غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على تعقيب: نعم المستبد العادل...
نشر في الحوار نت يوم 11 - 02 - 2010

تعقيب على تعقيب: نعم المستبد العادل حقيقة تاريخية وتسويغ نظري
الدكتور: خالد الطراولي
من طبعي أن لا أرد على تعليق أو تعقيب إذا تبين لي أن فيه تجني واختزال وإسقاط أوقراءة بين السطور.. من طبعي أن لا أرد إذا كان التعليق يحمل كثيرا من مناطق عدم الفهم وقصوره ومجانبة الحقيقة حتى بخيل إليك أنك والمعلق لا تتحدثان عن نفس المقال، من طبعي أن لا أتوقف عند كتابات البعض احتراما لنفسي وللكاتب وللقراء إذا تبين لي أنه ليس هناك جديد...
ومع احترامي للسيدة الفاضلة الأستاذة الحمدي فإن ردها لا يخرج عن بعض هذه الثنايا... ومع ذلك ارتأيت التواصل لتوظيف هذه النافذة المفتوحة لتبيان بعض مناطق الظل التي حواها رد الأخت إفادة للجميع في مستوى المحتوى والشكل. وسوف يكون غالب حديثي في شبه رؤوس أقلام لضيق الوقت والمجال لذلك، مع اعتذاري المسبق للأخت الكريمة والقارئ العزيز.
في آداب الحديث والحوار والتناظر أولا
لعلنا لن نأتي بجديد إذا اعتبرنا أن حرية الفكر والنقد والمراجعة تعتبر من منازل مراكمة الفكرة ومن الشعاب الموصلة للإبداع، ولن نذكّر بمرجعيتنا المقدسة وهي تدعو إلى الحوار والتناظر مع البعيد قبل القريب، ومع العدو قبل الصديق، فلا إشكال إذا في المراجعة والتقييم والحوار، غير أن من شروط نجاح هذا التواصل الالتزام بآدابه وقذ صنّف الكثيرون في هذا الباب ولا يزالون، ولعل القرآن الكريم وهو يدعو موسى وهارون عليهما السلام إلى الالتزام بهذه الصيغ الراقية في التعامل مع فرعون المشرك للربوبية [فقولا له قولا لينا] خير دليل إلى أهمية الآداب في نجاح أي حوار أو لقاء. لقد غلب على الأخت الفاضلة في حديثها فقدان هذا البعد فمن أبجديات نقد المقال أن تذكري اسم كاتبه حتى نعرف عن ماذا تتحدثين وهو احترام لك وللقارئ ولصاحب المقال... وأن نتواضع لغة ومنهجا حين نحاور حيث تبدو بعض التعابير والكلمات وهي تحمل شحنة استعلائية غير مبررة، والأمثلة كثيرة! علينا أن نتجنب الدخول العنيف في طرح الفكرة كذكرك في أول كلمة لردك [عنونتَ مقالتك..] هكذا دون أي اعتبار وكأن الإطار محكمة ومتهم ولا ينقصها غير المرافعات، وسأتجاوز بعض التراكيب اللغوية من هنا وهناك التي لا تنم عن ملكة أدبية مميزة في تجاذب أطراف الحديث و منازل الحوار السليم.
في الشكل عموما والمنهج خاصة
عندما أكتب مقالا أو أقرأه أحمل في جعبتي ثلاثية أجعلها مصفاة التعامل والكتابة وهي الفكرة والمنهج واللغة، وإذا تعطلت احداها أو تقاعست فإن الموضوع يصبح أعرجا ويتهافت كل البناء ويبقى المقال تصفيفا للحروف على أسطر ترتعش...فإذا اختل المنهج أو غاب ضاعت الفكرة أو تقزمت وإن كانت رائعة، وانكمش إشعاع اللغة وإن كانت راقية! وإذا كانت الفكرة ضعيفة أو معتلة فإن المنهج لن يسعه إنقاذها، وإن أنقذها فإنها سرعان مما تتهافت لأول صدمة عقلية! وإذا كانت اللغة ركيكة فإنها تسقط الفكرة وتعيقها عن التبلور والإفصاح وتفشل المنهج في إيصالها سليمة نقية. فالتلازم ضرورري بين الفكرة والمنهج واللغة حتى يكون المولود معافى ومستقيم.
ما أعتب على الأخت الفاضلة في هذا المقال وهو أول مقال أقرأه لها، بعد أن نبهني إليه أحد الأفاضل، والمعذرة على ذلك، وهو الذي يعنيني، هو السقوط المنهجي والنط الفكري مما جعلني لا أفقه الكثير من التعبيرات وسبب وجودها في بعض الأماكن دون غيرها، ولم أفهم من أين بدأت وإلى أين تريد واصطفت الكلمات تتزاحم من هنا وهناك حتى يخيل للقارئ أنها عجزت عن الإمساك بأطراف الحديث، فكان التنقل من نابليون إلى السلطان عبد الحميد إلى فرج فودة إلى المستشرقين إلى برنامج الجزيرة، إلى مكتبة غرناطة إلى فلسفة ابن رشد... وأصبح التراكم مجلبة للحشو لتشتيت الفكرة وعدم تماسكها. ولتعذرني الأخت الفاضلة ومع كل الاحترام فأني وجدت صعوبة كبيرة في لم هذا الشتات، لما حواه من التناقضات والتراجعات والإسقاطات. نجاح المقال ليس في مراكمة الأفكار أو الكلمات من هنا وهناك دون رصد لمجالها وهدفها، نجاح المقال ليس في عملية إسقاط وتركيب غير ممنهج دون وعي أو إسناد فيحل الخلط مكان الصفاء والحشو بدل الفرادة والتميز. وهي نقيصة حملتها لنا الإنترنت وتتطلب الكثير من الفرز والتتبع!
في بعض النقاط التي استوعبتها
1/ بداية فقولك الغريب سيدتي في فهم مسألة المستبد العادل أثارني حيث قلت [عنونتَ مقالك بكلمات جذابة "المستبد العادل"] والستبد العادل سيدتي الفاضلة ليس كلمة متهافتة ونحن لسنا في عرض أزياء، إنما هو مصطلح سياسي قائم بذاته قُتل بحثا ودراسة ولم يبق حبيس الكتابات التاريخية الأولى بل نجده في أفكار مصلحي عهد النهضة من أمثال محمد عبده في قوله المشهور: [هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا في قومه يتمكن بهالعدل أن يصنع في خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنا] وهذه الزلة تنبئ حسب ظني عن عدم فهم كلي للمقال وهو ما سوف نلاحظه تباعا من خلال الرد.
2/ اعتمدت في مقالك على فرضية خاطئة بنيت عليها كل ردك، ولقد تعجبت منها لأن في سقوطها يسقط كل ردك ويمكن لي منهجيا أن أتوقف عن مواصلة الحديث وكفى المؤمنين القتال، ولكن احتراما وتقديرا سأواصل، لقد قلت في أول كلمةمن مقالك :[عنونتَمقالتك بكلمات جذابة..المستبد العادل والتي لم اجد لها تعريفا ولا تفسيراولا تحليلا في مقالتك , لم تبين كيف يمكن ان يجتمع الاستبداد مع العدل ... , لانه من المعلوم , انه لو التقت كل اضداد الدنيا ومتناقضاتها فسيبقىالاستبداد والعدل ضدين لا يلتقيان] وردي كان في المقال نفسه فرجاء التمعن بقولي [إن الاستبداد داءٌ أشدُ وطأة من الوباء ، أكثرُ هولاً منالحريق ، أعظمُ تخريباً من السيل ، أذلُّ للنفوس من السُّؤال، كما يقولالكواكبي، غير أن إلحاق صفة العدل به لهو جمع للخير والشر، والنوروالظلام، وسعي خطير إلى تبرير المتهافت وتشريع الباطل وتكريس السقوطوالفناء، وليس تواصل غيبتنا الحضارية إلا دليل على دوام هذه القصة التيطال ليلها، والتي اغترفت كيانها من عمق تاريخنا أيام سواده، لتتواصلمشاهدها المزعجة تباعا في هذا العصر المتردي. ولا سبيل إلى عالمية ثانيةمنشودة إذا استمرت و وتفشت هذه السلوكيات المنحرفة والتنظيرات المتهاوية،فلا عدل ولا تحضر مع الاستبداد، ولا استبداد بدون فقه الاستبداد، ولا دوامللاستبداد وفقهائه، دون قابلية وتأقلم وسكون!]
3/ تحدثت السيدة الفاضلة عن المنهج واعتبرت أني وقعت في خطأبن الأول كما قالت محاكمة التاريخ الإسلامي بمقاييس اليوم ولم تفسر لي كيف تكون هذه المحاكمة، والمصطلح عنيف في ذاته ومُسقط، وأنا أقرأ التاريخ للإعتبار ولا أحاكم أحدا، وفي الحديث كثير من التجني، ومنهجيتي قرآنية في هذا الباب، والقصص القرآني مر من هنا في دعوته للتبصرو الاستبصار. والمبادئ والقيم سيدتي الفاضلة، تتجاوز عنصر اللحظة ولا تستكين إلى مقاييس الذات، فالحرية قيمة سواء كانت في عهد الإغريق أو العهد الجاهلي أو العهود الإسلامية، وهي فيمة في ذاتها وفي إطارها الذي ألزمنا به مقدسنا، تتجاوز مقاييس المكان وجغرافيته، ولذلك سوف نبقى ندعو لها سواء كان العهد إسلاميا أو لا، سواء كانت الحكومة إسلامية أو لا، سواء كان حامل اللواء والدرة يلبس قبعة أو طربوشا!
أما الخطأ الثاني الذي عنته فهو كما تقول أن دراستي للتاريخ كانت من كتاب ألف ليلة وليلة ونسبت ذلك إلى الاستشراق. وقفتي معك في هذا الباب ذات بعدين الأول أني سوف أبلغ درجة التحدي لأزعم مطالبتك أين وجدت اعتمادي على هذا الكتاب أومن صنفه !! لقد ذكرتُ بعجالة، ولمتطلبات النشر في هذا المقال اليسيط، قولتي الماوردي والغزالي لتبيان مصطلح المستبد العادل فقط، فرجاء التبصر حتى لا نقع في مثل هذه الزلات. البعد الثاني هو الاستشراق وخطأءك منهجي بالأساس في حديثك التعميمي وكأن الاستشراق كتلة متجانسة وخطاب واحد. ورغم أن الغالبية عادت حضارتنا وتهافتت على أنقاضها فإن هناك من المنصفين من مثل مثل مونتجمري وات الذي قال: "أدركَ الناسُ منذ زمن أنَّ الكُتَّابالمسيحيين في العصر الوسيط خلقوا صورةً للإسلام، هي صورة شائهة من وجوهعديدة، غَيْرَ أنَّ جهودَ الباحثين خلال القرن الأخير قد مهَّدت السبيل؛من أجلِ تكوين صورة أكثر موضوعيَّة له في عقول الغربيِّين، ومع ذلك فإننا -معشر الأوربيِّين- نأبى في عناد أن نقرَّ بفضل الإسلام الحضاري علينا" ومايكل هارت الذي اختار محمدًاليكون أعظم عظماء التاريخ في كتابه، فقدَّم دفاعًا سابقًا عن اختياره، وقال: "لقد اخترت محمدًافي أول القائمة، ولا بُدَّ أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ولكن محمدًاهو الإنسان الوحيدُ في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدُّنيوي. [مقتبس من مقال] فمنهجية التعميم تعتبر من ألد أعداء الموضوعية والتي كثيرا ما تولد خطأ في الفهم والتشخيص يتبعه خطأ أكبر في التنزيل. وهذا ضعف منهجي ومعرفي أرجو تداركه
4/ هناك الكثير من الخلل المنهجي عند البعض وهم يتحدثون عن التاريخ الاسلامي حيث يقع المحظور ويلامس البعض مناطق التكفير والتجهيل وهو يرد بقراءته على قراءة الآخرين، متجاهلا أن الإطار اجتهادي خاص، فتعلو العواطف الجياشة ويختلط الحابل بالنابل ويصبح النقد أو المراجعة نقدا لمقدس يدفع بصاحبه إلى النار. ليس لنا نحن أهل السنة والجماعة سوى مقدس واحد بفرعيه قرآن كريم وسنة شريفة، أما ماعداهما فهو نتاج العقل البشري وسلوكياته وقابل للتقييم والتقويم. وبين الاحترام والتقديس يكمن الخطر، فالأول أدب وتقدير وتفاعل مدني سليم، والثاني تبعية وعبادة منكرة، والأول يولد إبداعا والثاني ينتج تكرارا. لا يملك أحد ناصية الحقيقة كاملة في هذا الباب، فالنسبية مشوار الجميع بعيدا عن العواطف والأحكام المسبقة والأحاسيس الجياشة، والبحث عن النسبية الحكيمة والصالحة ضالة المؤمن في سعيه نحو المطلق، نحو الله. ولذلك فليس أهل الحل والعقد مجموعة معصومة وليس أهل الحل والعقد إلا اجتهاد بشري و آلية لتنزيل مفهوم الشورى، ويمكن ان يكون ذلك ناجعا في أيامه الأولى. فنقد هذه الفكرة ليس نقدا للمقدس ويمكن تجاوزها لآلية أخرى تستجيب لروح الإسلام وتسعى إلى مأسسة توجهاته ومبادئه وثوابته. لقد قلت في مقالي: [ لقد كان الأجدى العودة إلى ينابيع الشورى، والجرأة على تثوير مفهومها،والإشارة الصريحة والشجاعة إلى أسباب بداية السقوط الحضاري للأمة، والذيكان أحد أسبابه المباشرة والأساسية الانحلال السياسي، والاستبدادالسلطاني، والغياب الكامل للحرية السياسية تنظيرا وتنزيلا. ولعل دخول بعضالفقهاء في متاهات التمييز في مفهوم الشورى بين شورى إخبارية وأخرى ملزمةوترك مبدئية المصطلح ووضوح معناه الإلزامي إن هشاشة الشورى في تطبيقهاالتاريخي لا تعود أساسا إلى ضعف المفهوم ولكن إلى الغياب الفعلي لمأسسته]
5/ خلل منهجي آخر يظهر في رد الأخت الفاضلة هو التناقض الذي يقع فيه البعض لما يريد نقد واقعه الحاضر فيجعله منبتا عن أرضه وسمائه وكأنه واقع جائنا بضربة عفريت وبأيد سحرية غامضة ولا يتحمل تاريخنا أي تبعية فيه، وتنطلق نظرية المؤامرة تعربد لتنزع عنا أي فعل ويصبح الأخر هو الفاتق الناطق في حلنا وترحالنا ويصبح التواكل مربط الفرس اللاهث نحو السكون والموت البطيء للنظر والفعل. ويصبح الاستشراق والخارج بكل ألوانه عدوا متربصا يقودنا حيث شاء تاريخا وحاضرا ومستقبلا. هذه الاستقالة عن المبادرة والفعل هو ما أضرنا وساهم ولا شك في تخلفنا. إن نقد الحاضر المستبد لا يمنعنا من نقد الماضي إذا استبدت بعض منازله، فليس هناك تقييم بميزانين، فالحق والموضوعية واحدة وإلا فكل البناء يفقد مصداقيته وينهار. وهذه الحقيقة التاريخية ألزمت الأخت الفاضلة أن تتراجع لتذكرنا بأن هناك استبداد في التاريخ ولو بصيغة محتشمة وغير واضحة لسقوطها غير المبرر في التقديس والعواطف التي لا تبني ولا تشيد. ما أشرت إليه أنا هو تبيان هذا اللقاء بين مستبد اليوم ومستبد الأمس وتذكير برفضنا لهذا الانحراف الذي أصاب حضارتنا والذي وجد له طريقا وموقعا في حاضرنا. ولا يمكن استرجاع بياض هذه الحضارة إلا بالعودة إلى مناطقها اليانعة وتفعيل سليم لمرجعيتها المقدسة والشريفة.
6/ كلام خطير تفاجأت به، وهنا نفترق... تقولين سيدتى : [ لاينكر احد انه وقع تراجع كبير منذ الدولة الاموية وانفصام في علا قة الحاكمبالمحكوم والعدالة وغيرها لكن الدولة كما ذكر الغزالي في مقولته المذكورةاعلاه انها كانت في عمومها تحكم بالقرآن والسنة وان كانت وارثة للحكم فانها تركت الرعية تدين بما تدين به] ورغم أنه اعتراف منك بمناطق السواد في تاريخنا، غير أن هذا الحديث يجعلني أقف موضحا لأنه يبدو أننا لا نحمل نفس الوعي لبعض المفاهيم الأساسية ومنها الاسلام والدولة والحرية، والمقام لا يتسع لكني أقتضب شيئا يسيرا جدا ولكنه هام ومحدد. فأقول وماهو الحكم بالقرآن والسنة سيدتي؟ أليس العدل والحرية قيمتان وبابان ينفذ منهما الاسلام ويمثلان إحدى ركائزه الأساسية؟، وهل عندما نعتبر أنه ليست هناك عدالة هو تحكيم للقرآن والسنة؟ حذاري من التبرير للإستبداد بمقولة حامي حمى الدين [الشعائري]، أنه يبني المساجد ويطلق الاذاعات ويطبع المصاحف ويطلق الآذان في التلفاز، فهذا من ذاك!!!
7/ عند التعرض لمسألة يكون فيها للتاريخ نصيب، وجب احترام السرد التاريخي وتسلسله والتوقف عند محطاته حتى لا يقع خلط أو سوء فهم أو تشويش على المقال، ومن ذلك، الحديث عن التسويغ النظري للمستبد العادل، فقد تعمدت استعمال "فعل ماض" واضح المعالم وسهل الاستساغة حيث قلت حرفيا [وقد انطلق هذا التسويغ التاريخي للاستبداد وتأصيل شرعيةالاستحواذ على الحكم والاستيلاء على مقاليد السلطة في الكتابات الأولىللماوردي في كتابه الأحكام السلطانية حيث تجلت هذه المهمة العويصة فيشرعية مشروع حكم وسلطنة خارج ما اتفق عليه الفقهاء من إلزامية الشورىوالبيعة] وقد تعجبت لما وقع الخلط بين الصدر الأول للإسلام وبين ماتلاه من انحراف عملي تبعه تسويغ نظري واصطحبه نحو السقوط الحضاري.
افتراءات غير مقبولة :
وهي كثيرة وأنا أعيدها إلى عدم فقه المقال وغياب المنهجية في الرد واختار منها ثلاثة موقف:
1/ قولك سيدتي [فاتهامك لكامل التاريخ الإسلامي بأنه استبداد فيه ضرب للإسلام] [واعتبرتَ تاريخها سوادا لا بياض فيه] فهذا الكلام الفضفاض والمسقط لا يتطلب ردا لأنه مع احترامي لك سيدتي هو افراء أو مغالطة وهو في الحقيقة فرضية كل بنائك لأنك تعقلين جيدا أني تحدثت عن منازل السواد ومناطق النور، وأني دعوت إلى لقاء النورين ورفض السوادين بين الحاضر والتاريخ، تغييب هذه الحقيقة هو منبت ردك و أنا عاجز عن التعقيب!!! غير أني أتساءل لماذا ميز العلماء بين فترة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز وألحقوه بالراشدين، إلا لأن ما سبقها وما تلاها من حكم لم يكن راشديا ولا شورويا وإنما هي هرقلية كما عناها حسن البصري بمفهوم آخر.
2/ ومن هذه الافتراءات قولك [ كل المذاهب الفقهية التي على سعتها وغزارتها , اتهمتَها انها كانت محصورة في قضايا الطهارة والنكاح] كيف أرد عليك بالله؟ أين وجدت هذا التعميم وبمثل هذا اليقين؟ دعوتي إلى ضميرك أولا حتى يحاسبك أو تحاسبيه، ثم رجاء التركيز على ما يلي ولو باقتضاب شديد: مما لا ينكره إلا جاهل أن هناك تضخما لجانب الفقه العبادي والشعائري على الفقه السياسي، تصفحي سيدتي مجلدات الفقه والحواشي وحواشي الحواشي والمتون وتفسيرات المتون وسوف تلمسين ضعف الفقه الدستوري وقضايا الحريات العامة والتشريع السياسي. ورغم أن باب الحكم والسياسة ظل مفتوحا برفض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التعيين وتركها شورى بين الناس حسب قرائتنا السنية، فإن الفقه السياسي لم يتبع الفقه العام في تطوره وثرائه. والأسباب كثيرة ومعقدة ولعل قضية الاستبداد تطرح هنا بقوة في منع الفقيه أو تنحيته أو إحراجه حتى ينسحب إلى صومعته ويعتني بقضايا العبادات بعيدا عن خيمة السلطان، ومن تجرأ ناله ما ناله من عذاب وقضايا أبي حنيفة ومالك وبن حنبل مرت من هنا ومن هذا الباب. فالرجاء من السيدة الفاضلة التثبت قبل إلقاء الكلام على عواهنه.
3/ وثالث هذه الآفتراءات يكمن في سردك التاريخي المعروف للخلافة الراشدة وقولك بهتانا أني أشكك في نزاهتها، وهو مردود كله وأنا غاضب في هذا الباب، لأنك لمست موطنا مني لا يعلمه إلا الله في حبي وتقديري لهؤلاء الرجال الكرام والذين أعتبرهم نبراسا وقدوات راقية، فرجاء لا مزايدة في حب الصحابة واحترامهم، وأظنك لم تعقلي ما يعنيه مفهوم النزاهة عندما تسحبيه عن هؤلاء الكرام رضي الله عنهم والوجع الذي ينال من تتهميه بذلك سامحك الله. إن النسبية سيدتي ليس مفهوما سلبيا كما يظهر من فهمك وإن كان في العدل، فالنسبية مجالنا عالم البشر والإطلاق لله عز وجل، وطلب أبي الصديق رضي الله عنه للعون من خلال خطبته الشهيرة وقولة عمر رضي الله عنه المشهورة "لو عثرت بغلة بالعراق.. " تأكيد عن هذه النسبية "الإيجابية" الصاعدة نحو الأفضل والأمثل والأصلح. رجاء إعادة قراءة هذه الفقرة من مقالي حتى تلمين حقيقة بالفكرة الرئيسية للحقبة الراشدة : [لقد كانت تجربة الراشدين فريدة ورائدة يصعب تكرارها خارجإطار المؤسسة المغيبة، لقد كانت كل التجربة فلتة حمتها ثلاثية يصعب إن لميستحل تجددها، كانت قريبة من صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم فكانتالقدوة حاضرة والنموذج لم ينحسر، ، كان روادها وقادتها الأربع يحملون باعانسبيا من العدل والقوة والتجرد والعمل من أجل الشأن العام، كان المجتمعيرنو إلى الينبوع الأول في صفائه ونقائه وفطرته فاصطبغ نسبيا بقيم الفضيلةوالإيمان والتقوى والأخلاق العالية، حتى في ظل الرماح وتقارع السيوف].
ختاما
وددت في الحقيقة الوقوف على أكثر من مفهوم وفكرة ولكن المجال والوقت لا يسمحان، لكني أستسمح القارئ بهذه الفكرة التي لمستها في آخر مقال الأخت الكريمة وهي تتحدث عن الشيخ الفاضل يوسف القرضاوي فتقول : [ ايقره القرضاوي وتنكره انت ؟؟؟..ليس نقد العلماء من المحرمات لكن اسمحني ان أقول لك : ليس الكل قادرا على ذلك] مع احترامي لك سيدتي أولا، فهذه ليست فلسفتي في الحياة عامة والكتابة والاجتهاد خاصة، فقولة مالك رض الله عنه " كلكم مردود عليه إلا صاحب هذا القبر [صلى الله عليه وسلم]" هي نموذجي وقدوتي. أما عن الشيخ الفاضل فاعتبيريني من محبيه وتلامذته ولو من بعيد، رغم أني نقدت بعض قضاياه الهامة في مجال الإقتصاد وخاصة في إشكالية جواز القرض الربوي للبناء في المهجر، وكل هذا لا يفسد للود قضية. أما عن كفاءتي المتواضعة فهي التي تدفعني إلى مزيد العمل والاجتهاد في هذا الباب أو في غيره وإصدار الكتب وكتابة المقالات رغم فضاءات الاحباط واليأس المحيطة، والمهم في كل ذلك هو الإخلاص والمثابرة والعمل الرصين والهادف من أجل إعلاء كلمة الحق وفعل الخير. شكرا على التواصل والمعذرة لدى القارئ العزيز على الإطالة وعلى الكلمات غير المرتبة أحيانا، فقد أردت انتهاز هذه الفرصة وبعجالة لتوضيح بعض المفاهيم العامة في المنهج والتاريخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.