وزير السياحة: طلب كبير على طبرقة عين دراهم...التفاصيل    عاجل: سقوط صواريخ إيرانية على حيفا وبئر السبع... وأضرار مادية جسيمة    كأس العالم للأندية: برنامج النقل التلفزي لمواجهة الترجي الرياضي ولوس أنجلوس    الفرق الطبية بالمستشفيين الجامعيين بصفاقس تنقذ 5 مرضى من جلطات قلبية بواسطة منصّة "نجدة TN"    حماية المستهلك والتجارة الإلكترونية: تذكير بالقواعد من قبل وزارة التجارة وتنمية الصادرات    وائل نوار: الرهان المستقبلي لقافلة الصمود حشد مئات الآلاف والتوجه مجددا لكسر الحصار    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    مقترح قانون لتنقيح قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    بداية من 172 ألف دينار : Cupra Terramar أخيرا في تونس ....كل ما تريد معرفته    عاجل: القلق الإسرائيلي يتصاعد بسبب تأجيل القرار الأميركي بشأن الحرب على إيران    الحماية المدنية: 552 تدخلا منها 98 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    صلاح وماك أليستر ضمن ستة مرشحين لجائزة أفضل لاعب من رابطة المحترفين في إنقلترا    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    وزير الإقتصاد في المنتدى الإقتصادى الدولي بسان بيترسبورغ.    عودة التقلّبات الجوّية في تونس في ''عزّ الصيف'': الأسباب    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    بلومبيرغ: إيران تخترق كاميرات المراقبة المنزلية للتجسّس داخل إسرائيل    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عامان سجناً لمعتمد سابق و15 سنة سجناً لنائب سابق بالبرلمان المنحل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الجديد في المؤتمر الثالث للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟
نشر في الحوار نت يوم 21 - 07 - 2010

1- توطئة في السياق التاريخي للعلاقة بين العلماء والحكام:
الإسلام هو مؤسس هذه الأمة وروحها وعقلها وشريعتها وخلقها ومستقبلها وحظها بين الأمم والحضارات، وكل شيء جميل في حياتها، ولذلك كان من الطبيعي أن تتحدد مكانة كل فئات الأمة -في الأوضاع السوية- حسب موقعها منه.
فلا عجب أن يكون العلماء العاملون بالإسلام في الطليعة وقمة الهرم الاجتماعي في الأمة، حتى ذهب جل المفسرين إلى أن العلماء هم أولياء الأمور الذين أمر الله الأمة بطاعتهم "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (من الآية 59 من سورة النساء)، فعطفت طاعتهم على طاعة الله ورسوله.
ولذلك عدت الفترة المثالية في تاريخ الإسلام فترة الرشد أو الخلافة الراشدة هي الفترة التي كان فيها اللقاء صميما بين الدين والسياسة، إذ كان الحكام علماء مجتهدين، فكان المسجد قلب المجتمع وعاء لكل مناشطه الدينية والدنيوية، وحتى لمّا توزعت الوظائف بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة، فكانت وظيفة العلم والاجتهاد غير وظيفة السياسة وتصارعا صراعا دمويا، لم يلبث الأمر أن استوى على معادلة وفاق بين العلماء والحكام، وهي الفترة الطولى التي حكمت تاريخنا.
تأسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين باعتباره مؤسسة من مؤسسات المجتمع الأهلي تعمل مع غيرها لرفع وصاية الدولة على الدين وتحكمها المطلق في المجتمع ومصيره, وتعمل كذلك مع أمثالها على استعادة الوحدة الدينية والثقافية لمجتمعاتنا
ومع أن الحكم تحول من الشورى إلى الانفراد والاستبداد والوراثة، فإن دور العلماء حال دونه ودون التحول إلى حكم شمولي متأله. نعم منحه العلماء شرعية الأمر الواقع حفاظا على وحدة الأمة التي جعلوا لها الأولوية على قيمة العدل، ولكنهم مقابل ذلك حرموا الحكام من سلطة التشريع، فالتشريع الأعلى لله رب العالمين وهم الموقّعون عنه (حسب تعبير ابن القيم) المفسرون للوحي المترجمون له ولمقاصده في أنظمة وتشريعات مجتمعية لا سلطان للحاكمين عليها، وبذلك لم ينشأ في تاريخنا الحاكم ظل الله في الأرض ولا الكنيسة التي تبيع صكوك الغفران.
كما أن العلماء حرموا الملوك من التسلط على القضاء، إذ اشترطوا في القاضي أن يكون عالما مجتهدا، فكان القضاء مستقلا إلا في ما تعلق بالنزاع على السلطة، كما استقل العلماء بالسلطة الثقافية، سلطة تعليم الأمة واستحدثوا لدعم سلطانهم الضخم مؤسسة الوقف العتيدة التي تولت تمويل مشاريعهم المجتمعية التي تغطي كل حاجات المجتمع الضرورية والحاجية والتحسينية، بما حد من تدخل الدولة ووهب المجتمع الأهلي (المدني) سلطة ضخمة جدا حصرت سلطان الدولة في المسائل التنفيذية الأمنية وحماية الثغور.
فكان الحكم في واقع الأمر شراكة بين العلماء والأمراء، حتى كان ملك يذهب وآخر يأتي ومهما بلغ اضطراب الحكم تظل مصالح المجتمع مستقرة قائمة، فكان التعليم في جامع الزيتونة أو الأزهر لا يتأثر بما يحدث من إخلال في المجال السياسي، فكان الحكام أقرب إلى كونهم سلطة تنفيذية للعلماء.
هذه الشراكة التي حكمت تاريخنا في مداه الأطول وضع الاحتلال الغربي لها نهاية، فارضا بديلا عنها نموذج الدولة القطرية الشمولية التي حولت العلماء إلى مجرد موظفين صغار، إذ صادرت مؤسسة الوقف العتيدة وأممت المساجد وتحكمت في التعليم والقضاء والتشريع، بل ابتلعت المجتمع كله وشلت أو كادت كل عناصر قوته وإمكانات اعتراضه.
هذا هو السياق العام الذي تأسس في إطاره الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين باعتباره مؤسسة من مؤسسات المجتمع الأهلي تعمل مع غيرها لرفع وصاية الدولة على الدين وتحكمها المطلق في المجتمع ومصيره. مؤسسة تعمل مع أمثالها من مؤسسات المجتمع الأهلي على استعادة الوحدة الدينية والثقافية لمجتمعاتنا على أساس الوسطية السمحاء بمنأى من كل ضروب التشدد والتكفير والإقصاء والتحلل والإرجاء.
2- صعوبات التأسيس:
إن الساحة العلمائية الإسلامية لا تفتقد مؤسسات للفتوى تجمعها إن على الصعيد المحلي أو على الصعيد الدولي مثل "رابطة العالم الإسلامي" و"المجمع الفقهي الدولي" المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، إلا أنها مؤسسات يغلب عليها السمت الرسمي، بما أبقى فراغا في الساحة العلمائية الشعبية، فانبعث التفكير في تأسيس مؤسسة علمائية شعبية لا سلطان للدول عليها.
3- إرهاصات:
بدأت إرهاصات التأسيس منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي بإصدار بيانات تعبر عن الموقف الإسلامي مما يستجد من أحداث جسام تحصل في عالم الإسلام مثل فلسطين والجزائر والعراق وأفغانستان .. كان يتولى تحريرها بعض الإخوة في لندن ويعرضونها على الشيخ القرضاوي للحصول على موافقته وتوقيعه ثم تعرض على العلماء للتوقيع في مختلف البلاد.. وبهذا الأسلوب صدر ما لا يقل عن عشرة بيانات كانت في الحقيقة إرهاصات لانبعاث مؤسسة اتحاد العلماء.
4- البداية:
طرق الشيخ القرضاوي رأس المشروع ومن معه من أجل عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد أبوابا عربية وإسلامية عديدة إلا أنها رفضت أو اعتذرت أو صمتت، بما أفضى بالمشروع إلى مأزق، اضطر معه المنظمون إلى طرق الباب الأوروبي فسجل الاتحاد في دبلن، وانعقد مؤتمره التاسيسي في لندن سنة 2004 وجمع حوالي مائتين من العلماء من مختلف بلاد الإسلام والأقليات والمذاهب الإسلامية الأساسية، وتأسست فكرة الاتحاد على رؤية إسلامية وسطية جامعة، وانبثقت عن المؤتمر مؤسسات قيادية: رئيس ونواب ثلاثة سني وشيعي وإباضي وهيئة أمناء، انتخبت أمينها العام.
5- عودة الدر إلى معدنه:
أما المؤتمر الثاني فقد انعقد بالعاصمة التاريخية للخلافة إسطنبول بعد أن آل أمرها إلى حكم العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، وشارك فيه عدد أكبر من العلماء، وانبثقت عنه وعن هيئات أمنائه مؤسسات متخصصة مثل لجنة الأقليات التي كان لها نشاط واسع، من ذلك عقدها لمؤتمر ضخم هو الأول من نوعه للحوار بين الإسلام وممثلي الديانات غير الكتابية مثل الهندوس والبوذيين كما أصدر الاتحاد مجلة علمية وعددا من المنشورات.. واتسعت عضوية المؤتمر وتعددت مكاتبه فتوزعت بين القاهرة والدوحة وبيروت.
6- خلافات على السطح:
ظهرت على السطح خلال الدورة الماضية للاتحاد خلافات بين رئيسه الشيخ القرضاوي والأمين العام الدكتور العوا، على خلفية الموقف من إيران والتشيع واعتراض الشيخ الشديد على ما تنهض به إيران وبعض دوائر التشيع من جهود حثيثة لاختراق المجتمعات السنية، وهو تقدير لم يوافق عليه الأستاذ العوا، فعارضه، بما آل -مع خلافات أخرى- بالعلاقة إلى قدر من التأزم قاد إلى استعفاء العوا من خطته أمينا عاما. غير أن مساعي صلحية أفضت إلى عودة المياه إلى مجاريها، وكأن الازمة رحلت إلى محطة المؤتمر القادم.
7- انطلاقة جديدة في إسطنبول:
في إسطنبول مرة أخرى انعقد المؤتمر الثالث في بداية هذا الشهر يوليو/تموز وقد فاق أعضاؤه الأربعمائة. فما أهم المستجدات:
كان للتمثيل الشيعي انعكاسات على المؤتمر الثالث، سواء بما وجهه بعض المؤتمرين من انتقادات شديدة للأمين العام, أم من خلال ما تردد من اتهام الشيخ التسخيري نائب الرئيس بمواقف طائفية
أ‌- طفحت على صفحة أحداث المؤتمر مشكلة التمثيل الشيعي استصحابا لما برز في الدورة السابقة من جدل حول هذه المسالة، ومع أن هذه المسألة سويت صلحا فقد كانت لها انعكاساتها على المؤتمر الثالث، سواء بما وجهه بعض المؤتمرين من انتقادات شديدة للأمين العام وبالخصوص على خلفية ما عُدَّ مواقف منه متشنجة في التعامل مع منتقديه، أم من خلال ما تردد من اتهام الشيخ التسخيري نائب الرئيس بمواقف طائفية دفعت رئيس الاتحاد إلى ترشيح مرجع شيعي غيره بديلا هو آية الله الواعظي رئيس هيئة التقريب.
ومع ذلك تجاوز المؤتمر هذه العقبة بما عبر عنه الجميع من مسؤولية عالية في الحرص على الجماعة، على الوحدة، بمن فيهم ممثل المذهب الزيدي الذي احتج بقوة على تغييب مذهبه، ذاكرا أن المذهب مطحون من الشيعة الإمامية، فهو معدود عندهم شيعيا فيتجاهلونه بالاحتواء، ومعدود في نظر السنة سنيا فيعملون فيه نفس الآلية.
وكان جواب المنظّمين للمؤتمر إقرارا بحق المذهب واستعدادا لتلافي هذا الخلل المتسبب فيه عدم اتفاق الزيدية على من يمثلهم، وظهر ذلك حتى داخل المؤتمر، إذ تصدى زيدي آخر للمتحدث باسم المذهب إنكارا عليه.
ب‌- تداول بنسبة عالية: عبّر المؤتمر عن رغبة واضحة واسعة في التطور، من خلال النسبة العالية من التداول على المواقع القيادية، إذ حصل تغيير في مستوى نواب الرئيس بنسبة الثلث 1/3، وحل أمين عام جديد محل الأمين العام السابق الذي أصر على الاستعفاء، مع بقائه عضوا في الأمانة العامة وتأكيده المتكرر على وضع كل إمكاناته في خدمة الاتحاد، وواضح أنه لا يستطيع الاستجابة لما يطالب به الجميع الأمين العام بالتفرغ الكامل لهذه المهمة المحورية في مؤسسات الاتحاد، فللرجل مشاغل كثيرة باعتباره في طليعة الشخصيات العامة في مصر وفي المنطقة، فضلا عما برز خلال ولايته الثانية من تباين واضح بينه وبين الرئيس بما جعل الاتحاد يسير برأسين وزعيمين مختلفين.
بينما الشخصية التي حلت محل الدكتور العوا وإن لم تقلّ مكانتها العلمية في مجالها العلمي والدعوي عنه فإنها مؤهلة لتلبية ما يحتاجه الموقع من انسجام كامل مع الرئيس، للنهوض بالمهام الإدارية لتدبير مؤسسات الاتحاد، وهو ما يجعل الدكتور علي القرة داغي في الموقع المناسب مستعدا للتفرغ للمهمة، فضلا عن مقصد التداول في ذاته في مثل هذا الموقع، الذي وهبه رجل القانون الضليع د.العوا سنوات من خيرة عمره. كما تحقق التداول بنسبة فاقت الثلثين في مستوى أهم مؤسسة قيادية في الاتحاد هي الأمانة العامة.
ت‌- كما برز التنوع واضحا في هيئة الأمانة العامة، وذلك
أولا: بانضمام عناصر نسائية لأول مرة إلى هيئة الأمانة العامة، وكان ذلك بتحريض صريح وتوجيه حثيث من رئيس الاتحاد، ففازت مرشحاته الثلاث (الأستاذات زينب عبد العزيز وفاطمة نصيف ونزيهة معاريج)، وذلك دون حاجة إلى نظام الكوتا الذي تلجأ إليه بعض الدول والهيئات، انتصارا للمرأة لا يزيد غير تأكيد قصورها وحاجتها للمساعدة والأخذ باليد.
وثانيا: تعزز تيار التجديد داخل هيئة الأمناء ليس في الأشخاص وحسب بل أيضا في النوعية العمرية، بانضمام فقهاء شباب مثل الشيخ محمد الحسن الددو والشيخ سالم الشيخي ..) ومؤرخين مثل علي الصلابي وأصوليين مثل الدكتور الريسوني ومنتجين في الفكر السياسي الإسلامي والدعوة في الغرب مثل د. جمال بدوي وراشد الغنوشي، فعززوا جانب د. سليم العوا وفهمي هويدي ومنير شفيق ود.عبد المجيد النجار، وهم أمناء سابقون تم التجديد لهم، وذلك مما يمكن أن يعد تعبيرا عن تحوّل هائل وسط الرأي العام الإسلامي ضد تيارات التشدد لصالح فكر التجديد والوسطية الذي تعد حركة النهضة ورموزها أحد أبرز وأسبق الحاملين له.
ويقود تيار التجديد في الاتحاد مؤسسه زعيم مدرسة الوسطية شيخنا القرضاوي بارك الله له في عمره. إن الذي حدث نوع من الإعلان الصريح عن انقضاء الزمن الذي طالما غمز فيه من قناة رموز وحركات التجديد، فشنئت بالعلمانية والانحراف من قبل قوى التشدد، بما يجعل هذا الاختيار بهذا الحجم نوعا من رد الاعتبار.
ث‌- الاتحاد مؤسسة للإسلام، للشعوب، لا للدول، فليس فيها تمثيل ولا نفوذ حاسم لأي دولة، ومع ذلك فإن أعضاء الأمانة العامة الثلاثين إذ اجتمعوا إثر انتخابهم اختاروا أمينا عاما وأخذوا يستكملون الأعضاء العشرين بالتوافق، لملء الثغرات التي لم تملأها العملية الانتخابية، فحرصوا على تمثيل دول كبرى لم ينتخب عالم منها مثل الصين وروسيا والهند ونيجيريا والجزائر.
ج‌- لوحظ أنه مقابل حضور وفود كبيرة من بلدان تجاوز عددهم من مصر -مثلا- مائة وخمسين وأكثر من عشرة من الصين وحوالي عشرين من المغرب، لم يحضر من التونسيين إلا مقيم في خارجها أما من داخلها فلم يحضر أحد. كان ذلك لافتا للجميع، ودلالته واضحة على الآثار المدمرة التي تركتها الحملة الآثمة على الإسلام وأهله، وراءها، تحت لافتة الحرب على الإرهاب، بما جعل الخشية حقيقية أن تلصق هذه التهمة بكل تونسي يشارك في مؤتمر إسلامي شعبي أو أي مؤتمر آخر، فقد تلاحقه تهمة المشاركة في أعمال إرهابية أو الإساءة إلى أمن تونس الاقتصادي أو غيره. هذا وضع شاذ ومؤسف أن تغيب تونس من بين كل الدول العربية والإسلامية وحيثما وجدت أقليات مسلمة في أقطار الأرض.
السلفيون كانوا حاضرين بتيارهم المعتدل ممثلا بالشيخ سلمان العودة الذي انتخب في رتبة متقدمة, غير أن تيارا من السلفية المتشددة مازال يرفض الاشتراك في أي مؤسسة تضم منتميا إلى المذهب الشيعي
ح- أما السلفيون فكانوا حاضرين بتيارهم المعتدل، ممثلا بالشيخ سلمان العودة الذي انتخب في رتبة متقدمة.
غير أن تيارا من السلفية المتشددة يرفضون الاشتراك في أي مؤسسة تضم منتميا إلى المذهب الشيعي، إذ هم قد يكفرونهم وقد يعدونهم الخطر الأعظم على الأمة! فكان رفضهم الانتماء إلى الاتحاد.
وهم يستغلون عموم الرأي العام السني المستبشع للسياسة الإيرانية الطائفية في العراق، لتغذية الحملة على عموم التشيع وفساد مقالاته في الأصحاب الكرام وأمهات المؤمنين، وللتبشير ببديل عن مؤسسة الاتحاد خاصة ب"أهل السنة والجماعة" وإن كان بعض دعاتها يعدونها مؤسسة من مؤسسات الاتحاد، خاصة بعد استعفاء الشيخ التسخيري المتهم بالطائفية.
وأيّا كان الأمر فقد توفّق الاتحاد حتى الآن في المحافظة على صفته الإسلامية العالمية الجامعة لكل المذاهب الحريصة على الوحدة الإسلامية والرافضة لمنهج التشدد والتكفير والإقصاء تحت أي لافتة كانت. وهذا امتحان لمدى وعي وقدرة قادة الاتحاد بأخطار التشظي والتمزيق التي يستهدف بها الأمة النظام الدولي برعاية إسرائيلية يمينية إمبريالية.
إن تجبير اختلافات الأمة سلميا في إطار الوحدة والشورى المحك الأساسي لمدى تجاوز مواريث الانحطاط وعلامة التحضر الأساسية، وهو تحد لا يزال قائما وعملت التوجهات السلفية المتشددة في تحالف غير مكتوب ولا واع مع المخططات الصهيونية والإمبريالية على إحيائه واستحضاره وإعماله في تمزيق الأمة، غير أن الثابت أن هذه التوجهات اصطدمت مع وعي الشعوب وفشو تيارات الاعتدال في أوساطها، فأخذت طريقها إلى الانحسار، وهذا المؤتمر الضخم شاهد بتمثيليته الواسعة المتنوعة "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (من الآية 21 من سورة يوسف).
خ- قدّمت الأمانة العامة السابقة مشروع خطة إستراتيجية طموح لعمل الاتحاد طورت ضمن عمل اللجان، كما أكدت استقلاليته المالية بالحرص على جمع اشتراكات الأعضاء، فلم يسمح لعضو بالمشاركة في الانتخابات إلا بعد إبراء ذمته المالية في حق الاتحاد، كما أقر العمل على إنشاء وقفية للاتحاد.
وأصدر المؤتمر في خاتمة أعماله بيانا ضافيا أكد التزامه بقضايا الأمة الكبرى مثل تحرير الأراضي المحتلة في العراق وأفغانستان وفلسطين، معلنا عن مباشرته إرسال سفينتين للإسهام في كسر الحصار عن غزة، تعبيرا واضحا عن استئناف الأمة مسيرة اللقاء الصميم بين العلم والعمل بين الدين والحياة والجهاد والشهادة بالحق للحق على الخلق "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" (الآية 92 من سورة الأنبياء).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.