استوقفني أحد التعليقات على مقال الأخ نصر الدين السويلمي حول أبناء النهضة تتساءل فيه صاحبته عن سر تخلف الشيخ راشد الغنوشي عن الجهاد في سبيل غزة وبعض الأمور الأخرى التي جاءت صريحة وواضحة وضوح الشمس. ومع ذلك فقد اجتهدت في قراءة التعليق مرة ومرة على أمل أن أجد له محلا من الإعراب فلم أوفق. وليسمح لي القارئ الكريم أن أدلي بدلوي في ثلاثة أمورلا رابع لها. أولا: لو فكرنا بطريقة ما ورد في التعليق فأولى ثم أولى أن يحتج أهالي شهداء أسطول الحرية التسعة على رئيس وزراء بلدهم أردوغان لتخلفه عن سفينة مرمرة التي قتل فيها الشهداء بدم بارد ولاتهموه بأنه رمى بأبنائم في براثن الإحتلال الصهيوني .. أولى ثم أولى أن يحتج فلسطينيو الشتات على مشعل وشلح وأحمد جبريل لتخلفهم عن الجهاد في سبيل فلسطين! ليست الأمور بهذه البساطة وليست القضية أن يشارك الشيخ راشد أو لا يشارك. ولا أكتب بنية الدفاع وإنما كشاهدة تقول كلمة حق للتاريخ. ليس لي باع في السياسة وليست لي أي طموحات سياسية ولكن بحكم تواجدي في البلد الذي يقيم فيه هذا الرجل لأكثر من خمسة عشر عاما وقد جمعتنا محطات نضالية صعبة لم أعرف – كما لم يعرف غيري- عن الرجل أنه من الجبناء أو المتقاعسين عن نصرة المظلومين في كل مكان ولا تخلفه عن نصرة فلسطين ولا كونه من اللاهثين وراء الكاميرات حتى لو اختلفنا معه. ولا أظن أن أشد المنتفدين له ينكرون ذلك. عرفت عنه شخصيا حسه النضالي وثباته على المبدإ والأهم من ذلك كله نفسه الطويل الذي يغبطه عليه الكثير ممن هم في سني وربما البعض ممن هم في سن الشباب.
ثانيا: بقياس الجدال العقلي البعيد عن العواطف وباعتباري حقوقية أتابع انتهاكات حقوق الإنسان في بلادنا وعلى حد علمي فإن النظام التونسي هو الوحيد من بين الأنظمة العربية كلها الذي يضع المعارضين السياسيين ضمن المطلوبين دوليا على قائمة الأنتربول ليحول حياتهم إلى جحيم ويسجنهم داخل حدود الدول التي آوتهم. ولا يحدث هذا مع الجزائريين أو المغاربة أو غيرهم.. فقط نحن التونسيون ابتلينا بسلطة تحاصر المعارضين الشرفاء في كل مكان وتتقن "فن" الإنتقام والتنكيل والتشفي. ثم إن البعض من المهجرين ممنوعون من دخول أو حتى المرور عبرالدول العربية باستثناء بعض الدول التي لا تعد ولو بأصابع اليد الواحدة.. بعضهم لا يستطيع أداء فريضة الحج .. والبعض لا يستطيع التنقل حتى في دول أروبا.. بعضهم لا يملك جنسية دولة يمكن أن تطالب إسرائيل بحمايته إن وقع في الأسر.. والبعض تروج السلطة لدى الدوائرالغربية أنه معاد للسامية. نعم .. قد يتمنون الشهادة على أبواب فلسطين لكن ثمة رموز سخرها الله لشحذ همم أبناء هذه الأمة وزرع الأمل فيهم وحشد الدعم لقضاياهم العادلة وهؤلاء نريدهم بيننا وإن اختلفنا معهم.
ثالثا: أحد جنود الخفاء في فريق "غزة الحرة" وأبطالها على متن سفينة الإغاثة التي اعترض طريقها قراصنة الإحتلال قبل أشهر وكادوا أن يغرقوها تونسي أسرته سلطة الإحتلال وقد تحدث عن تجربته وقدم شهادته لبعض الفضائيات بعيد الإفراج عنه. وما يقدمه هذا الرجل اليوم لفلسطين لا يقدر بثمن. وإن كنت أتمنى أن أرى المزيد من التونسيين ضمن الأساطيل والقوافل القادمة فأنا لا أرى من المعقول أو المفيد إلحاق التهم الجزاف وإقحام أسماء الناس بصورة عشوائية. فالمجال مفتوح للجميع رجالا ونساء وأطفالا وليبدأ كل منا بنفسه وليبادر كل من يرى في نفسه القدرةعلى ذلك بالتحرك.. أم أن أحاديث العودة والشوق إلى تونس أنهكتنا واستنزفت طاقاتنا! فلننأى بأنفسنا وأقلامنا عن سجالات ومقارعات لا تقدم للقارئ شيئا ولا تنفع قضايانا. مهم أن نكتب لكن الأهم هو كيف نكتب ولم نكتب. لا أنوي الجدال مع أحد في النهاية ولكني شهدت بما أعلم حتى لا نبخس أحدا حقه.