الوطن الذي يشخب دما من "شرفات" أحراره، لا يسعه إلا أن يصرخ عاليا بأقلام بنيه (الأحرار) ليدرأ عن نفسه غيبوبة الحقيقة، وغور الكارثة, ويرش بالأمل غدوة الأجيال.. ولا يستكين لواقع نازف.. ولا خارج عاطب. من خلال ما قرأت فيما سطره أخي وصديقي "علي محمد مكشر" في "الصبغة الخاصة" الجزء الأول. رأيت أن أقف مع ظافر الصامت في محاولة لقراءة صمته وتجلية فهمه, وسبر غوره... (ظافر): اسمه نحت من الظفر، والظفر لفظ من معانيه نوال المقصد والمراد، فيما هدف بالتعيين على جسر من المشقة والنصب. ولا يقال (ظفر) المرء بالشيء إلا إذا ناله في تحصيله قدر من المشقة والتعب المعتبر... وظافر (اسم فاعل) من ظفر يظفر... ظفيرة على وزن (صنيعة). و(الظفيرة): جدائل شعر المرأة، وكذلك (ظفائر الحلفاء) من (المسد): التي تصنع منها الشكائم والقيود والهجر... وعليه فإن (ظافر) من ألفاظ الضد التي تحمل المعنى وضده، وكذلك هو صاحبنا إلا أنه في كل معانيه على ضدييتها يبقى صلب المراس متأبيا على التطويع فاعلا على اسمه..... (فظافر) إذن اسم مختار له دلالة رمزية خارقة في البعدين (الزماني والمكاني... الحقيقي والرمزي)؟.... اخترقت رمزيته صمت المضاف (ظافر الصامت), وكسرت طوق الصمت وغدت هيئة فاعلة على وزن (فاعل). فظافر فاعل باسمه ووزنه... إنه الوطن المغلوب والقيمة المصلوبة... (ظافر) موسوم في هذه (التغريبة التونسية) بالحكمة, والوقار, الرزانة, قادر كما يقول الراوي: أن "يختصر لك المسافات، فما يمكن أن تقوله في سطر يلخصه لك في كلمة، وقد يلخص لك كتابا في جملتين". كما يبدو متجاوزا لكل مشاتل الخيبات الدفينة والانكسارات المريرة والفضاعات الأليمة، بشكيمة الصمت وخبيئة الثأر فقد ".... شرب هذه الحياة، بمرارة لا تضاهى، وحساسية متحفزة، يقظة، لا تبدو عليه انهزامية، ولا كلل...." أو هكذا "... تماما، بدا لي كصعيديٍّ يرفض التعاون مع محقق في فقد عزيز عليه، لأنه يفضل أن يأخذ ثأره بيده...". زئبقيا يخرج (ظافر) في كل محنة من الأبواب الخلفية للكدوم والجراحات.... والمآسي الزاحفات... ويلج الأحداث مدججا بالصمت والصبر، متأبطا صدر الحقيقة... لا تحفر فيه المحن مهما طغت... ولا تثمر فيه سويعات الرعب لحظة وهن... "أنا أفهم هذا من ظافر الذي عرفته، في الحقيقة، إنّ قصته هي رصيده، رأس ماله كما يقال، لا يقبل التهوين منها ولا يضخمها لأنها في الحقيقة هي في غنى عن التضخيم، لأنها ضخمة، بحجم همومه، واهتماماته. كان يكلمني ولديّ شعور جارف بأنه يتعبد بهذه الكلمات، فيتغير لون وجهه إن رآني سهوت عن سماعه أو التفت اعتباطا،..." يلامس ظافر في محنته بعمق صخب القلوب، وسآمة الضجر..المتربع في أعشاش من العتمة.. على خيام المستضعفين على امتداد مهاجع المسجونين.. وبرسم خارطة الوطن.... تمتد روحه إلى السماء.. لتسرج البهجة.. إذا انطفأت سرج الآمال.. وبهتت الأرواح من وجع المهاجر والزنازين... يمد ظافر يده من أسوار السجن... وأطواق السجانين ويطلق سراح مشاعره من ربقة السديم الباهت، فيكحل آماله بروائح "الفراديس" ومنازل "الشهداء" ومقامات "الصالحين" ورفقة "الحور من العين..." فيعبق في نفسه العشق... ويطلق الصراخ في وجه الوطن المتسخ بضجيج الديمقراطية وصخب القانون.... فيصفع رؤوسا ذلت وأخرى متناومة على رعب طاف من الوهن.... يصرخ ظافر بقامة ريح هاتفة... تخترق مجاهيل الغيب.. وبملأ عمقه المشاعري الصاخب، الصامت مختزنا ثورة لا يدرى متى تنفجر... هاتفا: "فلا عاش في تونس من خانها *** ولا عاش من ليس من جندها..."
يتبع بإذن الله تعالى... كتبه: علي يحيى مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=8791&t=ظافر الصامت "في التغريبة التونسية" (1)&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"