تبنى البوندستاغ الالماني في المدة الاخيرة قرارا يندد باسرائيل بسبب عمليتها في مواجهة القافلة البحرية الى غزة ولمجرد الحصار على القطاع. اتخذ القرار بالاجماع وبموافقة جميع الاحزاب. بالمناسبة لم يثر في أي مجلس نواب أوروبي آخر مبادرة مشابهة. صرح فولفغانغ غيهركي، متحدث الشؤون الخارجية في حزب اليسار المعارض، المشهور بعلاقاته القريبة بحماس وحزب الله، بعد ذلك بأن التصويت 'علامة على تغير أساسي في علاقة المانيا باسرائيل'. لو كان الحديث عن هذا الحزب فقط، الذي هو ابن للحزب الستاليني، الالماني الشرقي لقلنا فليكن. لكن حقيقة أن اعضاء بارزين أيضا في الاحزاب التي تكون ائتلاف ميركل الحالي ونوابا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي انضموا الى المبادرة، تثير الشك في سؤال هل 'المانيا الاخرى' هي مختلفة جدا في الحقيقة؟ منذ أيام كونراد اديناور، أول مستشار الماني بعد الحرب، عرف جميع زعماء المانيا حجم الجريمة الفظيعة التي أوقعها شعبهم بالشعب اليهودي، وأدركوا أن هذا يوجب على المانيا ويوجب عليها الى الابد أن تتحمل المسؤولية الاخلاقية والعملية عن وجود اسرائيل وأمنها. سيقول الساخرون إن هذا قد ساعد الالمان ايضا على أن يقبلوا من جديد في عائلة شعوب الحضارة، ويوجد في هذا أكثر من عنصر من عناصر الحقيقة. لكن لا ينبغي مع كل ذلك العيب على صدق النيات نحو اسرائيل، حتى الان على الأقل. سمعت في المدة الاخيرة عدة تصريحات مقلقة، كتصريح السياسي اليساري الذي قال إن المانيا تستطيع منذ الان فصاعدا أن تنضم الى الموجة المعادية لاسرائيل التي تغمر اجزاء من اوروبا بغير تأنيب ضمير. وعلى العموم، لا تحتاج كي تكون معاديا للسامية الى ان تكون نازيا أو نازيا جديدا، فأسهل من ذلك وأكثر أدبا أن تعد ليبراليا مستنيرا وأن تزعم أنك لست معاديا للسامية بل معاديا لاسرائيل 'فقط'. آمنا حتى الآن، وآمن العالم المتنور أيضا، بأن ظواهر معاداة السامية في المانيا شاذة، لكن قرار البوندستاغ المخجل يدل على توجه مقلق. تنتج في المانيا في السنين الاخيرة افلام وتكتب كتب تزعم أن ضحايا هتلر الاوائل كانوا الالمان أنفسهم. واذا كان الالمان هم الضحايا، فيعني ذلك أنه لا يحل للآخرين، وفيهم اليهود أن يقدموا الدعاوى عليهم فقط. تقتضي الحقيقية التاريخية أن نعترف بأنه قتل في الحرب العالمية الثانية ملايين الالمان، وفقد مئات الآلاف بيوتهم وعانوا قسوة الجيش الروسي. وكما بين في زمانه الاديب الالماني توماس مان لأديب امريكي شاب، احتج على الدمار الذي أوقعته جيوش الحلفاء بالالمان أن هذا كان ضروريا لوضع حد للنظام النازي. قد يمكن الجدل في هذا التفصيل أو ذاك في كتاب دانيال غولدهاغن، 'جلادون عن رغبة في خدمة هتلر'، الذي يكاد يبرهن على أن الشعب الالماني كله شارك على نحو ما في آلة القتل النازية، لكن من يعتقد أيضا أنه لا توجد تهمة جماعية لا يستطيع زعم البراءة الجماعية للشعب الالماني. يصعب التحرر من انطباع ان جزءا من نواب البوندستاغ على الأقل ممن صوتوا في تأييد الاقتراح المعادي لاسرائيل قد فعلوا ذلك لاعتبارات انتخابية ايضا، لان عدد اصحاب حق الاقتراع من أصل تركي في المانيا لا يستهان به. يقال في فضل الحكومة أنها ربما سارعت من اجل التغطية على القرار في البوندستاغ الى اخراج الفرع المحلي من المنظمة التركية التي قادت القافلة البحرية خارج القانون لكن يطلب من الألمان ومن قادتهم أكثر من ذلك كي يبرهنوا للعالم وللشعب اليهودي على أن دروس الماضي لم تنس، وعلى أن المانيا مختلفة حقا. اسرائيل اليوم 21/7/2010