تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة بين الأمس واليوم ( 8 )
نشر في الحوار نت يوم 24 - 06 - 2010

في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.

حركة النهضة بين الأمس واليوم.

((( 8 ))).

مواصلة مع مختلف معالجات الحركة لتحديات البلاد.

() تميزت الحركة بمثل ما لم تتميز به فيما أظن حركة إسلامية معاصرة بإهتمامها الفكري الثقافي قاعدة إرتكازية لحسن فهم الواقع من مختلف أبعاده. ذلك هو معنى أن الحركة في الأصل حركة دعوية ثقافية فكرية ذات توجه سياسي. هاك أمثلة على ذلك :

أ مشروع الأولويات. لا يمكن الحديث عن تراث حركة النهضة دون الحديث عن مشروع الأولويات. مشروع فكري ثقافي نشأ عام 1982 في إثر سؤال منهاجي كبير : ما جنينا حتى نتعرض لهجمة أمنية بوليسية بورقيبية واسعة أي في صائفة 1981 رد فعل على الإعلان عن الحركة في السادس من حزيران من العام ذاته رغم أن بورقيبة صرح في أبريل نيسان من العام ذاته أنه لا يمانع من وجود أحزاب سياسية بالشروط التقليدية المعروفة. كان لب السؤال هو أنه لا بد أن هناك خللا ما في أدائنا ولو كان خللا فكريا فكان لا بد من ميلاد مشروع فكري دراسي كبير يشرح ( بتضعيف الراء) الأمر. تركب المشروع من أجزاء ثلاثة هي : قراءة الواقع من كل جوانبه وزواياه الذاتية والموضوعية بغرض تقويمه + دراسة ذلك الواقع ذاته بقصد معرفة إمكانات الإصلاح فيه + إستنباط رؤية في الإصلاح والتغيير تتناسب مع المنهاج الإسلامي المعروف من جهة ومع متطلبات الواقع من جهة أخرى. تجندت مؤسسات الحركة للمشروع على قدم وساق كما يقولون وسرت حياة جديدة في الحركة وجنى الناس من ذلك منافع عظيمة جديرة بقالة معروفة : لو إستقبلت من أمري ما إستدبرت لرجعت بالجماعة إلى عهد المأثورات. ولنا أن نقول : لو إستقبلنا من أمرنا ما إستدبرنا لرجعنا بالحركة إلى عهد مشروع الأولويات. من أهم تلك المنافع :

... تشجيع الناس على الإقبال على الكتاب والقلم والحوار.
... تواضع الناس للواقع القائم بغرض الفهم والدراسة وطرق إمكانات الإصلاح.
... إلتقاء الناس على عمل جماعي يكتنفه الإختلاف بالطبيعة والضرورة بما ينمي قيم التواضع والحوار وطرق البحث والمقارنة وتقديم قيم التآخي والتحابب والتكافل حتى مع الإختلاف.

وغير ذلك مما لا يوفيه هذا الحيز حقه.

ب التقويم. كان التقويم أول خطوات مشروع الأولويات ثم كان بعد ذلك تقليدا في الحركة التي دأبت منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا على ضربين من التقويمات : تقويم مرحلي جامع بغرض تعريض كل شيء إلى المساءلة والمحاسبة وإعادة البناء وقد أنجز من ذلك تقويمان كبيران أحدهما في الفترة الفاصلة بين 1982 و 1987 وهو التقويم الذي أنتج ورقات المؤتمر المنعقد في ديسمبر 1986 أي ( الرؤية الفكرية + الإستراتيجية المؤقتة + ورقة التنظيم من أجل الفعل خارجه) وثانيهما في الفترة الفاصلة بين 1992 و1995 وهو التقويم الذي طرح قضية تهجير المؤسسات لأول مرة في تاريخ الحركة وأسباب وآثار المحنة الراهنة. وتقويم مرحلي مؤقت بين أداء مؤتمرين. ذانك ضربان من التقويمات في الحركة. أهم خلاصات التقويمات العامة الجامعة وحصائلهما ( ذلك معروض في الحقيقة في أكثر من إصدار وكتاب ولكن لا بأس من التذكير ببعضها ) :

... علاقة السياسي بالثقافي الدعوي. كان هذا المحور هو الغالب دوما على معنى أن الرأي العام في الحركة متوجه إلى أن الإهتمام السياسي العملي من لدن الحركة ( المقصود أساسا علاقة الحركة بالسلطة التونسية القائمة وبدرجة أقل المعارضة) ما فتئ يتقدم على حساب الإهتمامات الدعوية والفكرية والثقافية وأحيانا حتى على الإهتمامات الداخلية لمتطلبات الحياة الداخلية للحركة. المقصود هنا من حصائل التقويم هو الحد من جموح السياسي إهتماما عمليا وليس إهتماما نظريا أو تحليليا بما ينشئ مناخا سياسيا مساعدا على تقدم الدعوة وما يليها من أعمال ثقافية وفكرية بسبب أن رسالة الحركة هي الإنسان بادئ ذي بدء كما تقدم بنا في حلقات منصرمة وبسبب أن السلطة في تونس من بورقيبة حتى بن علي سلطة غاشمة لا تتحمل المعارضة بأي وجه من الوجوه فما بالك إلا كانت معارضة إسلامية يتسنى لها تحريك الشعب.

... علاقة القطري بالإقليمي والدولي. المقصود من هذه الحصائل في هذا المجال هو تأسيس الإصلاح المحلي في مختلف أبعاده على أسس متقاطعة مع التغيرات الإقليمية والدولية ليكون التغيير في تونس مندرجا ضمن تغيير جامع متدرج في المنطقة لئلا يكون النشاز سببا في نكسة أو ردة يسهل على أعداء المشروع التحرري بصفة عامة وأعداء المشروع الإسلامي بصفة خاصة إنشاءها. من أسباب ذلك فضلا عن الأسباب العامة المعروفة هو أن تونس لا تحتمل ذلك النشاز بسبب موقعها الجغرافي ورقعتها الجغرافية وعوامل أخرى يضيق عنها هذا المجال.

وغير ذلك مما يمكن الرجوع إليه في مظانه المنشورة.

() العلاقة مع السلطة. هذا الجانب كان دوما هو مثار الإضطرابات والتشوشات التي تعوق أداء الحركة في محاولة لعزلها عن محيطها الشعبي أو تشويهها إعلاميا وتقديمها في صورة عصابة مفسدين إرهابيين متطرفين وتأليب الرأي العام الدولي والعربي ضدها أو لجرها إلى مستنقع العنف الآسن. العلاقة مع السلطة آكدة بالضرورة بسبب أن الحركة سياسية بإمتياز من ناحية ولكنها علاقة لا بد لها من التوتر بسبب أن الحركة سياسية من منطلق إسلامي من جهة وديمقراطي من جهة أخرى وهما أمران لا تتسامح معهما دولة بورقيبة ولا بن علي بأي شكل من أشكال التسامح. هي علاقة إذن لا بد لها أن تكون محكومة إما بتوتر وحكمة الحركة هنا هي في تحجيم ذلك التوتر ومحاولة إطفاء نيرانه وإبتلاع طعماته واحدة بعد الأخرى أو أن تكون محكومة بالتناغم التام أو شيئا شبيها به ولا بد للحركة هنا إما أن تتنازل عن الصفة السياسية بالكامل أو تصبح رقما حزبيا ليس له من وظيفة أرقى من وظيفة تزكية السلطة ودق طبول المديح بين يديها أو غض الطرف عن المظالم الإجتماعية والسياسية في أسوإ الأحوال. كلها خيارات صعبة ولكن على الحركة أن تختار الأيسر للبلاد من جهة والأبقى لها من جهة أخرى والأقل كلفة في كل الأحوال أو ما تكون كلفته مقصورة على الحركة وهو ما تم بنسبة كبيرة جدا إذ إلتزمت الحركة المنهاج الديمقراطي السلمي فواجهت السلطة بالصبر والحلم وإلجام الأجيج السياسي الحامي إلا في مناسبات قليلة يمكن إعتبارها أخطاء سياسية تكتيكية من مثل المشاركة العارمة في إنتخابات 2 نيسان أبريل 1989 بما إعتبر تحديا سافرا للسلطة وهي في بداية دربها.

بعض محطات العلاقة مع السلطة.

أ لقاء مزالي من لدن قيادة الحركة عام 1985. ( الغنوشي ومورو والجبالي). كان ذلك في إثر خروج القيادة التاريخية من مرحلة سجن إمتدت من 1981 حتى 1984 وفي أعقاب وساطة شبة علنية قادها المحامي الفتحي عبيد بمقال شهير على صفحات جريدة الصباح اليومية بما أثمر الإفراج عن الشيخ مورو لأسباب صحية ثم لقاء مزالي الوزير الأول في تلك المرحلة شفاه الله سبحانه حيث أنه يوجد منذ أسابيع في حالة موت إكلينيكي في باريس. عرض مزالي في ذلك اللقاء على قيادة الحركة التمتع برخصة جمعية ثقافية في مقابل التنازل عن الصفة السياسية للحركة وهو ما قوبل بالرفض. لا أحد يفقه ألف باء السياسة يمكن له أن يفسر ذلك على أنه منة من بورقيبة أو من مزالي أو حبا في الجماعة ولكنها إستحقاقات السياسة المعروفة ومناوراتها المألوفة. وفي هذا المضمار لا بد من تثبيت حقيقة تاريخية مؤداها أن الحركة الإسلامية في تونس من أكبر مكاسب البلاد بعد الإستقلال إن لم تكن هي أكبر مكسب إلى جانب الحركة السياسية العامة بمختلف مكوناتها العالمانية واليسارية والحركة الحقوقية والنقابية بمختلف مؤسساتها التي كانت عتيدة في يوم ما قبل أن يجهز عليها الرئيس الحالي بن علي بعصاه الغليظة. الحركة حتى وهي تتجرع آلام المحنة الإستئصالية القاسية جدا مازالت ولن تزال بإذنه سبحانه مكسبا وطنيا مهما جدا إن لم تكن هي المكسب الأكبر بسبب أن قضية الهوية العربية الإسلامية للبلاد لم تكن لتأخذ طريقها المعروف أي إنتصار الخط الإسلامي العروبي فيها على الخط العالماني الفرنكفوني بما يشبه الضربة القاضية لولا نشوء حركة النهضة ولولا حروبها المتواصلة من أجل قضية الهوية. قضية الهوية يعرفها الجيل السابق والذي سبقه أي أيام كان بورقيبة يصنع الشعب التونسي على عينه صناعة فرنكفونية تغريبية عالمانية عجيبة وغريبة ولا يكاد يجد من ينهاه عن ذلك أو يعاتبه عليه. أما الأجيال اللاحقة التي ولدت بعدما تعربت الإدارة شيئا ما أو فرضت الصحوة الإسلامية الجديدة نفسها بمطالبها على الدولة التي تحظر على المرأة بالقانون حتى اليوم تغطية شعر رأسها .. تلك أجيال عليها أن تدرس التاريخ وتتعلم منه فهو خير مدرسة في الحياة. ما يشاهده المرء اليوم في تونس من صحوة لم يأت من فراغ ولكنه أتى من رحم خطة تجفيف منابع التدين التي فرضها نظام بن علي لمواجهة حركة النهضة وحصد آثارها وإستئصال شافتها بالكلية.

ب مطالب التأشيرة. تقدمت الحركة بما لم يثبت في التاريخ البشري كله بأول مطلب لتأشيرة عمل سياسي حزبي في إطار القانون القائم عام 1981 ثم توالت المطالب بعد ذلك مرة بعد مرة وخاصة عندما يتغير إسم الحركة. ولكن بقيت الأبواب موصودة حتى يوم الناس هذا.تقديم التأشيرة من أهم وأرشد صور العلاقة مع السلطة التي تجاوزت الحركة قضية مشروعيتها من عدم مشروعيتها مراهنة على مشروعيتها الواقعية ومعروضة عن مشروعيتها الدستورية أو الشعبية أو السياسية أو غير ذلك لأن ذلك محله مساحات أخرى. لما جاء بن علي إلى السلطة جددت الحركة مطلب التأشيرة سيما بمناسبة تغيير إسمها إلى حركة النهضة.

ج لقاء رئيس الحركة مع رئيس الدولة. كان ذلك بعد خروجه من السجن عام 1988 من جهة وبعد مقال له وهو في السجن عن مجلة الأحوال الشخصية بعنوان أنها إجتهاد مندرج في الإجتهاد الإسلامي وإتجاه المقال هو أن القضية ليست قضية قانونية ولا قضية مجلة أحوال شخصية ولا قضية مرأة ولكنها قضية حريات فردية وعامة. المقصود من الخطاب هو تطمين السلطة الجديدة ثم كان اللقاء الذي صرح بعده رئيس الحركة بأن ثقته في الله وفي رئيس الدولة كبيرة. ثم جرت مفاوضات مع ممثل رئيس الدولة أي الرويسي في ذلك الوقت وكان الإعتقاد بأن مرحلة جديدة مع السلطة الجديدة قوامها الصبر والتدرج من لدن الجانبين بعضهما على بعض لمحاولة طي الملف خطوة بعد خطوة في كل أبعاده بسبب التعقيدات الكثيرة المتلبسة به ثقافيا وإجتماعيا وسياسيا وغير ذلك. أفرج بن علي بعد ذلك على ما بقي من المساجين وآخرهم قيادة الحركة المحاكمين أمام محكمة أمن الدولة على دفعتين ثم على ما سمي بالمجموعة الأمنية. ثم أذن بعد مماطلات قاتلة قذرة بصدور جريدة الفجر لسان الحركة. ولكنه إذن لم تكد تجن منه الحركة شيئا بسبب أن كل عدد جديد لأسبوع جديد مهدد بالسحب فضلا عن كون كمية السحب محدودة جدا. بكلمة : عراقيل لا حساب لها في وجه تلك الجريدة ثم وئدت بالكامل وإعتقل رئيسها وطاقم تحريرها ودخلت البلاد في حالة سجن عامة لم تبدأ بالتعافي منها وليس من آثارها إلا قبل سنوات قليلات منصرمات.

د الميثاق الوطني. كان ذلك عام 1989 ومثل الحركة فيه الأستاذ نور الدين البحيري وشمل كل الألوان السياسية وبعض النخب والمؤسسات الإجتماعية والحقوقية فضلا عن السلطة. كان ذلك الحدث كفيلا بنقلة البلاد من حالة إلى حالة ولكن سرعان ما زحفت دبابات السلطة على المكتسبات والمؤسسات والتفاهمات وداست بدايات مناخ ديمقراطي واعد جدا. يبقى السؤال دوما هو من هو المتسبب في ذلك؟ وإذا كان لكل طرف نصيبه فما هو نصيب السلطة وما هو نصيب الحركة وما هو نصيب المعارضة؟ سؤال وجيه جدا ولكن قليل من ينصف فيه كل طرف. المهم هنا هو أن مشاركة الحركة في ذلك الميثاق الذي ضمنه من ضمنه ما يوجع الحركة أو يضعها في سجال مريب مع أبنائها بسبب القالة التي يصر عليها الشيوعيون ومن في حكمهم والسلطة بسبب تحالف بعضهم معها وهي قالة : العقوبات البدنية وتعارض ذلك مع مكتسبات الإنسانية. المهم من ذلك كله هو أن الحركة عبرت في أكثر من مناسبة ولن تزال على أن الجزئيات والتفاصيل ما ينبغي أن تكون حاجزا أمام إندياح الحريات والديمقراطية وأن الواقع المتطور كفيل بتوفير صيغ مناسبة للملاءمة بين مرجعيات الفرقاء إذا وضع كل واحد منهم مصلحة البلاد فوق كل إعتبار ولو كانت الحركة لا تضع مصلحة البلاد فوق كل إعتبار لتمسكت بالرفض والإحجام بسبب وجود مثل تلك القالات المسيئة التي تحمل معاني مريبة لا حاجة لنا بها بل هي بمثابة الإشاعات التي تعكر الصفو العام وتزرع الأحقاد بين الناس وغير ذلك مما هو معروف في العلاقات الإجتماعية بين الناس.

ه الإعلان عن كل المكاتب الجهوية للحركة. كان ذلك عام 1991 في خطوة جريئة أقدمت عليها الحركة لتلافي تواصل الهجمة البوليسية ضدها. أعلنت الحركة في مرات سابقة كثيرة عن مكاتبها السياسية والتنفيذية والإعلامية ( أعضاء الهيئة التأسيسية وأعضاء المكتب التنفيذي عام 1981 ثم الإعلان عما عرف بمكتب حمادي عام 1983 ثم الإعلان عن أكثر من مكتب إعلامي أو ناطق إعلامي بين أعوام 1981 و1984 من مثل الشيخ عبد الوهاب الكافي والأخ السويسي وغيرهما وفي كل مرة تتقدم فيها الحركة بمطلب تأشيرة تتضمن بالضرورة أسماء المكاتب. أما في عام 1991 فكان الإعلان عن كل المكاتب الجهوية في المناطق والجهات وعددهم بالمئات وكان ذلك على صفحات جريدة الصباح وغيرها. وفضلا عن ذلك فإن قيادات الحركة ظلت تتحرك بأسمائها وتمضي البيانات بأسمائها وبصفاتها السياسية بل كان ذلك قبل حتى أن يعلن عن الحركة أصلا متمثلا في بيانات يوقعها الشيخان الغنوشي ومورو عام 1980.

و كما إهتمت الحركة بالإعلام السياسي والفكري والثقافي بل كان ذلك الإهتمام منها مبكرا جدا أي عندما كانت تسمى الجماعة الإسلامية وذلك من خلال مجلة المعرفة التي أسسها الشيخ المرحوم عبد القادر سلامة في بداية سبعينيات القرن الميلادي المنصرم. فلما وئدت المعرفة بالرغم من أن طابعها دعوي ثقافي لا يتعرض لقضايا السياسة إلا قليلا جدا ولكن بسبب تعرضها لقضية رؤية الهلال التي كان بورقيبة ينكرها بإطلاق .. وقع وأد المجلة بالكلية. لاذت الحركة بوسيلة إعلامية أخرى هي : المجتمع عام 1979 حيث عقدت تفاهما مع صاحبها وربما كانت حماسة المجتمع للثورة الإيرانية سببا إلى جانب أسباب أخرى في وأدها مبكرا جدا. ما لانت قناة الحركة في البحث عن وسيلة إعلامية جديدة فكانت : الحبيب تفاهما مع صاحبها أي صاحب الرخصة ثم وئدت مجددا. ثم إهتبلت الحركة الحريات الإعلامية النسبية في أواخر عهد بورقيبة أي الإعلام الذي أنشاه التيار الليبرالي من مثل الرأي والمستقبل وصحف المعارضة بصفة عامة بما كانت تتمتع به من هوامش حرية نسبية. كما عولت الحركة في أثناء ذلك على إعلامها الداخلي بسبب أن كثيرا منه لا يكتسي أي طابع داخلي أو سري. ثم كانت تجربة الفجر التي تورط بن علي في الإذن لها وسرعان ما كفر عن ورطته بوأدها حتى اليوم.أما في فترة المهجر فكانت تجارب جريدة المتوسط من باريس وكندا وتونس الشهيدة وصوت تونس في فترة التسعينيات ثم تجربة صغيرة جدا هي تجربة قناة الزيتونة وذلك قبل أن ينداح الإعلام الإلكتروني والفضائي الذي أتاح للحركة متسعا شبه كاف للتعبير عن نفسها.

كل ذلك مندرج بالطبيعة ضمن العلاقة مع السلطة أي الإعلام الذي تخاطب الحركة به السلطة والميثاق الوطني والإعلان عن مكاتبها الجهوية فضلا عن المركزية والسياسية والإعلامية.

وحتى لقاء قابل .

الهادي بريك المانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.