نواصل في هذه الحلقة استعراض وقائع «المعركة الحاسمة» التي دعا اليها الزعيم الحبيب بورقيبة عندما اضطرته مماطلات الحكومة الفرنسية الى المراهنة على الكفاح المسلح كوسيلة ضغط "اليد السوداء" في مواجهة عصابة "اليد الحمراء" على اثر اعتقال الزعيم يوم18 جانفي 1952 تحرّكت المظاهرات الصاخبة والمصادمات الدامية مع قوات الاحتلال، وامتلأت السجون والمحتشدات بالوطنيين ونادي التونسيون بحمل السلاح واندلعت الثورة العارمة، فتكوّنت اللجان السرية في مختلف انحاء البلاد لرد القوّة بمثلها وكانت القنابل تتفجّر في المؤسسات الاستعمارية في رابعة النهار تاركة في قلوب المستعمرين الروع والهلع وكان جبابرتهم يصرعون برصاص الوطنيين وكلما اشتد القمع زادت الثورة اشتعالا، فتكوّنت من غلاة الاستعماريين عصابة اليد الحمراء التي كانت تقتل الوطنيين بتواطئ سلطات الحماية، وقابلها الوطنيون باليد السوداء التي انتقمت لكل شهيد تونسي، وتوجهت عمليات اللجان الثورية السرية الى تطهير البلاد من العملاء الخونة الذين كانوا في خدمة الاستعمار. والقي القبض يوم 21 جانفي 1952 على الزعيم الهادي شاكر وجرت في اليوم الموالي حوادث دامية في سوسة قتل فيها الكولونال «ديران» واستشهد ثمانية من الوطنيين، وجرت حوادث مماثلة في القيروان اسفرت عن اربعة عشر شهيدا. ويوم 29 جانفي بلغت غطرسة قوات الاستعمار مداها بان أقدم اللفيف الاجنبي الذي كان في اعانة جيش الاحتلال، على ارتكاب فظائع منكرة في تازركة، واحتجت الحكومة التونسية والباي على تلك الشنيعة فعمدت عصابة اليد الحمراء الى تفجير قنبلة امام بيت الوزير الاكبر برادس محمد شنيق الذي ما لبث ان اقيل بقرار من سلطات الحماية وابعد شنيق واعضاء حكومته الى الجنوب ونصبت الرقابة على الصحف، فيما نقل الزعيم الحبيب بورقيبة الى محتشد رمادة ثم الى جزيرة جالطة حكومة صلاح الدين البكوش يوم 29 مارس 1952 كلف صلاح الدين البكوش بتشكيل الحكومة الجديدة بدون رضى الباي، وصرح الهادي نويرة في اليوم الموالي بان الحزب لا يعترف بشرعية حكومة نصبتها السلطة الاستعمارية غصبا عن ارادة الباي والامة، ولم يستطع البكوش تشكيل حكومته الا في 16 افريل لامتناع شخصيات عديدة عن الدخول فيها مما أجبر المقيم العام على اسناد مشمولات الوزارة الاولى الى عدد من الموظفين السامين فقابل الشعب التونسي تلك الحكومة بالمقاومة وطارد اعضاءها الذين استهدفوا الى عدة اعتداءات ومحاولات قتل. واضطر المقيم العام الى عرض اصلاحات جديدة والعودة الى التفاوض، فدعا الباي يوم غرة اوت 1952 عددا من الشخصيات لدرس الاصلاحات التي اقترحها المقيم العام واطلق على تلك الهيئة «لجنة الاربعين» وقد تشكلت من وطنيين دستوريين ونقابيين وتجار ورجال اعمال وفلاحين حشاد يدفع الثمن رفضت لجنة الاربعين الاصلاحات المزعومة ودفع فرحات حشاد الثمن عندما طالته يد الاغتيال يوم 5 ديسمبر 1952 من قبل عصابة اليد الحمراء وكان ان الهبت جريمة الاغتيال المشاعر الوطنية فاشتدت المعارك بين المجاهدين التونسيين والجيش الاستعماري يوما بعد يوم واستمرت المظاهرات والاغتيالات في جميع الجهات وازداد التحاق المجاهدين بالجبال وتعددت عمليات تخريب المنشات الاستعمارية رغم سياسة الحديد والنار التي انتهجتها السلطة الاستعمارية وقوافل الشهداء الذين سقطوا سنة 1952 فضلا عن الذين استشهدوا في عشرات المعارك والوقائع الاخرى منذ انتصاب الحماية سنة 1881