الحماية المدنية : إطفاء 189 حريقا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    السياحة والتحويلات تغطيان أكثر من 80% من الدين الخارجي لتونس    إيران تعلن تفكيك خلية تجسس تابعة للموساد في طهران    كأس العالم للأندية: التعادل يحسم مواجهة إنتر ميلان الإيطالي ومونتيري المكسيكي    تونس تحتضن بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية للناشئين تحت 17 سنة بمدينة الحمامات    كرة السلة: النادي الافريقي يعزز صفوفه باللاعب الدولي اسامة المرناوي    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    الأسلحة النووية: كيف تُصنع ولماذا تُعد أخطر أسلحة العالم؟    ميتا تعبر عن قلقها من مطالبة إيران مواطنيها بالتوقف عن استخدام واتساب    مادورو يوجه نداء إلى الصين وروسيا ودول عالم الجنوب لدعم إيران وإيقاف جنون نتنياهو    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    نسبة امتلاء السدود حاليا    أحمد ونيس: مخاطر التدخل الأميركي في الحرب تُهدّد بتصعيد عالمي    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    العرب في قلب الحدث: أبرز مواجهات اليوم في كأس العالم للأندية ...التوقيت    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    علاش يلسعك إنت بالذات؟ 5 أسباب تخليك ''هدف مفضل'' للناموس!    أطعمة تزداد فائدتها بعد التبريد: مفاجآت صحية في ثلاجتك!    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    مدينة العلوم تقدّم أنشطة مجانية السّبت المقبل بمناسبة اليوم العالمي للشمس والانقلاب الصّيفي    صاروخ ''فتاح'' يثر الرعب ...يتخفى و يناور ...شنية حكايتوا ؟    لماذا رفضت وزارة العدل توثيق الطلاق لدى عدول الإشهاد؟    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    واشنطن قد تدخل الحرب وطهران تتوعد    ايرادات السدود ارتفعت ب 200 مليون متر مكعب بالمقارنة مع العام الماضي    50 مقاتلة تشن غارات بطهران وصواريخ "فتّاح" تستهدف إسرائيل للمرة الأولى    بيب غوارديولا.. عائلتي تحب تونس    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    إختيار 24 عينة فائزة في الدورة الثامنة لجائزة أحسن زيت زيتون تونسي بكر ممتاز    مع تراجع المستوى التعليمي وضعف التقييم...آن الأوان لإجبارية «السيزيام»؟    تدشين قسم طب الولدان بمستشفى شارل نيكول بمواصفات متطورة    ملتقى تونس الدولي لألعاب القوى: التونسي بشير عقوبي يفوز ببرونزية سباق 1500 متر    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    عاجل/ بلاغ هام حول التجارة عبر الانترنات    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    ماهر الكنزاري : " أشعر بالفخر بما قدموه اللاعبون"    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    سعيّد يؤكد لدى استقباله رئيسة الحكومة: لا أحد فوق المساءلة والقانون    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحسن الثاني وأشياء أخرى.. لمحات من سيرة محمد خيرالدين
نشر في الحوار نت يوم 31 - 01 - 2010

بداية سنوات التسعينات، وجراء استفحال إصابته بداء السرطان الماكر، أضحى الكاتب والشاعر المغربي خيرالدين لصيقا بفراشه، فراكم جملة مراسلات قيمة مع شخصيات مشهورة مثل الحسن الثاني.
هكذا، نكتشف الرجل من خلال كتاباته الأكثر حميمية وهو غارق في عالم هذه المراسلات المثيرة، التي لم يسبق نشرها، وقد مست بطريقة خاصة، تعقد هويتنا وشيزوفرينية المجتمع المغربي ثم المآسي الوجودية لحقبتنا. يتذكر، علال سيناصر، لقاءه الأول مع محمد خير الدين "حدث ذلك أثناء شتاء 1965، في إحدى اللقاءات الحماسية التي قادها بن بركة واليوسفي، بمكان يسمى "الثعبان" يتواجد داخل منطقة لا تبتعد كثيرا عن ثانوية "Fénelon"؛ بعد لقاء فجئي وعابر، نشأت صداقة عميقة، توطدت بيننا حتى بعد رحيلي عن باريس، وعودتي إلى المغرب".
ثم، يضيف سيناصر بتحسر: "قلة جدا هم الأفراد الذين يعرفون حقا خيرالدين، ليس لانغلاقه على نفسه، ولكنه صاحب حساسية مرضية، تجعله يدرك مالم يقصده الآخرون، فكان باستمرار غير مفهوم".
سنة 1992، بدأ سرطان خبيث ينخر جسد خيرالدين، وهو يعيش أقصى درجات الفاقة، اتصل بصديقه الوفيّ علال سيناصر وزير الثقافة آنذاك، من أجل طرح وضعيته على الحسن الثاني، الذي سيتكفل فعلا بمصاريف علاجه.
طيلة السنوات الخمس السابقة لموته، أُجبر خيرالدين على التواصل بطريقة غير مباشرة عبر الكتابة. نتيجة، لعزلته مع معاناة المرض، فظهرت هاته المراسلات الغنية، التي احتفظ بها بعناية، وزير الثقافة السابق في حكومة الحسن الثاني. رسائل، كُتبت أساسا بين سنوات 1992 و1995، أي فترة أوج المرض.
وثائق، لم يطلع عليها العموم، نقف معها على مضامين، يحاذي فيها المبتذل تلك التحليقات الغنائية الكبيرة، وتحضر أتفه الأشياء المادية إلى جوار أهم الجدالات الأنطولوجية. توجه، خيرالدين إلى أصدقائه، بواسطة رسائل يصف فيها معطيات اليومي، كما يطرح تساؤلات بخصوص قضايا العصر الكبرى التي تلهم الإنسانية.
إذا كان العديد منها، لا يمثل إلا قيمة صغيرة، وهي تجتر فقط الأحداث اليومية التي عاشها الكاتب، فإن قسما كبيرا آخر انبنى على قيمة راقية سواء بما ميز كتابتها من خاصية، أو لأهمية الموضوعات التي تناولتها بحيث، تلمست بطريقة جوهرية، تعقد تاريخ بلدنا، وأمراض الفصام مثلما يعبر عنها المجتمع المغربي وعلاقاته المتسمة غالبا بالنفاق.
القراءة التي أنجزناها لهاته الكتابات غير المتداولة، تميزت بطابعها التعسفي، حينما اخترنا النصوص المعبرة أكثر عن شخصية الكاتب، أو هواجس الحقبة الوجودية.
1- أعماله
نشر خيرالدين أولى قصائده، بداية الستينات، في صفحات منبر: "La vigie marocaine". قبل، أن تحتضنه الهيئة المشرفة على مجلة "Souffles" برئاسة، الشاعر عبد اللطيف اللعبي. سنة 1966، أخرج للجمهور روايته الأولى "Agadir "، عن منشورات "Seuil". عمل، أجمع النقد الفرنسي على الاحتفال به، وهو المعروف بعدم التفاته كثيرا إلى الكتاب المغاربة الفرنكفونيين. كما تُوّج، بالجائزة المسماة "Enfants Terribles" التي أسسها كوكتو.
هكذا، تحسست، دار النشر " le Seuil" الربح، فاقتفت خطوات خيرالدين، وتبنت مشاريع إصدار أعماله "2".
بعد فترة فراغ طويلة، تهاوى خلالها خيرالدين إلى جحيم إدمان الكحول وتجربة اجتياز فترة ضياع مؤلمة، سيرفع خيرالدين هامته من جديد، حينما أصدر سنة 1984 عمله: " Une vie, un rêve, un peuple toujours errants" ، دائما عن دار النشر Seuil le، ثم تواصل مساره الإبداعي بآخر مجموعته الشعرية "Mémorial". كما، ساهم في إشعاع مجلات عديدة "3".
سنة 1967، أحرزت قصائده نجاحا كبيرا عبر صفحات مجلتي "Les Temps Modernes" و"Le Journal des Poètes" وحاز، على جائزة "La Nouvelle Maghrébine" تقديرا لنصه "L'enterrement". سنوات قليلة، قبل استسلامه لغدر المرض. تمكّنه من لغة موليير مع ما ميز كتاباته من عمق، أديا إلى إثارة انتباه جان بول سارتر وأندري مالرو ومبدعين آخرين. تُرجمت، إنتاجاته إلى لغات مختلفة من بينها الألمانية.يحتل إذن، الطفل المدهش للأدب المغربي، مكانا استثنائيا.
2- الشخصية
لا نعرف إلا القليل عن حياته الخاصة، اللهم طفولة صعبة وقاسية، كما هو حال شاب عاصر أوضاع القمع طيلة سنوات الرصاص تحت سلطة نظام أصر على تسوية مجتمع بأكمله إلى الأسفل.
حينما ندرج اسم خيرالدين على موقع غوغل فإننا لا نحصل على أي شيء، بينما يمثل هذا الكاتب أحد الوجوه الأساسية للأدب المغربي. ابن تاجر سوسي، ولد سنة 1941 بتفراوت جنوب المغرب. عموما، قضى طفولة عادية في كنف أمّ تبدي عطفا وحنانا زائدين، أي ما يشكل سمة النساء الأمازيغيات، دون غيرهن. أمّ، أجبرخير الدين على تركها، وهو بعد في سن المدرسة لكي يلتحق بمدينة الدار البيضاء. في حين، الأب والذي طلق الأمّ، تخلى عن الطفل، جسد دائما منبع حنق لازم خيرالدين باستمرار.
بين فقرات بعض نصوصه، شبه الأب بالطاغية. أما روايته: "Histoire d'un bon Dieu"، فتنهض على تداخل قوي ل: الله، الملك، والأب. رؤية، تنتقد السلطة بجرأة، وتذكرنا بكتّاب آخرين ينتمون إلى جيل خيرالدين، مثل ادريس الشرايبي، لن يتردد كي يبصق في وجه أبيه، بل ومناداته ب"السيد" على امتداد صفحات روايته: "Le Passé Simple".
سنة 1960، قدم خيرالدين إلى أكادير، تاريخ تصادف مع حدوث الهزة الأ رضية المهولة التي عصفت بلؤلؤة الجنوب ليلة 29 فبراير 1960. وظّف، الكاتب هذا الحدث المؤلم لصياغة خطوط روايته الأولى "أكادير".
أما رحيله إلى فرنسا سنة 1965، فقد مكنه على الفور من أن يضع على محك الإختبار نموذج الجمهورية المستضيفة، حيث اضطر بين سنوات 1965 و1980 للقيام بأعمال شاقة من أجل توفير لقمة العيش في الغاب الباريسي. فهو مرة عاملا منجميا، ومرة ثانية، مياوم.
كتب رسالة حزينة إلى عبد اللطيف اللعبي، يقول فيها: "أمارس عملا حقيرا، ولا أتوفر على مسكن، أكتب في المقاهي، ثمنا لآلاف الأوجاع، أعاني من الهلع".
خلال تلك الفترة، جاء نصه الرائع: "Faune détériorée" سنة 1966، على صفحات مجلة: "Encres Vives"، متضمنا كل معاناته. وحينما شرع في تهييئ برامج ثقافية ليلية لإذاعة فرنسا-الثقافية، أتيحت لخيرالدين فرصة لقاء نجوم ثورة 1968: سارتر ;مالرو وسيزير،... إلى جانب آخرين.
سنة 1980، اشتد شوقه للبلد، لكنه خشي على نفسه أن تضايقه المخابرات السرية للمملكة لذلك، اتصل ببعض أصدقائه مثل سنغور على سبيل الذكر، لرصد معطيات الحقل قبل عودته.
بعد مسار إبداعي غزير، وإصداره لأول عرض حكائي تحت عنوان: "Légende et vie d'Agoun chich" 1984، مبرزا ارتباطه بهذا الجنوب الذي كثيرا ما تحدث عنه بمشاعر الإجلال. انخرط خير الدين، ثانية، في حياة الخمر، مرتحلا من حانة إلى أخرى، مصطحبا ضجره حتى سنة 1995، وقد هزمه السرطان كليا.
3- رسالة إلى الحسن الثاني
إذا لم يكن خيرالدين ليّنا مع نظام الحسن الثاني، فيجب على الأقل الإعتراف للملك، بميزة رفضه أن يجعل من هذا الكاتب صاحب الشهرة العالمية، عدوا إضافيا. بخلاف نظرائه، لم يعش خيرالدين بشكل مباشر أهوال معتقل درب مولاي الشريف، أو فظاعات سجن قلعة مكونة. عملاء، جهاز الكاب1، كانت لديهم تعليمات تنص على الاكتفاء فقط بمراقبة الكاتب واقتفاء آثاره. حينما، استفحل مرض خيرالدين، لم يكن في جيبه ثمن لاقتناء علبة أسبيرين. لذلك، فإن مبادرة الحسن الثاني نحوه، بأن يأخذ على عاتقه مصاريف علاجه، أثرت فيه كثيرا. لذا، بعث خيرالدين برسائل عديدة إلى الملك، وضعته عند صورة تطور مرضه كما حافظت على تواصل دائم بينهما. الحسن الثاني، سيجيب على رسائله عبر قنوات مختلفة.
في مراسلة تؤرخ ليوم 5 أكتوبر 1993، يصف خيرالدين ألمه للملك، ويتحدث بحماس عن مشاريعه الأدبية، والتي لن ترى النور: "صاحب الجلالة، لقد تسلل الورم الخبيث إلى مفصل الفك الأيسر، مما يمنعني من مضغ المواد الصلبة، أكتفي حاليا بتناول بعض الحساء الخفيف ومشروبات أخرى. كما انضافت آلاف الهموم الصغيرة نتيجة للحصص العلاجية بكل ما يحمله ذلك من دلالة، لكنني أتحمل الوضع برباطة جأش، وحدها، إرادة قوية يمكنها الصمود أمام هذا الداء المخادع.
وبعد،
فعلى، الرغم من كل شيء، أكتب بانتظام مقاطع من النثر الشعري، أفكر في تجميعها ضمن عمل يصدره الناشر"Cherche Midi"، وأعتقد بأنني سأسلم قبل نهاية السنة الشكل النهائي لمسودة ستتضمن ما بين120 و130 صفحة قوية جدا. ليس الأمر صعبا جدا، يلزم فقط استثمار الإلهام، وهو كما تعرفون لحظة متميزة ومنفلتة. ذلك كل ما في الأمر.
يجدر بي، في الواقع، إخراج شيء جديد إلى القارئ سنة 1994، بهذا الصدد، وقعت عقدين مع نفس الناشر "Cherche Midi"، يهم الأول رواية أشتغل عليها، بينما يتضمن الثاني إنتاج مجموعة قصص. أرفض تسميتها هكذا، لكنه، العنوان؟ سيكون ببساطة ما يلي: "نثر". اضح وجميل، هذا، يذكرني ببساطة ب"بيير ريفيردي" "Pierre Reverdy". نعم، يجب التحلي بالبساطة أكثر فأكثر،.... إجمالا، لقد توقفت حاليا عن التدخين وتعاطي للكحول، بالتالي، لا أضيع وقتي في التفاهات، إذا منحني الله الحياة، فسأنهي عشرة كتب قبل 2005، تتميز بأسلوبها، وفكرها الجديدين، لدي، إلى حد ما خزائن، أتمنى إزالة النقاب عنها".
4- العربية
تمسّك خيرالدين دائما بأمازيغيته، إلى حد جعل منه البعض مبشرا بالقضية الأمازيغية. لقد اعتنق الحركة الثقافية للأمازيغ منذ ولادتها، إلا أن تعلقه بهويته بقي في غير حاجة إلى مذهب. ورغم، عدم كتابته باللغة العربية، فقد كان ضبطه لها ممتازا. في إشارة رائعة، معلقا على قراءته لمعجم "كولان" Colin المخصص للعربية المحلية المغربية، يدافع خيرالدين عن اللغة العربية، بل سيذهب أبعد من ذلك في تقديره للهجة المغربية قائلا: "أحب كولان المغرب، وعشق تاريخه، عاداته، وتقاليده، باختصار، كل هاته الثقافة الثرية، وبشكل خاص، تلك التي نستشف معها الحياة أكثر من ظلال متحف منغلق. لقد افتتن بأحاديث المغاربة، ستتجلى، هذه اللغة الشاملة أمام أعينه كل يوم، بالتالي يستحيل عليه الإنفلات من سطوة مذاقها.
وبالفعل، فضل كولان مصاحبة أصدقائه داخل المؤسسة، عمال منبوذين، يثرثر معهم طويلا دون تصنع وبكل عفوية، إنه يفهمهم و يحبهم، كما اعتبروه بدورهم واحدا منهم.لقد كان ذلك الأساس ذاته الذي استدعى المادة الأساسية لإنجاز معجم يتطابق بشكل رائع مع تاريخيت وكذا تطور العربية العامية المغربية".
5- الفنانون
راكم خيرالدين مجموعة صداقات همت فناني فترته. فقد عاشر، رسامين موهوبين ماتوا تحت مخالب البؤس والحاجة، ثم فكاهيين أبعدتهم الرقابة المهيمنة إلى أسفل موضع يتواجد في قاعات سينمائية رديئة، أو أيضا شعراء منبوذين يعيشون ويموتون دون أن يكتشفهم أحد. كتب خير الدين نصا عنونه ب: Vue de la canopéeيخاطب فيه بزيز، الفكاهي الأكثر مراقبة في المملكة: "الغابة البدائية، لا تخمد أبدا، تهتز وتتنفس على إيقاع دافئ ورطب لتجليات الإنبات القديم، لا أحد بإمكانه عد مقدار الكائنات الصغيرة جدا التي تتناسل وسط هذا التشابك النباتي الفاخر، أو الغابة العذراء كما يسميها العامي.... تخفي هذه الأمازون خزائن، لم يكن أبدا بوسع علي بابا أن يحلم بها أبدا.
الذهب موجود في كل مكان يتلألأ في طمي الأنهر، بحيث يفقد الرجل الأبيض الباحث عن الذهب صوابه وهو يطرد الهندي تحت طلقات بندقيته، حينما لا يلبي هواجسه العديدة....".
6- الصحافة
كان خير الدين في نزاع مستمر مع الصحافيين.اتسمت، العلاقة بينهما بخلافات كثيرة و التباسات مع ضربات في الأسفل.هو، الذي عاش الأمداح في أوروبا، سيتجاهله بغطرسة النقد الأدبي الفظ.
وصل سوء الفهم هذا ذروته مع مرض الكاتب، أقلام حاقدة عرفت كيف تتناوب كي تنظم دوريا مراسيم جنازته.يدافع، خير الدين عن نفسه، قدر المستطاع: "يجب إعادة الامور إلى وضعها الطبيعي، ونخرس الأصوات الصحافية السيئة.... تشوّه إعلامي واضح، ونوع من التلاعب، يوظف لفافة معلومات من أجل دغدغة عاطفة جماهيرية مهيأة دائما للإنفجار، مخجل، حقا؟ عدد لا يحصى من الأفراد أسرعوا إلى معهد السرطان، ظنا منهم بأنني وصلت مرحلتي النهائية. نحتاج إلى صحافة حقيقية وصحافيين نوعيين بدلا من الشيطان؟ مما يحتم القيام ثانية ببناء جوهري لوسائل الإعلام. قد نصل إلى ذلك، لكن بأي ثمن؟".
7-المرأة
اتصفت علاقات خيرالدين مع النساء بكل شيء، إلا أن تكون هادئة. فعلا، تزوج، لكن هذا الشاعر الغنائي المزعج جدا، يستحيل عليه الإقتناع بحياة زوجية رتيبة، من هنا تأرجحه بين الشارع والمنزل، تتوزعه حياة التجوال والإستقرار لأنه رب أسرة. لكن، ينتابه في الغالب إحساس يلزمه بتمجيد المرأة: "عدد كبير من أبناء العهد القديم، أسقطوا على المرأة لعنة مرتبطة بالخطيئة الأولى: إغراء حواء من قبل الشيطان المتقنع في ثعبان، استهلاك الفاكهة المحظورة، ثم السقوط.
هذه الإدانة القطعية مست بعمق وغيرت بالتالي الذهنيات والسلوكات الترابطية على الرغم من أن مقاطع عديدة وردت في التوراة، أعادت الإعتبار للمرأة، إلا أنها بقيت تلك الضحية الرائعة".
8-الكحول
خيرالدين مدمن على الخمر، بعد أن أزبد وأرغى في حانات الدارالبيضاء، احتل بابتهاج حانات العاصمة. حالات سكره أسطورية، بحيث قد يبادر للقيام بعنف استثنائي حينما يكون ثملا. لكن، القليل من يعرف، بأنه توقف عن التعاطي للكحول قبل وفاته، للتدليل على هذه الحقيقة، نعود إلى رسالته المكتوبة سنة 1994: "الآن، وقد خرجت من غيتو الكحول والسيجارة، أشتغل بلا انقطاع.
بالتأكيد، لقد خسرت زمنا مهما، حينما عملت على إرجاء الأشياء إلى الغد، كان ذلك تكاسلا فظيعا نتيجة للضجر. ذكرني الوضع بقنصل في إحدى الروايات الشهيرة، وهو يقول: أنا فوق بركان لا يتوقف أبدا. الكحول، عذاب فظيع، قد لا يظهر لنا. سجن حقيقي، يصعب جدا التخلص منه، فيما يخصني، لا أظن أبدا بأنني أدمنت الكحول أو كنت مدخنا حقيقيا، الدليل، لا أفكر في أي منهما. بالطبع، أثناء الأكل، أتناول كأسا ممتلئا من مشروب نبيذ بوردوBordeaux ، أما الإلتجاء إلى طاولة للشرب أو وضع اليد على علبة للسجائر، فلا؟".
9-المرض
أشهر قليلة، قبل الرحيل الكبير لخير الدين، صار ضعيفا جدا، تزيده الأسئلة الأنطولوجية أرقا: "على الرغم من مشاق المرض، والتي أتجنب التفكير فيها، أواصل الكتابة، إلا أنني أعجز على أن أستعيد ثانية خيط الرواية التي ابتدأتها السنة الماضية بباريس، مما يحتم عملا مثابرا و تركيزا طيلة كل اللحظات، لن، أشرع من جديد في هذا العمل، إلا إذا شفيت تماما من الورم الخبيث و الذي تسبب لي حتما في مشاكل جدية، فأشعة غاماGamma - عشرة حصص علاجية إشعاعية-أحدثت داخل فمي التهابا قويا، بالكاد، أحرك لساني كي أبتلع متجنبا كثرة الحديث، كل حركة للسان تثير هيجاني، بالنسبة لشخص وصف في أعماله كل أشكال الجحيم، فإن العذاب الحالي مختلف حقا، لم يخطر أبدا على بالي. باختصار، سيمر كل هذا".*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.