تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجنس الثالث» في تونس:شهادات عن المسكوت عنه
نشر في التونسية يوم 07 - 07 - 2013

«الخنثى»، «الجنس المختلط» , «الجنس الثالث» ....عبارات نسمعها كثيرا لكن عوالمها تبقى محفوفة بالغموض ورغم اختلافهم فإن ألسنة المجتمع تدرجهم في خانة «المغضوب عليهم» وتقصيهم وتحرمهم من الحق في حياة عادية دون وعي موضوعي ومنطقي بالمشكل ...
ويزداد الأمر تعقيدا عندما يلفظ المجتمع هذه الفئات بجميع أنواعها فتحرم من حقوقها، ويؤخذ المريض بجريرة مغيّر جنسه. ذلك ان الخنثى تختلف تماما عن الجنس الثالث ومن ولد بأعضاء مختلطة ليس مثل من سعى لتغيير جنسه، لكن المجتمع لا يفرق بل يعامل الجميع على حد السواء...
والمعلوم أن الخوض في موضوع كهذا يصنف عند الاغلبية الساحقة من الأسر ويوضع في خانة سرّي للغاية لتبقى الصورة ضبابية حيال مصير هذه الفئة ومشاكلها في المجتمع، في ظل غياب الدراسات والأبحاث والأرقام والإحصائيات.
«التونسية» فتحت هذا الملف «المنسي» وخاضت في الجدل القائم بين الخنثى وبين الجنس الثالث من حيث امكانية قبول مبدإ التصحيح الطبي لغامضي الجنس وجواز الإصلاح القانوني لهويتهم مقابل اقصاء من اختار اراديا تغييرجنسه لضمان استقرار الوضعيات ...لكن وعلى الرغم من هذا «التعاطف « مع «الخنثى» تبقى معاناتها معقدة ومحفوفة بجدار من الصمت والتعتيم وتحبس الخنثى انفاسها في انتظار ان يستقر جنسها وهويتها وهي احسن الفرضيات لأنه لا شيء يمنع من انزلاقها في متاهات المثلية او الانتحار...
انطلقت حكايتها مع جسدها الغريب منذ نعومة اظافرها حيث أدركت انها أنثى بمواصفات خاصة «غير عادية» وكانت والدتها تتحرج كثيرا وتطلب منها ألّا تغتسل في الحمام ولم تفكر ابدا في عرضها على الطبيب لتضمن عدم خروج الموضوع عن الدائرة الضيقة إلى أن كانت اللحظة الحاسمة حيث افشت شقيقتها الامر لزوجها عن حسن نية عندما سألها عن سرّ امتناع شقيقتها عن الزواج فاعلم بدوره عائلته ومنذ ذلك التاريخ أصبحت تنعت بفلانة «الخنثى ذكر». تقول هذه المتضررة انها عاشت اطوارا من المعاناة منذ أن وعت بالعيب الذي لا ناقة لها ولا جمل فيه لكنها لم تذق اسوأ من لحظة الفضيحة التي طاردت آخر صروح الأمل في أن تبقى على الأقل في أعين الناس أنثى لتبقى حقيقة غموض طبيعتها مخباة في صدرها واضطرتها نهائيا إلى لزوم البيت حتى ينساها الناس. وبعد أن تحولت معاناتها إلى كنية عائلية ومحل تندر الصغار والكبار حاولت الانتحار في عديد المرات واهم ما احتفظت به ذاكرتها كلما استفاقت من غيبوبتها بعد إنقاذها هي الم من حولها وهي تفتح عينيها ثانية لتضرب موعدا جديدا مع الم طبيعتها الغريبة خاصة بعد أن علمت عن طريق بعض الاطباء حقيقة الأمر وانها من جنس الذكور وأن اعضاءها تستوجب تدخلات جراحية خطيرة ودقيقة بسبب تقدمها في السن لاخراجها وتوضيح جنسها...
وتضيف هذه السيدة أن من يجد نفسه «بين بين» كما ينعتهم المجتمع هو انسان بدون صلاحيات لا ينبعث منه اثر الحياة يشمئز منه القاصي والداني. فهو حسب كلامها معوق لكن لا يعترف به مع المعوقين وهو لا يزال يبحث عن مكان ما في قلب حنون يأويه وقدره العذاب والهر سلة يموت في كل لحظة تلمز فيها اعين الناس «فلان ماك الجماعة» «لاهو عربي على قانيه ولاهو تركي بشلاغيمه» وهو ممنوع من حق الحياة على الأقل كأي كائن حي صوّره الله بهذا الشكل.
فتاة أخرى كانت ضحية تشوه خلقي حيث أن ظاهرها أنثى دون أن تدل طبيعة جنسها على ذلك ففضلت والدتها التكتم على الموضوع ونجحت في إخفاء ذلك وعندما تقدم رجل لخطبتها –بعدما فقد زوجته - قبلت دون تردد فالمهم بالنسبة لهذه الأم هو التخلص من عبء ابنتها «الخنثى»لكن بعد ساعات من الزفاف أطرد الزوج زوجته وحسب ذكره فانه من هول الصدمة قام بحملها بواسطة «برويطة» والقى بها امام منزل والدتها لكن هذه الأخيرة ارجعتها إلى بيته في محاولة منها لحمله على تركها زوجة شكليا وله أن يفعل ما يشاء كأن يتخذ خليلة او ماشاء من الارتباطات الحرة المهم هو أن يتستر على الامر وهو ما اضطره لتقديم قضية في الطلاق للضرر وبقضية جزائية ضد والدة الفتاة من اجل التحيل والتلاعب بشخصه وارغامها على تعويضه عن مصاريف الزفاف...
قصة اخرى تتعلق بوالد طفل ذكر انه يحاول منذ مدة طويلة تصحيح هوية ابنته التي سجلت على انها طفل حيث رجح الطبيب في ظل عدم اتضاح جنسها انها مولود من جنس الذكور لكن بعد سنوات اتضح انه فتاة وهو ما عقد المسالة بالرغم من التدخل الجراحي ويقول هذا الاب ان طول المدة عقد المسألة حيث وجد نفسه امام صعوبات جمة لتغيير جنس ابنته في الحالة المدنية ....ويعتبر هذا الوالد انه حتى لو حسمت المسألة قانونيا فان ابنته ستبقى «خنثى»...وهو يتمنى لو أن فلذة كبده ولد ميتا او اصيب بغير ذلك فلا أمل لابنته حتى بعد تصحيح جنسها لان «ملف سوابقها الجنسي» حسم مستقبلها فلا زواج ولا شيء آخر...فقد انطلق ذكرا وانتهى أنثى ويستبعد أن ترحمها ألسنة الناس ...
في نفس الاتجاه بيّنت أم أخرى انها عاشت كل فنون المعاناة مع وحيدها الذي رقصت على إيقاع ولادته حين ازدان فراشها به ولم تتصور أن رحلة شاقة في انتظارها إذ ومنذ الايام الأولى اكتشفت انه يعاني من صعوبة في التبول فضلا عن شبه انعدام لجهازه التناسلي وهو ما دفعها لعرضه على عدد كبير من الاطباء في فرنسا وقد خضع إلى اربع عمليات جراحية من اجل إبراز ذكوريته في انتظار عملية خامسة حيث ظهرت له آثار انتفاخ على مستوى صدره «ثدي» وهو ما منعه من اللعب والخروج خارج المنزل واضطره إلى ارتداء ألبسة شتوية لاخفاء ما ظهر على مستوى صدره ... فهذا الحرمان الذي يعيشه طفلها يكلفها الاما مضاعفة مع عجز وتخوف حول مصيره إن فشلت هذه العمليات فما عساها أن تفعل لو ظهرت علامات الانوثة الكبرى ؟ وتتساءل أي مصير ينتظر ابنها الذي تعلم هل سيصبح رجلا «مع إيقاف التنفيذ» او أنثى بلحية في وجهها وهوية ذكر في ظل اجماع على عدم شرعية تغيير الجنس ؟؟؟من سيتزوج وهل يمكنه ذلك ففضائخ بعض التجارب تلقي بالرعب في قلبها ...
اضطرابات في الهوية الجنسية واشياء أخرى...
هذا ما كشفت عنه كواليس بعض تجارب بعض أصحاب الجنس «نصّ نص» وهم يتحدون عجزهم. ففي قضية غريبة الاطوار لتونسي متزوج من تونسية مقيمة بالخارج تعرف عليها بعد قصة حب متعثرة اجتهد كثيرا ليفوز بقلبها فكانت المفاجأة في انتظاره التي فاقت كل توقعاته ...وحسب تصريحاته – من خلال قضية الطلاق التي رفعها- فان اجتهاده في الظفر بها عاد عليه بالوبال حيث امتنعت عن معاشرته منذ الايام الأولى للزواج وظنّ في البداية أن الأمر وقتي وسيزول لكنها اصرت على موقفها وهو ما اضطره إلى إعلام والدتها التي طلبت منه التحلي ببعض الصبر ومع بقاء الحال على ماهو عليه اجبرها على ما لا تريده ....الى ان اكتشف سر امتناعها عن معاشرته وذلك عن طريق طبيب رفع النقاب عن السر المخفي واخبره أن زوجته كانت تعاني في صغرها من غموض الجنس فقد كانت تحمل بعض علامات الذكور لكن مع طول الوقت ظهرت بعض أعراض انوثة اضطرت بعدها لتغيير جنسها ...ومنذ علمه «بما خفي عنه»فكت أمامه كل شفرات تصرفات زوجته الغريبة خاصة حين تدخل غرفة النوم اذ كانت تنتفض غضبا في حين تسعد كثيرا عند الخروج نظرا – حسب تصريحاته- لأنها في الحقيقة تعيش حالة انفصام بين شكلها كانثى وهويتها الجنسية وهو العائق الذي يحول دون تحولها إلى أنثى حقيقية ...في البداية فكر في تقديم قضية من اجل ابطال عقد الزواج لان الشرط البيولوجي غير متوفر اذ هو كرجل يبحث عن الارتباط بانثى وليس برجل في شكل أنثى لكنه تراجع عن ذلك وقرر التقدم بقضية في الطلاق للضرر وقد طلبت منه – حسب ذكره- أن يغير اساس الطلاق حتى لا ينكشف امرها وانها على استعداد لتعويضه ماديا عما لحقه من ضرر لكنه الح على مواصلة إجراءات الطلاق للضرر حتى لا تتحيل بشكلها الانثوي جدا على ضحية أخرى رغم ايمانه انها ضحية تشوه خلقي أرادت تعديله بتشويه آخر....
فتاة أخرى من وسط ريفي قبل والدها تزويجها من رجل يكبرها سنا مقابل مبلغ مالي فتح ابوابا مغلقة أمام عائلتها الفقيرة لكن بمجرد أن اجتمعت معه في نفس المنزل استغربت من عدم تحقق الخلوة الشرعية لكن حياءها منعها من أن تسأله عن الأمر. تصورت انه يعاني من عجز جنسي لكن عندما اصيب بأزمة كلى علمت عن طريق طبيبه الحقيقه التي واراها بماله وقد استغرب كثيرا أن يجده متزوجا في حين انه غير صالح ك«زوج» من الناحية البيولوجية وليس من حقه أن يظلم طرفا آخر -فهو يمتلك مزيجا من ملامح الجنس الذكري والانثوي-...وحين واجهته بما علمت هددها انه سيطعنها في شرفها بعد أن يفوض بماله من يقوم بمواقعتها وقد انتهت المأساة بمأساة أخرى حيث حاول اجبارها أن تقبل الطلاق بالتراضي معه وأن تتنازل على كل حقوقها وحين رفضت عرضه وتقدمت ضده بقضية في الطلاق للضرر طالب والدها بكل المبالغ المالية التي سلمها له أيام إبرام صفقة الزواج ...وفي تعليقها عن هذه القضية استغربت محامية المتضررة من صنيع الزوج الذي كان بامكانه مواجهة حالته المرضية وعلاجها منذ الصغر لكن التهرب من المواجهة اجل مواجهة اصعب وربما خطيرة ومساوئها اكبر من اتخاذ خطوة الخضوع لتصحيح الجنس خاصة في ظل توفر هذه الامكانية قانونيا وطبيا ...
ولئن كان موقف القضاء حاسما في ما يخص مسالة تغيير الجنس أو ما يسمى الجنس الثالث إذ بمناسبة نزاع عرض عليه، رفض ترسيم «أمير» الذي تحول إلى «أميرة» وتغيير بيانات هويته اعتمادا على المستجدات -بعد أن قام بعملية تغيير لجنسه -ورغم محاولة محاميه في هذه القضية اثبات أن عملية تغيير جنسه كانت بسبب الاخلالات الهرمونية والاضطرابات الفيزيولوجية التي يعاني منها مستندا على شهادات طبية فإن المحكمة لم تعتد بالدوافع على اهميتها لتغلق بذلك مبدأ قبول تغيير الجنس في القانون التونسي. وقد استقرت ايضا على هذا الموقف في قضية «سامي» الذي تحول إلى «سامية» لتتماهى بذلك في احكامها مع التشريع الإسلامي واجماع الفقهاء على عدم جواز هذا النوع من العمليات ...لكن موقف فقه القضاء تململ بعد عقود من الاستقرار في هذا الموضوع بمناسبة نظره في ما يعرف بقضية «سكينة». وتتمثل تفاصيل النزاع في ولادة مولود لم تكن معالم جنسه واضحة سلم طبيب التوليد الأم شهادة مفادها أن جنس المولود هو أنثى وكانت هذه الشهادة هي الاساس المعتمد في التصريح بالولادة واختيار اسم المولود وهي الاساس في ترسيمه بدفاتر الحالة المدنية بما يترتب عن ذلك من نتائج قانونية ...لكن بعد مدة وجيزة بدات معالم غريبة تظهر بالجهاز التناسلي للمولود خلقت شكا حول طبيعة جنسه اهو من الذكور او من الاناث من دون ان يحسم الامر بصفة قطعية هذا ما دفع اهل المولود الى اجراء عديد التحاليل الطبية للتاكد من جنس المولود. وبعد اشهر تحقق الاهل بموجب اختبارات طبية ان جنس المولود هو ذكر وليس انثى فكان الاشكال اولا في طبيعة الدعوى وموضوعها للوصول الى اصلاح رسم الولادة. وقد سبق ان استند ذلك الرسم على شهادة طبية حددت جنس المولود وكانت سببا في اختيار اسم أنثى له. ففي نظر القانون ولد هذا المولود انثى ثم تغيرت صفاته الجنسية ومالت إلى الذكورة ولا يمكن تجاوز هذه المعضلة الا اذا تم التسليم بكون المولود ولد ذكرا وتسرب خطا في تحقيق الجنس فمحاولة الحصول على حكم في تغيير الجنس هي من المسائل الشائكة في القانون التونسي وجميع قوانين البلدان العربية وحتى غير العربية وغير المسلمة لما لذلك من اثر على استقرار الوضعيات القانونية...
ان هذا الاشكال و الابتعاد عند تحرير الطلب عن لفظ تغيير الجنس كان محددا في النزاع المرفوع من الطالب حتى انه عندما حرر طلباته النهائية بتغيير جنس الطفل من انثى الى ذكر تجاوزتها المحكمة واكتفت بالتحرير المبدئي للدعوى وهي ثبوت ان جنس المولود ذكر وليس انثى وان المسالة تعلقت بخطإ حسي في التصريح...وقد اعتبر شرّاح القانون ان المحكمة توخت طريقة ذكية من خلال هذا الحكم فتحاشت الحديث عن الخنثى كما تجنبت الحديث عن تغيير الجنس وحاولت حسم الطلب المعروض عليها في اطار قانون الحالة المدنية جازمة ضمنا بأنه لا موجب للحديث عن فراغ تشريعي في تناول وضعية الخنثى او تغيير الجنس فتناولت المسألة من منظور أنّها لا تتعدى خطأ حسيا في تحديد جنس المولود وقضت باصلاح رسم الحالة المدنية...
ويعتبر شراح القانون أن لهذا الحكم مدلولات قانونية بقيت معلقة وربما تحاشت المحكمة الخوض فيها اعتبارا للوقائع المعروضة عليها ومنها قصر المدة بين الولادة والاصلاح وعدم ظهور أي عارض خلال تلك المدة. فالاشكال يبرز إذا حدث عارض خلال تلك المدة كموت مورث تلك البنت او ذلك الولد فما هو نصيبه من الارث وهل يقع اصلاح نصيبه من الارث إذا ما فتحت التركة قبل الإصلاح ؟ إن أشكال رجعية حكم الإصلاح بقيت قائمة ولم تبت المحكمة في تلك الوضعية ومدى تاثيرها على الحقوق المكتسبة على التركة؟
إشكال آخر يمكن أن يطرحه مبدأ قبول تصحيح الجنس هو فتح باب التحيل على مصراعيه فقد تستغل بعض الأطراف هذه الامكانية التي باتت متاحة وتتعمد تغيير جنسها اراديا خارج تونس في مستشفيات اوروبية ثم تأتي باوراق تفيد أن العملية المجراة هي عملية تصحيح جنس -مستغلة اللبس الواضح في بعض المفاهيم- ثم تتقدم بقضية من اجل إصلاح البيانات المتعلقة بمضمون الولادة دون أن تذكر كلمة تغيير جنس لذلك اتخذت بعض الانظمة المحافظة إجراءات صارمة في هذا الصدد ومنعت عملية إجراء تصحيح الجنس الا بالتنسيق مع وزارة الصحة وبشكليات خاصة جدا ...ويعتبر هذا الموقف جريئا ولعله يستمد صلابته من القراءة الفقهية لمبدإ قبول تصحيح الجنس بالنسبة للخنثى رغم أن المسالة تتطلب نفسا وصبرا للعائلات التي تخوض تجربة إثبات الهوية بعد تصحيح الجنس ...
الشرع لا يقف حائلا أمام تصحيح الجنس للخنثى
يكشف الشيخ بن يونس سالم، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين، عن موقف الشريعة الإسلامية من عمليات تصحيح الجنس، والفرق بينها وبين تغيير الجنس، ومسائل أخرى تتعلّق بزواج الخنثى قائلا: «الخنثى عند الفقهاء هو كل شخص اشتُبه في أمره، ولم يُدرَ أذكر هو أم أنثى، إما لأن له ذكرا وفرجا معا، أو لأنه ليس له منهما شيء أصلا. وقيل: يوجد نوع منه ليس له واحد منهما. والخنثى قسمان: واضح، ومشكل، فالواضح هو ما ظهر فيه علامة الرجال فقط، أو علامة النساء فقط، فإن لم توجدا أو وجدتا فيه بدرجة متساوية فهو مشكل ولكن الأطباء يعتمدون في تشخيصهم على معايير أخرى..
بحيث يفرّق بين نوعين من الخنوثة، ليس على أساس الشكل الظاهر فحسب، كما يفعل الفقهاء، بل أيضا على أساس التكوين العضوي الداخلي للغدة الجنسية، ولهذا قالوا بوجود نوعين من الخنوثة الحقيقية، والكاذبة فأحكام الخنثى في الفقه الإسلامي مبنية على معلومات الأطباء والتجربة والمشاهدة في عصورهم السابقة، من دون الرجوع إلى الفحص النسيجي للغدة التناسلية، لعدم توفّر ذلك آنذاك، فإن على الفقهاء أن يراجعوا هذه الأحكام على ضوء التقدّم الطبي الواسع الذي حدث في العصر الحديث. وعليه لابد من اجتماع الأطباء المهتمين بهذا المجال مع الفقهاء للخروج بأحكام تتلاءم مع المعلومات الطبية في العصر الحديث.
وبصفة مبدئية فالشرع حرّم تغيير الجنس وهو ليس الحكم ذاته بالنسبة لتصحيح الجنس. فالمراد من التصحيح هنا إصلاح شكل العضو أو وظيفته إلى الوضع السوي المعهود، من أجل أن يكون أقرب إلى الحالة الطبيعية. فبالنسبة للخنثى المُشكل الذي له عضو تناسل ذكري وأنثوي، ينصح العلماء بعدم الاستعجال في إلغاء أحد العضوين وإبقاء الآخر، لأنه، بعد مضي فترة من عمره، قد يُرجّح جانب الذكورة على جانب الأنوثة، أو العكس وبالنسبة لمن كان أحد الجانبين فيه ظاهرا (الذكورة أو الأنوثة)، إلا أن العضو غير ظاهر، فجواز إجراء العملية الجراحية لإظهار العضو هو أمر لا اختلاف عليه. وفي كل الحالات لابد من إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة تحت إشراف أهل الاختصاص من الأطباء.
اما عن الزواج بالنسبة للخنثى غير المشكل فبحسب حاله، يُزوّج من الجنس الآخر, أما الخنثى المشكل، فلا يصحّ زواجه، والسبب واضح؛ إذ يحتمل أن يكون ذكرا فكيف يتزوّج ذكرا، ويحتمل أن يكون أنثى فكيف يتزوّج أنثى مثله. وهذا قول جمهور العلماء الذين أجمعوا على أن الخنثى إذا قال ان لي ميلا إلى الشهوة، قيل له: اصبر حتى يغيّر الله حالك إلى حال أحسن منه، ولتستعن بالصيام، قال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، ويمكن أن يُعطى من الأدوية ما يهوّن عليه الأمر». وفي نفس السياق اعتبر نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور عبد الله بن بية وجود فرق شرعي بين من ولد باعضاء مختلطة ممن يطلق عليهم الخنثى ومن سعوا إلى تغيير جنسهم بأنفسهم ممن يطلق عليهم الجنس الثالث موضحا أن إجراء عمليات التصحيح مباحة شرعا. أما إجراء عمليات التغيير فهي محرمة شرعا وحول قضية الحقوق وتقسيم المواريث بالنسبة للخنثى فقد اعتبر د. عبد الله بن بية أن هذه المسألة ينظر إليها من الناحية الطبية فإن غلبت عليها الذكورة فإنه يعامل كذكر وان غلبت عليها علامات الأنوثة فانه يعامل كأنثى في الحقوق والمواريث مضيفا أن هذه الفئة لها كافة الحقوق والشرع لم يهملها ولم يهمشها لكن للمجتمع رأيا آخر وقد يكون مصير الخنثى مأساويا ...
الانتحار والمثلية كابوس يلاحق الخنثى
شدّد الدكتور مراد بودية، أخصائي علم النفس الإكلينيكي، على الاضطرابات النفسية التي تعاني منها الخنثى، نتيجة صراعات متعدّدة مع النفس، والأسرة، والمجتمع، الأمر الذي يتسبّب في مضاعفات تصل إلى الهرب من المنزل العائلي، وقد تتطوّر إلى حدّ الانتحار، بفعل هذا الصراع الذي ينعكس على بناء الصورة الجسمية.
وأوضح المتحدّث الذي أشرف على متابعة عشرات الحالات من مزدوجي الجنس، بأن السواد الأعظم من هذه الشريحة يعانون من ضعف في الشخصية، مما يؤدي بالكثير منهم الى السقوط في فخّ الجنسية المثلية، فيتحوّلون إلى شواذ مثليين، بينما قد يتسبّب التناقض الحاصل بالنسبة للجسم الاجتماعي إلى حدّ الحالة الفصامية الابتدائية، وفي أحيان أخرى إلى الانطواء والعُزلة، خلافا لفئة أخرى، وهي الأقل، والتي تستطيع المقاومة والاندماج نتيجة قوة شخصية أصحابها، وتزوّدهم بآليات دفاعية نفسية فيتمكّنون حتى من الزواج وتقلّد مناصب عليا. واضاف د. بودية العلاج العائلي بالنسبة للخنثى في سنّ مبكّر يمثّل ثلثي العلاج النفسي. وفي هذا المضمار اكد رئيس اللجنة الاستشارية لحماية حقوق الإنسان أن تهميش الخنثى وضع غير انساني وان المعاناة التي تتكبّدها شريحة الأطفال مزدوجي الجنس هي معاملة غير انسانية، مطالبا وزارة الصحة بالاهتمام أكثر بهذه الفئة,كما اعترف بصعوبة اندماج هؤلاء الأطفال، حتى بعد خضوعهم لعمليات جراحية في إطار تصحيح الجنس، «نظرا لطبيعة الانغلاق التام الذي يميّز مجتمعاتنا ، الأمر الذي يستوجب فتح نقاش واسع بشكل مستعجل مع جميع المكوّنات والحساسيات للخروج بتوصيات تنتهي بصون حقوقهم، واستبعاد نظرة الإقصاء والتهميش المُسبقة في حقّهم»، مشيرا الى ضرورة تخفيف العبء عن عائلات المصابين، من خلال توفير العلاج وضمان التحاليل المخبرية في أوقات مختصرة، ''لأنه من غير المعقول أن تستغرق تحاليل تحديد الجنس عدة أشهر، في حين انها لا تتجاوز الأسبوعين في دول أخرى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.