جلول: أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    خطير/بينهم تونسيون: قصر يتعرّضون للتعذيب في أحد السجون الإيطالية..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواصل التحضيرات بجنوب إفريقيا    اليوم النظر في شرعية القائمات الثلاث المترشحة لإنتخابات جامعة كرة القدم    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    شكري الدجبي يطالب بمواصلة العمل بالإجراء الاستثنائي لفائدة الفلاحين    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأربعاء 24 أفريل 2024    مفزع/ حفل زفاف يتحول الى مأساة..!!    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    ماذا ستجني تونس من مشروع محطة الطاقة الكهروضوئية بتطاوين؟    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    قفصة: الاطاحة بمروجي مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    اختناق عائلة متكونة من 6 أفراد بغاز المنزلي..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    %39 زيادة رصيد الخزينة العامة.. دعم مكثف للموارد الذاتية    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات في العلاقة بحزب النهضة والدفاع عنه
نشر في الحوار نت يوم 18 - 12 - 2017

أبدأ هذا المقال باعتذار، حيث أن بعضه سيكون بصيغة المتحدث "أنا" التي لا أحبذها ولا أستحسن الكتابة بها ولكني دُفعت لها من خلال كثير الردود والتعليقات على مقالاتي أو في صفحتى الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي (الفايسبوك) حيث يصرّ جماعة من الناس بجهل أو بسوء نيّة على حشري في زاوية النهضة كأنني ناطق رسميّ باسمها لينالوا منها ومنّي في الآن ذاته.
وقد سبق وكتبت تلميحا وتصريحا ونوهت عديد المرات أنني أمارس الكتابة والعمل الإعلامي انطلاقا من استقلاليتي التامة عن كل الأحزاب السياسية وأن ما أعبّر عنه هو رأيي فقط يلزمني وحدي!
ورغم أنني لا أستعمل في تدويناتي ومقالاتي صيغة "نحن" التي تحيل على الجماعة أو الحزب، ولا أستعملها إلا من باب الذي يفيد عكس "الأنا" فإن القوم مصرون على خلاف ذلك! ... هو أسلوب معروف لمن يفهم أبجديات الكتابة! فكثير من الكتاب والمفكرين ولست منهم وإنما بهم أقتدي يقولون مثلا "عد إلى كتابنا كذا في الصفحة كذا"، ونون الجماعة في قولهم ذاك تفيد التواضع عكسها بالضبط عند الطغاة والمتجبرين حين يقولون "أمرنا وأذنّا" فتلك تسمى نون العظمة التي هي رداء الله تعالى ومن شاركه فيها قسمه!
أحدهم يصفني بأنني من قيادات الصف الثاني أرسلتني النهضة لأواجهه بعد أن عجزت عن مواجهته بقيادات الصف الأوّل، ... وأخر يقول "إن ولائي للنهضة ولاء أعمى" وغيره يخاطبني بكلّ حزم " رجاء لا تقل لي إنك مستقل" وكثيرون يكيلون لك السب ألوانا فقط لأنك مُصنّف عندهم نهضويا أو لأنك قلت رأيا يتشابه أو يتوافق أو يدعم الخيار السياسي للنهضة! لا ينقدون الرأي برأي ولا يردّون على مقال بمقال وإنما ينقدون ويهاجمون انطلاقا من تصورات في أذهانهم!
هؤلاء الجماعة سميتهم مرّة في أحد مقالاتي ب"ثوّار الوقت الضائع" وسميتهم في مقال ساخر "بجماعة فاري وين انحطّوا" وشبهتهم في بعض ردودي عليهم بالتلميذ "ولد الطبابلي" الذي لم يفقه من الدنيا غير الطبل والأعراس حيث أنه كلما قدّم له أستاذه موضوعا للكتابة عاد به للحديث عن العرس، فاختار له الأستاذ عمدا موضوعا عن رحلة في طائرة حتى لا يجد للحديث عن الأعراس سبيلا فإذا بصاحبنا يُسقط الطائرة أو يُنزلها اضطراريا ليجد نفسه في عرس يروي أحداثه وتفاصيله!
ومع ذلك تفاعلت مع بعض هذه التعليقات ورددت على شبهات وادعاءات هذا الصنف من الثوريين بمقال مطوّل ناقشت فيه أداء النهضة وإكراهات السياسة عنونته ب"النهضة والثورة وفاء أم خيانة" فلم أسمع للمخوّنين ركزا ولم أر لهم ردّا أو نقدا في سياقه ومجاله بعيد عن أسلوب "ولد الطبابلي" و"جماعة فاري وين انحطو"!
مجدّدا أقول بأنّي حاليا مسقل عن كل الأحزاب وقد كنت ناشطا في حركة النهضة وفي صفوف الإتجاه الإسلامي نشأت وترعرعت، وفي الحركة عرفت وصادقت وآخيت رجالا أخيارا بعضهم قضى وبعضهم ينتظر، ومن يعرفني عن قرب يعرف أنني منذ سنين سبقت الثورة لا أحب القوالب التنظيمة ولا أرتاح لأسلوبها ووسائلها وكثيرا ما عبرت على ذلك، ولكنّني لم أر من الشهامة أو من الرجولة الإنسحاب والنار تشوي أكبادنا ومن ذلك المنطلق تحملت بعض المسؤوليات "رغما عنّي" للمساهمة في حمل الراية التي أصبحت كالجمرة يتقاذفها الإخوة فيما بينهم وبسبب مواقفي المبدئية اعتقد كثيرون أنني من صقور التنظيم! ... ومن النكت أنني كنت في حوار مع أحد الأخوة "الصقور" أيام الجمر فقلت له أنا لا أحبّ التنظيم وقوالبه وتصنيفاته فقال لي "إذن أنت تحبّ الفوضى ما دمت تكره التنظيم! ... هو أيضا منسحب الآن!
ولمّا سقط "بن عليّ" كنت أهمّ بالإنسحاب من التنظيم لأتفرغ للعمل الإعلامي والكتابة من موقع المستقل الذي استهواني دائما! وحين كتبت مقالا مطوّلا بعنوان "أردت المعارضة فمنعوني" كنت صادقا في رغبتي قناعة مني أن دور المعارضة في الدّول الديمقراطية دور مهم وبناء وهو ما يليق بي، وقد عدّدت في المقال ما رأيت من حماقات معارضة غير نزيهة لا يشرفني الإنتماء إلى صفوفها واعتبرت أن البقاء في صفّ النهضة ومناصرة الترويكا التي تتعرّض لحملة من رفاق الأمس هو الخيار الديمقراطي الصحيح وهو الموقع الثوري والنضالي المشرّف وأن مُعارضة المعارضة العدمية هو الموقف المبدئي! وهو أكثر تكلفة من التموقع في صفوف معارضة الضدّ دائما! ... وبسبب ذلك الموقف نالتني نيران صديقة ونيران عدوّة!
رأيي الآن أن النهضة ليست في المعارضة ولا في الحكم وإنما هي في منزلة بين المنزلتين، هي في وضع من يحاول التأسيس الديمقراطي وإرساء قواعد التعايش السلمي مع بقية "شركاء الوطن" والتدرب على العمل في مؤسسات الدولة، من الجهة الأخرى هي تحاول إعادة البروز في ثوب الحزب السياسي غير الشامل، والعمل الحزبي لا أجيده أنا ولا أجد نفسي فيه، كما لا أعيبه على غيري ولذلك اخترت منذ سنوات انسحابا هادئا وصامتا أملته عليّ أيضا ظروف عملي! وعدم اقتناعي بوسائل العمل التنظيمي في ألمانيا وعجزي عن أقناع "تيار المحافظين" برأيي!
ومجالات الفعل متعددة في الأحزاب والجمعيات والعمل المستقل أيضا دون تفاضل ولكل ميدان رجاله، وكل مُيسّر لما خلق له!
وكوني منسحب من التنظيم وأعتبر نفسي مستقلا لا يعني أنني مختلف مع خط النهضة ومسارها السياسي الذي سلكته، أو لأنني من أصحاب الأطماع والآمال التي لم تتحقق!
بل ما أنا مقتنع به أن النهضة أحسنت ولو متأخرا تقدير مووازين القوى الداخلية والخارجية ووفق ذلك تتفاعل مع واقعها والإمكانيات المتاحة لديها ناظرة إلى مصلحة الوطن وأبنائها. والحكيم من يحسن الموازنة بين خير الخيرين فيقبل عليه وشرّ الشّرّين فيدفعه، وقيادة النهضة حول هذا الأمر تدندن وفيه تجتهد! وإن لم يفهم ذلك "الثوريون" المحلّقون في عالم "النقاء الثوري"! ... وما لم يُدركه الناقدون للنهضة أن الوضع الحالي كله وللأسف يدفع للموازنة بين الشرور وتحمل الشرّ الأصغر مقابل تجنيب البلاد الشّر الأكبر، وهي في كل الأحوال إجتهادات تخطئ وتصيب ولا يحتاج الأمر كل هذا السباب والتخوين، وإنما النقد النزيه والرأي بالرأي كفيل ببيان صحة المسارات من خطأها!
وفي هذا الإطار تغيّر تنظير رئيس الحركة الذي كان يبشر بديمقراطية الكمّ حيث أنه صرّح منذ سنة 1981 أنه إذا اختار الشعب الشيوعيين بنسبة 51% فهو يقبل بذلك، لكنه أصبح اليوم بعد التجربة المُرّة في الحكم يقول إن ديمقراطية الكمّ لا تصلح إلا في الديمقراطيات العريقة، وأنه لا بد من اعتبار ديمقراطية الكيف، أي التوافق مع النخبة المؤثرة داخليا وخارجيا حتى وإن لم تكن مسنودة بزخم شعبي وليس معها أغلبية ولو نسبية! ... وهو موقف فرضه الواقع ودفعت إليه التجربة.
وحين أقول بأنني مستقل ليس معنى ذلك أن الانتماء للنهضة معرّة أدفعها عن نفسي بل أعتبر أن نضالي في النهضة يشرفني أمس واليوم، أمس كان صمود مذهل في مقاومة الإستبداد حيث تحمل إخواننا وأهالينا عذابات أغرب من الخيال! واليوم تُضحي النهضة وتتحمل الأذي من الأصدقاء والخصوم في سبيل المصلحة العامة وبناء ركائز الانتقال الديمقراطي بالتعالي على جراح الماضي وتجاوز منطق الثأر والإقصاء!
ثوريو الوقت الضائع يعيبون على النهضة وضع يدها في يد من أسموه جلاّد الأمس ورغم أنه كلام فيه تعميم وبعض المبالغة فما الذي يضيرهم إن تصالح الجلاد والضحية أو تهادنا خاصة أن أغلب الثائرين على هذا الصلح لم يكونوا من الضحايا وإنما أغلبهم لعب دور المشاهد أثناء المعركة أو النافخ في كير الإستبداد؟
المزايدون على النهضة اليوم أغلبهم من تُجار الدماء واللحم البشري المشوي سابقا، كما أن بعض المزايدين الآخرين لا يريدون إلا أن يكون أبناء النهضة وقودا لسمسرتهم "الحقوقية" وشتاتا يؤثثون به المقاعد الفارغة في أحزابهم واجتماعاتهم! ولا يريدونهم أن يكونوا مواطنين كاملي الحقوق مثلهم!
والنهضوي الجيّد عندهم هو المقتول أو المفقود أو المسجون أو المشرد، أما أن يكون معهم في مقاعد البرلمان ومؤسسات الدولة فتلك معرّة في وجه الدولة "المدنية الديمقراطية" وجب التنسيق مع "زعيم الثورة المضادة في مكتب سُكّرة" كما صرّح محمد الكيلاني رئيس الحزب الإشتراكي اليساري لتفاديها، أو استيراد "سيسي" لإزالتها!
ما هوّ الثمن الذي دفعه هؤلاء "المناضلون" من أجل الحرية مقابل الثمن الذي دفعه النهضويون؟
يذكرني هذا السؤال بالفيلسوف المرحوم على عزّت بيكوفيتش الرئيس السابق للبوسنة فقد قيل له "أنت تحابي الجنود المسلمين" فردّ بقوله "تعالوا نعدّ القبور"!
حين سجن "بن عليّ" بعض "المناضلين" أو طاردهم كانت زوجاتهم تسافر عبر المطارات وتُعرّف بمظلمتهم لدى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في أوروبا وأمريكا ثم يعدن لأرض الوطن عبر المطارات! قد يتعرضن لبعض المضايقة والتنكيل والكلام البذيء، ولكن هل يقارن ذلك بالحصار المضروب على الإسلاميين وعائلاتهم؟
هل يقارن ذلك مع التجويع ومع قول بوليس لزميله "بوللها في فمها" لما طلبت موقوفة نهضوية شربة ماء!
لم يتدخل رئيس دولة أوربية "طلباته أوامر" عند الرئيس المخلوع لإطلاق سراح نهضوي أو نهضويين أو رفع المظلمة عنهم أو السماح لهم بالسفر والعلاج كما فعل مع غيرهم! ... حين يغادر "مناضل" من المناضلين الذين يتهمون النهضة بالخيانة السجن لا يُحرم من الجواز وحقه في السفر، وحين يخرج نهضوي من السجن يجد نفسه في سجن أوسع وألعن تجويعا ومنعا من العمل والعلاج!
الفرق في الاستبداد كبير كمّا وكيفا، فنحن نتحدث عن عشرات الآلاف من النهضويين وعائلاتهم في مقابل حالات تُعد بالأصابع! ... هل يمكن أن نقارن مثلا بين الحصار الذي تعرض له الصحفي عبد الله الزواري والدكتور المنصف بن سالم رحمهما الله مع ما تعرض له صحفي آخر أو دكتور آخر، وهل يمكن أن نقارن مثلا دهس سيارة البوليس السياسي لزوجة الدكتور المنصف بن سالم وابنه عبّاس الذي تسبب له الدهس في إعاقة دائمة مع التضييق على قريب مناضل وحرمانه من الترقيات دون مساس بسلامته الجسدية أو رزقه أو حقه في السفر والعمل في مؤسسات الدولة؟ فلماذا الظلم والحيف!
ونحن لا نرضى الظلم والاستبداد لا كمّا ولا كيفا لأيّ أحد من المواطنين! ولا نريده أن يعود مجددا!
ثم هل يزعم زاعم اليوم أن النهضة بمشاركتها الشكلية في الحكم تدعم الاستبداد أو تسانده أو تريد عودته! ... إن كان هذا الزعم موجودا فهاتوا برهانكم!... هي ربّما لا تستطيع أن تقتلع الاستبداد أو الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي يراد لها أن تعود عبر بوّابات النقابات الأمنية المدعومة من أعداء الثورة وأنصار التصنيف الإيديولوجي وتقسيم المواطنين حسب "لون" دمائهم!
حين نهاجم مشاركة النهضة في السلطة وقبولها بالتوافق الذي اعتبر مهينا يجب أن لا تكون المقارنة بين هذا الوضع ووضع آخر ناصع لا وجود له إلاّ في الخيال فقط!
وإنما المقارنة الحقيقية والواقعية هي ما الذي سيكون عليه المشهد لو أن مكونات ما عرف باعتصام الرحيل أو "الروز بالفاكية" تحالفوا كلهم بعد الانتخابات وشكّلوا حكومة ليست النهضة جزءا منها؟ ... والجواب على هذا السؤال ليس من خيالي وإنما مما صدر حينها من تصريحات وتهديد بالدماء والسجون والمنافي! كما أن هذه الصورة ليست ضربا من الخيال وإنما هي واقع مُعاش في كثير من البلدان التي عاشت تجربة شبيهة بتجربتنا وأمل مثل أملنا في التحرر من الاستبداد! تونس ومستشفياتها تعج الآن بمصابي الحرب الأهلية في ليبيا ومعوقيها، أيهما أجدر أن تكون تونس قدوة لإخواننا في ليبيا كي يحقنوا دماءهم ويحفظوا أرواحهم، أم تكون ليبيا قدوة لنا كي نريق دماءنا ونزهق أرواح شبابنا في معارك لا مصلحة فيها لأحد ولا نصر فيها لأحد على أحد؟!
ومهما اختلفنا مع النهضة أو وافقناها أليس أي متابع منصف وفاهم للأوضاع ومراكز القوى يشهد للنهضة بأنها كانت صاحبة التنازلات الكبرى والمؤلمة من أجل الحفاظ على السلم الأهلي وتجنيب البلاد وشبابها كوارث عاشتها حينا من الدهر وتعيشها بلدان أخرى اليوم!
من هم أعداء الحرية والديمقراطية في تونس؟ ... لماذا ننسي بسرعة؟ هل هم أبناء النهضة الذين قدموا التنازلات والمراجعات الفكرية للتقارب مع بقية المكونات السياسية والتعايش معها، كان ذلك فيما عرف ب "لجنة 18 أكتوبر" وكان ذلك وطائرة بن علي الهارب لم تحط، وكان ذلك تحت قبة المجلس التأسيسي، وفي الحوار الوطني، في حين أصوات الإستئصال لم تخفت أبدا وزادت ارتفاعا وطائرة الهارب لم تحط ثم استمر الارتفاع في التصاعد تؤججه أموال نهيان ومكر دحلان!
هل نسينا الموقف المصور بالفيديو لذلك "الحداثي" الذي يصفع صديقته "الحداثية" في المطار عند تظاهرهم ضد عودة الغنوشي من لندن ليسجلوا عملية الصفع ضد نهضوي عنيف لا يحترم النساء "الحداثيات"! ... ومن صفع الحداثيين بعضهم لبعض بالكفّ تطوّر الصّفع ليصبح بالرصاص "مجهول الهوية" من أجل تسجيل جرائمهم وحلفائهم ضد نهضويين! نفس المنطق والعقلية! مستعدّون لفقء عين من عينيهم مقابل فقء عيني النهضة! حقد عجيب قد يعجز أمهر الأطباء النفسانيين عن علاجه!
ما يؤخذ على قيادة النهضة أنها انشغلت بالتفاعل اليومي مع متقلبات السياسة وفق منطق "كل نهار وقسمو" أي دون دراسات استراتيجية فيما أعلم وبدأت القيادة وخاصة رئيس الحركة يمارس ما هو مقتنع به من سياسة وتقدير موقف وتوافق دون اعتبار لوعي جمهوره، وأصبحت قاطرته تسير بسرعة تعجز العربات عن اللحاق بها!
وهو كلما أتيحت له فرصة، يبرر سياسته بميثال البحار الذي سلم مركب الصيد (الشقف) لابنه وأوصاه به خيرا قائلا :"مهمة الحفاظ على الشقف موكولة إليك وأما السمك فرزق من عند الله"!
الشيخ يقول إن تونس هي المركب لأنه يحملنا جميعا ويجب أن نحافظ عليه ولكن "السمك" الذي هو جمهوره والذي جعله يتبوأ مكانة تخوّله أن يكون فاعلا أساسيا في السياسة التونسية بدأ ينفض من حوله ويُخشى أنه ما لم يتدارك الموقف ويوفّق بين عملية المحافظة وعملية الكسب فإنه في استحقاق قادم لن يكون وحركته في صدارة المشهد!
وقد أثبتت الإنتخابات الجزئية في ألمانيا أن ما يُعبّر عنه ب"ماكينة" النهضة قد تعبت رغم معاضدتها ببعض القطع من خارج ألمانيا!
ورغم ما يقوله سبر الآراء وما يُصرح به السياسيون "المرعوبون" من النهضة فإن شعبية النهضة قد تضررت كثيرا وكذلك تأثير النهضة على أبنائها، وما لم تنزل قيادة النهضة إلى صفها تقنعه بخياراتها وإكراهاتها وتشرح له تنازلاتها وتحشده معها فإن قائمة الذين كانوا من جنود النهضة وأصبحوا من ألدّ أعدائها ستطول ، كما أن المفاجآت ستكون متوقعة أكثر في المحطات الانتخابية القادمة!
طه البعزاوي
19 ديسمبر 2017


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.