باريس – بجلبابها البني ونقابها الذى تسدله على وجهها، لا تظهر " نجاة " من وراء تشبيكة خفيفة في أعلي الرأس إلا عينين تميلان إلى السواد قليلا، ولكنهما تخفيان الكثير من عزلة ومعاناة امرأة فرنسية المولد تحاول إخفاء محدودية فهمها الشرعي وألم شعورها بالتمييز من خلال عبارات تتحدى أي قانون فرنسي منتظر يمكن أن يغير ما تعتبره اختيارها الشخصي في بلد علماني "من المفترض أن يتم فيه حماية المعتقدات الدينية". ففي مقر إحدى الجمعيات المسلمة في ضاحية " اولني سو بوا " ( ( Aulnay-sous-Bois شمال العاصمة الفرنسية باريس التقينا نجاة ( 37 سنة ) التي أبت إلا أن تكون حاضرة رفقة شقيقتها التوأم "أسماء" غير المنقبة، غير أن التوافق بين الأختين و قربهما من بعضهما يوحي بأنهما يلتقيان في كل شيء إلا المظهر. " أنا ادع لها لان تتنقب مثلي"، تقول نجاة متوجهة لأختها " أسماء" التي لا تتردد بدورها معلقة بأنها "تفخر بأختها" على الرغم من كونها غير منقبة. وبلغة فرنسية تخلطها من حين إلى آخر بعبارات دارجة " مغربية " - هي لغة والديها القادمين من ريف المغرب الأقصى - لا تتردد نجاة في اعتبار نفسها فرنسية الهوى و الهوية، وهي التي ترعرعت في الدائرة الثامنة من باريس, احد أكثر الدوائر الباريسية الأكثر ثراء. كما لا تشعر "بعقدة النقص " أمام ما تسميهم "الفرنسيين الأصليين" Français de souche ) ) التي يشعر بها مهاجر حط رحالة حديثا في هذه البلاد, ولهذا السبب بالذات لا تخفي نجاة لهجة التحدي بعباراتها الصارمة التي تظهرها لأي قانون يصدر لحظر النقاب. سأكشف وجهي لامرأة فقط وعن رأيها في تقرير اللجنة البرلمانية الفرنسية الذي صدر أواخر شهر يناير الجاري وأوصى بسن قانون يمنع النقاب في الإدارات العمومية ووسائل النقل, تقول نجاة "ما فهمته من هذا التقرير إنهم سيمنعوننا من دخول كل مرافق الدولة ووسائل النقل، وشخصيا إذا حدث و ذهبت إلى إدارة من اجل مجرد اخذ معلومات معينة, فلن أرفع نقابي لأن الأمر لا يتعلق بإثبات بطاقة هويتي". وتضيف قائلة "إذا حدث وطلب مني معرفة هويتي من أجل إجراء عمل إداري ما، فاني سأطالب بان يتم ذلك من قبل امرأة وفي منطقة منعزلة وأما إذا كان هناك رجل أمامي على شباك الإدارة فاني سأمتنع عن الكشف عن وجهي". فرضيات نجاة وبدا من الواضح أن " نجاة " فكرت في كل تفاصيل هذا القانون المنتظر فهي تورد لنا فرضية أخرى قائلة " إذا قصد من هذا القانون إنني يجب أن ارفع النقاب بمجرد دخولي إلى الإدارة إلى غاية خروجي منها أي انه يجب أن انتظر دوري بعد 50 شخص مثلا، فاني سأمتنع عن رفع النقاب حتى يأتي دوري.. عندها ارفعه للتأكد من هويتي ". وعن وسائل النقل العامة التي وردت في تقرير لجنة النقاب تقول المرأة الفرنسية " لا أرى أي معنى لكشف وجهي للمسافرين وإن وجدت بعض المعقولية فيما يتعلق بالإدارات الحكومية ، باستثناء التأكد من هويتي ومطابقتها لبطاقة النقل التي أحملها عند الركوب". نجاة لا تخفي إنها لم تفكر في كل العقبات التي يمكن أن تواجهها حال صدور القانون فهي - كما تقول - واجهت العديد من الصعوبات و الاستفزازات حتى قبل كل هذه الضجة المثارة حاليا حول النقاب. فحينما كانت تقطن في أحد أحياء باريس وقررت ارتداء النقاب سنة 2004، كانت الاستفزازات تلاحقها كلما خرجت من بيتها و تقول أنها تعودت على سماع جمل من قبيل " لسنا في السعودية " أو " الإرهابية المسلمة " و غيرها من الاستفزازات التي دفعتها إلى هجر هذا الحي والخروج من باريس إلى مدينة " اولني سو بوا " حيث تقطن أختها "أسماء". في الحي "الحلال" وتقول نجاة "عندما التحقت بأختي أسماء في هذه المدينة أعجبت بها ووجدت انه يمكنني أن أسكن في هذا "الحي الحلال، فهنا تجد الجزار الحلال و الفتيات المحجبات و المساجد وهنا لا احد يضايقني و لا أضايق احد ". و اشتهرت مدينة "اولني سو بوا " في شمال باريس بكونها المدينة التي عرفت الشرارة الأولى لما عرف بانتفاضة الضواحي بفرنسا سنة 2005. غير أن متاعب نجاة مع نقابها لم تنته كليا بانتقالها إلى ذلك الحي، حيث تقول، " طبعا المرافق الإدارية تظل مشكلة " فحدث يوم 25 يناير الجاري أن ذهبت لتجديد بطاقة هويتي، وبمجرد دخولي لقصر البلدية واجهني - ما علمت فيما بعد- انه مساعد رئيس البلدية المنتخب و توجه إلي مخاطبا بطريقة مشينة، و قال مستهزئا " بأننا لسنا في فترة مهرجان ( كرنفال ) حتى تختفي وراء هذا الستار فنحن في بلد علماني و يجب أن تفهمي هذا، فخرجت من قصر البلدية مصدومة عقب هذا الحوار. رحلة اكتشافي للإسلام ورغم " الصدمات " المتتالية ، فان نجاة لا تخفي من وراء نقابها إنها مصرة أكثر من أي وقت مضى على اختيارها, وتقول في هذا الصدد " أن النقاب كان اختيارا شخصيا لها مئة في المائة في رحلة طويلة اكتشفت فيها الإسلام". وتعود بنا " نجاة " إلى أواخر سنة 1990 عندما طرقت أبواب احد المكتبات الإسلامية الباريسية، يومها تقول " طلبت من البائع كتاب القران بخجل " بعد أن سمعت بهذا الكتاب طويلا بين رفاقها وأصدقائها وهي التي تنحدر من عائلة غير متدينة فهمت فيها إنها تنتمي إلى دين اسمه الإسلام. فكانت تحتفل بالعيدين وترى والدها يقيم الصلاة في فترات متباعدة بالمنزل، وتقول أختها أسماء "كنا ثلاثة في المنزل أنا و نجاة و أخي الصغير وكلما خرج والدنا نصطف لعبا و نشرع في تقليده كيف يصلي مرددين التكبير المتوالي دون أن نفهم ماذا يعنيه كل هذا"! "لم يفارقني القران أبد منذ اشتريته، تضيف نجاة، وبعد القران بدأت اعرف أن هناك السنة النبوية وشيئا فشيء بدأت أتعلم ولبست في البداية الحجاب و بعد أن قرأت أكثر قررت لبس النقاب" وتستدل نجاة على ارتداءها النقاب بالقول "السورة رقم 33 ( الأحزاب ) و الآية 59 إذا لم تخني ذاكرتي حيث أمر الله رسوله أن يسدل النساء خمورهن ثم هناك طبعا تفسير القران، وخاصة تفسير ابن كثير وهو العالم المعروف، والذي أكد كغيره من العلماء و أصحاب الحديث مثل مسلم و البخاري على غطاء كل الوجه، وأن لا تترك المرأة إلا العين اليسرى ظاهرة". وتنفي نجاة يكون وراء ارتدائها للنقاب تأثير شيخ أو زوج فهي مطلقة منذ عدة سنوات. وحول علاقتها بزوجها السابق تقول " كان زوجي خائفا خلال فترة ارتدائي للنقاب رغم انه لم يمنعني من ارتدائه، ففي فرنسا هناك فكرة رائجة أن الزوج هو الذي يفرض النقاب أو الحجاب على زوجته وفي حالتي فان الأمر مختلف لاني اعتقد أن لي شخصية قوية لا تمكن غيري في إجباري على أمر ما". المستقبل ونفاق العلمانية المستقبل، كان شغل نجاة الشاغل فهي، كما تقول، لا تملك حلول سحرية ودائما متحيرة، فكلما فكرت في فرضية " الهجرة " مثلا تعود وتقول إنه على الرغم من حلمها بالعيش في" مكة و المدينة " إلا أن إمكانياتها المادية لا تسمح لها بتحقيق ذلك! فبذلك عليها التعامل مع قانون مفترض، وعليها أيضا التفكير بعمق في المستقبل". غير أنه وبعد تجربة الأشهر الماضية والجدل حول النقاب فان نجاة خرجت بنتيجة "و هي أن العلمانية هي نفاق.. فعندما ننظر في أيام العطل في فرنسا من " نويل " و يوم راس السنة الميلادية إلى عطلة عيد الفصح، نجد إنها كلها أعياد مسيحية فأين هي العلمانية من كل هذا ؟. وتتساءل نجاة "عندما علمونا في المدارس أن العلمانية هي حرية التدين و اختيار كل شخص الدين والطريقة التي تناسبه في لبس ثيابه طبق ما يعتقده، نجد أن ما يحدث الآن مع النقاب هو مخالف لهذا المعنى للعلمانية و اعتقد أن قصد الجدل هو تشويه الإسلام ". وتتساءل نجاة " لماذا يقع الهجوم علينا كمسلمات منقبات و لا يقع توجه هذا الهجوم على الأخوات المسيحيات في الدائرة السادسة عشر من باريس بخمورهن التي لا اعتقد أنها من الأوامر التي نص عليها المسيح .. كما لا احد يفتح فمه و يتهجم على اليهود الارثودوكس المتشحين بالسواد و الذين يطيلون شعورهم مع قبعات كبيرة و يقطعون شوارع فرنسا بالطول و العرض و لا احد يشير إليهم بالبنان ملثما يقع معنا "! وبهذا تخلص نجاة إلى القول أن " الإسلام هو المستهدف، بسبب كل الحركة الكبيرة للعودة للإسلام و لا أتحدث هنا عن حركة اعتناق الإسلام وهو الأمر الذي يبعث على الخوف بالنسبة للبعض ". و تلقت نجاة عندما كنا نجري معها اللقاء، مكالمة هاتفية من نائب رئيس البلدية يعتذر فيها عما بدر منه، وتلا عليها بيانا رسميا صدر من البلدية عن هذا " الحادث العابر ". ومن خلال عينيها فهمنا بالكاد أنها ابتسمت من وراء النقاب لتقول " هذا بفضل الجهود التي قام به الإخوة و خاصة مع اقتراب الانتخابات الجهوية(البلدية)".. هؤلاء "الإخوة " الذين تتحدث عنهم نجاة هم الشباب المسلم في مدينة " اولني سو بوا " الذين هددوا برفع قضية تمييز و مسيرة ضد المسئول وإن كان العديد منهم و كما عبر لنا البعض منهم لا يشاطرون " شرعيا " ما اختارته نجاة من لباس. مصدر الخبر : اسلام أونلاين نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=3975&t="نجاة" منتقبة في معقل العلمانية !&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"