كرة اليد.. قيس الواد يحترف في الغرافة القطري    فاكهة بألف فائدة: لماذا يجب أن تجعل العنب جزء من غذائك اليومي؟    النجم الساحلي يكشف تعاقده رسميا مع ماهر بالصغير والسنغالي الحسن دياو    هكذا سيكون الطقس هذه الليلة    جرجيس: انتشال جثتين لطفلين غرقا بشاطئ حسي الجربي    سليانة: إعفاء الكاتب العام المكلف بتسيير بلدية مكثر من مهامه    المنستير: الإعداد لإحداث ماجستير مهني في مجال الإضاءة المستدامة والذكية بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالمنستير    مقترح قانون لإحداث بنك بريدي: نحو تعزيز الشمول المالي وتوفير خدمات مصرفية للفئات المهمشة    طقس الليلة.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    صابر الرباعي على ركح مهرجان الحمامات الدولي: عرض يراوح بين القديم والجديد ويستجيب لانتظارات الجمهور    باجة: تجميع ربع الانتاج الوطنى من الحبوب وموسم الحصاد يقترب من نهايته    تنبيه للمواطنين: انقطاع واضطراب الماء بهذه المناطق..    عاجل : أحمد الجوادى يتألّق في سنغافورة: ذهبية ثانية في بطولة العالم للسباحة!    بوحجلة :استفادة 700 مواطن من القافلة الصحيّة بمدرسة 24 جانفي 1952    دورة بورتو البرتغالية للتنس: التونسي معز الشرقي يتوج باللقب    تعيين مثير للجدل: ترامب يسلّم منصباً قضائياً لإعلامية من أصول عربية    سيدي بوزيد: تضرر المحاصيل الزراعية بسبب تساقط البرد    اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    ''السوبر تونسي اليوم: وقتاش و فين ؟''    عاجل : نادي الوحدات الاردني يُنهي تعاقده مع المدرب قيس اليعقوبي    منزل بوزلفة:عمال مصب النفايات بالرحمة يواصلون اعتصامهم لليوم الثالث    إيران: لم نطرد مفتشي الوكالة الدولية بل غادروا طوعاً    تواصل الحملة الأمنية المصرية على التيك توكرز.. القبض على بلوغر شهير يقدم نفسه كضابط سابق    بلاغ هام لوزارة التشغيل..#خبر_عاجل    عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية    بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    درجات حرارة تفوق المعدلات    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحسن الثاني وأشياء أخرى.. لمحات من سيرة محمد خيرالدين
نشر في الحوار نت يوم 31 - 01 - 2010

بداية سنوات التسعينات، وجراء استفحال إصابته بداء السرطان الماكر، أضحى الكاتب والشاعر المغربي خيرالدين لصيقا بفراشه، فراكم جملة مراسلات قيمة مع شخصيات مشهورة مثل الحسن الثاني.
هكذا، نكتشف الرجل من خلال كتاباته الأكثر حميمية وهو غارق في عالم هذه المراسلات المثيرة، التي لم يسبق نشرها، وقد مست بطريقة خاصة، تعقد هويتنا وشيزوفرينية المجتمع المغربي ثم المآسي الوجودية لحقبتنا. يتذكر، علال سيناصر، لقاءه الأول مع محمد خير الدين "حدث ذلك أثناء شتاء 1965، في إحدى اللقاءات الحماسية التي قادها بن بركة واليوسفي، بمكان يسمى "الثعبان" يتواجد داخل منطقة لا تبتعد كثيرا عن ثانوية "Fénelon"؛ بعد لقاء فجئي وعابر، نشأت صداقة عميقة، توطدت بيننا حتى بعد رحيلي عن باريس، وعودتي إلى المغرب".
ثم، يضيف سيناصر بتحسر: "قلة جدا هم الأفراد الذين يعرفون حقا خيرالدين، ليس لانغلاقه على نفسه، ولكنه صاحب حساسية مرضية، تجعله يدرك مالم يقصده الآخرون، فكان باستمرار غير مفهوم".
سنة 1992، بدأ سرطان خبيث ينخر جسد خيرالدين، وهو يعيش أقصى درجات الفاقة، اتصل بصديقه الوفيّ علال سيناصر وزير الثقافة آنذاك، من أجل طرح وضعيته على الحسن الثاني، الذي سيتكفل فعلا بمصاريف علاجه.
طيلة السنوات الخمس السابقة لموته، أُجبر خيرالدين على التواصل بطريقة غير مباشرة عبر الكتابة. نتيجة، لعزلته مع معاناة المرض، فظهرت هاته المراسلات الغنية، التي احتفظ بها بعناية، وزير الثقافة السابق في حكومة الحسن الثاني. رسائل، كُتبت أساسا بين سنوات 1992 و1995، أي فترة أوج المرض.
وثائق، لم يطلع عليها العموم، نقف معها على مضامين، يحاذي فيها المبتذل تلك التحليقات الغنائية الكبيرة، وتحضر أتفه الأشياء المادية إلى جوار أهم الجدالات الأنطولوجية. توجه، خيرالدين إلى أصدقائه، بواسطة رسائل يصف فيها معطيات اليومي، كما يطرح تساؤلات بخصوص قضايا العصر الكبرى التي تلهم الإنسانية.
إذا كان العديد منها، لا يمثل إلا قيمة صغيرة، وهي تجتر فقط الأحداث اليومية التي عاشها الكاتب، فإن قسما كبيرا آخر انبنى على قيمة راقية سواء بما ميز كتابتها من خاصية، أو لأهمية الموضوعات التي تناولتها بحيث، تلمست بطريقة جوهرية، تعقد تاريخ بلدنا، وأمراض الفصام مثلما يعبر عنها المجتمع المغربي وعلاقاته المتسمة غالبا بالنفاق.
القراءة التي أنجزناها لهاته الكتابات غير المتداولة، تميزت بطابعها التعسفي، حينما اخترنا النصوص المعبرة أكثر عن شخصية الكاتب، أو هواجس الحقبة الوجودية.
1- أعماله
نشر خيرالدين أولى قصائده، بداية الستينات، في صفحات منبر: "La vigie marocaine". قبل، أن تحتضنه الهيئة المشرفة على مجلة "Souffles" برئاسة، الشاعر عبد اللطيف اللعبي. سنة 1966، أخرج للجمهور روايته الأولى "Agadir "، عن منشورات "Seuil". عمل، أجمع النقد الفرنسي على الاحتفال به، وهو المعروف بعدم التفاته كثيرا إلى الكتاب المغاربة الفرنكفونيين. كما تُوّج، بالجائزة المسماة "Enfants Terribles" التي أسسها كوكتو.
هكذا، تحسست، دار النشر " le Seuil" الربح، فاقتفت خطوات خيرالدين، وتبنت مشاريع إصدار أعماله "2".
بعد فترة فراغ طويلة، تهاوى خلالها خيرالدين إلى جحيم إدمان الكحول وتجربة اجتياز فترة ضياع مؤلمة، سيرفع خيرالدين هامته من جديد، حينما أصدر سنة 1984 عمله: " Une vie, un rêve, un peuple toujours errants" ، دائما عن دار النشر Seuil le، ثم تواصل مساره الإبداعي بآخر مجموعته الشعرية "Mémorial". كما، ساهم في إشعاع مجلات عديدة "3".
سنة 1967، أحرزت قصائده نجاحا كبيرا عبر صفحات مجلتي "Les Temps Modernes" و"Le Journal des Poètes" وحاز، على جائزة "La Nouvelle Maghrébine" تقديرا لنصه "L'enterrement". سنوات قليلة، قبل استسلامه لغدر المرض. تمكّنه من لغة موليير مع ما ميز كتاباته من عمق، أديا إلى إثارة انتباه جان بول سارتر وأندري مالرو ومبدعين آخرين. تُرجمت، إنتاجاته إلى لغات مختلفة من بينها الألمانية.يحتل إذن، الطفل المدهش للأدب المغربي، مكانا استثنائيا.
2- الشخصية
لا نعرف إلا القليل عن حياته الخاصة، اللهم طفولة صعبة وقاسية، كما هو حال شاب عاصر أوضاع القمع طيلة سنوات الرصاص تحت سلطة نظام أصر على تسوية مجتمع بأكمله إلى الأسفل.
حينما ندرج اسم خيرالدين على موقع غوغل فإننا لا نحصل على أي شيء، بينما يمثل هذا الكاتب أحد الوجوه الأساسية للأدب المغربي. ابن تاجر سوسي، ولد سنة 1941 بتفراوت جنوب المغرب. عموما، قضى طفولة عادية في كنف أمّ تبدي عطفا وحنانا زائدين، أي ما يشكل سمة النساء الأمازيغيات، دون غيرهن. أمّ، أجبرخير الدين على تركها، وهو بعد في سن المدرسة لكي يلتحق بمدينة الدار البيضاء. في حين، الأب والذي طلق الأمّ، تخلى عن الطفل، جسد دائما منبع حنق لازم خيرالدين باستمرار.
بين فقرات بعض نصوصه، شبه الأب بالطاغية. أما روايته: "Histoire d'un bon Dieu"، فتنهض على تداخل قوي ل: الله، الملك، والأب. رؤية، تنتقد السلطة بجرأة، وتذكرنا بكتّاب آخرين ينتمون إلى جيل خيرالدين، مثل ادريس الشرايبي، لن يتردد كي يبصق في وجه أبيه، بل ومناداته ب"السيد" على امتداد صفحات روايته: "Le Passé Simple".
سنة 1960، قدم خيرالدين إلى أكادير، تاريخ تصادف مع حدوث الهزة الأ رضية المهولة التي عصفت بلؤلؤة الجنوب ليلة 29 فبراير 1960. وظّف، الكاتب هذا الحدث المؤلم لصياغة خطوط روايته الأولى "أكادير".
أما رحيله إلى فرنسا سنة 1965، فقد مكنه على الفور من أن يضع على محك الإختبار نموذج الجمهورية المستضيفة، حيث اضطر بين سنوات 1965 و1980 للقيام بأعمال شاقة من أجل توفير لقمة العيش في الغاب الباريسي. فهو مرة عاملا منجميا، ومرة ثانية، مياوم.
كتب رسالة حزينة إلى عبد اللطيف اللعبي، يقول فيها: "أمارس عملا حقيرا، ولا أتوفر على مسكن، أكتب في المقاهي، ثمنا لآلاف الأوجاع، أعاني من الهلع".
خلال تلك الفترة، جاء نصه الرائع: "Faune détériorée" سنة 1966، على صفحات مجلة: "Encres Vives"، متضمنا كل معاناته. وحينما شرع في تهييئ برامج ثقافية ليلية لإذاعة فرنسا-الثقافية، أتيحت لخيرالدين فرصة لقاء نجوم ثورة 1968: سارتر ;مالرو وسيزير،... إلى جانب آخرين.
سنة 1980، اشتد شوقه للبلد، لكنه خشي على نفسه أن تضايقه المخابرات السرية للمملكة لذلك، اتصل ببعض أصدقائه مثل سنغور على سبيل الذكر، لرصد معطيات الحقل قبل عودته.
بعد مسار إبداعي غزير، وإصداره لأول عرض حكائي تحت عنوان: "Légende et vie d'Agoun chich" 1984، مبرزا ارتباطه بهذا الجنوب الذي كثيرا ما تحدث عنه بمشاعر الإجلال. انخرط خير الدين، ثانية، في حياة الخمر، مرتحلا من حانة إلى أخرى، مصطحبا ضجره حتى سنة 1995، وقد هزمه السرطان كليا.
3- رسالة إلى الحسن الثاني
إذا لم يكن خيرالدين ليّنا مع نظام الحسن الثاني، فيجب على الأقل الإعتراف للملك، بميزة رفضه أن يجعل من هذا الكاتب صاحب الشهرة العالمية، عدوا إضافيا. بخلاف نظرائه، لم يعش خيرالدين بشكل مباشر أهوال معتقل درب مولاي الشريف، أو فظاعات سجن قلعة مكونة. عملاء، جهاز الكاب1، كانت لديهم تعليمات تنص على الاكتفاء فقط بمراقبة الكاتب واقتفاء آثاره. حينما، استفحل مرض خيرالدين، لم يكن في جيبه ثمن لاقتناء علبة أسبيرين. لذلك، فإن مبادرة الحسن الثاني نحوه، بأن يأخذ على عاتقه مصاريف علاجه، أثرت فيه كثيرا. لذا، بعث خيرالدين برسائل عديدة إلى الملك، وضعته عند صورة تطور مرضه كما حافظت على تواصل دائم بينهما. الحسن الثاني، سيجيب على رسائله عبر قنوات مختلفة.
في مراسلة تؤرخ ليوم 5 أكتوبر 1993، يصف خيرالدين ألمه للملك، ويتحدث بحماس عن مشاريعه الأدبية، والتي لن ترى النور: "صاحب الجلالة، لقد تسلل الورم الخبيث إلى مفصل الفك الأيسر، مما يمنعني من مضغ المواد الصلبة، أكتفي حاليا بتناول بعض الحساء الخفيف ومشروبات أخرى. كما انضافت آلاف الهموم الصغيرة نتيجة للحصص العلاجية بكل ما يحمله ذلك من دلالة، لكنني أتحمل الوضع برباطة جأش، وحدها، إرادة قوية يمكنها الصمود أمام هذا الداء المخادع.
وبعد،
فعلى، الرغم من كل شيء، أكتب بانتظام مقاطع من النثر الشعري، أفكر في تجميعها ضمن عمل يصدره الناشر"Cherche Midi"، وأعتقد بأنني سأسلم قبل نهاية السنة الشكل النهائي لمسودة ستتضمن ما بين120 و130 صفحة قوية جدا. ليس الأمر صعبا جدا، يلزم فقط استثمار الإلهام، وهو كما تعرفون لحظة متميزة ومنفلتة. ذلك كل ما في الأمر.
يجدر بي، في الواقع، إخراج شيء جديد إلى القارئ سنة 1994، بهذا الصدد، وقعت عقدين مع نفس الناشر "Cherche Midi"، يهم الأول رواية أشتغل عليها، بينما يتضمن الثاني إنتاج مجموعة قصص. أرفض تسميتها هكذا، لكنه، العنوان؟ سيكون ببساطة ما يلي: "نثر". اضح وجميل، هذا، يذكرني ببساطة ب"بيير ريفيردي" "Pierre Reverdy". نعم، يجب التحلي بالبساطة أكثر فأكثر،.... إجمالا، لقد توقفت حاليا عن التدخين وتعاطي للكحول، بالتالي، لا أضيع وقتي في التفاهات، إذا منحني الله الحياة، فسأنهي عشرة كتب قبل 2005، تتميز بأسلوبها، وفكرها الجديدين، لدي، إلى حد ما خزائن، أتمنى إزالة النقاب عنها".
4- العربية
تمسّك خيرالدين دائما بأمازيغيته، إلى حد جعل منه البعض مبشرا بالقضية الأمازيغية. لقد اعتنق الحركة الثقافية للأمازيغ منذ ولادتها، إلا أن تعلقه بهويته بقي في غير حاجة إلى مذهب. ورغم، عدم كتابته باللغة العربية، فقد كان ضبطه لها ممتازا. في إشارة رائعة، معلقا على قراءته لمعجم "كولان" Colin المخصص للعربية المحلية المغربية، يدافع خيرالدين عن اللغة العربية، بل سيذهب أبعد من ذلك في تقديره للهجة المغربية قائلا: "أحب كولان المغرب، وعشق تاريخه، عاداته، وتقاليده، باختصار، كل هاته الثقافة الثرية، وبشكل خاص، تلك التي نستشف معها الحياة أكثر من ظلال متحف منغلق. لقد افتتن بأحاديث المغاربة، ستتجلى، هذه اللغة الشاملة أمام أعينه كل يوم، بالتالي يستحيل عليه الإنفلات من سطوة مذاقها.
وبالفعل، فضل كولان مصاحبة أصدقائه داخل المؤسسة، عمال منبوذين، يثرثر معهم طويلا دون تصنع وبكل عفوية، إنه يفهمهم و يحبهم، كما اعتبروه بدورهم واحدا منهم.لقد كان ذلك الأساس ذاته الذي استدعى المادة الأساسية لإنجاز معجم يتطابق بشكل رائع مع تاريخيت وكذا تطور العربية العامية المغربية".
5- الفنانون
راكم خيرالدين مجموعة صداقات همت فناني فترته. فقد عاشر، رسامين موهوبين ماتوا تحت مخالب البؤس والحاجة، ثم فكاهيين أبعدتهم الرقابة المهيمنة إلى أسفل موضع يتواجد في قاعات سينمائية رديئة، أو أيضا شعراء منبوذين يعيشون ويموتون دون أن يكتشفهم أحد. كتب خير الدين نصا عنونه ب: Vue de la canopéeيخاطب فيه بزيز، الفكاهي الأكثر مراقبة في المملكة: "الغابة البدائية، لا تخمد أبدا، تهتز وتتنفس على إيقاع دافئ ورطب لتجليات الإنبات القديم، لا أحد بإمكانه عد مقدار الكائنات الصغيرة جدا التي تتناسل وسط هذا التشابك النباتي الفاخر، أو الغابة العذراء كما يسميها العامي.... تخفي هذه الأمازون خزائن، لم يكن أبدا بوسع علي بابا أن يحلم بها أبدا.
الذهب موجود في كل مكان يتلألأ في طمي الأنهر، بحيث يفقد الرجل الأبيض الباحث عن الذهب صوابه وهو يطرد الهندي تحت طلقات بندقيته، حينما لا يلبي هواجسه العديدة....".
6- الصحافة
كان خير الدين في نزاع مستمر مع الصحافيين.اتسمت، العلاقة بينهما بخلافات كثيرة و التباسات مع ضربات في الأسفل.هو، الذي عاش الأمداح في أوروبا، سيتجاهله بغطرسة النقد الأدبي الفظ.
وصل سوء الفهم هذا ذروته مع مرض الكاتب، أقلام حاقدة عرفت كيف تتناوب كي تنظم دوريا مراسيم جنازته.يدافع، خير الدين عن نفسه، قدر المستطاع: "يجب إعادة الامور إلى وضعها الطبيعي، ونخرس الأصوات الصحافية السيئة.... تشوّه إعلامي واضح، ونوع من التلاعب، يوظف لفافة معلومات من أجل دغدغة عاطفة جماهيرية مهيأة دائما للإنفجار، مخجل، حقا؟ عدد لا يحصى من الأفراد أسرعوا إلى معهد السرطان، ظنا منهم بأنني وصلت مرحلتي النهائية. نحتاج إلى صحافة حقيقية وصحافيين نوعيين بدلا من الشيطان؟ مما يحتم القيام ثانية ببناء جوهري لوسائل الإعلام. قد نصل إلى ذلك، لكن بأي ثمن؟".
7-المرأة
اتصفت علاقات خيرالدين مع النساء بكل شيء، إلا أن تكون هادئة. فعلا، تزوج، لكن هذا الشاعر الغنائي المزعج جدا، يستحيل عليه الإقتناع بحياة زوجية رتيبة، من هنا تأرجحه بين الشارع والمنزل، تتوزعه حياة التجوال والإستقرار لأنه رب أسرة. لكن، ينتابه في الغالب إحساس يلزمه بتمجيد المرأة: "عدد كبير من أبناء العهد القديم، أسقطوا على المرأة لعنة مرتبطة بالخطيئة الأولى: إغراء حواء من قبل الشيطان المتقنع في ثعبان، استهلاك الفاكهة المحظورة، ثم السقوط.
هذه الإدانة القطعية مست بعمق وغيرت بالتالي الذهنيات والسلوكات الترابطية على الرغم من أن مقاطع عديدة وردت في التوراة، أعادت الإعتبار للمرأة، إلا أنها بقيت تلك الضحية الرائعة".
8-الكحول
خيرالدين مدمن على الخمر، بعد أن أزبد وأرغى في حانات الدارالبيضاء، احتل بابتهاج حانات العاصمة. حالات سكره أسطورية، بحيث قد يبادر للقيام بعنف استثنائي حينما يكون ثملا. لكن، القليل من يعرف، بأنه توقف عن التعاطي للكحول قبل وفاته، للتدليل على هذه الحقيقة، نعود إلى رسالته المكتوبة سنة 1994: "الآن، وقد خرجت من غيتو الكحول والسيجارة، أشتغل بلا انقطاع.
بالتأكيد، لقد خسرت زمنا مهما، حينما عملت على إرجاء الأشياء إلى الغد، كان ذلك تكاسلا فظيعا نتيجة للضجر. ذكرني الوضع بقنصل في إحدى الروايات الشهيرة، وهو يقول: أنا فوق بركان لا يتوقف أبدا. الكحول، عذاب فظيع، قد لا يظهر لنا. سجن حقيقي، يصعب جدا التخلص منه، فيما يخصني، لا أظن أبدا بأنني أدمنت الكحول أو كنت مدخنا حقيقيا، الدليل، لا أفكر في أي منهما. بالطبع، أثناء الأكل، أتناول كأسا ممتلئا من مشروب نبيذ بوردوBordeaux ، أما الإلتجاء إلى طاولة للشرب أو وضع اليد على علبة للسجائر، فلا؟".
9-المرض
أشهر قليلة، قبل الرحيل الكبير لخير الدين، صار ضعيفا جدا، تزيده الأسئلة الأنطولوجية أرقا: "على الرغم من مشاق المرض، والتي أتجنب التفكير فيها، أواصل الكتابة، إلا أنني أعجز على أن أستعيد ثانية خيط الرواية التي ابتدأتها السنة الماضية بباريس، مما يحتم عملا مثابرا و تركيزا طيلة كل اللحظات، لن، أشرع من جديد في هذا العمل، إلا إذا شفيت تماما من الورم الخبيث و الذي تسبب لي حتما في مشاكل جدية، فأشعة غاماGamma - عشرة حصص علاجية إشعاعية-أحدثت داخل فمي التهابا قويا، بالكاد، أحرك لساني كي أبتلع متجنبا كثرة الحديث، كل حركة للسان تثير هيجاني، بالنسبة لشخص وصف في أعماله كل أشكال الجحيم، فإن العذاب الحالي مختلف حقا، لم يخطر أبدا على بالي. باختصار، سيمر كل هذا".*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.