من عجائب سورة الكهف الرقيم .. * هل هو كتاب قيم قويم ؟! تأملات ونظرات بقلم : المنشاوى الوردانى مترجم بالتليفزيون المصرى
1. فى سورة الكهف التى كلها عجائب وأسرار .. وهذه طبيعة الكهف عامة .. نجد ابن عباس (رضى الله عنه) وهو ترجمان القرآن فى حيرة من كلمة (الرقيم) فهو(رضى الله عنه) يصوب الرأى فى معناه حيناً ويمتنع عن الإفصاح حيناً .. مسلك تلقائى يدلل على عجب سورة الكهف برمتها وغرابة ما فيها من القصص بل وغرابة كلمة الرقيم التى هى بيت القصيد فى هذه المقالة 1. يقول ابن عباس : كل شىء فى القرآن أعلمه إلا أربعة : غسلين وحنان والأواه والرقيم (الطبرى 15/131- تفسير عبد الرازق 1/334 – القرطبى 6/376 – ابن كثير 5/84) ثم يعود ابن عباس ليدلى بدلوه بأكثر من معنى وكلها واردة ومقبولة لدى جماعة المفسرين فيقول : الرقيم: واد قريب من أيله الرقيم: القرية الرقيم: الجبل الذى فيه الكهف الرقيم: جبل بنجلوس الرقيم: كتاب أم بنيان؟ الرقيم: الكتاب وهذه المعانى كلها التى أوردها المفسرون عن ابن عباس .. وكأنها تعكس مراحل فكرية فى فهم ابن عباس للرقيم الذى انتهى فيه إلى أنه (الكتاب) أو انه (لا يعلمه) .. وهذا مسلك حسن عند العلماء الربانيين حينما يقولون فى كل شىء فى هذا الدين بعد الاجتهاد بالرأى .. والله أعلم بمراده ولماذا لا نختار معنى (الكتاب) من بين المعانى التى اختلف عليها المفسرون فى دلالة كلمة (الرقيم).. لقد كان ذلك اختيارعبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقال: الرقيم : الكتاب ثم قرأ (كتاب مرقوم) وهذا هو الظاهر من الآية وهو اختيار ابن جرير أيضاً قال : الرقيم بمعنى مرقوم كما يقول للمقتول قتيل وللمجروح جريح وقبل أن نؤكد على معنى (الكتاب) الذى نستحسنه – وفقاً لآراء العلماء – نذكر اختلاف المفسرين مع ابن عباس وإحساسهم بنفس الحيرة فى سر كلمة (الرقيم):- 1. مجاهد : الرقيم : واد 2. السدى : الرقيم : الصخرة التى كانت على الكهف 3. ابن زيد: الرقيم : كتاب غم الله علينا أمره ، ولم يشرح لنا قصته 4. فرقة من المفسرين : الرقيم : كتاب فى لوح من النحاس 5. ابن عباس : كتاب فى لوح من رصاص كتب فيه القوم الكفار الذين فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخاً لهم ، ذكروا وقت فقدهم ، وكم كانوا، وبين من كانوا 6. الفراء: الرقيم : لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم ، وممن هربوا 7. ابن عباس : الرقيم : كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذين تمسكوا به من دين عيسى عليه السلام 8. قتادة : الرقيم : دراهم أهل الكهف 9. أنس بن مالك والشعبى : الرقيم : كلبهم 10. عكرمة : الرقيم : الدواة 11. وقيل : الرقيم: لوح من ذهب تحت الجدار الذى أقامه الخضر 12. وقيل : الرقيم: أصحاب الغار الذى انطبق عليهم ، فذكر كل واحد أصلح عمله 13. طائفة من المفسرين : الرقيم , لم يخبر الله عن أصحاب الرقيم بشىْ 14. الضحاك : الرقيم : بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفسا كأنهم نيام على هيئة أصحاب الكهف , فعلى هذا هم فتية آخرون جرى لهم ما جرى لأصحاب الكهف . 15. وقيل : الرقيم :واد دون فلسطين فيه الكهف , مأخوذ من رقمة الوادي وهى موضع الماء . , يقال : عليك بالرقمة ودع الضفة . 16. ابن عطية : الرقيم : بناء رومى موجود بغرناطه إلى جوار الكهف الذى عليه المسجد ويذكر أنه دخل ورأى أصحاب الكهف هؤلاء عام( 504) وأكثرهم قد تجرد لحمه وبعضهم متماسك ومعهم كلب رمّة وذلك فى قرية (لدشة ) بالأندلس جهة غرناطة 17. القرطبى : الرقيم : مأخوذ من الرقم . ومنه كتاب مرقوم ومنه الأرقم لتخطيطه . ومنه رقمة الوادى , أى مكان جرى الماء وانعطافه *** 1. أرأيتم هذه الحيره التى تعكس ظاهره صحيه فى خصوبة آراء المفسرين فى فهم مدلول كلمة( الرقيم ) .. وكلها موجودة بأمهات التفاسير وأكثر من ذلك لمن أراد الاطلاع وهى إن دلت على شىْ فإنما تدل على( ثراء ) هذه اللغة من ناحية .. و(العجب ) فى قصة أصحاب الكهف التى قرر الله فى بدايتها أنها عجيبة بالفعل لتظل أبد الدهر عجيبة لكل قارىْ للقرآن .. ويوم القيامة سوف تبلى السرائرا وتعرف هذه الأسرار *** 4- ولكننا نستحسن فى جملة هذه الآراء .. ما ورد على ألسنة الكثيرين فى أن (الرقيم ) هو (الكتاب) .. كما هو منسوب لابن عباس , عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , وابن جرير, وابن زيد , والقرطبى , وابن كثير الذى يحبذ هذا المعنى . (انظر القرطبى وابن كثير فى تفسير سورة الكهف ) لماذا ؟ 1. وجود شاهد قوى فى وصف كتاب المتقين (الأبرار ) وكذلك كتاب (الفجار ) فى سورة المطففين بأنه (كتاب مرقوم ) . وخلاصة القول فى كلمة( مرقوم) – كما قال ابن كثير :أى كتاب لا زيادة فيه ولا نقص وكما قال القرطبى : مخطط ومكتوب وأصل الرقم الكتابة . وبتوفيق المعنى : يكون (مرقوم ) : كتاب مكتوب ومخطط فيه عملهم بلا زياده ولا نقص .. وهذا من عدل الله ! 1. وتأمل قول الله تعالى فى سورة (الكهف ) أيضا : (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد)(الكهف / 49 ) وكذلك - هذا من عدل الله . 1. بالبحث اللغوى فى معاجم اللغة وجدنا بغيتنا .. وذلك ما كنا نبغ ) – خاصة فى معجم (لسان العرب ) : قال فى مادة (رقم ) : جاء فى الحديث الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم : (كان يسوّى بين الصفوف حتى يدعها مثل القدح أو الرقيم ) قال : الرقيم : الكتاب – حتى لا ترى فيها عوجا كما يقوّم الكاتب سطوره (انظر "لسان العرب" لابن منظور / مادة (رقم ) * أى معنى الكلام أن النبى الأكرم كان يسوّى الصفوف فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا .. كحال من يخطط ويسطر الكتاب .. ويقوم سطور الكتابة فيه . * أى باختصار .. الرقيم : هو الكتاب المكتوب القيم القويم القيم المعنى .. والقويم الخط .. أو بمعنى آخر .. المستقيم وكلمة المستقيم تعطى مدلول .. الشكل والمضمون إننا لا نذهب بعيدا فالمعنى واضح جلى فى أول آيه فى سورة الكهف (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) فالله – تعالت قدرته – يقول: (الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ) وهذا من الإعجاز وسر من الأسرار وعجيبة من عجائب سورة الكهف .. الرقيم .. هو كتاب قيم قويم لم يجعل الله له عوجا .. وإن كان المقصود كتاب الله القرآن فى بداية السورة .. فكذلك كان مع أصحاب الكهف كتاب الشرع الذى فيه دينهم من بعد وعلى عهد سيدنا عيسى عليه السلام وهو كذلك كان كتابا قيما (غير ذى عوج ) ! وهذا دأب الله دائما فى كتبه .. هى قيمة , قويمة ,تهدى للتى هى أقوم , غير ذى عوج , لا زيادة فيها ولا نقصان , لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتحصيها , لا اختلاف فيها ولا تعارض , واضحة , مستقيمة (واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك , لا مبدل لكلماته ) (الكهف / 27) ه - ويا سبحان الله .. لقد كان فى الآية السابقة وصف آخر لكلمات الله فى كتبه التى لا تتبدل ولا تتعدل . يقول تعالى : (قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون ) (الزمر /28) * فإن كان الرقيم هو الكتاب .. فلعله كتاب الشرع الذى كان معهم أو الكتاب الذى فيه خبرهم .. وكلاهما أمر قيم قويم مستقيم غير ذى عوج .. فأصحاب الكهف كانوا اسما ومعنى . * نقطة أخيرة فى هذا البحث الصغير .. لماذا لا نستفيد من معنى التقويم وعدم العوج الذى بدأ الله به وصف القرآن فى أول آية فى سورة الكهف .. وأخفى معنى الرقيم فى دلالات الاستقامة وعدم العوج .. لماذا لا نستفيد من (تضادية ) أو (تقابلية ) (الاعوجاج ) و 0التقويم ) فى مجموعة القصص التى وردت فى سياق السورة بأكملها ؟! * إن الدلالة واضحة وضوح الشمس التى كانت تطلع على أهل الكهف التى كانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال . * وهى باختصار .. توقعا لفهم القارىْ ومنعا للحكى والسرد _ 1. فى خبر أصحاب الكهف : اعوجاج المجتمع .. واستقامة الفتية (إذ قاموا فقالوا : ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها , لقد قلنا إذا شططا ) (الكهف / 14 ) 1. فى خبر صاحب الجنتين : اعوجاج صاحب الجنتين.. واستقامة أخيه (كما يقول المفسرون ) (أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا . لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا ) ( الكهف 37 ,38 ) 1. فى خبر موسى والعبد الصالح (الخضر ) عليهما السلام : اعوجاج الملك الذى كان يأخذ كل سفينة غصبا واعوجاج الغلام الذى كاد أن يرهق أبويه طغيانا وكفرا واعوجاج أهل القرية البخلاء اللئام .. ثم استقامة العبد الصالح الذى كان يقيم كل اعوجاج يراه كحاله فى (إقامة ) الجدار الذى يريد أن ينقض .. ولو صبر سيدنا موسى لعلمنا المزيد وقد كان العبد الصالح يقوم سيدنا موسى فى عدم صبره .. وأنى له هذا الصبر والعبد الصالح كان يفعل الأعاجيب التى يظنها المشاهد العادى أنها الاعوجاج نفسه بخرق السفينة وقتل الغلام وبناء جدار لأهل قرية بخلاء .. ولكن بالعلم اللدنى الذى آتاه الله سيدنا الخضر علمنا أن فى هذا الاعوجاج الظاهر .. تقويم باطن .. فسبحان الظاهر الباطن ! 1. فى خبر ذى القرنين : اعوجاج الأقوام التى مرّ بهم ذو القرنين على مراحل .. ودوره الإيجابي فى تقويم هذا الاعوجاج بما بذل من جهد فى تفصيل هذه القصة . ** - ومن عجب إن (الإعوجاج ) و (العوج ) ما زال موجودا فى دنيا الناس وهو قديم حديث .. وهذه الآية فى نهاية سورة الكهف تدل عليه بكل وضوح .. (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ؟ الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) (الكهف 103-105 ) إنهم ضالون مضلون .. ويعتقدون أنهم مستقيمون .. وهل تريد أن يكون لهم (تقويم ) أو (تقييم ) أو (استقامة ) يوم القيامة .. وقد قامت القيامة وانتهت كل فرصة لتكون لأعمالهم قيامة من جديد .. لات حين مناص !!