زيارة فجئية تكشف الكارثة: مياه ملوّثة وأمراض... وقيس سعيد يتوعّد بالمحاسبة    سنتان سجنا في حق محمد بوغلاب    وزارة التعليم العالي: مركز الخوارزمي تصدّى لمحاولة هجوم إلكتروني استهدفت مركز البيانات الجامعي    باكالوريا 2025: 52.59% نسبة النجاح العامة    كوثر الباردي لإدارة فرقة بلدية تونس للتمثيل    أشغال ترميم الجسرين بين ''قرطاج حنبعل'' و''قرطاج أميلكار'': تحويرات في حركة القطار وحتى السيارات    عاجل: بداية إعلان نتائج دورة المراقبة بكالوريا 2025 عبر خدمة الSMS    عاجل/ تيارات قوية وأمواج عالية: الحماية المدنيّة تحذّر من السباحة في شواطئ هذه الجهة    مختصّ في الشؤون الأمريكية: هكذا ستتضرّر تونس برسوم ترامب الجديدة    بشرى سارّة لمرضى السكّري.. #خبر_عاجل    إختتام مشروع تعزيز الآلية الوطنية لتأطير الصحة الحيوانية البيطرية بتونس    تراجع العائدات من صادرات الملابس ب3 بالمائة إلى موفى ماي 2025    كان تحب تزور مصر، اعرف القرار هذا قبل ما تمشي!    قبل صدور النتائج: هذا تذكير بشروط النجاح في ''الكونترول''    عاجل : لقاء تونسي فرنسي لتعزيز التعاون في الطيران والسلامة الجوية ...تفاصيل    غلطة صغيرة أمّا تتكلّفلك غالية: شنوّة تعمل كان غلطت في البنزين؟    عاجل: فيفا تُصدر تصنيف جويلية 2025...تعرف على مرتبة تونس عالميا وافريقيا    الماء البارد ما يرويش؟ العلم يجاوب على حكمة الأجداد!    قليبية: رئيس الجمهورية يطلع على الوضع الكارثي لوادي الحجر    انهيار نفق بداخله 31 عاملا في لوس أنجلوس    الاحتلال يوافق مبدئيا على "تمويل مشروط" لإعمار غزة    قبلي : تواصل قبول الأعمال المشاركة في الدورة الرابعة من مسابقة "مسابقة بيوتنا تقاسيم وكلمات"    وزارة التربية تنظّم الحفل الختامي لمسابقة "تحدي القراءة العربي" في دورتها التاسعة    للسنة الرابعة على التوالي: Ooredoo تُجدّد دعمها لمهرجان قرطاج وتربط التونسيين بشغفهم الثقافي    الديوان الوطني للأعلاف: شراء 50 ألف طن من مادة الذرة العلفية الموردة    عاجل/ استئناف التزود باللحوم الحمراء المبردة والموردة..وهكذا ستكون الأسعار..    سليانة: فريق عمل من المندوبية العامة للتنمية الجهوية يؤدي زيارة إلى الولاية لمعاينة اشغال المشاريع    سبب وفاة سامح عبد العزيز... التفاصيل الكاملة    الرابطة الثانية: مبارك الزطال مدربا جديدا للملعب القابسي    مودريتش يودّع ريال مدريد بعد 13 سنة من المجد...وهذه وجهته القادمة    هام/ بداية من الأسبوع المقبل توزيع كميات اضافية من هذه المادة في الأسواق..    تنبيه هام لمن يريد شراء ''كليماتيزور''    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    كعادته بإحراج ضيوفه.. ترامب يقاطع رئيس موريتانيا ويطالب ضيوفه بذكر أسمائهم وبلدناهم فقط    فاجعة في بن قردان..وهذه التفاصيل..    حادث مرور قاتل..#خبر_عاجل    طقس الخميس.. الحرارة تتراوح بين 30 و35 درجة    تحذير عاجل: البحر هائج في السواحل الشرقية... خاصة في نابل وبنزرت    إنقاذ 84 مهاجرا غير شرعي قبالة هذه السواحل..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 4.5 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    استشهاد 17 فلسطينيا وجرح العشرات بغارة صهيونية وسط قطاع غزة    الحماية المدنية.. 531 تدخلا خلال ال24 ساعة الفارطة    باريس سان جيرمان يتأهل إلى نهائي كأس العالم للأندية بفوزه على ريال مدريد برباعية نظيفة    نجوى كرم لقرطاج: ''مافي شي بيبعدني عنك''    أحمد سعد يشوق جمهوره لألبومه الجديد لصيف 2025    اليوم: قمر الغزال العملاق يُضيء سماء العالم...ماهي هذه الظاهرة؟    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    النادي الصفاقسي يعزز صفوفه بثلاثة انتدابات أجنبية    إتحاد بن قردان: إستقالة الرئيس ونائبه .. وفريق الأكابر يستأنف التحضيرات    "اليويفا" يحدث تعديلات على لوائح العقوبات في مسابقات الموسم المقبل    هذه العلامات الغريبة في جسمك قد تنذر بنوبة قلبية... هل تعرفها؟    هيئة الصيادلة: أسعار الأدوية في تونس معقولة    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    قيس سعيّد: آن الأوان لتعويض الوجوه القديمة بكفاءات شابّة لخدمة كل الجهات    تاريخ الخيانات السياسية .. دسائس في القصر الأموي (2)    دورة الصداقة الافريقية لكرة الطائرة تحت 19 عاما: نتائج مباريات المنتخب التونسي    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات المحنة : 1990 - 2010
نشر في الحوار نت يوم 08 - 02 - 2010


سنوات المحنة: 1990 - 2010



بقلم: نصر الدّين السويلمي

1990--------------- 2010... تلك كانت حقبة تخلّلتها أكبر حملة ممنهجة في تاريخ تونس، نفّذتها فئة تملك مفاتيح القصر، ومقود الدبابة، وزرّ الرشاش في حقّ قطاع واسع من شعبها.. حملة مركزة تخمّرت فيها خطّة تجفيف المنابع، ثم أطلقت بمعيّة مخالب الأجهزة الأمنيّة في تقاسم خسيس للأدوار، خطّة تجفيف تأتي على البنية التحتيّة المتمثّلة في الفكر ومخالب أجهزة تأتي على البنية الفوقيّة المتمثّلة في البشر، انصهر الشرّ في الشرّ لينفّذ سلسلة من عمليات الاستئصال والقتل والتشريد والترويع والتعذيب... ثم ليقترف أبشع أنواع الضربات الاستباقية في استنساخ سافر، بل وفي مزايدة فجّة على منهج الحجاج القائل: "وإنّي أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى.. والمقيم بالظاعن.. والمقبل بالمدبر..والمطيع بالعاصي.. والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : انج سعد فقد هلك سعيد.. أو تستقيم لي قناتكم." هذا حَجَّاج العراق،، وذاك "حَاج" تونس.. أخذ الأم بابنها، والمرأة بزوجها، والصبيّة بأبيها، والأخت بأخيها، والجار بجاره، والعطّار بمدينه، والطبيب بمعيده، والنزل بنزيله... الكلّ تحت وهج الحقد ولظى الغرور وحمم التشفي.. امتلأت مراكز الأمن،، وفاضت السجون بنزلائها،، فلفظتهم في دور ومحلات وبنايات معزولة، أجِّرت خصّيصا لسلخ البشر، والعبث بالآدمية.. ودارت هناك رحى مذبحة تترقب صحو الجو وانقشاع الغبار لتدوّن وتمحّص فتكون لهذا وسام شرف ولذاك وصمة عار... ثم ها هو الوطن ينتفخ برائحة الدم وجثث الشهداء وغبار الملاحقين، فيفتح فجوات يمرّ عبرها المطاردون برّا وبحرا وجوا في بحث شاق ومتعب عن يابسة أخرى تلملم فيها الجراح ويأمن فيها الفزع ويصمت فيها وقع أحذية زوّار الفجر زبانية الموت.

استقرت أفواج في قبورها، وأفواج في سجونها،، وأخرى في مواطن هجرتها، واحتسب الكلّ أو الجلّ.. وهدأت الأنفس في رحاب سنن الابتلاء، فاستقر الرضاء في النفوس والسكينة في القلوب.

ولمّا كان للزمن سننه، بدأت الأشهر تنفض أيّامها، والسنين تفطم شهورها.. وهجع الطلب، وخفت بركان الفزع، وأمّن الناس على رقابهم، ثم أمّنوا بطونهم، ثم روّحوا على أنفسهم.. وبما أنّ النفس البشريّة ميّالة بطبعها للملل وإن كانت تسبح في الرخاء، فإنّ طموح الكثير تشكّل من جينات قلقة بُرمجت على إنجاز السيل والقفزة النوعيّة، وتهيأت لحصاد وفير، سريع، مجاني ودون تبعات، فإذا بها أمام سنن الصبر والتدرج والنفس الطويل.. فارتدّت تأكل بعضها بعضا،، وتحصد محيطها وتلتهم مخزون السنين.

وبما أنّ الرّخاء نديم الرخس، فقد تداعت شريحة للتفسّح في استعارة موجّه لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم "تفسّحوا يفسح الله لكم"، استهوتهم رخصة التوسّع في الترويح فقاموا بتوسعة "ترويحيّة" ضخمة هدموا فيها "الثابت" من أجل مباح مقيد!!!

في حضن الترف والسعة وضعف الاحتساب، تتورم الأشياء فيصبح الشوق عقيدة، والحنين إيمانا، والاستجمام فرضا.. عندما تنقلب الأشياء وتتصدّع المفاهيم ويصبح السفاح ماسكا بناصية الكلمة والمبنى والمعبر والطريق والوثائق... عندها وحين تصبح كلّ الأوراق بيد الجلاد ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام - فصيل يسمى الأشياء بمسمياتها، ويصنّف الناس وفق أفعالهم لا وفق عضلاتهم.... وفصيل يهادن الجلّاد ويستعفف في مدحه ولا يعمد لجلد ضحاياه.... وفصيل ثالث طال عليه الأمد، فطفق يخلط الأوراق الذئب حملا، والحمل ذئبا،، والثبات تنطعا، والاستسلام فضيلة، وعقود من الصبر بادل بها نافذة مقيّدة يطلّ من خلالها على وطن بشروط تفتقد إلى أبسط أبجديّات المواطنة.

ليس المشكل في أن تمدّ ذراعا، ويمدّ غيرك باعا.. فذاك زخم محكوم بالطّاقة والعزيمة ولا مكان فيه للّوم والتقريع، وذروة الاجتهاد هو السعي لشيء من الشحذ والتحفيز، إنّما المشكل في قلب الحقائق وعدم تسمية الأشياء بمسمّياتها والعبث بالمسلمات، المشكل في أن تنحني المُثُل تحت أقدام الجلاد، وتصفّف المبادئ مع التوابل داخل المحلات في خضوع مذلّ لمنطق السوق، قد يُعقل أن يتعايش ميزان القوى مع مصطلحات مثل التروي والتجاوز وغضّ النظر، والمهادنة وعدم التصعيد والتفهّم والحكمة واللباقة... لكنّه من العبث والسخرية أن نلتجئ تحت ذريعة ميزان القوى إلى قلب الثابت فيصبح الأبيض أسودا، والشتاء صيفا، والأسد هرّا، والخمر عسلا، والجلاد حليما، والداعية هادما لدين الله، والمانع للحجاب المدنّس للمصاحف حام حماه... وحتى لا نمضي بعيدا في تثبيت الثابت وفي إقرار معلومة من "الرجوليّة " بالضرورة، وحتى لا يخدع الحاكم المحكوم.. على الكلّ أن يعلم أنّ الظلم والقهر والجور والتعدّي والإهانة والتعذيب والقتل والتشريد... معان كنهها ثابت، عرّفها الشرع والعقل والعرف، يخدع نفسه من أمسى على تعريف لها وأصبح على غيره مقابل متاع قليل، إنّه من المهين أن تصبح بعض مؤسسات الدولة من قبيل القنصليات والسفارات وبوابات الجمارك عرّابة للغشّ والتدليس، تهب صكوك الغفران مقابل تزكية الجلاد وإدانة الضحيّة، لقد تحوّلت هذه المؤسسات إلى مستودعات كبيرة تفكّك فيها المعاني، ويعيد تركيبها وفق الطلب.

زمن رديء ذلك الذي يُحتفى فيه بجلاد يقبض ثمن جلده من عرق ضحاياه، ويستهان فيه بداعية يدفع ثمن دعوته من أهله ولحمه وعمره،، زمن بائس ذلك الذي يُلمز فيه الدعاة ويُمدح فيه الطغاة، زمن حقّ فيه قول المعرّي:

إذا وصف الطائيَ بالبخل مادرٌ ... وعيّرَ قِسّاً بالفهاهة باقِلُ
وقال السّهى للشمس أنتِ ضئيألة ... وقال الدّجا: يا صُبْحُ لونُك حائل
وطاولتِ الأرضُ السماءَ سفاهةً ... وعيّرتِ الشُهبَ الحصا والجنادلُ
فيا موتُ زُرْ إنّ الحياة ذميمة ... ويا نفسُ جِدّي إنّ دهركِ هازل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.