مضى عام على تأسيس المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين بجنيف يومي 20 و21 يونيو حزيران من العام المنصرم 2009. ثار اللغط من كل صوب وحدب وسال المداد مهراقا بعضه بحق وبعضه بغير حق. وبهذه المناسبة فإنّ بعض الكلمات لا بد منها: 1 القضية التي من أجلها تأسست المنظمة قضية واقعية حقيقية وليست قضية وهمية أومفتعلة. بل هي قضية مطلبية وليست قضية سياسية حتى لو تلبست بحق أو بغير حق بالدثار السياسي بسبب أنّ المطالبين بحقهم في العودة إلى وطنهم الأم عودة كريمة آمنة سياسيون تونسيون إنما أبعدوا عن بلادهم لأجل انتماءاتهم السياسية والفكرية وليس لأنهم تجار مخدرات أو متورطون في جرائم حق عام. 2 هي قضية حقيقية واقعية تسندها شرائع السماء ودساتير الأرض ومواثيق حقوق الإنسان ومن ذلك الدستور التونسي. هؤلاء تونسيون وهم بالآلاف حوكموا في قضايا سياسية قبل عشرين عاما كاملة بل منهم من حوكم في قضايا الانتماء لحركة النهضة قبل ثلاثة عقود كاملة تونسيون يطالبون بحق العودة إلى بلادهم الأم عودة كريمة آمنة لا يكرهون فيها على توقيع على عريضة لا يريدونها ولا على الاستقالة من حركة أو انتماء يريدون الإبقاء عليه ولا على تزكية هذا أو إدانة ذاك.
4 تونسيون يطالبون بإلغاء الأحكام الجائرة الظالمة الصادرة ضدهم وهي قضايا انتماء لجمعية غير معترف بها وثلب رئيس الدولة وتوزيع مناشير من شأنها تعكير صفو النظام العام وثلب مؤسسات الدولة وجمع أموال بغير رخصة. يطالبون بذلك لأنّ القانون التونسي ذاته ينص على سقوط الأحكام بعد مدة زمنية محددة وقد مضى على تلك الأحكام أضعاف تلك المدة.
5 تونسيون لا يعارضون مبدأ إعادة محاكمتهم بعد الاعتراض على الأحكام السابقة ولكن في ظل نظام قضائي مستقل وفضاء من الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وعندها يعرف الناس من حقه المحاكمة ومن حقه التكريم. عندها يعلم الناس أنّ من حقه المحاكمة هو من اعتدى على الدستور التونسي وذلك بوضع خطة تجفيف منابع التدين موضع التنفيذ تعليميا وبعصا البوليس. عندها يعلم الناس أنّ من حقه المحاكمة هو من اعتدى على الحرمة الجسدية للناس فضلا عن المساجين حتى قتل منهم الذي قتل. عندها يعلم الناس أنّ من حقه المحاكمة هو من ارتمى في أحضان الصهاينة لحماية نفسه من عاقبة الجرائم التي يمزق بها شمل البلاد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. عندها يعلم الناس أنّ من حقه المحاكمة هو من أطلق أيدي كلابه في أموال الناس وأعراضهم ينهشونها كما تنهش الذئاب فريسة طريدة.
6 تونسيون شهد لهم المنصفون في هذا العالم أنهم أهل الاعتدال الفكري والتوازن السياسي وأنهم هم أول من اتخذ الديمقراطية بدل التيوقراطية من جهة وبدل العنف الأعمى من جهة أخرى وسيلة لحسم الخلافات. تونسيون شهد لهم المنصفون في هذا العالم أنهم آثروا الصبر الجميل على المحن القاسية الضارية المريرة التي سلطها عليهم نظام الحكم.. آثروا ذلك على ردود أفعال طائشة جدت في الجزائر ومصر وليبيا والسعودية والمغرب الأقصى.. آثروا ذلك ابتغاء وجه الله سبحانه لعل تونس تكون محضنا لكل أبنائها مهما اختلفت مشاربهم الفكرية دون إقصاء أو ترويع آثم من بوليس الدولة.
7 تونسيون يرفضون الابتزاز الذي تمارسه الدولة ضد من يطالب بحقه في جواز سفر تونسي أو يهم بالعودة إلى بلاده. وهذه هي أهم الابتزازات التي تعرض لها أكثر الذين تقدموا بمطالب جوازات سفر تونسية أو عادوا إلى البلاد بجوازات سفر أجنبية: أ إما أن توقع على عريضة لزهر عبعاب. ب أو أن تكتب استقالة من حركة النهضة تحديدا على موقع تونس نيوز أو الحوار.نت. ج أو أن تزكي بن علي ونظامه. د أو أن تكتب مقالا أو أكثر تحط فيه من شأن المعارضة وتذكر فيه الغنوشي بالإسم.
8 صحيح أنّ بعضا من أولئك لم يتعرض لذلك ولكن عدد أولئك لا يتجاوز بالتأكيد نفرا أو اثنين لاعتبارات معروفة ضمن مناورات السلطة في شق صف حركة النهضة أو تأليب أعضائها عليها أو إثارة الشكوك بين الناس لتغذية الشتائم بينهم على صفحات الإنترنت. ذلك صحيح ولكن العبرة بالأعم الأغلب.
10 لا يُلام بعضُ الذين عادوا لتلبية حاجة عائلية ماسة من مثل موت أم أو مرض والد أو غير ذلك ولم يجعلوا من ذلك نظرية سياسية بنوا عليها بالضرورة بدعا من القول أسموه حل حركة النهضة!!! أجل. حتى نعود يجب أن نحل حركة النهضة!!! الذين بنوا للعودة نظرية سياسية ليسوا جديرين بالاحترام لأنهم يريدون العودة إلى البلاد أبطالا وقادة وزعماء في وقت عنوانه في تونس: لا صوت يعلو فوق صوت عصابة النهب والسلب والفساد. على كل حال أكثر الذين عادوا برغم قلة عددهم إلا نشوزات معلومة إنما عادوا لقضاء مأرب عائلي أوكد أو لتنفيس ضائقة الغربة والإبعاد الظالم عن تراب الوطن بغير حق. أولئك الذين لزموا الصمت فلم يجعلوا من عودتهم نظرية سياسية يستحقون الاحترام ولكنهم وضعوا أنفسهم طعما سهلا لعرابي نظام بن علي الذين أكرهوهم على التوقيع على عريضة عبعاب أو غير ذلك من الابتزازات المعروفة.
لماذا لا نعود ونعارض العودة في الوقت الحالي؟.
1 لأننا منتظمون في صف جماعة نلتزم بتوجهها بعدما تبين لنا أنه توجه يحسم بالديمقراطية وليس بالاستبداد. الانتظام هنا ليس انتظاما حزبيا بالضرورة بل هو انتظام اجتماعي ضمن آلاف من أبناء القضية الواحدة قضية الحريات في تونس وجدوا أنفسهم بعد فرارهم بجلودهم من الموت المحقق في مخافر الشرطة والتعذيب المهين مشردين مهجرين. ذلك هو معنى الانتظام المقصود. انتظام من المفترض أن يرعاه أهل المروءة والشهامة والكرامة والرجولة. انتظام ينم عن تواضع الفرد للجماعة ويعكس حصانة الإنسان من سرطان الاستبداد بالرأي. في مثل هذه الحالات يتبين أشدنا ميلانا إلى الحرية والديمقراطية والحياة الجماعية من أشدنا ميلانا إلى الاستبداد والدكتاتورية والفردانية وعبادة الذات. في مثل هذه الحالات يتبين من أشدنا ملكا لنفسه أن تبوءه مباوئ مكروهة ممن يتحمل آلام الغربة مؤثرا إياها على آلام الذلة بين بوليس بن علي. الذلة موقف وليست بالضرورة كلمات ولا حتى وجبات دسمة من التعذيب البدني. الذلة حالة وليس مقالة. 2 لأنّ واقع الحال في البلاد ناطق بألف ألف شاهد وشاهد بأنّ العائد سيما من المحاكمين أو ممن شهدت له الغربة نشاطا لن يجني لدعوته ورسالته أي شيء إلا حاجة في نفسه قضاها وهي حاجة على مشروعيتها لا تتجاوز إطفاء نار البعد عن الوطن. لا يوجد عائد واحد تسنى له أن ينخرط في أي عمل من أعمال الخير في أي حقل حتى أن يعود رفيق درب قديم خارج لتوه من سراديب السجون وأقبية العذاب (أنظر رسالة محمد القلوي على الحوار.نت). لذلك يحترم من يعود لقضاء مأرب فردي سيما إذا تجاوز ابتزازات السلطة الأربعة المذكورة آنفا وهو مستحيل أو يكاد يكون مستحيلا ولا يحترم من جعل من عودته نظرية سياسية تساهم في الانتقال إلى الحريات والديمقراطية في البلاد في الوقت الحالي وليس في كل وقت. 3 لأنّ السلطة هي التي تروج للأكذوبة القديمة التي جاء بها الذي جاء عام 1998 ثم خلفه فيها عبعاب ومفادها أنه لا مانع من حل الملفات العالقة بصفة فردية أو إنسانية. من يجادل في أنّ السلطة تريد شق صف الحركة بل المعارضة كلها من خلال الترويج لأكذوبة العودة فهو إما أحمق لا يعرف من السياسة ألف بائها أو أنه يكتم حقا في صدره لحاجة في نفسه يقضيها. هل عجزت السلطة عن حل هذا الملف ملف العودة ولو بالطرق الإنسانية من خلال سن العفو التشريعي العام أو العفو الرئاسي الخاص أو التمكين لمن أراد العودة دون ابتزازات؟ هل تريدون منا أن نلغي عقولنا السياسية حتى نكون في أيديكم عجينة لينة طيعة فنقتنع من خلفكم أنّ السلطة تريد حلا لملف العودة ولكن قيادة حركة النهضة تأبى ذلك؟ هذه معركة سياسية قائمة مفروضة على المعارضة كلها بل على المجتمع كله. معركة لا مجال فيها للدروشة السياسية أو الشعوذة الفكرية أو منح المجرمين الذين تورطوا في حقوق الإنسان صكوك براءة بيضاء. هذه معركة يجهز فيها القوي على الضعيف دون شفقة ولا رحمة. 4 ليس معنى ذلك أننا نرفض الحل الإنساني في ملف العودة بل إنّ العودة سيما في رؤية المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين قضية إنسانية مطلبية وليست قضية سياسية. ليس معنى ذلك أننا نطالب أن تأتينا جوازات سفرنا التونسية إلى مساكننا في أروبا. المعنى الوحيد لذلك هو أن نتحصل على حقوقنا في جوازات سفرنا التونسية بالطريق الإداري المعروف وأن نعود بعد ذلك إلى البلاد بالطريق الإداري المعروف فلا نتعرض لإذلال لا هنا ولا هناك ولا لمساءلة ولا لابتزاز فنكره مثلا على وصف أنشطتنا في الخارج بالرغم من أنّ المخابرات التونسية تغطي تلك الأنشطة صباح مساء ليل نهار. معنى ذلك أن نعود بانتماءاتنا الفكرية والسياسية والحزبية لمن أراد منا ذلك دون أي مساس بها. معنى ذلك أن نمارس حقنا في البلاد في العمل العام في كل حقل بمثل ما يجرؤ على ذلك المعارضون التونسيون لمن أراد ذلك. معنى ذلك أن نفعل كل ذلك ونعود بكل ذلك دون أن نخشى أن نمنع من العودة إلى أروبا لمن أراد ذلك بسبب ذلك.
5 دعنا نحصر الموقف بكلمة واحدة: نرفض العودة في الوقت الحالي لأنّ السلطة تبتز العائد وتفرض عليه عن طريق عرابيها ما تشاء مما يخل بكرامته ويجعله شبه أسير لديها. هل يجرؤ عائد واحد من العائدين على المشاركة في تظاهرة احتجاجية على مواصلة سجن الدكتور الصادق شورو؟ طبعا لا. لم؟ لأنه لا يأمن على نفسه العودة إلى أروبا إن عاد مجددا إلى تونس. الحكاية معروفة ولا فائدة في كثرة اللغط ومحاولات تزييف الحقائق. بقيت كلمة في حق المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين. السؤال الصحيح هو: لم تأسست هذه المنظمة وما الحاجة إليها؟ ذلك هو السؤال الصحيح. لأنّ الجواب الصحيح لا يولد إلا من سؤال صحيح. الجواب هو أنّ هناك حاجة لنشوئها ولولا تلك الحاجة لما نشأت. هي حاجة آلاف من التونسيين المهجرين إلى ضمان عودة كريمة آمنة إلى بلادهم الأم دون التعرض لابتزازات السلطة. إذا شاب عمل المنظمة الذي شابه من تقصير لا ينجو منه عمل بشري فليس معنى ذلك أنّ الحاجة إلى المنظمة لاغية أصلا أو أنها نشأت عفوا من التحديات. مشروعية المنظمة في مشروعية قضيتها ومشروعية قضيتها في بقاء آلاف من التونسيين محرومين من حقهم في العودة الكريمة الآمنة دون ابتزازات سخيفة.
من حقهم المساءلة والاحتجاج هم أولئك الذين أكرهوا الناس على الفرار من بلادهم قبل ثلاثين عاما وقبل عشرين عاما. أما المنظمة التي تعرضت في بعض الأشهر الأخيرة إلى بعض التجريحات من بعض أبنائها من ضحايا التشريد والتهجير.. تلك المنظمة لا تستحق سوى الدعم والتأييد والترشيد والنصيحة حتى تتجاوز مشاكلها وهل ادعت المنظمة يوما أنها خالية من المشاكل بمثل ما يدعي نظام السلب والنهب والفساد في تونس؟