------------------------------------------------------------------------ نحن التونسيون خائفون على مصيرنا في هذا الظرف الجسيم فقد بدأ الفراغ يتوسع حول رئيس الدولة ويُهدد بالوصول إلى الأسوء. مستشار الرئيس عبد العزيز بن ضياء يقوم حاليا بجولة سياحية بحرية croisière مع رؤوف الكاتب صاحب نزل عزيزة بالحمامات، من 3 إلى 13 فيفري الجاري. وبن ضياء مولع بهذه الجولات الرائقة كما يصفها أديبنا الظريف علي الدوعاجي. لقد أخذه رؤوف الكاتب إلى المكسيك في 2008 وإلى إفريقيا الجنوبية في 2009 وها هو يُفسحه في العالم هذه السنة. أما زوجة الرئيس ليلى الطرابلسي فهي تخدم ليلا نهارا من أجل إبعاد طبيبه الخاص ومستشاره محمد قديش وكذلك علي السرياطي من القصر لإحداث فراغ يسمح لها بعزل زوجها والسيطرة على قراراته. ولئن تجرأ بن علي على تحدي حصار ليلى فعزل مدير الأمن السابق عبد الستار بنور الذي كان أداة في ايديها وعاجزا عن ملء مكانه، ليعوضه بعادل الطويري الذي عانى طويلا من محمد علي القنزوعي أحد أعوان ليلى المعروفين، فإنه لم يقوى على فعل الشيء نفسه مع المحيطين به في القصر. ولقد حاول القنزوعي - بالتواطؤ مع سليم شيبوب - تحميل الطويري لما كان مسؤولا عن الأمن في باجة مسؤولية أحداث العنف التي جدت في ملعب باجة بين أنصار الترجي وفريق الأولمبي الباجي. بيد أن السرياطي دافع عن الطويري وأقنع الرئيس بأنه ليس المسؤول عن تلك الأحداث التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة. ولا شك أن المهم هو أن ليلى مواصلة في الإلتفاف على زوجها وإخفاء ملفات عديدة عنه. وحتى لو حاول هو فك هذه المحاصرة اللصيقة والتوجه إلى وزرائه لن يستنفع كثيرا من اللجوء إليهم، إذ لا يمكنه أن يُعول عليهم بعد أن فقدوا كل مصداقية من جراء فضائح الفساد التي تفوح في كل مكان. لقد أصبح الهم الأول للأغلبية من أولئك الوزراء هو تمسك ليلى بهم ليضمنوا البقاء في مقاعدهم مقابل تقديم أي خدمة تطلبها هي أو يطلبها إخوتها. وآخر تلك الفضائح الرسالة المفتوحة التي توجه بها عدد من القضاة إلى بن علي لكشف فساد وزير التعليم العالي البشير التكاري، الذي مازال يدير مع شركائه مكتب محاماة مستغلا نفوذه في الحكومة، وزميله وزير العدل الأزهر بوعوني وكذلك الصادق شعبان. وتستغل ليلى هذا الفراغ لحبك المؤامرات مع العقل المدبر عبد الوهاب عبد الله المستعد دائما لإخراج آلاف الحيل والدسائس من جيبه لكي يقضي على كل من يقف في طريق ليلى ويُكافئ كل من يخدمها ويسير في ركابها. والجديد الذي بدأ يتناقله البعض في أنحاء القصر خلال الأيام الأخيرة هو ما ذكره عبد الوهاب عبد الله في إحدى الجلسات الخاصة عن المرحومة سعيدة ساسي. يقول عبد الوهاب أنه يستعمل ليلى كما كان يستعمل سعيدة أيام بورقيبة، وهو يُلمح كذلك إلى اشتراكهما في السذاجة وتواضع المستوى التعليمي والطموح المشط. بيد أن ذلك ليس مستغربا من عبد الوهاب عبد الله الذي قلب ظهر المجن لكل أولياء نعمته، ومنهم الهادي التريكي الذي مكنه من العودة إلى تونس بعد أن كان منفيا في لندن عام 1990، ذلك أنهما تواعدا على خدمة بعضهما البعض، ولكن بمجرد أن عاد عبد الوهاب عبد الله إلى القصر حتى ضرب التريكي وقطع الطريق أمام حصوله على المنصب الذي كان يطمح له. وهذا ليس بالأمر الجديد إذ يعرف الشاذلي القليبي أن عبد الوهاب عبد الله طلب منه أن يأخذه معه إلى الجامعة العربية لما أصبح أمينا عاما لها في 1979، فأجابه القليبي بأنه لا يستطيع لأن زوجته أجنبية. وفعلا كانت زوجته الأولى أجنبية. ثم عاد إليه عبد الوهاب بعد شهر وقال له: سي الشاذلي، الآن تستطيع أن تسميني أمينا عاما مساعدا وسأساعدك في الشؤون القانونية فقد طلقت زوجتي. لكن القليبي كان قد اختار المرحوم حمادي بن سلامة أمينا عاما مساعدا للجامعة للشؤون القانونية وقال لعبد الوهاب "كلمت عليك سي الهادي نويرة وسيسميك في جريدة لابراس". وبعد تعيينه على رأس "لابراس" لم يمض وقت طويل حتى ابتعد المرحوم الهادي نويرة عن الوزارة الأولى وعوض بمحمد مزالي في فيفري 1980. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الهم الوحيد لعبد الوهاب عبد الله هو خدمة رضا بن سلامة المكلف بالإعلام في الوزارة الأولى. ويعرف الإعلاميون أنه اصبح يتجسس عليهم لكتابة التقارير لبن سلامة وكان يُردد دائما على مسامع الصحافيين في لابراس عبارة أصبحت مشهورة عنه هي "هنيوني على سي محمد". بيد أنه تنكر بسرعة لسي محمد أيضا بمجرد إعفائه من الوزارة الأولى، إذ أصبح عبد الوهاب عبد الله يردد أمام كل من يسمعه أن سعيدة ساسي هي التي "رباتو" وأنه يمت بقرابة إلى عائلتها، وبفضل دهائه معها بقي وزيرا للإعلام مقربا من المجاهد الأكبر حتى آخر أيامه في القصر. لكن منذ عزل بورقيبة تنكر ل"قريبته" سعيدة ولم يزرها ولو مرة واحدة حتى بعد أن اشتد بها المرض، بل إنه لم يحضر حتى جنازتها. أما زوجته الثانية علية فتسلقت السلم البنكي بسرعة غير عادية بفضل تدخل زوجها، وانتقلت في وقت قياسي من رئيس قسم إلى رئيسة مديرة عامة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ بنوكنا. علية عبد الله تنحدر من عائلة بسيطة إذ كان والدها مساعدا فنيا في بلدية حلق الوادي، وتحصلت هي على الإجازة في العلوم الإقتصادية وبدأت العمل في الشركة التونسية للبنك في خطة محررة Rédactrice عام 1980 لكي تقفز بعد 1987 من رئيسة قسم إلى مديرة ثم مديرة مركزية و Fondée de pouvoir . وعُرفت لدى مرورها بالإدارة القانونية وإدارة النزاعات بكثرة الفساد ولجوئها المكثف إلى أخذ الرشوة لتجميد الملفات أو دفنها وإعدامها. هل يجهل الرئيس من هو عبد الوهاب عبد الله وزوجته؟ بالتأكيد أنه يعلم. لذلك لا يفهم التونسيون ماذا ينتظر؟ لماذا لا يتخذ قرارا بحسم الأمور بعد أن أصبح كل شيء واضحا وأصبح أعداؤه يتآمرون عليه جهارا في القصر لتجريده من النفوذ ووضعه في كفهم؟