خالد ناصر الدين شباب الأمة هو قلبها النابض بالحياة ، وأملها المعول عليه لتحقيق التقدم والنمو ، وللخروج من كبوة التخلف والهزيمة ، وهو الوقود الذي يحركها لتنافس باقي الأمم في سلالم المجد والرقي ، وهو النور الذي يتدفق شلالات من القوة والحيوية والفاعلية والإيجابية والتحدي والصمود في وجه الشدائد والأزمات اقتحاما لكل العقبات ... الأكيد أن مأساة هذه الأمة ستكون كبيرة جدا عندما تُسْتَبَاحُ هذه الشريحة الاجتماعية ، وتصبح عرضة لكافة أشكال الامتهان والانتهاك والتشويه والهدر والحرمان ... كلما اقتربت مواعيد الامتحانات يحلو لقناةM 2 أن تحتفل بالذكرى السنوية الخاصة ببرنامج اكتشاف المواهب الغنائية الشابة " استوديو 2M " ، ويتم الإعداد لهذه الاحتفالات السنوية بوصلات إشهارية في غاية الإثارة والجاذبية ، حيث تمتزج الألوان المثيرة ، بالموسيقى الساحرة ، وتتعانق اللقطات الحالمة ، بالتعليق المتدفق إطراء ومدحا وتبليجا ... تتسرب الإغراءات الكاذبة إلى مسامع الشباب المغربي المهدور وعيا وطاقات وانتماء ، يُنْصِتُ إلى هواجس النفس الأمارة بالسوء ، وتبدو له أحلام المال والنجومية أقرب إليه من حبل الوريد ، تتدفق أفواج من الشباب المغرر بهم إلى حلبات المنافسة ، تنسى نفسك في كثير من الأحيان وأنت تسترق النظر إليهم : أهو مَغْرِبٌ آخر يعيش فيه هؤلاء ( المغاربة ) المغربين حد النخاع ؟ !! أم هم ( مغاربة ) من نوع آخر خلفتهم جيوش ليوطي قبل أن تنسحب من هذه الأرض المباركة الطيبة ؟ !! إنهم شباب مغاربة انطلت عليهم الحيلة ليكتشفوا في نهاية المطاف أنهم انخدعوا بسراب كاذب خادع زين لهم سوء أعمالهم فرآها حسنة ... إنه لأمر محير فعلا ! يجعل الواحد منا يوقن بأن التخطيط لإفشال التعليم هو الأصل وهو الواقع ، وأن الحديث عن برامج إصلاح التعليم مجرد شعارات براقة خادعة ، فكيف يمكن لهذا الطالب أن يعد للامتحانات بالجدية والصرامة اللازمتين بعدما يتم التلاعب بمشاعره وأحاسيسه ، وبعدما يتم إقناعه بالصوت واللون والحركة بأن طريق النجاح في الحياة سهل للغاية ، موهبة وضربة حظ ... فقط !! كيف يمكن بعد كل ذلك أن يتفرغ للتحصيل ، وأن يستعد نفسيا لتحمل ما يتطلبه الإعداد للامتحان من جهد ، وتضحية ، وتفرغ ، إذ " العلم لا يعطيك بعضه ، إلا إذا أعطيته كلك " ... لا يلتقيان أبدا معاول الهدم ... ودعاة البناء والإصلاح ... ويتحدثون بعد ذلك عن تدني مستوى التحصيل ، وعن ارتفاع نسبة الهدر المدرسي ، وعن شيوع ظاهرة الغش في الامتحانات ، وعن العنف والمخدرات والانحلال الخلقي في أوساط المؤسسات المدرسية والجامعية !! وإمعانا في إغواء الشباب بالانخراط الكلي في البرنامج الخادع ، يتم استدعاء مشاهير المطربين ، أولئك الذين أصبحوا يشكلون القدوة والمثل الأعلى ، مما يوقع هذا الشباب في براثن الفتنة و الحيرة والارتباك ، فيختلط لديه الحابل بالنابل ، خريجو الجامعات حاملو الشواهد العليا يعيشون على الهامش ، يسمح لهم في أحسن الأحوال بالاعتصام أمام بناية البرلمان ، في انتظار أن تنقض الهراوات على أجسادهم تجريحا وتكسيرا ، وعلى ورؤوسهم تهشيما وردخا ، بشكل ديموقراطي رائع لا يميز فيه بين الذكور والإناث ، والفنانون المتألقون يفيضون صحة وعافية ، جمالا وأناقة ، ويستمتعون بحياة الترف وبالعيش الرغيد ، يملأون الدنيا ويشغلون الناس ... وتنشر وسائل الإعلام أنه تمت استضافة المطربة فلانة أو المطرب علان ، مقابل ملايين يصعب على الذاكرة تذكرها ... ضاعت القدوة ، وضاع المثل الأعلى ... هؤلاء الذين يشيعون الفاحشة ... أقول لهم : " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون " النور/19 ، هؤلاء المطلين على الأسر المسلمة صباح مساء بابتساماتهم الكاذبة المنافقة ، يعلمون جيدا أنهم إنما يخادعون أنفسهم وما يشعرون ، هؤلاء الذين طبع الله على قلوبهم ، لهم قلوب لا يفقهون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذانا لا يسمعون بها ، إنهم كالأنعام ... بل هم أضل !! هؤلاء الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ... هؤلاء الذين يفهمون الحداثة غناء ورقصا وتبرجا واختلاطا وإغواء ، سيحاسبهم التاريخ بداية على جرائمهم التي لا تكاد تنتهي في حق شباب في أمس الحاجة إلى من يوقظ فيه بواعث التوبة والإيمان والاستقامة إعداد لأزمات قاتلة تجتازها الأمة ... وسيحاسبه الله عز وجل أشد الحساب لأنهم خانوا العهد ، إذ اتخذوا من اليهود والنصارى أولياء ، وحالفوا الشيطان ، وداروا في فلكه ، واستجابوا لدعوته حين دعاهم ... " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ، ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ، ما أنا بمصرخكم ، وما أنتم بمصرخي ، إني كفرت بما أشركتمون من قبل ، إن الظالمين لهم عذاب أليم " إبراهيم / 22 .