تزامنا مع عرضه في إطار المسابقة الرسمية بمهرجان "كان" السينمائي الدولي، استقبلت قاعة "الموقار" بالعاصمة الجزائرية، الجمعة 21 ماي/ أيار الجاري، عرضا خاصّا بالصحافة لآخر أفلام المخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب "خارجون عن القانون"، الذي مازال يثير جدلا في الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية. وبعيدا عن الهرج والمرج الذين أثيرا حوله في أروقة الإعلام والسياسة الفرنسية؛ ينقل رشيد بوشارب مشاهديه في 137 دقيقة، عبر ثلاثين سنة من التاريخ الجزائري الفرنسي المشترك، من خلال حكاية عائلة جزائرية من سطيف بالشرق الجزائري تنتقل للعيش في فرنسا، مترصّدا بذلك يوميات الجزائريين في الجزائر، والمهاجرين في فرنسا. واشتغل بوشارب على الجانب الفنيّ، حيث أعطى اهتماما بالغا للصورة والديكور، بالإضافة إلى التركيبة النفسية للشخوص، أين بدا موفّقا إلى حدّ بعيد في اختيار الممثّلين. ورغم أنّ التاريخ هو القيمة الرئيسة للفيلم؛ إلا أنها تمثّل الإطار العام للعمل، فيما يعطي المخرج مساحة أكبر للتخيّل، عبر ابتكار شخوص وأحداث خيالية، لكنها مرتبطة بالواقع التاريخي الذي يفضّل بوشارب المرور عليه بشكل سريع، والوقوف عند تفاصيل كلّ لحظة (مشهد)، ربّما إدراكا منه أن ليس من وظائف الفيلم الروائي أن ينتحل شخصية المؤرّخ، وأنه يستحيل تقديم كلّ الحقائق التاريخية في فيلم سينمائي. المهمّ في "خارجون عن القانون" ليس تفاصيله، التي قد نتّفق وقد نختلف حولها، وإنّما في الموضوع الذي يطرحه بشكل جريء بعيدا عن الأطروحات النمطية حول الثورة التحريرية، والتاريخ المشترك بين البلدين. والاهمّ بالتأكيد أنه يبرز عدالة الثورة التحريرية والمعاناة التي عاشها الجزائريون، وكذا الدور الكبير والفعال الذي قام به المهاجرون الجزائريونبفرنسا، في إشعال الثورة ودعمها إلى غاية الاستقلال. في "خارجون عن القانون" لمسة إبداعية ورؤية إخراجية عالية لمخرج فرنسي مرتبط بأصوله الجزائرية. قد يثير الفيلم جدلا في الجزائر على غرار ذلك الذي يشتعل في الضفة الأخرى، وقد نقف عند بعض الأخطاء والهفوات التاريخية، وقد يذهب البعض بعيدا للقول إنه يقدّم الرؤية الفرنسية، لكنه بالتأكيد يبرز النضال الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي، في كلّ من الجزائروفرنسا. إحدى مكامن قوّة الفيلم أيضا هو تلمّسه للجانب الإنساني، من خلال الأمّ والزوجة والحبيبة الفرنسية التي تُقتل بعبوة ناسفة في سيارتها.. كثير من الذين خرجوا من "الموقار" بعد عرضه بدا عليهم التأثّر، وكثيرون قالوا إن بوشارب يستحقّ "سعفة ذهبية"، قد تكون الثانية في رصيد الجزائر.
رؤية سينمائية لنضال جزائري في بلدين
يتناول فيلم "خارجون عن القانون" جوانب هامة من النضال الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي، مسلّطا الضوء على الفترة الممتدّة من عام إلى غاية 1962 في كل من الجزائروفرنسا، من خلال قصّة عائلة جزائرية في مدينة سطيف تتكوّن من الأب والأم وثلاث إخوة: مسعود الابن الأكبر الذي يشارك في جبهات القتال في حرب الفيتنام، عبد القادر الذي يُزجّ به في السجن على إثر مجازر 08 ماي في سطيف 1945 التي توفي والده أثناءها، وسعيد الابن الأصغر الذي بقي رفقة والدته، قبل أن يقرّر مغادرة البلاد رفقتها والذهاب إلى فرنسا ليكونا بالقرب من عبد القادر الذي نُقل إلى أحد السجون الفرنسية رفقة المئات من الجزائريين. وحين يصل سعيد ووالدته إلى فرنسا للاستقرار في أحد الأحياء القصديرية التي يقطنها المغاربة، ومعظمهم عمال في مصنع فرنسي، بينما يختار سعيد الكسب السهل عن طريق المتاجرة في الدعارة، واستغلال نساء مغاربيات الأصل. يعود "مسعود" من الحرب بعد أن تلقى إصابة في عينيه، ويخرج عبد القادر من السجن بعد أن تشبع بأفكار التحرّر، وبعد أن أوكل له أحد المناضلين السياسيين مهمّة تجنيد الجزائريين في فرنسا للمساهمة في القضية الجزائرية. ويجتمع الإخوة لمناقشة إمكانية المساهمة في مساعدة الثورة وتحقيق الاستقلال للعودة إلى أرض الوطن. وفي الوقت الذي يقرّر مسعود وعبد القادر أنّ العمل المسلح هو الطريق إلى تحقيق حلم العودة، وأنّ الحل هو نقل الثورة إلى داخل فرنسا؛ يرفض سعيد عرضهم ويقترح المساعدة عن طريق المال. يتمكّن الأخوان من تنظيم صفوف الجزائريين في فرنسا، ومن جمع التبرعات إلى الاغتيالات والتصفيات الجسدية لكل من يعارض جبهة التحرير، بينما تكبر تجارة سعيد ليصبح مالك لحانة ليلية يساهم من خلالها في دعم الثوار ماديا. تطورات العمل تأخذنا إلى طرق متفرقة يسلكها الإخوة الثلاث لكن يجمعهم المصير في الأخير؛ حيث يقتل مسعود في مشادات مع الشرطة الباريسية، ويقتل عبد القادر في مظاهرات ال17 أكتوبر 1961 في فرنسا.