لعلكم جميعا تذكرون الضجة التي أثيرت في مواقع التواصل الإجتماعي إبان حملة الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة في دورها الثاني بين "رجل الأعمال" صاحب قناة نسمة نبيل القروي وأستاذ القانون الدستوري "قيس سعيد"! فقد تسرب حينها أن حزب "قلب تونس" تعاقد مع شركة "لوبنق" كندية من أجل دعم مرشحه نبيل القروي للفوز بالرئاسة وفتح قنوات للقاءات تجمعه برؤساء ومسؤولين في الولاياتالمتحدة وأمريكا وروسيا. ولم يكن الخبر في حد ذاته مستغربا، ولكن الذي أثار الضجة حينها أن شركة "اللوبنق" الكندية تبين أنها على ملك رجل كان ضابطا كبيرا في الموساد الإسرائيلي يدعى "إيري بن ميناش"! وما أثار الشبة حينها ثم جعلها تقوى بمفعول رجعي مع الزمن هو ما حام حول القصة منذ بدايتها، فقد زعم "إعلامي تونسي" يعيش في كندا أنه ذهب لإجراء حوار مع الشركة المذكورة لتقصي الأمر وصادف وصوله مكتب الإستقبال بالشركة مكالمة هاتفية مع نبيل القروي! ... وإن صحت الرواية الغريبة فإن الأمر يعد مخططا له سلفا، وإن لم تصح فصاحب الرواية شريك في الضجة علم بمقاصدها أو لم يعلم! الأكيد أن "شركة المخابرات الصهيونية" ليست بالبساطة والسذاجة كي تجعل معلوماتها وأسماء حرفائها على قارعة الطريق في متناول من هبّ ودبّ، مع أن حماية المعطيات الشخصية للحرفاء يُعدّ من أبجديات الشركات العادية فما بالك بشركات "اللوبنق المخابراتية" وحرفاء يتنافسون على قيادة دول؟! وبالزمن يتأكد أن الأمر لم يكن صدفة خاصة بعد حوار "الإعلامي التونسي" مع مالك الشركة، فكل من شاهد ذلك الحوار قبيل الإنتخابات يتأكد أن "إيري بن مناش" عوض الدفاع عن حريفه "نبيل القروي" عمد إلى إغراقه وإضعاف حظوظه الانتخابة، ويمكن القول بأنه نسفها نسفا! فهل يعقل من صاحب شركة مهمتها رفع حظوظ حريفها تعمُّد إسقاطه!؟ ... مع أنه لا يمكن حمل الأمر على الخطأ أو الغباء فالرجل ضابط مخابرات في الموصاد وصاحب شركة كبيرة ومشهورة في تقديم خدمات اللوبنق ويزن كلامه ويعرف بالضبط ما يقول وما يخدم أهدافه! فإرادة إسقاط القروي كانت واضحة ربما لأنه "ورقة محروقة" لا تحقق الأهداف الإستراتجية لمن وراء "إيري بن مناش" وفي المقابل تمّ رفع حظوظ سعيّد إلى درجة كبيرة! هذا لا يعني تبرئة للقروي من التعامل مع الصهاينة أو توريط لسعيّد ولكن الأهداف الصهيونية قد تتحق على يد "عدوّ" جاهل ولا بيد صديق مقرب! وقد يضرب الصهاينة أصدقائهم "لدعم أعدائم" وهو ما يذكّر هنا بقصة واقعية طريفة، مفادها أن الجالية المسلمة في أوهايو الأمريكية قامت بمظاهرة لدعم فلسطين وكان هناك محلّ لتاجر يهودي يبيع الأعلام اشتروا منه أعلام فلسطين لرفعها في المظاهرة ولما طلبوا منه المزيد قال لهم: "بقي عندي فقط أعلام إسرائيلية"! ... قالوا: "وما نفعل بالأعلام الإسرائيلية ونحن نتظاهر ضدها؟!... قال لهم: "احرقوها"! وقد أعجب "أصحابنا" بالفكرة! ... وربح التاجر اليهودي وضرب عصفورين بحجر، كسب المال وخدم استراتجية الصهاينة في "المسكنة" والظهور بمظهر الضحية المهددة في وجودها، فتهديد حقّ "إسرائيل" في الوجود مُجرّم في كل الدول الغربية، ومن عناوينه حرق العلم الصهيوني. وبالعود للانتخابات الرئاسية التونسية، فإذا كان التنافس بين شخصين أحدهما تعلقت به شبهات الفساد المالي ثم كشف بأنه "يتعامل مع الموصاد" لخدمة أهدافه في مقابل شخص غامظ يتعمد الغموظ ولكنه يُصرّح بأن "التطبيع" مع الصهاينة "خيانة عظمى" فلا شك أن الكفة سترجح لصالحه خاصة لدى شعب مسلم متعاطف مع فلسطينالمحتلة ويعتيرها قضيته الرئيسية! ولكن بعد مرور الانتخابات وفوز قيس سعيد بمنصب الرئيس بدأت ترشح بعض المعلومات على أن الفوز لم يكن صدفة وأن عشرات المواقع مدفوعة الأجر قد خدمت حملته وأنه تم صناعة "وعي" وبرمجة للناخبين هدفت أساسا لفوز السيد سعيّد وتصويره في شكل زعيم ثورة جديد حاملا للواء الشعب يريد. وتكرر بشكل أو بآخر ما قامت به "كامبردج أنالتكا" من خدمة لدعم ترامب بعد السطو على المعطيات الشخصية لحوالي خمسين مليون ناخب أمريكي من شركة فايسبوك وهو ما عرض زوكربارك للتحقيق في مجلس الشيوخ الأمريكي وفي أوروبا وعرض شركته للتشويه وتكبد خسائر كبرى وفقدان ثقة المستخدمين ! وقد عرف عن شركة "كامبرج أنالتكا" أستخدام كل الأساليب والوسائل المشروعة وغير المشروعة لخدمة اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، وباعتراف رئيسها السابق. ولم تتبين بعد بالضبط كل خيوط فوز سعيد في الانتخابات ولكن تساؤلات كثيرة طرحت ومازالت تطرح ولا يتجاهلها إلا ساذج! ... والزعم بأن سعيد فاز بحملة الشباب المؤمن به وبتكلفة مادية بسيطة (دينار وقهو وقارورة ماء) وسط تنافس شديد "ومكينات" حزبية وإعلامية وعالم متشابك و"معولم" لا يمكن أن ينطلي على العقول السليمة أو تقبل به! هي شكوك لم تصل درجة القطع واليقين ولم يتوفر لها ما يكفي من أدلة ولكن الزمن القادم سيثبتها أو يدحضها! وبعد الفوز بدأ الرئيس يقوم بزيارات وتصريحات ويستقبل ضيوفا والغين في التطبيع ما يتناقض تماما مع تصريحه بأن "التطبيع خيانة" ومع شعار الشعب يريد، وهو يحاول في كل فرصة نسف إرادة الشعب المتمثلة في مؤسسة البرلمان. ما زلت لا أتهم السيد الرئيس في شخصه مباشرة ولكن أتهم بعض من هم حوله وأتوقع أنهم يخدمون الفوضى والثورة المضادة وأهداف الصهاينة وأوليائهم من عرب وعجم في وأد ما تبقى من الثورة التونسية دون قصد منه! فهل تنكشف بقية المؤامرة وخيوط اللعبة قبل أن يستفيق الرئيس وينأى بنفسه أم بعد فوات الأوان؟ طه البعزاوي 14 ماي 2020