قراءة: 1 د, 52 ث نصرالدّين السويلمي لم تترك كورونا الوقت للمكّي كي يتدرّج ويجسّ ويتعرّف ويستأنس بالمناخ الجديد أو المتجدّد، فرضت عليه الدخول المباشر والقوي في المعركة، بل وضعته أمام تجربة لم يوضع فيها أيّ وزير صحّة في تاريخ البلاد، ليس هناك وضعيّة أصعب على وزير الصحّة من تلك التي يواجهها المكّي وتواجهه، ولعلّها حبكة قدريّة أن يكون الرجل ابن المجال، وأن يكون له السبق والخبرة في الميدان، لذلك لا يحتاج إلى مقدّمات لا ولم ولن تسمح بها كورونا المجرمة! كورونا التي استقبلت المكّي قبل أن يجلس على كرسيّه، وكأنّها كانت تترقّبه ومدت لنفسها في مرحلة الحضانة، وحين أطلّ أطلّت لتعلن انطلاق النزال.. هل كانت تعشقه أم تمقته؟ لا بل تزيّنت له مكرا فلبس لها الدرع. نجح المكّي في تقديم صورة القائد المقاتل وبدت عليه الجدّيّة المتناهية، تمكّن وزير الصحّة من اللّعب على الخيط الفاصل بين التحفيز والتخويف، بين التحذير والترهيب، وقف الرجل بحكمة على حافّة الجدّيّة ولم يلامس الفزع، وذلك ما تقتضيه كارثة تتمعّش من ضخّ الآمال الكاذبة وتتمعّش أكثر من الفزع الهستيري الذي يربك المجتمع ويدفع إلى ارتكاب سلسلة من الأخطاء ومن ثمّ إلى تحويل وجهة المعركة مع كورونا إلى معركة الجشع الذاتي، ولعلّه الاحتراب الداخلي على الخبز والحليب والزيت ومحاولة الاستئثار بالحياة في أبعادها الذاتيّة الموغلة في الأنانيّة. تلك صورة جدّ متوازنة قدّمها المكّي لمجتمع مرتاب يراقب الملامح قبل مراقبة الألفاظ، فرجل الصحّة الأوّل أو ما بات يلقّب بالجنرال عادة ما يخرج في ثوب المُرهق! وتلك علامة يحبّذها العقل الباطني في المسؤول، لأنّها تحيل على المجهود المضاعف أو ربّما فوق العادة، والفرق كبير بين المقاتل المُرهق والمُقاتل المُرتبك، كما أنّ المكّي وربّما هي ليست من عاداته، لم يظهر بتلك "المكْيجة" التي عُرف بها الكثير من الوزراء، والتي تحيل على الوزير الممثل وليس الوزير الفدائي، مكْيجة يستعملها البعض في فصل المحنة، تشبه تلك الأرملة التي تبكي فقيدها في كامل زينتها من ملبس وحليّ ومساحيق. يجب أن يشعر المواطن أنّ الكومندوس الصحّي أقرب إلى الموت منه، إنّه لا يحاول تخليصه من الموت وإن عجز يتركه لمصيره وإنّما يشتبك مع الموت بدلا منه، لا يحتاج المواطن في لحظات المعارك الصحّيّة الغير تقليديّة إلى من يساعده بل إلى من يحميه.. يحميه من الفيروس المرعب ومن نفسه أيضا كما من المجتمع المتسيّب، هي معركة متشعّبة لديها جوانبها النفسيّة ولديها جوانبها الأخلاقيّة وبالتأكيد لديها جوانبها الوطنيّة.