منظمة الاعراف تناقش مع وفد عماني رفيع المستوي الاستعدادات لزيارة مرتقبة لزيارة وزير الصناعة العماني الى تونس خلال سبتمبر 2025    عاجل/ هذا ما تقرّر ضد بن غربية في 4 قضايا فساد    تونس في المرتبة السادسة عربيًا في مؤشر السلام العالمي لسنة 2025... تعرّف على قائمة الدول العشر الأولى    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    بلومبيرغ: إيران تخترق كاميرات المراقبة المنزلية للتجسّس داخل إسرائيل    عاجل: القلق الإسرائيلي يتصاعد بسبب تأجيل القرار الأميركي بشأن الحرب على إيران    البريمرليغ: "محمد صلاح" ضمن قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    الحماية المدنية: 552 تدخلا منها 98 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    عودة التقلّبات الجوّية في تونس في ''عزّ الصيف'': الأسباب    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    باريوس يقود أتليتيكو للفوز 3-1 على ساوندرز في كأس العالم للأندية    إيران تطلق موجتين صاروخيتين جديدتين وارتفاع عدد المصابين بإسرائيل    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    قرابة 33 ألفا و500 تلميذ يشرعون في اجتياز امتحان شهادة ختم التعليم الأساسي العام والتقني دورة 2025    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات في العلاقة بحزب النهضة والدفاع عنه
نشر في الحوار نت يوم 18 - 12 - 2017

أبدأ هذا المقال باعتذار، حيث أن بعضه سيكون بصيغة المتحدث "أنا" التي لا أحبذها ولا أستحسن الكتابة بها ولكني دُفعت لها من خلال كثير الردود والتعليقات على مقالاتي أو في صفحتى الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي (الفايسبوك) حيث يصرّ جماعة من الناس بجهل أو بسوء نيّة على حشري في زاوية النهضة كأنني ناطق رسميّ باسمها لينالوا منها ومنّي في الآن ذاته.
وقد سبق وكتبت تلميحا وتصريحا ونوهت عديد المرات أنني أمارس الكتابة والعمل الإعلامي انطلاقا من استقلاليتي التامة عن كل الأحزاب السياسية وأن ما أعبّر عنه هو رأيي فقط يلزمني وحدي!
ورغم أنني لا أستعمل في تدويناتي ومقالاتي صيغة "نحن" التي تحيل على الجماعة أو الحزب، ولا أستعملها إلا من باب الذي يفيد عكس "الأنا" فإن القوم مصرون على خلاف ذلك! ... هو أسلوب معروف لمن يفهم أبجديات الكتابة! فكثير من الكتاب والمفكرين ولست منهم وإنما بهم أقتدي يقولون مثلا "عد إلى كتابنا كذا في الصفحة كذا"، ونون الجماعة في قولهم ذاك تفيد التواضع عكسها بالضبط عند الطغاة والمتجبرين حين يقولون "أمرنا وأذنّا" فتلك تسمى نون العظمة التي هي رداء الله تعالى ومن شاركه فيها قسمه!
أحدهم يصفني بأنني من قيادات الصف الثاني أرسلتني النهضة لأواجهه بعد أن عجزت عن مواجهته بقيادات الصف الأوّل، ... وأخر يقول "إن ولائي للنهضة ولاء أعمى" وغيره يخاطبني بكلّ حزم " رجاء لا تقل لي إنك مستقل" وكثيرون يكيلون لك السب ألوانا فقط لأنك مُصنّف عندهم نهضويا أو لأنك قلت رأيا يتشابه أو يتوافق أو يدعم الخيار السياسي للنهضة! لا ينقدون الرأي برأي ولا يردّون على مقال بمقال وإنما ينقدون ويهاجمون انطلاقا من تصورات في أذهانهم!
هؤلاء الجماعة سميتهم مرّة في أحد مقالاتي ب"ثوّار الوقت الضائع" وسميتهم في مقال ساخر "بجماعة فاري وين انحطّوا" وشبهتهم في بعض ردودي عليهم بالتلميذ "ولد الطبابلي" الذي لم يفقه من الدنيا غير الطبل والأعراس حيث أنه كلما قدّم له أستاذه موضوعا للكتابة عاد به للحديث عن العرس، فاختار له الأستاذ عمدا موضوعا عن رحلة في طائرة حتى لا يجد للحديث عن الأعراس سبيلا فإذا بصاحبنا يُسقط الطائرة أو يُنزلها اضطراريا ليجد نفسه في عرس يروي أحداثه وتفاصيله!
ومع ذلك تفاعلت مع بعض هذه التعليقات ورددت على شبهات وادعاءات هذا الصنف من الثوريين بمقال مطوّل ناقشت فيه أداء النهضة وإكراهات السياسة عنونته ب"النهضة والثورة وفاء أم خيانة" فلم أسمع للمخوّنين ركزا ولم أر لهم ردّا أو نقدا في سياقه ومجاله بعيد عن أسلوب "ولد الطبابلي" و"جماعة فاري وين انحطو"!
مجدّدا أقول بأنّي حاليا مسقل عن كل الأحزاب وقد كنت ناشطا في حركة النهضة وفي صفوف الإتجاه الإسلامي نشأت وترعرعت، وفي الحركة عرفت وصادقت وآخيت رجالا أخيارا بعضهم قضى وبعضهم ينتظر، ومن يعرفني عن قرب يعرف أنني منذ سنين سبقت الثورة لا أحب القوالب التنظيمة ولا أرتاح لأسلوبها ووسائلها وكثيرا ما عبرت على ذلك، ولكنّني لم أر من الشهامة أو من الرجولة الإنسحاب والنار تشوي أكبادنا ومن ذلك المنطلق تحملت بعض المسؤوليات "رغما عنّي" للمساهمة في حمل الراية التي أصبحت كالجمرة يتقاذفها الإخوة فيما بينهم وبسبب مواقفي المبدئية اعتقد كثيرون أنني من صقور التنظيم! ... ومن النكت أنني كنت في حوار مع أحد الأخوة "الصقور" أيام الجمر فقلت له أنا لا أحبّ التنظيم وقوالبه وتصنيفاته فقال لي "إذن أنت تحبّ الفوضى ما دمت تكره التنظيم! ... هو أيضا منسحب الآن!
ولمّا سقط "بن عليّ" كنت أهمّ بالإنسحاب من التنظيم لأتفرغ للعمل الإعلامي والكتابة من موقع المستقل الذي استهواني دائما! وحين كتبت مقالا مطوّلا بعنوان "أردت المعارضة فمنعوني" كنت صادقا في رغبتي قناعة مني أن دور المعارضة في الدّول الديمقراطية دور مهم وبناء وهو ما يليق بي، وقد عدّدت في المقال ما رأيت من حماقات معارضة غير نزيهة لا يشرفني الإنتماء إلى صفوفها واعتبرت أن البقاء في صفّ النهضة ومناصرة الترويكا التي تتعرّض لحملة من رفاق الأمس هو الخيار الديمقراطي الصحيح وهو الموقع الثوري والنضالي المشرّف وأن مُعارضة المعارضة العدمية هو الموقف المبدئي! وهو أكثر تكلفة من التموقع في صفوف معارضة الضدّ دائما! ... وبسبب ذلك الموقف نالتني نيران صديقة ونيران عدوّة!
رأيي الآن أن النهضة ليست في المعارضة ولا في الحكم وإنما هي في منزلة بين المنزلتين، هي في وضع من يحاول التأسيس الديمقراطي وإرساء قواعد التعايش السلمي مع بقية "شركاء الوطن" والتدرب على العمل في مؤسسات الدولة، من الجهة الأخرى هي تحاول إعادة البروز في ثوب الحزب السياسي غير الشامل، والعمل الحزبي لا أجيده أنا ولا أجد نفسي فيه، كما لا أعيبه على غيري ولذلك اخترت منذ سنوات انسحابا هادئا وصامتا أملته عليّ أيضا ظروف عملي! وعدم اقتناعي بوسائل العمل التنظيمي في ألمانيا وعجزي عن أقناع "تيار المحافظين" برأيي!
ومجالات الفعل متعددة في الأحزاب والجمعيات والعمل المستقل أيضا دون تفاضل ولكل ميدان رجاله، وكل مُيسّر لما خلق له!
وكوني منسحب من التنظيم وأعتبر نفسي مستقلا لا يعني أنني مختلف مع خط النهضة ومسارها السياسي الذي سلكته، أو لأنني من أصحاب الأطماع والآمال التي لم تتحقق!
بل ما أنا مقتنع به أن النهضة أحسنت ولو متأخرا تقدير مووازين القوى الداخلية والخارجية ووفق ذلك تتفاعل مع واقعها والإمكانيات المتاحة لديها ناظرة إلى مصلحة الوطن وأبنائها. والحكيم من يحسن الموازنة بين خير الخيرين فيقبل عليه وشرّ الشّرّين فيدفعه، وقيادة النهضة حول هذا الأمر تدندن وفيه تجتهد! وإن لم يفهم ذلك "الثوريون" المحلّقون في عالم "النقاء الثوري"! ... وما لم يُدركه الناقدون للنهضة أن الوضع الحالي كله وللأسف يدفع للموازنة بين الشرور وتحمل الشرّ الأصغر مقابل تجنيب البلاد الشّر الأكبر، وهي في كل الأحوال إجتهادات تخطئ وتصيب ولا يحتاج الأمر كل هذا السباب والتخوين، وإنما النقد النزيه والرأي بالرأي كفيل ببيان صحة المسارات من خطأها!
وفي هذا الإطار تغيّر تنظير رئيس الحركة الذي كان يبشر بديمقراطية الكمّ حيث أنه صرّح منذ سنة 1981 أنه إذا اختار الشعب الشيوعيين بنسبة 51% فهو يقبل بذلك، لكنه أصبح اليوم بعد التجربة المُرّة في الحكم يقول إن ديمقراطية الكمّ لا تصلح إلا في الديمقراطيات العريقة، وأنه لا بد من اعتبار ديمقراطية الكيف، أي التوافق مع النخبة المؤثرة داخليا وخارجيا حتى وإن لم تكن مسنودة بزخم شعبي وليس معها أغلبية ولو نسبية! ... وهو موقف فرضه الواقع ودفعت إليه التجربة.
وحين أقول بأنني مستقل ليس معنى ذلك أن الانتماء للنهضة معرّة أدفعها عن نفسي بل أعتبر أن نضالي في النهضة يشرفني أمس واليوم، أمس كان صمود مذهل في مقاومة الإستبداد حيث تحمل إخواننا وأهالينا عذابات أغرب من الخيال! واليوم تُضحي النهضة وتتحمل الأذي من الأصدقاء والخصوم في سبيل المصلحة العامة وبناء ركائز الانتقال الديمقراطي بالتعالي على جراح الماضي وتجاوز منطق الثأر والإقصاء!
ثوريو الوقت الضائع يعيبون على النهضة وضع يدها في يد من أسموه جلاّد الأمس ورغم أنه كلام فيه تعميم وبعض المبالغة فما الذي يضيرهم إن تصالح الجلاد والضحية أو تهادنا خاصة أن أغلب الثائرين على هذا الصلح لم يكونوا من الضحايا وإنما أغلبهم لعب دور المشاهد أثناء المعركة أو النافخ في كير الإستبداد؟
المزايدون على النهضة اليوم أغلبهم من تُجار الدماء واللحم البشري المشوي سابقا، كما أن بعض المزايدين الآخرين لا يريدون إلا أن يكون أبناء النهضة وقودا لسمسرتهم "الحقوقية" وشتاتا يؤثثون به المقاعد الفارغة في أحزابهم واجتماعاتهم! ولا يريدونهم أن يكونوا مواطنين كاملي الحقوق مثلهم!
والنهضوي الجيّد عندهم هو المقتول أو المفقود أو المسجون أو المشرد، أما أن يكون معهم في مقاعد البرلمان ومؤسسات الدولة فتلك معرّة في وجه الدولة "المدنية الديمقراطية" وجب التنسيق مع "زعيم الثورة المضادة في مكتب سُكّرة" كما صرّح محمد الكيلاني رئيس الحزب الإشتراكي اليساري لتفاديها، أو استيراد "سيسي" لإزالتها!
ما هوّ الثمن الذي دفعه هؤلاء "المناضلون" من أجل الحرية مقابل الثمن الذي دفعه النهضويون؟
يذكرني هذا السؤال بالفيلسوف المرحوم على عزّت بيكوفيتش الرئيس السابق للبوسنة فقد قيل له "أنت تحابي الجنود المسلمين" فردّ بقوله "تعالوا نعدّ القبور"!
حين سجن "بن عليّ" بعض "المناضلين" أو طاردهم كانت زوجاتهم تسافر عبر المطارات وتُعرّف بمظلمتهم لدى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في أوروبا وأمريكا ثم يعدن لأرض الوطن عبر المطارات! قد يتعرضن لبعض المضايقة والتنكيل والكلام البذيء، ولكن هل يقارن ذلك بالحصار المضروب على الإسلاميين وعائلاتهم؟
هل يقارن ذلك مع التجويع ومع قول بوليس لزميله "بوللها في فمها" لما طلبت موقوفة نهضوية شربة ماء!
لم يتدخل رئيس دولة أوربية "طلباته أوامر" عند الرئيس المخلوع لإطلاق سراح نهضوي أو نهضويين أو رفع المظلمة عنهم أو السماح لهم بالسفر والعلاج كما فعل مع غيرهم! ... حين يغادر "مناضل" من المناضلين الذين يتهمون النهضة بالخيانة السجن لا يُحرم من الجواز وحقه في السفر، وحين يخرج نهضوي من السجن يجد نفسه في سجن أوسع وألعن تجويعا ومنعا من العمل والعلاج!
الفرق في الاستبداد كبير كمّا وكيفا، فنحن نتحدث عن عشرات الآلاف من النهضويين وعائلاتهم في مقابل حالات تُعد بالأصابع! ... هل يمكن أن نقارن مثلا بين الحصار الذي تعرض له الصحفي عبد الله الزواري والدكتور المنصف بن سالم رحمهما الله مع ما تعرض له صحفي آخر أو دكتور آخر، وهل يمكن أن نقارن مثلا دهس سيارة البوليس السياسي لزوجة الدكتور المنصف بن سالم وابنه عبّاس الذي تسبب له الدهس في إعاقة دائمة مع التضييق على قريب مناضل وحرمانه من الترقيات دون مساس بسلامته الجسدية أو رزقه أو حقه في السفر والعمل في مؤسسات الدولة؟ فلماذا الظلم والحيف!
ونحن لا نرضى الظلم والاستبداد لا كمّا ولا كيفا لأيّ أحد من المواطنين! ولا نريده أن يعود مجددا!
ثم هل يزعم زاعم اليوم أن النهضة بمشاركتها الشكلية في الحكم تدعم الاستبداد أو تسانده أو تريد عودته! ... إن كان هذا الزعم موجودا فهاتوا برهانكم!... هي ربّما لا تستطيع أن تقتلع الاستبداد أو الانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي يراد لها أن تعود عبر بوّابات النقابات الأمنية المدعومة من أعداء الثورة وأنصار التصنيف الإيديولوجي وتقسيم المواطنين حسب "لون" دمائهم!
حين نهاجم مشاركة النهضة في السلطة وقبولها بالتوافق الذي اعتبر مهينا يجب أن لا تكون المقارنة بين هذا الوضع ووضع آخر ناصع لا وجود له إلاّ في الخيال فقط!
وإنما المقارنة الحقيقية والواقعية هي ما الذي سيكون عليه المشهد لو أن مكونات ما عرف باعتصام الرحيل أو "الروز بالفاكية" تحالفوا كلهم بعد الانتخابات وشكّلوا حكومة ليست النهضة جزءا منها؟ ... والجواب على هذا السؤال ليس من خيالي وإنما مما صدر حينها من تصريحات وتهديد بالدماء والسجون والمنافي! كما أن هذه الصورة ليست ضربا من الخيال وإنما هي واقع مُعاش في كثير من البلدان التي عاشت تجربة شبيهة بتجربتنا وأمل مثل أملنا في التحرر من الاستبداد! تونس ومستشفياتها تعج الآن بمصابي الحرب الأهلية في ليبيا ومعوقيها، أيهما أجدر أن تكون تونس قدوة لإخواننا في ليبيا كي يحقنوا دماءهم ويحفظوا أرواحهم، أم تكون ليبيا قدوة لنا كي نريق دماءنا ونزهق أرواح شبابنا في معارك لا مصلحة فيها لأحد ولا نصر فيها لأحد على أحد؟!
ومهما اختلفنا مع النهضة أو وافقناها أليس أي متابع منصف وفاهم للأوضاع ومراكز القوى يشهد للنهضة بأنها كانت صاحبة التنازلات الكبرى والمؤلمة من أجل الحفاظ على السلم الأهلي وتجنيب البلاد وشبابها كوارث عاشتها حينا من الدهر وتعيشها بلدان أخرى اليوم!
من هم أعداء الحرية والديمقراطية في تونس؟ ... لماذا ننسي بسرعة؟ هل هم أبناء النهضة الذين قدموا التنازلات والمراجعات الفكرية للتقارب مع بقية المكونات السياسية والتعايش معها، كان ذلك فيما عرف ب "لجنة 18 أكتوبر" وكان ذلك وطائرة بن علي الهارب لم تحط، وكان ذلك تحت قبة المجلس التأسيسي، وفي الحوار الوطني، في حين أصوات الإستئصال لم تخفت أبدا وزادت ارتفاعا وطائرة الهارب لم تحط ثم استمر الارتفاع في التصاعد تؤججه أموال نهيان ومكر دحلان!
هل نسينا الموقف المصور بالفيديو لذلك "الحداثي" الذي يصفع صديقته "الحداثية" في المطار عند تظاهرهم ضد عودة الغنوشي من لندن ليسجلوا عملية الصفع ضد نهضوي عنيف لا يحترم النساء "الحداثيات"! ... ومن صفع الحداثيين بعضهم لبعض بالكفّ تطوّر الصّفع ليصبح بالرصاص "مجهول الهوية" من أجل تسجيل جرائمهم وحلفائهم ضد نهضويين! نفس المنطق والعقلية! مستعدّون لفقء عين من عينيهم مقابل فقء عيني النهضة! حقد عجيب قد يعجز أمهر الأطباء النفسانيين عن علاجه!
ما يؤخذ على قيادة النهضة أنها انشغلت بالتفاعل اليومي مع متقلبات السياسة وفق منطق "كل نهار وقسمو" أي دون دراسات استراتيجية فيما أعلم وبدأت القيادة وخاصة رئيس الحركة يمارس ما هو مقتنع به من سياسة وتقدير موقف وتوافق دون اعتبار لوعي جمهوره، وأصبحت قاطرته تسير بسرعة تعجز العربات عن اللحاق بها!
وهو كلما أتيحت له فرصة، يبرر سياسته بميثال البحار الذي سلم مركب الصيد (الشقف) لابنه وأوصاه به خيرا قائلا :"مهمة الحفاظ على الشقف موكولة إليك وأما السمك فرزق من عند الله"!
الشيخ يقول إن تونس هي المركب لأنه يحملنا جميعا ويجب أن نحافظ عليه ولكن "السمك" الذي هو جمهوره والذي جعله يتبوأ مكانة تخوّله أن يكون فاعلا أساسيا في السياسة التونسية بدأ ينفض من حوله ويُخشى أنه ما لم يتدارك الموقف ويوفّق بين عملية المحافظة وعملية الكسب فإنه في استحقاق قادم لن يكون وحركته في صدارة المشهد!
وقد أثبتت الإنتخابات الجزئية في ألمانيا أن ما يُعبّر عنه ب"ماكينة" النهضة قد تعبت رغم معاضدتها ببعض القطع من خارج ألمانيا!
ورغم ما يقوله سبر الآراء وما يُصرح به السياسيون "المرعوبون" من النهضة فإن شعبية النهضة قد تضررت كثيرا وكذلك تأثير النهضة على أبنائها، وما لم تنزل قيادة النهضة إلى صفها تقنعه بخياراتها وإكراهاتها وتشرح له تنازلاتها وتحشده معها فإن قائمة الذين كانوا من جنود النهضة وأصبحوا من ألدّ أعدائها ستطول ، كما أن المفاجآت ستكون متوقعة أكثر في المحطات الانتخابية القادمة!
طه البعزاوي
19 ديسمبر 2017


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.