الجزائر والمشروع الأميركي في عام 1998 وأثناء تولي وليم كوهين وزارة الدفاع الأميركية اقترحت الإدارة الأميركية مشروع لإنشاء قوات سريعة الانتشار تكون مهمتها إنقاذ الأنظمة العربية التي من المتوقع إن تسقط في يد الإسلاميين أو في أيدي شخصيات لا تتمتع بالرضا الأميركي الكامل، وعللت الخطة في حينها، إن بعض الدول التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية تم تكوين مجموعات من الجيش والشرطة لا تستطيع اليوم أن تمنع حدوث انقلاب على الحكم من جانب الإسلاميين أو غيرهم، ولا بد من وجود قوات قريبة من هذه الدول تستطيع التدخل السريع لإنقاذ هذه الأنظمة من السقوط،. وحددت الخطة إقامة بعض القواعد العسكرية الأميركية في البحر الأحمر، والبحر المتوسط، وقد تم رفض الخطة من قبل كل الدول العربية ليس لشيء إلا إنها سوف تظهر تبعية هذه الأنظمة لأميركا ولذلك هي التي تقوم بحمايتها. وسوف يؤدي ذلك إلى كشف هذه الأنظمة أمام شعوبها وبالتالي قد يؤدي إلى زيادة السخط العام داخل المجتمعات العربية، الساخطة على حكامها بسبب توجها الغربي في سياستها الخارجية وخاصة المتعلقة بقضية فلسطين والقضايا الإسلامية. وكان من الطريف - لمن يذكر هذه الواقعة - أنه بعد مغادرة وليم كوهين وزير الدفاع الأميركي الأسبق دولة البحرين ولقائه مع أمير البحرين – قبل أن تكون مملكة – وعرض المشروع عليه وبمجرد وصوله محطته التالية الرياض، توفي أمير البحرين وراج وقتها إن الضغوط الأميركية كانت شديدة ولم يتحمل الرجل فمات تاركاً وراءه اللعنات على الأميركان ومشروعهم. وبلغ الخبر كوهين في الرياض وأعتذر وكأنه شعر بالخجل من فعلته. ورغم مرور كل هذه السنوات إلا إن المشروع الأميركي المقترح بإقامة قواعد عسكرية على البحرين الأحمر والمتوسط لم ينتهي ، وها هو بعد سنوات من التمنع والتردد سقط حكام الجزائر أخيراً في فخ الإملاءات الأميركية المذلة وقبلوا بإقامة قواعد عسكرية أميركية على الأراضي الجزائرية لأول مرة في تاريخ الجزائر. وقد ذكر المعارض الجزائري محمد العربي زيتوت أنه تم الاتفاق مع قائد القوات الأميركية في أفريقيا المعروفة اختصاراً باسم "أفريكوم" الجنرال وليام وورد لدى زيارته للجزائر على صيغة لتأسيس قواعد أميركية مؤقتة ومتنقلة يتم بموجبها استخدام الأراضي الجزائرية وأراضي مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد كلما اقتضت الحاجة لذلك. وقبلت الحكومة الجزائرية بهذه الصيغة بدلاً من الصيغة السابقة التي طرحتها واشنطن على الجزائر والتي كانت تقضي بإقامة قواعد عسكرية ثابتة. ومن أجل تسهيل تمرير هذه الاتفاقية المشينة استخدمت الحكومة الجزائرية كبار الضباط الجزائريين السابقين من خلال إشراكهم في شركات أمنية مع الأميركيين والأوروبيين ليمارسوا بأنفسهم الضغط على الرأي العام وعلى الوسط السياسي المعارض في الجزائر لإيجاد نفوذ عسكري أميركي في الجزائر. والثمن البخس الذي حصل عليه هؤلاء الضباط هو مجرد حماية أميركا لهم من المساءلة القانونية على جرائمهم التي ارتكبوها في تسعينيات القرن الماضي ضد شعبهم. وهكذا نجحت أميركا في استقطاب أول دولة عربية لتنفيذ مشروع الهيمنة الاستعمارية، وقد يقول قائل إن هناك قواعد عسكرية أميركية في قطر والكويت، ولكن هذه القواعد بعيدة عن منطقة البحرين الأحمر والمتوسط، ولذلك عملت على إنشاء قواعد عسكرية جديدة. وهكذا سقطت الزعامات السياسية والقيادات العسكرية الجزائرية بسهولة في قبضة أعداء الأمة مقابل الحماية الشخصية للزعماء المتهمين من أجل الحفاظ على امتيازاتهم ونفوذهم. إن الأمثلة على شراء قيادات سياسية وعسكرية داخل بلاد المسلمين كثيرة وما استطاعت أميركا وحلفاؤها الغربيين تثبيت دخول أميركا إلى العراق إلا بشراء هذه القيادات ومثلما فعلت في العراق، فعلت في أفغانستان وتفعل الآن في باكستان واليوم تدخل قيادات جزائرية إلى نفس المزاد العلني والسري الذي تفتحه أميركا لكل من أراد خدمتها وبيع نفسه وأمته ووطنه مقابل الحماية مرة ومقابل الدولار مرات أخرى. محمود طرشوبي