ورثت الساحة الأدبية والثقافية عمومًا في بلادنا العربية والإسلامية صورة للمرأة تخالف وتصادم الصورة الإسلامية التي يجب أن تسود.
ربما حدث ذلك تأثرا بموجة التغريب التي عمت مصر والبلاد العربية مع بداية القرن العشرين على أيدي رموز التغريب من أمثال سلامة موسى وطه حسين وهدى شعراوي وأحمد لطفي السيد ومن سار على دربهم وانهزاما أمام موجة التغريب القاسية صوبت سهامها ناحية مجتماعاتنا الإسلامية وكان مع أولى اهتمامات هذا الغزو الفكري المرأة المسلمة وكل ما يتصل بها فماذا قدم الأدب النسائي العربي للحركة النسائية وهل عبر عن هموم المرأة المسلمة ؟ ولماذا تسيطر العلمانيات على الساحة الأدبية في عالمنا العربي ؟ ولماذا ينحصر الأدب النسائي في قضايا الحب والغرام؟ تقول صافي ناز كاظم (أديبة وناقدة إسلامية) إن هذه القضية طويلة ومعقدة وتمتد جذورها إلى حقبة الاستعمار الغربي لبلادنا فقد ركز على ضرب أي صحوة إسلامية.. فركز الفرنسيون على الأزهر رمز المقاومة ودخله بخيولهم.. وركز الانجليز عبر خبرائهم مثل "دانلوب" على تغيير المناهج التعليمية ليصبغوا وجداننا بالطريقة التي تعجبهم.. وكذلك فعل الفرنسيون في الجزائر بل بلغ تطرفهم غايته في قتل اللغة العربية وجعل الفرنسية هي اللغة الرسمية ولغة التعامل. ولم يخرج الاستعمار من بلادنا إلا بعد أن اطمأن إلى أن زمام حركة الثقافة والتعليم والإعلام والتوجيه في أيدي المغتربين العرب الذين اقتنعوا ببضاعة الغرب المزيفة.. بل أكثر من ذلك استوفد بعض من العرب وأعدهم بعناية خاصة أرسلهم إلينا ليفعلوا ما لم يستطع الاستعمار فعله في ظل التوجه العام كان الصوت العلماني هو الصوت المسموع في مجالات الأدب المختلفة وكذلك في مجالات الإعلام المختلفة وضمن هذا الإطار أيضا سيطر العلمانيون والعلمانيات على الحركة النسائية وصادرها لحسابهم الخاص. فعلى الجانب العام تلقف الإعلام والأدب ومن حمل لواء التغريب دعوة هدى شعراوي للإصلاح المزعوم لشان المرأة.. ونفخوا في هذه الدعوة ومعهم الأجهزة الرسمية كلها. في نفس الوقت الذي ضاعت فيه جهود ملك حفني ناصف التي قادت حركة مضادة لتحرير المرأة على أرضية إسلامية وفيما بعد جهود السيدة زينب الغزالي لأن البوصلة لم تكن متجهة ناصيتها وإنما في اتجاه آخر وفي السبعينيات حينما بدأت الصحوة الإسلامية المباركة بعد حقبة الخمسينيات و الستينيات التي حارب فيها عبد الناصر الإخوان والدعوة الإسلامية ولم يكن متصورا أن يوجد أي رمز نسائي إسلامي أقول في السبعينيات بدأت الصحوة الإسلامية في إعداد كوادرها ولكنها حينما بدأت وجدت الساحة الأدبية بالكامل تحت سيطرة الشيوعيين والناصريين والعلمانيين واستمرت الصحوة بعد رموزها ولديها العديد منهم الآن إلا أن التضييق على كل عمل إسلامي وإفساح المجال لكل علماني يطعن في الإسلام ساهم في هذه الصورة التي نراها الآن سيادة أنماط التفاهة والركاكة. إن التيار الإسلامي في مصر لا يملك صحيفة يومية أو أسبوعية فقد تجد هناك جريدة أسبوعية وعدد محدود من المجلات ولكنها إما تابعة للهيئة الدينة الرسمية أو الجمعيات الصوفية وهي لا يدخل في اهتماماتها إظهار وتلميع الرموز النسائية الإسلامية حتى تستطيع مواجهة الرموز العلمانية. الترويج لأدب الانحراف أما د. محمد يحيى (أستاذ الأدب الانجليزي والمفكر الإسلامي) فيرى أن الخطاب العلماني في مجملة خطاب غير أخلاقي ونفعي وانتهازي وضحل المضمون ولا تمت للأصالة بصلة ولا يخاطب الإنسان العادي في واقعه فأدباؤنا المشهورون كلهم تقريبا يصدرون من النبع العلماني الذي يخاصم التوجه الإسلامي وهم يصيغون العلاقات داخل المجتمع بشكل غير أمين فالمرأة المشهورة عندهم هي المرأة اللعوب المنحرفة أخلاقيا التي لا هم لها إلا التقاط الرجال وإقامة العلاقات المحرمة المتعددة معهم هذه المرأة الغنية هي بطلة رواياتهم وأشعارهم ومسرحياتهم وأفلامهم. والعجيب أنهم يصورونها معذورة في ذلك ويضفون عليها مسحات أخلاقية كأن تساعد الثوار والوطنيين ولكن نفرا غير قليل من الأدباء ومعهم كتاب السيناريو والمؤرخون استهوتهم فكرة الراقصة فتسابقوا إلى التغني بمحاسنها ومكارم أخلاقها المهم أن الأدب عموما اهتم بالمرأة المنحرفة ولم يهتم بالمرأة العادية المجاهدة الشريفة وكيف تتغلب على مشكلات واقعها وهم في هذا كله لا هم لهم إلا قضايا الحب والغرام إما القضايا الحقيقية الواقعية التي تحتاج إلى جهد كبير لمعالجتها فيهربون منها إما لفقدان الملكة الأدبية وأما لاستسهال الأمر أو لفقدان الوجهة الإسلامية التي تعطي الأديب عمقا كبير في تناول أبعاد القضية وإذا تجرا أحد وكتب نصا فيه قيمة إسلامية انهال عليه أهل النقد والأدب والفن بالتجريح والتهكم والسخرية حتى لا يكررها مرة أخرى أو يقلده غيره ويفعلها. ويضيف د. محمد قائلا: إن أهل الأدب في بلادنا الآن أصبحوا مفلسين وبضاعتهم مسجاة ومعهم أهل الفن الذين يحولون أعمالهم الأدبية إلى أفلام ومسلسلات إما تتهكم على الرمز الإسلامي أو تشوه الصورة والقيمة الإسلامية أو تروج للقيم العلمانية وللتحرر والتحلل الأخلاقي وكان الأجدر بهؤلاء التعلم مما ابتكره أهل الأدب والفن في إيران فقد بدءوا بعدنا بعشرات السنين ولكنهم أوجدوا أدبا وفنا متميزا يحصل على الجوائز العالمية حتى أنه لا يخلو مهرجان سينمائي عالمي من جائزة لفيلم إيراني فعلوا ذلك باحترام واحتشام ودون التطاول على الثوابت الإسلامية بل كانت العبقرية في علاج مشكلات الواقع والأفكار بسيطة لكنها جميلة.. أحد الأفلام التي حصلت على جائزة فيلم بطله طفل صغير يتبادل ملابسه مع اخوته لعدم استطاعة الأب شراء ملابس للجميع وكان حذاؤه قديما ومقطوعا وأعلنت المدرسة عن مسابقة رياضية والمركز الأول سيفوز بدراجة أما المركز الثاني فسيفوز بحذاء ويعيش صاحبنا الصغير أحلام البطولة فهو يريد الحصول على الحذاء ويتعب في التدريب ويخوض اختبارات المسابقة وتأتي النتيجة ومعها حصوله على المركز الأول والدراجة ولكنه يبكي ويحزن بشدة فهو لا يريد الدراجة ولكن يريد الحذاء الجديد حتى ترحل عنه المعاناة من جراء ارتداء الحذاء القديم المقطوع هذه القصة ليس فيها أي إسفاف ولم تظهر فيها النساء إلا أمه وأخته بشكل محترم ومع ذلك فالمعنى جميل وتغرس في نفوس الصغار معاني جميلة ولهذا استحقت القصة جائزة أما عندنا فلا تحصل على جوائز لان أدبنا وإعلامنا لا يركز إلا على الأدب الرخيص والغرب عنده منه الكثير لذلك لا يهتم به. الحركة الإسلامية ظلمت المرأة أما د. إبراهيم سعد الدين (أستاذ النقد والبلاغة بجامعة المنيا) فيرى أن الحركة الإسلامية المعاصرة لم تتعامل بنضج كاف مع المرأة رغم حديثها النظري عنها بشكل جيد فالحركة الإسلامية لم تعط المرأة داخلها الحرية لتنتج في إطار من الحرية والإبداع بل أكثر من ذلك أن الحركة لم تفكر في اختيار وتأهيل الرموز النسائية للقيام بهذا الدور وإنما كانت أساليب المنع والتعتيم والفصل بين الرجال والنساء هي السائدة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان تعليم المرأة التعليم الشرعي جاء متأخرا عن الرجل وتكفي الإشارة إلى أن الأزهر يعلم الذكور فقط من أكثر من إلف سنة ولم يبدأ في تعليم الإناث إلا منذ عشرات السنين فقط وهذا عمل على تأخير ظهور الكوادر النسائية إما كاتبات أو أديبات أو شاعرات أو أستاذات جامعيات. ويضيف د. إبراهيم سعد الدين أن المرأة المسلمة في بلادنا نتيجة لعوامل كثيرة ورثت الخجل في التعبير عن نفسها.. فبنت الشاطئ كانت لا تكتب اسمها متحرجة من البوح به رغم كتاباتها الجادة والممتازة ومن ناحية أخرى فقد شغلت المرأة المسلمة بأمور الدعوة بين النساء في مجالات الأدب المختلفة. الخوف من الإعلام أما د. وفية الخولي (أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة المنوفية) فتقول أن كثيرا من أستاذات اللاتي لهن توجه إسلامي لديهن فكرة سيئة عن الإعلام ولا يردن التعامل معه خوفا من تحريف كلامهن وليس لديهن الجرأة للدخول مع الإعلام في مشاحنات. كما أن الإعلام القائم إما إعلام رسمي أو حزبي أو خاص وكلهم لهم موقف سبي من أي توجه إسلامي من الناحية السياسية أو الأدبية أو الثقافية أو الفكرية وهو يحتضن العلمانيات مع ما يتمتعن به من بضاعة رديئة ويقدمهن على الإسلاميات بل انه يشوه صورة هؤلاء الإسلاميات. كما أن الوصول للإعلام ليس بالكفاءة وإنما بأمور أخرى غير الكفاءة وهذا يجعل المخلصات يتراجعن عن التعاون والتعامل مع أجهزة الإعلام القائمة. وتضيف د. وفية الخولي أنه في حالة وجود سيدة مسلمة لديها موهبة كتابة القصة أو الشعر فلكي توجد لنفسها مكانا عليها بمزاحمة الأخريات في المنتديات والصالونات والمؤتمرات ودور النشر وهذا يجعل من لديها الموهبة تهرب إلى بيتها وأولادها ورغم هذا فالساحة تخلو من الإبداع النسائي الإسلامي. وكما تقول د. وفية الخولي فهناك صافي ناز كاظم في النقد المسرحي والشعر النثري وهناك علية الجعار في الشعر وسهيلة زين العابدين في النقد وهؤلاء تتلمذوا على عائشة عبد الرحمن تلك المرأة الموسوعية وقوت القلوب الدمرداشية التي لم ينتبه إليها احد وباحثة البادية ملك حفني ناصف ولم يحصل التيار الإسلامي على حقه في التعبير وأصبح لديه الجرائد والمجلات لسمعنا عن ضعف هذا العدد. ونحن نذكر منذ سنوات قليلة كان هناك قلم نسائي صغير واعد ومبشر ولم يلتفت إليه الإسلاميون ولم يوله الاهتمام فهم ليسوا خبراء في هذا المجال وتلقف العلمانيون هذه الحالة النسائية واجتذبوها لصفهم وأصبحت بفعل تلميعهم لها مع ما تحمله من موهبة اسما رنانا في مجالات الأدب في مصر والعالم العربي.