قاد الجنرال المكّي جيشه الأبيض في واحدة من أخطر المعارك التي خاضتها البلاد، انتصر الجنرال وقدّم جيشه البلاء الرائع، أفزع هذا الإنجاز ساكن قرطاج، ولأنّه تعوّد بتطويع الدستور وحفر مغارات جانبيّة ينفذ منها لنهش الصريح الدستوري، فقد اهتدى إلى وزارة صحة موازية، أطلق عليها المنشآت الصحيّة العسكريّة، وتحت هذا الاسم وسّع صلاحياته نكاية في الوزير الناجح الذي توسّع الشارع التونسي في الإشادة بإنجازاته على نطاق واسع، كذلك الدكتاتوريّة تفزع حين تسلّط الأضواء على غيرها، بل تبطش بمن ارتشف منها الأضواء. فعل القيس ذلك وتعمّد تهميش المكّي واصطحب مجموعة القصر ووزير الدفاع في مناسبات تخصّ القطاع الصحي ومن صميم مسؤوليّات وزير الصحة ولم يدعُ المكي ولا هو استقبله في القصر ليشكره أو يوسمه على إنجازاته، ثمّ ها هو اليوم يستقبل القائم بأعمال وزير الصحة بعد أن قام صاحب حكومة الرئيس بإقالة وزير الصحة، يظن المسكين أنّه أساء الى المكّي، لكنّه في الحقيقة فوّت على نفسه فرصة الالتقاء برجل مكافح ناجح عرك السجون والمحن وعركته ثمّ نهض من تحت جمر الحقبة النوفمبريّة وخاض إضرابات الجوع ليس من أجل بطنه ولكن من أجل عقله! ثمّ أنهى دراسته ونال شهادته. عصر الوقت عصرا، ليس كمن قضى عمره في "المساعدة" وفشل في الصعود درجة واحدة طوال عقود، رغم السنوات ورغم الفراغ ورغم أنّه صفر ملاحقة بل رغم أنّه الوديع مع أنظمة القمع ولعلّها استعملته في بعض مناسباتها. ربّما يصعب على المكّي أصلا أن يتكلّم مع كذبة دستوريّة كبرى، لأنّ الرجال الذين تكلّموا وقت الدم والسجون والإعدامات وصرخوا في وجه الباطل لا يسعهم طول الحديث مع غفلة سياسيّة قفزت إلى القصر على حين غفلة شعبيّة. ثمّ ها هو سعيّد يستعمل المكر البدائي المكشوف، فبعد الشواشي استقبل الحبيب كشو للحديث حول تشكيل الحكومة! بينما سبق وقال أنّها مشاورات مكتوبة، فكانت مشاورات مكذوبة، وليته الكذب الذكي بل ذلك الكذب الغبي جدا... إنّك تمسك تونس من عنقها وتبالغ في جذبها إلى الهاوية، قريبا ستنقطع ربطة عنقها، فتهوي أنت إلى العمق ويبقى الوطن إلى فوق شامخا. نصرالدّين السويلمي