استضافتهما إذاعة «موزاييك» ظهر أمس وكانت «الصباح» حاضرة. السيد محمد مهدي الشريف وزوجته رباب تونسيان ناجيان من الزلزال الذي هز هايتي يوم 12 جانفي.. كابوس عاشه محمد مهدي ورباب وابنهما الرضيع أحمد ووصفا تفاصيله على أمواج إذاعة «موزاييك» التي بادرت باستضافتهما..
ضرب مهدي الطاولة حول يوم الكابوس يذكر محمد مهدي ل«الصباح»: «يومها أفقت على غير العادة كان إحساسي بحصول شيء ما اتصلت بوالدي 3 مرات وبأمي كذلك.. كانت آخر مكالمة مع والدتي التي لم تتحدث معي طويلا لأنّها كانت في اجتماع مهني واكتفت بالقول «وليدي برّى ربي معاك»».. كنت أردد طيلة اليوم آية الكرسي.. واتصل من حين لآخر بزوجتي».
يومها كان محمد مهدي في عمله في الطابق الخامس وكان مجتمعا مع أعوانه، وفي لحظة غضب ضرب بيده على الطاولة احتجاجا على أحد مساعديه وفي نفس اللحظة ارتجت الأرض فظنها في البداية من تأثيرات غضبه إلى حد شاهد الجميع في مكتبه ينبطح، فظل واقفا لا يعرف ماذا حصل.. وذهب في اعتقاده أنّ المبنى تم تفجيره بعدما سمع الصراخ «الأرض تتحرك.. الأرض تتحرك..» بقي واقفا يكبّر ويشهّد.. إلى حين اهتزاز الأرض مرة ثانية فتشجع مع البعض ممن كانوا معه على النزول من الطابق الخامس إلى خارج المبنى ووقتها اكتشف فظاعة ما حصل.. .الموت في كل مكان والخراب عّم البلاد.. السيارات تحت الأنقاض بمن كانت تحملهم.. «المشهد لا يوصف».. هكذا اختزله محمد مهدي.
ويواصل حديثه ل «الصباح»: «كان همي الوحيد التعرف على مصير زوجتي وابني.. وكيف السبيل إلى ذلك ولا مجال للاتصال.. قررت الجري والركض نحو البيت الذي يبعد كيلومترات عن مكان عملي، وفي الطريق لم تكن هناك سوى مشاهد الخراب والموت.. شرعت في الركض لمدة قاربت الأربع ساعات ولم يكن يوقفني سوى لحظات أمد فيها يد المساعدة لكائن بشري على وشك الموت أو يصرخ داخل سيارة محاصرة بحائط أو شجرة فوقها..».
ويضيف: «وبعد أربع ساعات وصلت إلى البيت وهو جزء من فندق.. وجدت الفندق مستويا بالأرض فتأكدت من هلاك عائلتي الصغرى».
كيف نجوت؟
وهنا تتكلم إلينا رباب مسترجعة الذكريات المؤلمة وتقول: «لم يمض على قدومي إلى هايتي سوى أيام قليلة كانت رائعة بطبيعتها وجمالها ومناخها.. التحقت بزوجي قبل نهاية رأس السنة وما زلت منبهرة بهذه البلاد.. ويوم الكارثة كنت بصدد غسل ثياب ابني أحمد بعد أن رفضت طلب زوجي الإسراع بإعداد الطعام.. رفعت يدي لنشر الغسيل وظلت يدي عالقة مع إحساسي بارتجاج الأرض.. سارعت بأخذ ابني في حضني قبل الرجة الثانية التي كانت أعنف، كان الضجيج قويا.. خفت فمسكت ابني وانبطحت لأجد نفسي بين السرير والحائط.. ليسقط الحائط بعد ذلك، ولا أعرف كيف نجوت.. ولو كنت داخل المطبخ لهلكت.. فتحت الباب ولم أعرف ماذا يحصل.. كل ما كان أمام المنزل اختفى، الحديقة تبخرت بأشجارها وعتادها والنزل الذي يضم منزلنا اختفى بطوابقه».
يأس.. فلقاء
وحول اللقاء بين الزوجين إثر الكارثة أجابتنا رباب: «بعد أربع ساعات وبالتحديد حوالي التاسعة والنصف ليلا وصل محمد مهدي إلى مقر إقامتنا ووجد كل شيء مسّوى بالأرض فلم يدر في خلده نجاتنا إلى حين أعلمه شخص ما أنه شاهدني وابني وهو ما جعله يواصل البحث عني.. كان يناديني استمعت إلى صوته فناديته وكان اللقاء الذي لا يوصف.. عائلة تخرج من الموت لتتلاقى مجددا.. لقد احتضنني زوجي واحتضن ابنه ثم أخذ يصلي ويحمد ربّه»..
وتضيف رباب: «طيلة الأربع ساعات لم ينتبني الشك في سلامة زوجي، كنت متأكدة من أنه على قيد الحياة».
وبعد هذا كانت المشاركة في عمليات الإنقاذ ومد يد المساعدة وكذلك البحث عن مأوى يقي خاصة الطفل الصغير أحمد.. ثم كان التفكير في الاتصال بتونس لطمأنة الأهل وهذا لم يحصل إلا بعد يوم تقريبا حيث لم يكن الاتصال ممكنا إلا عبر الانترنات.. وكانت فرحة الجميع لا توصف خاصة بعد أن بلغ تونس خبر إمكانية أن يكون السيد الهادي العنابي رئيس بعثة الأممالمتحدة من بين الموتى.
وحول علاقة محمد مهدي ورباب بالفقيد العنابي، يقول محمد مهدي إنّ العلاقة كانت طيبة وقد أمضوا ليلة رأس السنة سويا في منزل أحد التونسيين.. وعدّدَ مهدي مناقب الفقيد مترحما على روحه.
كما شدد على توجيه شكره لكل التونسيين وعلى رأسهم رئيس الدولة للسؤال المتواصل عن التونسيين الناجين ومتابعة وضعهم وتسهيل وصولهم إلى تونس رغم فقدان جميع وثائقهم الشخصية من جواز سفر وغيره. وفي رده على سؤالنا حول إمكانية العودة مجددا إلى هايتي لم ينف محمد مهدي ذلك مؤكدا أنه سيعود لاستكمال عمله ومشاريعه هناك.. وإنّ الأعمار بيد الله لكن رباب نفت تفكيرها في العودة مجددا بعد أن بلغت بر الأمان.. تونس. الزوجان وابنهما، اليوم في تونس بعد أن شاهدوا الموت. الزوج خبير في الأممالمتحدة وهو مهندس معلوماتية سافر منذ 7 أكتوبر 2007 إلى هايتي للعمل في الأممالمتحدة ثم عاد بعد عام من الزواج. ظلت زوجته في تونس حيث أنجبت ولدا.. ويوم 22 ديسمبر التحقت رباب بزوجها في هايتي رفقة ابنها.