما تعلمه المسلمون من الكتاب والسنة وما تجيش به نفوسهم من ألوان المحبة والتبجيل ، غاية ما هنالك أبياتٌ يرى بعضهم أن فيها مبالغة في المدح تتنافى مع الاقتصاد في الثناء الذي أُمرنا به ، وأحصى المناوئون 16 بيتا لهم عليها مآخذ أي عُشُر الميمية كلها ، وكعادة الحنابلة من قديم صاغوا المسألة صياغة عقدية فلم يعد الخلاف في الفروع بل في الأصول ولم يعد مشكلة فقهية تسَعُها مراتب الأحكام كالحلال والحرام بل غدا طعنا في العقيدة !!! وبالتالي كبيرة من الكبائر .
إذًا يمرون على 144 بيتا من عيون الشعر فلا يلقون بالا لجمالها وروعتها ومعانيها الخلابة ويكبّون على تلك الأبيات التي يرونها فاسدة المعنى فيضخمون الأمر ويهوّلون المسألة ويأتون في ذمّهم بالغرائب كما سأذكر ، أما ما يشاغبون به فمثل قوله :
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من عدم
ومستند البيت حديث قدسي – هو ضعيف فعلا – لكنه ليس من وضع البوصيري بل هو موجود إلى اليوم في كتب الحديث وتجد الخطباء والوعاظ يستشهدون به ، وهو " لولاك ما خلقتُ الأفلاك " .
ومثله البيت الآخر:
وكل آي أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلت من نوره بهم
أيْ أنّ معجزات الرسل تمّت بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أيضا ورد معناه في أحاديث ضعيفة.
بل غاظهم بيت جميل هو قوله :
دعْ ما ادعته النصارى في نبيّهم واحكم فيه بما شئتَ واحتكم
عَدّوا هذا من المبالغات القبيحة في حين هو ينهى عن الغلوّ التي اعترى عقائد النصارى في عيسى ويبيح مدح الرسول الكريم بما يستحق ، وقد قال بعد هذا البيت
بقليل :
فمبلغ العلم فيه أنه بش رٌ وأنه خير خلق الله كله مِ
فأي وضوح بعد هذا التصريح ؟
و عابوا عليه أبياتا تذكر وقائع حدثت للفرس والروم يوم مولده ، وهي أيضا تستند إلى أحاديث ضعيفة رواها البيهقي ما زال بعض أهل الدين يستشهدون بها إلى اليوم ، كقوله :
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ عليه والنهر ساهي العين من سدم
ماذا ينكر أي مسلم محبّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأبيات ؟ ومع ذلك لنفترض أن أقواله هذه مجانبة للصواب ، أليس الحلّ أن نطرحها ونحتفظ بالقصيدة العصماء ؟
طرح هذا السؤال على واحد من علماء السلفية المزيفة المعاصرين فأجاب بعد مقدمة طويلة : " ولما سبق ذِكره من حال قائل القصيدة ، ولما فيها نفسها من غلو ومخالفات شرعية كثيرة متفرقة في أنحائها ، ولما في نشرها من تزكية لقائلها ، ولعدم تفريق الناس بين الصواب والخطأ فيما يطرق سمعهم : نرى أنه لا يجوز نشر تلك القصيدة ، ولا الثناء عليها ، ولا إنشادها ، ولا الترويج لها ، وما فيها من أبيات خلت من مخالفات شرعية لا يشفع لكي تُنشر على الناس .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة ؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة ، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة ، فالحق مقبول ممن جاء به أيّاً كان ، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان . " فتاوى نور على الدرب "
هذا بخصوص طبعها ونشرها ، أما بخصوص اختيار أبيات من الشعر منها ليس فيها مخالفة للشرع من غلو أو غيره لإنشادها : فينبغي ترك ذلك ؛ بسبب الهالة العظيمة التي جُعلت للقصيدة وقائلها حتى تُليت على المنابر ، وأمام الجنائز ، وفي الأفراح والأحزان والموالد ، وقد شُرحت بأكثر مما شرحت به كتب الحديث النبوي ! ، ولولا تلك الهالة وذلك الحال الذي للقصيدة وقائلها لما منعنا من اختيار أبيات موافقة للشرع لتُنشد. "
ماذا نسمي هذا الموقف ؟ أليس ينمّ عن حسد واضح وحقد دفين ؟ أليس الحكم العادل في استبعاد الأبيات التي يعيبونها والاحتفاظ بالباقي والإشادة به ؟
ولم يتوقف ردّ فعلهم عند هذا الحدّ – على غلوّه وظلمه – بل تجاوزه إلى تناول البوصيري نفسه بالقدح واتهامه في حياته وفي نيته ، ودأبُهم في سوء الظن بالمسلمين أمر مشهور ، فيقول أحد شيوخهم المعاصرين – علوي السقاف – " والبوصيري كان ممقوتاً لإطلاق لسانه في الناس بكل قبيح وذكره لهم بالسوء في مجالس الأمراء والوزراء ، سيء الخلق مع زوجته وغيرها ، شحَّاذاً ، مضطرباً في شخصيته ، فتارة يمدحُ النصارى ويذُمُّ اليهود ، وتارة يمدح اليهود إرضاءً للنصارى ، وتارة يذم الاثنين معاً ، وكان كثير المدح للسلاطين طمعاً فيما عندهم ، وهذا ليس غريباً على الشعراء لكنه ليس من صنيع العلماء ، أضف إلى ذلك أنَّ له أبياتاً كثيرة في " البردة " و " الهمزية " وبقية قصائده الواردة في ديوانه فيها من الغلو ما يصدِّق قول منتقديه فيه . "
إذًا نقبوا حتى عن حياته الزوجية وأذاعوا أسرارها ، والغريب أنهم يرون اليوم بأم أعينهم فضائح حكامهم ومواقفهم المخزية فلا ينبسون ببنت شفة بل يفتون بعدم جواز إبداء النصيحة لهؤلاء الحكام علنا فضلا عن انتقادهم بأي شكل من الأشكال .
وأفظع مما سبق ما كتبه شيخهم الآخر – محمود مهدي الاستانبولي – في رسالته " كتب ليست من الاسلام " فقد أبعد النجعة حيث وجد في البردة أن البوصيري أشرك بالله الشرك الأكبر حين أقسم بالرسول وتوسل به ( والتوسل مسألة فرعية خلافية عند جماهير العلماء من غير الوهابية ) ودعا عليه بالويل والثبور ، ولم يكد ينجو بيت من أبيات البردة من الطعن لما يتوهم فيه من مخالفات خطيرة تصيب العقيدة وتنافي التوحيد ، وهذا الغلوّ حدا بأحد شيوخهم – أظن أنه الاستانبولي نفسه – أن يستنتج من البردة أن البوصيري لم يكن مسلما بل كان باطنيا ينتمي إلى جماعة سرية ، تذرّع بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم لهدم الاسلام من الداخل !!! هذه المخالفات الخطيرة والشرك الجليّ والكيد للإسلام انطلى على الأمة كلها ، وغفل عنه علماء الحنفية والمالكية والشافعية ولم يتفطن له سوى شيوخ التنطع الحنبلي بنسخته الوهابية المولعة بالتطرف والشذوذ .
وهكذا لا ينجو من هذه الطائفة أي عالم ولا داعية ولا مصلح ولا شاعر ولا كاتب ليس على منهجهم ، وقد نذروا أنفسهم للهدم والنيل من القامات الكبرى ، ولا يبالون بإجماع الأمة ، لا لشيء إلا لأنهم نصبوا أنفسهم حراسا للعقيدة واحتكروا النطق باسم الاسلام من غير تكليف من الأمة ، وهم في حقيقة الأمر حراس الخطأ فحسب.
عبد العزيز كحيل

مصدر الخبر : بريد الحوار نت
a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=29890&t=حتى " البردة " لمْ تنجُ منهم&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.