بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثّمرات المحرّمة بقلم عادل الزّيتوني
نشر في الحوار نت يوم 25 - 08 - 2010

------------------------------------------------------------------------
هل يجوز الحديث عن وجود مجتمع مدني في ضلّ أنظمة عربيّة شموليّة ؟ إنّ نشأة المجتمع المدني وتطوّره لا يخرجان عن سياق حركة التّاريخ وواقع الصّراعات الّتي تشقّه أو تلك الّتي تضعه في صدام دائم ضدّ الدّولة ( أو بعض أروقتها)... فلنتّفق بداية على أنّ السّياق التّاريخي الذّي شهد نشأة مفهوم المجتمع المدني لم يكن عربيّا و لاإسلاميّا. هذا جانب من المقاربة لا يجب إهماله خصوصا بالنّظر إلى ما عرفته شعوب غيرنا من حركات فكريّة شرّعت الإنتفاض في وجه الإستبداد وأنهت الحكم بآسم أسطورة الحقّ الإلاهي. نشئ المجتمع المدني بقبول الناس للتّعاقد تأسيسا لسلطة سياسيّة تحُدّها قوانين مُلزمة وظّامنة لحقوقهم المادّيّة ( حقّ الملكيّة) والمعنويّة, سلطة حريصة على حرّيّاتهم ومساواتهم أمام القانون . فإخلال الدّولة (المجتمع السّياسي حسب هيجل) بواجب الحفاظ على حقوق النّاس وحرّياتهم ينهي شرعيّتها و يبرّر فسخ العقد الإجتماعي الّذي انشأها ( جون لوك). هذا الفكر النّابع من فلسفة الأنوار و المشرّع للحقّ في مقاومة الإستبداد , ترك أثرا واضحا ضمن الفصل الثّاني من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصّادر عن الجمعيّة التّأسيسيّة الفرنسيّة في أغسطس العام 1789
فلسفة الأنوار لم تمنع المجتمعات الأوروبيّة من السّقوط في أتون تجارب تسلّطيّة ...., أنتجتها عظمة الطّموحات الإمبراطوريّة (التّجربة البونابارتيّة) و المغامرات الأيديولوجيّة ( دكتاتوريّة البروليتاريا) أوالإنحرافات الفكريّة والأخلاقيّة ( النّازيّة والفاشيّة)...لدى بعض الزّعماء, فقوّضت ما تحقّق لفائدة الإنسان المواطن من مكانة ومكتسبات. خاضت هذه المجتمعات مستنيرة بفكر مثقّفيها معارك عديدة ضدّ آستبداد وآنحراف الفئات صاحبة الإمتيازات والدّولة. فأسقطت البونابارتيّة وصنعت إنزال النّورموندي وأنتجت أيار 1968 وأطاحت بجدار برلين... ثمّ كانت نقابة "سوليدارنوش"...فربيع الورود بجورجيا واالثّورة البرتقاليّة بأكرانيا.... في حين ضلّت مجتمعاتنا العربيّة تجترّ تراثا سياسيّا يقول بأنّ الخضوع المطلق لأولي الأمر من الإيمان ويعتبر الخارج عن هذا التّصوّر شاذّ يُحفظ ويُنكّل به.. فآلطّاعة المطلقة للسّلطان تعتبر في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة قيمة إيمانيّة واجبة سواءا كان الحاكم ظالما أو عادلا .... آتّقاءا للفتنة! هذا الرّأي مأكّد لدى أعلام الفقه الإسلامي من أمثال آبن تيميّة في كتابه "منهاج السّنّة" أو الماوردي في "الأحكام السّلطانيّة" وغيرهم. أمّا شيعيّا فطاعة "ولاية الفقيه" طاعة مطلقة تقوم حدّا فاصلا بين الإيمان والكفر. لم يخرج عن هذا الفكر السّياسي سوى المعتزلة الّذين قالوا بوجوب الخروج عن السّلطة إذا خالفت وآنحرفت على الحقّ. وكان مصيرالمعتزلة التّقتيلوالتّشريد...فهل أنّ قوى الإصلاح في عالمنا العربيّ اليوم أحسن حال من المعتزلة أيّام الحسن البصري؟ لا أعتقد ذلك, بل إنّ الإرهاب الّذي سلّط عَلى الفقيد نصر حامد أبو زيد على سبيل الذّكر يبرّر الإعتقاد بأنّنا لم نبرح إلى اليوم ناموس وطقوس مجالس الحسن البصري . وإنّ ما حبّره الكواكبي مطلع القرن التّاسع عشر في محيط ثقافي لا يناقش شرعيّة السّلطان إلاّ بمعيار الكفر والإيمان ضمن مؤلّفه " طبائع الإستبداد" كان بمثابة الخطاف الوحيد الّذي لا يصنع الرّبيع. لكن وبحلول زمن حركات التحرّر تشكّلت بالمجتمعات العربيّة تحت يافطة النّضال لنيل الإستقلال مجالات فريدة لحراك أهلي جنيني (الأحزاب والنّقابات والمثقّفين...) سيلعب دورا حاسما في ما سمّي لاحقا بمعارك "الإستقلال".

هكذا حصلت النّشأة...كانت صحوة المجتمع الأهلي عربيّا نهضة تحرّريّة مُقاِومة لأجل الأرض والحرّيّة...ضدّ السّلطة الأعجميّة المحتلّة لِما يسمّى ب"دار الإسلام".... آستُرجعت الأرض بتضحيات المجتمع الأهلي المقاوم...بجميع أطيافه العرقيّة والدّينيّة والفكريّة و حلّت "دولة الإستقلال المؤمنة" محلّ الإستعمار الإفرنجي! حاملة للإنسان العربيّ من المشاريع والإستراتيجيّات ما يكفي لإسعاده جيلا بعد جيل.!..كالإشتراكيّة و القوميّة والمغرب العربيّ الكبير....وتحلية مياه البحر..!.ولحمايته من نفسه الأمّارة بالسّوء آنصرفت الأنظمة العربيّة تعزّز البنية الأساسيّة المتعلّقة بمعمار المحتشدات والسّجون وصناعة التّعذيب البدني والتّدمير النّفسي .. مُرحّلة إلى ما قبل الحضارة.... كلّ من آقترب من الثّمرات المحرّمة : أي مسألتي الحرّيّة, والدّيمقراطيّة, ليجد نفسه عاريا من ذاته ممنوعا..من كرامته...و إنسانيّته "بدون" أو يكاد !...تائها حول صفره المعرفيّ والوجوديّ ...
هذه مقدّمة لابدّ منها, قبل محاولة التّعقيب على مقال للدّكتور رونالد ميناردوس المدير الإقليمي لمؤسّسة "فريدرش ناومان من أجل الحرّيّة" في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا نشر بصحيفة الدّستور المصريّة بتاريخ 23 حزيران 2010 حول التّحدّيات الّتي تواجه المجتمع المدني بالعالم العربي لأجل إقامة آنفتاح يؤسّس لمرحلة "المشاركة الدّيمقراطيّة". ومع آعتقادي في أبرزما ورد بالمقال المذكور من توصيف وتشخيص لحالة المخاض العربيّ الرّاهن وآستشراف للمستقبل فإنّي أودّ التّعقيب على البعض ممّا تضمّنه من الأفكار من خلال الفقرات الواردة على التّوالي:
1- الموقف من الحركات الإسلاميّة
2- حتميّة "مدّ يد التّعاون" من الحكومات العربيّة لمجتمعاتها الأهليّة
3- الأولويّة في بناء المجتمع اللّبرالي العربي- تونس مثال
ا لموقف من الحركات الإسلاميّة:
إنّه وبدون شكّ لا مكان في ضلّ المجتمع العربي التّحرّري المنشود للكيانات السّياسيّة المتشدّدة أوالمجرّمة للحقّ في الإختلاف سواءا كان أساسها الأيديولوجي دينيّا أو لادينيّ. فالتّطرّف مرفوض سواء كان بآسم الدّين أو غيره من المرجعيّات والمعتقدات... وإنّ حصر معوقات نشأة المجتمع التّحرّري عربيّا في هاجس الحركات الأصوليّة المتشدّدة والأنظمة الإستبداديّة الحاكمة يحجب على مجهر البحث بؤرا مرضيّة أخرى تنهل معينها من تصوّرات وإن كانت ترفع شعار الحقّ في الإختلاف فهي أوّل أعدائه على أرض الواقع تحت مسمّيات عديدة كالدّفاع عمّا يعتقد خطأ بأنّه لائيكيّة, أو حداثة. فمنع الفتيات في تونس – على سبيل المثال- من دخول المعاهد بلباس آخترنه بوعي وحرّيّة (1 ) هو شكل من اشكال التّطرّف الّذي لا يختلف من حيث المبدأ والنّتائج عن صنوه المشرّع بآسم الدّين فرض مظهر خارجيّ (الحجاب أوالنّقاب...) على النّساء دون أدنى آحترام لحقّهنّ في الإختيار. فعندما تشرّع الدّولة إقصاء المرأة, نصف المجتمع, من حقّ التّعلّم بدعوى آرتدائها لزيّ ينعت ب"الطّائفي", إضافة إلى تعدّيها على العقد الإجتماعي, بٍدوسها حرّيّة فرديّة ,هي تُؤسّس لمجتمع الجهل والأمّيّة. ثمّ لنعتبر على سبيل الجَدل أنّ الحجاب "زيّ طائفيّ" فما الإشكال في هذا؟ فكلّ لباس هو بالضّرورة طائفي أي يعبّر عن وعي وميول الأفراد الّذين آختاروه. وعليه فحتّى عشّاق موسيقى الهيب هوب يمثّلون طائفة من خلال تيّارهم الموسيقي الثّقافي وطريقة رقصهم وملابسهم... و منذ متى كانت الطّوائف (لو آعتبرنا مرتديات الحجاب طائفة) الملتزمة بقانون التّنوّع والإختلاف خطر على السّلم الإجتماعي والتّعايش المدني ؟ هل من نظام سياسي عربيّ أقرب إلى الدّيمقراطيّة اليوم أكثر من النّظام الدّستوري المُعتمد بلبنان أو العراق والمكرّس لوفاق سياسي يعترف بحقّ الوجود لجميع الطّوائف ؟ فالإنتماء إلى طائفة لا يعني الطّائفيّة المراد بها إشاعة التّعصّب للذّات و نفي حقّ الآخرفي الوجود. إنّ حرمان المرأة التّونسيّة من ممارسة حرّيتها في آختيار مظهرها الخارجي ومقايضتها مقابل تنازلها على حرّيتها تلك بحقّها في المعرفة هو تعبير لمجتمع ذكوري (2) وللطّائفيّة الحزبيّة الّتي تحكمه منذ أكثر من نصف قرن (3) وهي معضلة جدّيّة أعاقت ولاتزال نشأة و تطوّر المجتمع المدنيّ في تونس.
لم يعد سرّا اليوم أنّ عديد الأنظمة الإستبداديّة تسعى إلى تضخيم الظّاهرة الأصوليّة وخلق أسباب نمائها بإقصاء الحركات الإسلاميّة المعتدلة من مجالات الفعل الجمعيّاتي والسّياسي. في هكذا سياق برزت على إثر العنف الشّامل الّذي عاشته الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي و جريمة 11 أيلول 2001 سياسات عربيّة أتقنت فنّ "التّمعّش الدّبلوماسي" من مسألة التّطرّف والإرهاب (4)....واضعة مجتمعاتها في حالة طوارئ غير مبرّرة أو معلنة....لكسب الوقت وآستجداء دعم الدّيمقراطيّات الغربيّة لسياساتها المناقضة لمبادئ الحكم الرّشيد. ولقد أبرزت كذلك هذه الأحداث مدى الحاجة عربيّا لمفكّرين إصلاحييّين تحرّريّيين مثل الفقيد نصر حامد أبوزيد أوفاطمة المرنيسي وغيرهم. فهؤلاء المفكّرين التّحرّرييين يخطّون بهدوء وثبات إبداعا فكريّا رائدا يشدّد على ضرورة التّحلّي بالمنهج النّقدي في التّعامل مع الواقع و الموروث لولوج التّاريخ وآمتلاك قوانينه و تفكيك البنية الثّقافيّة والذّهنيّة للإستبداد أيّا كانت تجلّياته. إنّ عزلة هؤلاء المفكّرين وتهميشهم داخل المجتمعات العربيّة مردّه وعي الأنظمة العربيّة الإستبداديّة بما لهذا التّيّار التّنويري من خطر محقّق على آستمرارها و شرعيّتها. ومهما يكن من أمر فإنّ فتح مجال المشاركة السّياسيّة للحركات الإسلاميّة الغير المناهضة لأنوار الحضارة الإنسانيّة , الملتزمة بقيم الحداثة والمقتنعة أنّ الحرّيّة هي الحلّ ,سيبقى ضرورة لا مجال للقفز عليها أو تهميشها في عرض مجتمعات منتسبة في غالبيّتها ( إذ بها كذلك أقلّيّات ثقافيّة , بربريّة, مسيحيّة, يهوديّة, زنوجيّة إلخ يجب الإعتراف لها بحقّ الوجود والمواطنة الكاملة ) ثقافيّا وتاريخيّا للموروث العربي الإسلامي. وإنّ التّجربتين المغربيّة والمصريّة لجديرتين بالتّنويه في هذا الخصوص لتعاملهما بواقعيّة مع المسألة الإسلاميّة – وإن آعترتهما هنّات لم تبح بكلّ خفاياها- وتصدّيهما بحزم للتّبشير الصّفوي الإنعزالي الوافد من إيران .
حتميّة "مدّ يد العون" من الحكومات إلى المجتمعات الأهليّة
"وفي النهاية لن تجد الحكومات العربية سوي خيار مدّ يد العون - لأن المجتمع المدني أصبح أقوي من أن يتم تجاهله."...
بهكذا نفس متفائل يختتم الدّكتور رونالد ميناردوس مقاله وهو شعور إيجابي بقدر ما يسعدنا يلزمنا بإبداء بعض الملاحظات. فليس مصادفة أن تتوافق زمنيّا مناقشة الحكومة المصريّة لقانون يعتبره نشطاء المجتمع المدني المصريّ ضربا لحرّياتهم مع حصول كارثة دستوريّة مشابهة في تونس حيث صودق على قانون (5) يعطي للجهاز القضائي الغير المستقلّ "شرعيّة" تجريم الحقّ في نقد آختيارات الحزب الحاكم وإمكانيّة آعتبار التّواصل مع هيئات أهليّة أو حقوقيّة أجنبيّة "إضرارا بالمصالح الحيويّة" للبلاد. هذا القانون هو أسلوب الدّولة التّونسيّة لا في "مدّ اليد" بل في الضّرب على أيدي القوى الدّيمقراطيّة والتّحرّرية المنتقدة لسجلّها في مجال آحترام الحرّيّات. جاء القانون التّونسيّ على إثر حراك حقوقيّ قامت به فعاليّات أهليّة أثناء مناقشة الإتّحاد الأوروبّي إمكانيّة إسناد مرتبة الشّريك الممتاز لتونس لغاية تذكير الإتّحاد الأوروبّي بضرورة إلزامه النّظام التّونسي بآحترام كافّة مقتضيات آتّفاق الشّراكة أي بما فيها الّشرط الملزم بآحترام حقوق الإنسان (6) .
إنّ المناخ السّياسي العامّ عربيّا من السّودان إلى اليمن فمصر وتونس إلخ ...موسوم عموما بعلاقة تنافريّة عدائيّة بين مكوّنات المجتمع الأهلي (الحقيقيّة) والمجتمع السّياسي (الدّولة). و أنظمة الحكم في العالم العربي, لا يجنح أغلبها إلى الحوار مع معارضاته وسائر الهيئات الأهليّة الجدّيّة إلاّ بعد دفع الشّعوب إلى حافّة الهاوية (السّودان واليمن إلخ أمثلة على ذلك). وهي (أي الأنظمة العربيّة الإستبداديّة) تتمتّع في ذلك بدعم خارجي لديمقراطيّات أعمتها حاجاتها الإقتصاديّة وشركاتها الباحثة عن اليد العاملة وموارد الطّاقة الرّخيصة كما حساباتها السّياسيّة والإنتخابيّة, عن المخاطر الإستراتيجيّة الّتي ستجلبها هكذا أنظمة إن آجلا أم عاجلا على أمنها القومي ومجتمعاتها. فمواصلة تقديم الدّعم للأنظمة الإستبداديّة أوعدم تذكيرها بالتزاماتها ( مثل الّتغاضي على إجراميّة النّظام السّوري والّذي يعتبره بعض المتابعين نتيجة لخروجه من لبنان وشروعه في مفاوضات سلام مع الدّولة العبريّة) أو محاسبتها على سوء تصرّفها وإخلالها بقيم الحكم الرّشيد هي مُساهمة سلبيّة في دفع الشعوب العربيّة نحو السّاحات العامّة ...وهي حالات آنفجار( ستسرّع نسقها عوامل مثل نضوب البترول والإستعاضة عنه بمصادر طاقة بديلة أو الأزمات الماليّة والتّجاريّة العالميّة) لن يكون فيها من مستفيد غير التّياّرات المتطرّفة والمؤمنة بصدام الحضارات.

ونحن لاننزّه الفعاليّات الأهليّة الحقيقيّة إطلاقا كما لا نعفيها من مسؤوليّة ما آل إليه الوضع الحقوقي والسّياسي بجلّ البلدان العربيّة. إذ و بالإطّلاع على تجارب عديدة يسعنا القول أنّ عدد من هكذا فعاليّات مصاب بعدوى أمراض أنظمة الحكم. فهي تنتقد آستبداد السّلطة بالرّأي و لاتحترم حقّ الإختلاف داخل فضاآتها أوتنعى على نظام الحكم آحتكاريته وشخصنته و تمارس الزّبونيّة والإقصاء.... بل وأحيانا لها في التّوريث باع!وبالتأمّل في الرّاهن أعتقد أنّ الحكومات الإستبداديّة العربيّة لن تقوم – من تلقاء نفسها ومن دون مقاومة مدنيّة سلميّة- بأيّ مراجعة لسياساتها ولن تمدّ يد الشّراكة إلى الفعاليّات الأهليّة الحقيقيّة...وهذا موقف طبيعي من لدن أنظمة غير شرعيّة لأشخاص يعتقدون – من خلال ممارساتهم- أنّ علاقتهم بمجتمعاتهم وفعاليّاتهم الأهليّة كعلاقة المالك بملكه!! الّتي عرّفها القانون الرّوماني القديم بالرّابطة المتشكّلة من ثلاثة مبادئ : حقّ الإستعمال والإستغلال والتّدمير...!!
إنّ تَشيئة الشّعوب والأوطان ومعاملتها كملك خاصّ هي الّتي أنتجت ثقافة مشاريع التّوريث والتّأبيد وقد صارت أيّامنا هذه قاسما مشتركا للأنظمة العربيّة عموما (سوريا , تونس, ليبيا...) ودلالة لا تقبل التّأويل على بدائيّة هكذا أنظمة , " حبيب(ة) الظّلام عدوّ(ة) الحياة" (7) أنظمة سَليلة ِلبُنى فكريّة مَأسََسَت عِصمة الزّعيم ورُبُوبيّته فصنعت " "حافظ الأسد" و "عمر البشير" و "صدّام حسين" و "بورقيبة"...! في هذا السّياق رفعت ميليشيات الحزب البورقيبي الحاكم في تونس خلال الحملة الإنتخابيّة الرّئاسيّة والتّشريعيّة للعام 2009- والّتي قاطعتها الفعاليّات الأهليّة الحقيقيّة- شعارا معبّرا بعمق عن اللآوعي السّياسي السّائد في تونس ... يقول هذا الشّعار البسيط في ظاهره: " اللّه أحد اللّه أحد بن علي ما كيفو حدّ" بمعنى أنّ "بن علي" "ليس كمثله شئ" أو" ليس له كفئ أحد" ! فهو الحقيقة والمحتكر للحقيقة وبصفته تلك غير قابل للمساءلة والنّقد..أوالإستبدال عن طريق صناديق الإقتراع. يحيلني هذا الشّعار البائس والخطير في آن واحد إلى ما قالته المفكّرة هنّا آرندت في مؤلّفها حول "طبيعة الإستبداد" بخصوص السّلطة والمساوات في النّظام الجمهوري حيث بيّنت أنّ الأساس المشترك بين القانون والممارسة في الجمهوريّة هو أنّ السّلطة المُسندة لفرد (الحاكم) ليست محدودة بقوى متعالية أو خارقة مثل الإلاه أو الطّبيعة بل بسلطة أفراد مثله متساوين معه ...مضيفة أنّ فضيلة "حبّ المساوات " مأتاها الإعتقاد في أنّها تجعل الإنسان غير منعزل أو وحيد, إذ أن تكون متفرّدا وليس لك كفئ أو نظير هي ( أي آنعدام النّظير والوحدة بمعنى العزلة والتّوحّد) حسب هنّا آرندت وضعيّة (مأساويّة) ..........لا يعرفها سوى ( من له صفة) الإلاه!!
الأولويّة في بناء المجتمع التّحرّري في العالم العربي - تونس مثال:
إنّ الأولويّة في بناء المجتمع التّحرّري في العالم العربي - من وجهة نظرنا- تتعلّق بالقوى التّحرّريّة العربيّة الحقيقيّة ودورها في التّأسيس لإنسان جديد يشيع مبادئ " التّسامح والتّعدّديّة والحرّيّة".و للقيام بهذا الدّور يبقى العائق الأوّل أمام هكذا قوى, كيانات حكم إستبداديّة تبدو غير معنيّة بحركة التّاريخ ولا بما حقّقته الإنسانيّة من مؤسّسات وآليّات تمكّن من الإرتقاء بالإنسان في سلّم الحقوق والحرّيّات بشكل سلميّ و دون الحاجة لأزيز النّار و الحديد ( اليمن, الصّومال, السّودان... تونس , إيران إلخ...). فالأنظمة الإستبداديّة خارجة عن التّاريخ و على ما أجمعت عليه الأمم المتحضّرة من مبادئ لضمان الأمن والسّلم لمجتمعنا الدّولي. مسافات زمنيّة شاسعة تفصل العالم العربيّ والإسلامي عن المبدأ المثبّت بالمادّة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المُسند " لكلّ فرد الحقّ في الإشتراك في إدارة الشّؤون العامّة لبلاده......" والمُعتبر "إرادة الشّعب (هي) مصدر سلطة الحكومة....".
وإنّ ما تشكوه المجتمعات العربيّة من آفات لعلّ أخطرها تفشّي الجهل و الأمّيّة والفقر نتيجة سوء التّصرّف في الثّروات الوطنيّة وآحتكارها بين يدي القلّة المُسخّرة أجهزة الدّولة لحسابها الخاصّ وآندحار الطّبقة الوسطى يزيد من صعوبة مهمّة النّخب التّحرّريّة الحقيقيّة...في خلق ظروف نشأة هذا الإنسان الجديد. ولئن كنّا نثمّن الجهود والإسهامات الّتي تقدّمها مؤسّسات أهليّة أوروبّيّة وأمريكيّة مثل فريديريش ناومان والمعهد الدّيمقراطي الوطني...وغيرها لأجل دعم الحراك التّحرّري والتّجارب الدّيمقراطيّة بعالمنا العربيّ فإنّنا نأمل من هذه المؤسّسات مزيد ترشيدها لجهودها بتوضيفها حصريّا لفائدة الهيئات الأهليّة المشهود لها من حيث مسلكيّتها وممارساتها ومواقفها بتبنّي مبادئ " التّسامح والتّعدّديّة والحرّيّة". وإنّ الحالة التّونسيّة لتشكّل عيّنة جديرة بالدّراسة والمتابعة في هذا المجال ...فمنذ تسعينات القرن الماضي أُنشأت في تونس عدّة أحزاب من بينها حزب تحرّري كان يعتقد أنّه سيشكّل حاضنة ومنبرا لكلّ الأصوات المؤمنة بضرورة التّغيير والإسهام في الإنتقال بالمجتمع الأهلي التّونسيّ إلى مرحلة المساهمة الفعليّة في رسم آختيارات البلاد. وكان تفاعل أجهزة الدّولة مع منهجنا هو إقصاءنا من الحزب والوطن بدفعنا نحو المنفى وفرض عناصر دخيلة على التيّار التّحرّري أبدت آستعدادا للقيام بدور الكومبارس وتمرير مواقفها السّلبيّة المتواطئة مع حملات القمع الدّموي الّذي سلّط على كلّ قطاعات المجتمع الأهلي...بدون تمييز .فجهاز الدّولة صنع من داخل مكاتبه ومختبراته المظلمة معارضيه التّحرّرييّين في تونس ليباركوا خياراته الرّسميّة الإستبداديّة كتجريم حرّيّة التّعبير والزّجّ بالصّحفيييّن في ظلمات السّجون ( 8) إثر محاكمات جائرة .. آخرها محاكمة الصّحفي الفاهم بوكدوس (9) وسجنه بسبب تغطيته للأحداث المؤلمة الّتي عاشتها محافظة قفصة (جنوب تونس) في العام 2008 على إثر تحرّك آجتماعي سلمي, كما هم يدعمون إصدار قوانين تمنع حقّ التّعبير من زاوية ما صار يعرف بالدّفاع عن المصالح الإقتصاديّة أو تضيّق على حرّيّة المعتقد بآسم واجب معاضدة الجهد الدّولي لمقاومة الإرهاب , ويتبنّون المقولات والشّعارات المتطرّفة والّتي لا تخدم قضيّة السّلام بين الشّعوب بل تذكي بؤر العنف والإرهاب ( 10). إنّ التّأسيس لإنسان جديد يشيع مبادئ " التّسامح والتّعدّديّة والحرّيّة" يقتضي من العالم الحرّ ربط دعمه وتعامله الإقتصادي وشراكته في كلّ الميادين مع الأنظمة العربيّة و هيئات المجتمع الأهلي بشرط آحترامها لقيمة الحقّ في الإختلاف وحرّيّة التّعبير وتكريسها لقيم التّسامح. ولعلّ أولى الأولويّات لبعث هذا الإنسان الجديد هو مراجعة برامج التّعليم بصورة جوهريّة والمبادرة بخطوات جدّيّة لتنقية الفظاء الإعلامي والجمعيّاتي من رواسب الإنحرافات والشّعارات المبرّرة - تحت عناوين سامية كحقّ الشّعوب في تقرير مصيرها والدّفاع على الهويّة الوطنيّة - للعنف ونفي حقّ الآخر في الوجود. إنّ مواصلة تدجين الفعاليّات الأهليّة ومنعها من الوجود.. في جلّ البلدان العربيّة سيفتح هذه المنطقة من العالم على كلّ الإحتمالات. ففي تونس أصبح الإقصاء والتّهميش قاعدة التّعامل مع هيئات المجتمع الأهلي الحقيقيّة أمّا الإستثناء فلا يشمل سوى الأحزاب والمنظّمات الموالية والّتي لا تعدو أن تكون سوى مكاتب للدّعاية الرّسميّة لاغير. دورها : مباركة كلّ ما يتفوّه به الرّئيس وما يقرّه حزبه (التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي – في الحكم منذ ستّون سنة) من "قرارات" تنعت بالحكيمة آخرها "مناشدته" خرق الدّستور وآلتّرشّح لولاية رئاسيّة سادسة في العام 2014 أو توريث مؤسّسة الرّئاسة لأحد المقرّبين! .... جميعها (الأحزاب والمنظّمات الموالية) مجنّد خلف الرّئيس بن علي للدّفاع على عمر البشير المتّهم الأوّل بحرب الإبادة العرقيّة في "دارفور", والجرائم الّتي آقترفت هناك بشهادة أكبر المنظّمات الحقوقيّة والإنسانيّة الدّوليّة خصوصا في حقّ المرأة السّودانيّة والأطفال والشّيوخ.... جميعها دَاعِمُ لنظام أحمدي نجاد في مشاريعه الجنونيّة و دوره المتقدّم في تهديد الأمن والسّلام خصوصا بالعراق ومنطقة الخليج العربيّ. جميعها مصطفّ خلف الرّئيس بن علي في تهانيه للنّظام اللّيبي بعودة "عبد الباسط المقرحي" المدان بالعمليّة الإرهابيّة "لوكربي" إلى طرابلس.. من دون أدنى آحترام لذاكرة الضّحايا وأسرهم وفي الوقت الّذي يُتجاهل فيه المئات من التّونسيّيين من كلّ العائلات الفكريّة الوطنيّة.... المنفييّن في الدّاخل والشّتات...لأنّهم آقتربوا من الثّمرات المحرّمة...هذا يعني بكلّ وضوح أنّ صراع القوى الحقيقيّة الممثّلة للمجتمع الأهلي في تونس من أجل الحرّيّة والدّيمقراطيّة...يتنزّل ضمن الواجب الأخلاقي والسّياسي الّذي عبّر عنه مارتن لوثر كينغ بعدم الخضوع للقوانين الجائرة أيّا كان الثّمن.. هذا هو نهج التّونسيّات والتّونسيّيين الأحرار في وجه النّظام الإستبدادي...منذ نصف قرن وهو عنوان صمودهم الرّائع اليوم في الرّديّف وتبدّيت وأمّ العرائس والصّخيرة وبن قردان (11) ...
عادل الزّيتوني
رئيس حركة الأحرار الدّيمقراطيّيين
23 أغسطس 2010 (الموافق لأحد عشر سنة من المنفى لأجل الوطن)
1 - نشير هنا إلى المنشور رقم 108 الصّادر في العام 1981 وطبّقته كلّ الحكومات المتعاقبة في تونس بدون آستثناء وهو منشور لادستوري يحضر حرّيّة فرديّة هي الحقّ في آختيار المرأة لمظهرها الخارجي.
2- المجتمع التّونسي على الرّغم من واجهته التّشريعيّة الإصلاحيّة في ما يتعلّق بوضع المرأة يبقى ذكوريّا بالأساس بالنّظر إلى نسبة حضور المرأة بالمؤسّسات الدّستوريّة كالبرلمان والحكومة وفي مجال الأعمال. كذلك تعتمد السّياسة الرّسميّة قانون الصّمت على عديد الممارسات المتخلّفة في حقّ المرأة مثل الإستغلال والتّحرّش الجنسي بالإدارة والمؤسّسات. ويرخّص في تونس بالتّعاطي العلني للبغاء بمحلاّت رسميّة تحت رعاية وزير الدّاخليّة ووزير الصّحّة العموميّة. وهي ممارسة تناقض المواثيق الدّوليّة المتعلّقة بحقوق المرأة.
3- المقصود بالطّائفيّة هنا هي النّزعة الإقصائيّة المحدّدة لسياسة الحزب الحاكم منذ 60 سنة ( التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي , الإشتراكي الدّستوري سابقا) وهي سياسة تقوم على علويّة طائفة من الشّعب التّونسي على بقيّة فئاته بأسم العصبيّة الجهويّة و الحزبيّة والقرابيّة. فالحزب الحاكم في تونس طائفيّ برفضه منذ ما يزيد عن نصف قرن سنة لباقي فئات الشّعب وهظم حقوقها.
(1) 4- آعتمد الحزب الحاكم في تونس على أحداث الجزائر ثمّ الحادي عشر من سبتمبر لتبرير الأسلوب الأمني في التّعامل مع قضايا سياسيّة وطنيّة كملفّ حركة النّهضة الإسلاميّة و للتّنصّل من واجب إصلاح الدّولة وإطلاق الحرّيّات. فلقد تبنّى حزب التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي قانونا في العام 2003 عرف بقانون مكافحة الإرهاب غايته الحقيقيّة الإيهام بأنّ تونس من معاقل الإرهاب الدّولي وهو منحى خطير أظهر إلى أيّ مدى أصبحت الطّائفيّة الحزبيّة والجهويّة الحاكمة تمتهن حرّية باقي أطياف المجتمع المدني للبقاء في الحكم. يذكر أنّ المقرّر الخاصّ للأمم المتّحدة المعني بحقوق الإنسان مارتن شاينين صرّح خلال شهر جانفي 2010 أنّ تطبيق هذا القانون – الّذي سجن على أساسه الآلاف من الشّباب- يشوبه خروقات. يقول مارتن شاينين "التقيت ببعض الشّباب المحاكم بمقتضى هذا القانون وكان جرمهم تسجيل أو مشاهدة برامج أو الإلتقاء للحديث حول مسائل دينيّة. ونفس الرّأي بخصوص التّوضيف السّياسي للقانون يشير له باتريك بودوان الرّئيس السّابق للفدراليّة العالميّة لحقوق الإنسان في تقديمه لكتاب السّيّد البصيري بوعبدلّي "عندما آكتشفت أنّ تونس لم تعد بلدا للحرّيّة".
5- القانون المنقّح للفصل 61 مكرّر من المجلّة الجزائيّة التّونسية
-6- آتّفاقيّة الشّراكة المنعقدة بين تونس والإتّحاد الأوروبّي العام 1995 تشدّد على ضرورة آحترام تونس لمبادئ حقوق الإنسان سواء من خلال إشارتها بالتّوطئة إلى ميثاق الأمم المتّحدة أ وما ورد بفصلها الثّاني.
7- من قصيدة أبو القاسم الشّابّي بعنوان "الآ ايّها الظّالم المستبدّ"
8- حسب منظّمة مراسلون بلا حدود (تقرير العام 2009) تتصدّر تونس إلى جانب بورما والصّين قائمة الأنظمة العدوّة لمنظومة الأنترنات. كما تصنّف الرّئيس التّونسي على رأس قائمة أعداء الصّحافة الحرّة في العالم. ولقد عانت ولا تزال أبرز الأقلام الصّحفيّة التّونسيّة من التّضييق والملاحقات والسّجن والتّهجير. وهي من الأوائل في معادات الصّحافة المكتوبة ولقد وقع فصلها من الفدراليّة العالميّة للصّحفيييّن لهذه الأسباب.
9- الفاهم بوكدوس من بين الصّحفيّيين الّذين قاموا بتغطية ما صار يعرف بأحداث الرّديف في الجنوب التّونسي وهي حركة آجتماعيّة احتجاجيّة سلميّة قادتها وشاركت فيها خصوصا فعاليّات المجتمع الأهلي والمواطنين بعدد من عمادات ولاية قفصة سنة 2008 وكانت نتيجتها حملة قمعيّة غير مسبوقة شنّتها أجهزة الأمن ضدّ المدنيّيين العزّل. ولقد وقع الّلجوء إلى إطلاق النّار على المتظاهرين ما أدّى إلى حالتي وفاة وعشرات جرحى. الصّحفي الفاهم بوكدوس قام بدوره وواجبه في جمع المعطيات والإعلام . هذا ما سيبرّر لاحقا محاكمته بتاريخ 6 يوليو 2010 والزّجّ به في السّجن حيث سيقضّي أربعة سنوات على الرّغم من وضعه الصّحّي المتدهور و الخطير. ونفس المصير يتربّص بالصّحفي المولدي الزّوابي.
10- نشير إلى المواقف المتطرّفة والخطيرة الّتي صدرت عن أمين عام الحزب الإجتماعي التّحرّري بخصوص تاريخ المحرقة بصحيفة الشّروق الصّادرة في تونس بتاريخ 14 نوفمبر 2009 حيث عبّر عن آستياءه من رفض الجامعات الأوروبيّة لأيّ مشروع بحث يناقش حقيقة المحرقة مندّدا بما يعتبره محاكم تفتيش ولوبيّات ....بالأمميّة اللّبراليّة. نشير كذلك إلى الشّعار المعادي للسّاميّة " النّازيّة والصّهيونيّة وجهين لعملة واحدة" والّذي رفعه هذا الأمين العام من خلال موقع الحزب الإجتماعي التّحرّري قبل أن يسحبه على إثر مقال لنا بالفرنسيّة.
11- هذه المدن الواقعة في الجنوب التّونسي شهدت منذ العام 2008 إلى العام 2010 تحرّكات أهليّة سلميّة أساسها المطالبة بحقوق آجتماعيّة وتنمويّة مشروعة. هذه التّحرّكات أظهرت أنّ الشّارع هو المجال الوحيد الّذي من خلاله يمكن للمجتمع الأهلي التّونسيّ رفع مطالبه الإجتماعيّة والسّياسيّة المشروعة وإسماع صوته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.