عفوا إن بدأت بخطإ طباعي رغم أنه ليس خطأ طباعيا فاليوم صارت الأسماء تتشكل قريبا من بعضها حتى لكأن الدوال اجتمعت مع بعضها لتدل على الشيء ونقيضه وهذا لا يفسر اليوم بكرم اللغة كما قال ابن جني فلقد نفق الكرام أغلبهم حاشا الصادقين والثابتين على المبدإ وهم قليل أردت منذ مطلع المقال أن أقول الواقعيون العرب فوجدتني أقول ما أنا قائل :الواقعون قد تشاطرونني الرأي وقد أخالف فيه لكنني أسميتهم هكذا لأنني حينما محصت أرض الواقع لم أجدهم ينطلقون منها أو يعيشون عليها بل كلهم في دهاليزها لأنهم سقطوا في حفرة المناهج وأخطاء التبئير. يظن البعض أن الواقعية هي شدة الالتصاق بالواقع والحال أنها في الفنون جميعها هي ما تحقق من التكثيف والاحتمال فالواقعية هي بناء جمالي وتصور ذوقيّ جسد مرحلة من مراحل الإبداع وقد كانت ولادتها في أوروبا محكومة بإرهاصات اجتماعية وسياسية ودينية وتاريخية عامة فانبجس هذا التيار على أنقاض سابقه وترك الساحة حينما انتهت مرحلته لفسح المجال لغيره لأنه عجز على أن يقدم الجديد وبدأ بالتهام نفسه لكنه عندنا يبدو أنه يتجدد ويبدو أنه غير مستعد لفسح المجال لغيره والحال أنه عندنا مسح كل المجالات سياسة وإعلاما واقتصادا ودينا وفلسفة وفنا ومن غريب الأطوار أنه جاء في مرحلة يلعن فيها كل من حولنا السكولاستيكية ويرفضون فيها الانضواء تحت اليافطات علما وأن الواقعية الغربية وإن تعدت مجال الفنون ساعتها فقد كانت تمتلك مشروعا ورؤية وكانت تهدف للأفضل من الواقعية النقدية إلى التسجيلية إلى الواقعية الاشتراكية مع لوكاش وجولدمان فهؤلاء كانت لهم مطامح وسعي لصياغة نظرة للعالم ورغبة في التغيير والتثوير وطرح البدائل وكذلك فلاسفة هذا الطرح الذين كانوا أشد حرصا على رفض سوء الواقع ودحض أركانه البالية لكن بالمقابل وبعد تجاوز الغرب لهذه المرحلة بعقود هاهم ثقفوت العرب يستجلبون هذا التابوت وهذا المحنط وينفخون جاهدين من كل حدب ومن كل ثقب لإعادة الروح في هذا الجدث فماذا كانت أهدافهم وهل نجحوا في شيء طمحوا إليه إن كان لهم طموح؟؟؟ أقول مجددا إن الواقعية كطرح فني لم تُتَجاوَز برمتها فكل أنماط الفنون تتدافع وتتكامل وكذلك كل محصلات المذاهب قديمها وحديثها وما سيكون في مستقبلها لأنها من الحميمي الإنساني ومن مكامن الشوق الآدمي شرقا وغربا،ولكن المحير أن يستغل هذا الدفق الإيجابي من تراث الأمم من قبل انتهازيي الوعي عندنا وأظن أن الوعي عندهم معطوب لتبرير ما لا يبرر فإذا تعلق الأمر بالاحتلال خاطبوك بالتفاوض وحلحلة الأمور لكأن الاستعمار قضاء وقدر لكنهم في الوقت ذاته حينما يعودون لتأريخ بدايات الاستعمار تجدهم يقولون لقد قبل أهل القرن 19 المستعمر لأن المتدينين المقربين من السلط المتواطئة مع الاستعمار اعتبرته قضاء وقدرا وهذا قول مردود لأن جل المشايخ والأئمة كانوا ضحايا المؤامرات ودفعوا الثمن غاليا ولكن المتنورين بأفكار أروبا ساعتها وعلى قلتهم هم الذين مهدوا للاستعمار وهم الذين فاوضوه وباعوا أشراف الناس ونالوا بهم المقاعد الوثيرة .وهاهم اليوم يعودون بنفس المبادئ وبنفس الآليات وبنفس اللؤم وبنفس الانتهازية والضحية أصحاب المبادئ من جديد لكأنه قدر على من تطبعوا بالطيبة أن يكونوا وقودا للمعركة دائما وأن يكونوا ضحايا الظلم والطغيان ولكأن واقعنا العربي لا شفاء له ولكننا هنا وجب أن نستشعر تباشير الخطاب القرآني الطاهر بالنصر والتمكين للصادقين والصابرين .ولكن الواقعيون العرب هم أشد عداء لهذا الخطاب لأنهم لا يؤمنون إلا بما هو واقع مثلهم وأقصد بالواقع السقوط والتردي وأنا على يقين أن الواحد منهم حينما يستدعي ضميره وفطرته يعي جيدا تهافت ما يدعو له ويروج،فهم اليوم يرون في الصمود ضربا من التجديف وفي المقاومة مقاولة ويرون في صاحب الحق إرهابيا وفي المحتل والغاصب حكيما ومتطورا فالصهاينة عندهم عباقرة وأصحاب مجهود بشري صاغ المؤسسات الحديثة وتناسوا أن هذا النبت الخبيث تقف وراءه كل مقدرات الغرب التي اغتصبها ظلما لعقود من استعمار الأرض والرقاب ومقدرات المساكين المادية والمعنوية.فالكيان الصهيوني لو نُزع عنه الغطاء لرأينا مصيبته وأزمته المقيتة لكنّ الواقعون العرب يسندون ركنه ويساعدون رفع قوائم هذا البناء الباطل هذا فيما يتعلق بنظر الواقعون للخارج أما في الداخل فإن كانوا في السلطة برروا الجرائم على أساس أنها من جَهاز السيادة ومناعة الدولة وبسط نفوذ المؤسسات علما وأننا لا نملك المؤسسات بل كل ما نملكه هي زوايا سمسرة و حوانيت فساد وبنايات ضرار لا غاية لها إلا خدمة أرقام الربح لمجموعة من الواقعين وأبواقهم على أن الأبواق لا تنال إلا غبار الطحين.أما إذا كانوا خارج السلطة فهم يكونون معارضات سرعان ما تتحول إلى سماسرة يهرولون بسرعة للكسب ويتماهون مع السلط أكثر مما تريد السلط نفسها وحتى لا نجرح في أعراض الناس وهذا ليس من شيم من يخشون الله نرى أن أعداد هؤلاء يتزايد كل يوم والعيب في ما أرى ليس في هذا الفصيل بل في أصحاب المبادئ الذين ينكفئون مع أول مواجهة مع هؤلاء الذين يمتلكون ألسنة سليطة ومناهج داعرة وسلوك لاسويّ لايرعوي ولا يعرف في القيم إلا ولا ذمة.فمتى يجعل الصادقون للحق جولاته التي يستحق؟؟؟