تعرّضنا زمن وجودنا في السّودان إلى الكثير من الصعوبات النّاجمة عن اختلاف المصطلحات أو استعمالاتها. فالخشم في اللغة العاميّة السّودانيّة يعني الفم، في حين هو الأنف في العاميّة التونسيّة. والجنس يعني عندهم الجنسيّة أو الانتساب، في حين يعني عندنا الذّكورة أو الأنوثة. جنسك شنو!؟. يعني من أيّ جنسيّة أنت. وأمّا "الكعبة" المستعملة في لغتنا التونسيّة العاميّة والتي تعني الحبّة، من الزيتون أو الفاكهة أو خلافها، فتعني في الدّارجة السودانيّة، القبيحة وذكرها القبيح (كعب)، وهكذا...
تجاوزنا العقبات وبتنا نُحذق المصطلحاتِ ونعرف معانيها، حتّى إذا غادرنا السّودان و"تهنا" - كما وصفنا البعض - في البلاد، أكثر من عشريتين، ثمّ عدنا إلى بلدنا تونس، واجهنا سكّان البلاد الجدد، الذين اكتسبوا ثقافتهم "فرحين بالحياة" زمن سطوة الظّالمين وانتهاك حرمات الكثير من التونسيّين، بمصطلحات جديدة منها الدّولي ومنها المحلّي المستجدّ، ووجدناهم يصرّون على إرساءها وتثبيتها رغم أنوف المحافظين من التونسيّين.
فالذّكورة أو الأنوثة باتت نوعا ولم تعد كما عهدناها جنسا. ورغم مقاومة كتلة النّهضة أخيرا في مجلس نواب الشّعب واستبسالها في محاولة منع المصطلح، خوفا من أن يُحدث تمريرُه تسويقَ أمراض اجتماعيّة لسنا في تونس بحاجة إليها (إذ الّي فيها يكفيها)، قد تتنوّع حتّى لا يحصيها الجنس، وإن كان ذكره لأنثاه ظهيرا. قلت رغم هذا الاستبسال فإنّي لم أعلم النّتيجة، ولكنّ القناة التونسيّة الرّسميّة الأولى، باغتتني الليلة بحديثها عن النّوع، بدل الجنس. نوع مدعوم بعدم قبوله من طرف إسلاميّين يخشون على الجنس. شعرت بأنّنا في تونس نُستهدف من طرف أناس يهدّدون الجنس والنّوع. لجأت - قبل الاسترسال - إلى المنجد أسائله عن معنى النّوع. فإصرار النّاس على (النّوع) شكّكني في معرفة معنى النّوع.
وجدتّ أنّه في علم الأَحياء: وحْدةٌ تصنيفيّة أَقل من الجنس، يتمثل في أفرادها نموذجٌ مشتركٌ محدودٌ ثابتٌ وراثيّ... استرحت لاستجابته للموجود. فكثير من النّاس ولاسيّما ممّن هربوا من استعمال الجنس إلى النّوع، أقلّ بكثير من الجنس، تماما كما بيّن معجم المعاني الجامع. فإنّك ما عدتّ في الكثير من الحالات في تونس تفرّق بين هذا وذاك في الجنس. فما الذّكر ظلّ ذكرا ولا الأنثى باتت أنثى، ولا الجنس بات يُعتمد في التعامل أو تُراعى به الخصوصيات في العمل. كما وجدتّ أنّ البشريّ يعني الجِنْسَ، أو مَا يَدْخُلُ فِي وَحْدَةٍ لأَفْرَادِهَا صِفَاتٌ مُشْتَرَكَةٌ ثَابِتَةٌ وَمُتَمَيِّزَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهَا وَمُسْتَقِلَّةٌ عَنْ غَيْرِهَا.
فالنّوع البشريّ هنا وإن ذكر الجنس، يظلّ يتميّز عن غيره من الأنواع الأخرى (الأنواع الحيوانيّة والأنواع النّباتيّة) بالصّفات المشتركة وليس بالصّفات المميّزة للأجناس... قد يأتي يوم - لا سمح الله - يجد التونسيّ فيه نفسه في المستشفى، فرحا مبتهجا لمولود وضعته زوجتك من نوع بشري... نعمة كبيرة في عالم اختلط فيه كلّ شيء، حتّى تعاملت الأنواع مع بعضها البعض، حتّى لجأ النّوع البشري - حاجة أو شذوذا أو انفتاحا - إلى النّوع الحيواني، يجامعه كما يجامع نوعه البشري، أن تلد المرأة داخل النّوع... قد يفاجأ من يعيش خارج الجنس مع الأنواع بميلاد نوع حيواني لنوع بشريّ، لا سمح الله تعالى... وقد يضطرّ وقتها مجلس نوابنا وصحافيينا إلى مراجعة مصطلح النّوع، ليس للعودة به إلى القديم، الجنس، وإنّما للتّصنيف. قد يلجأون إلى استعمال النّعوت، فنشهد في البلاد وجود النوع المحافظ الذي سوف يتناسل داخل النّوع، والنّوع المنفتح الحضاري الذي لن يرى بأسا في التعامل خارج النّوع، والنّوع المشكل الذي لن يحويه وإن اجتهدنا النّوع... قد تكون هذه إبداعات المستقبل، في بلد عمل التّافهون فيه على خلط كلّ شيء، حتّى بتنا وقد كنّا لأمّهات وآباء، رجالا، مجرّد هَمَل لا يستوعبهم أيّ نوع...