كلفة العودة المدرسية في تونس: بين 153 و276 دينارا حسب المراحل الدراسية    وزارة التجارة تُخزّن 12 ألف طن من البطاطا استعدادا للفجوة الخريفية    من التراث الشعبي للتغيرات المناخية: ماذا تعرف عن ''غسّالة النوادر''؟    عاجل/ قاصر ينفذ هجوما في تركيا ومقتل شرطيين..    تغييرات منتظرة في تشكيلة المنتخب أمام غينيا الاستوائية؟    الرابطة الأولى: الملعب التونسي يستغني عن خدمات أحد لاعبيه    مباراة ودية: قوافل قفصة يفوز على جمعية مقرين    إنتقالات: سعد بقير يخوض تجربة إحترافية جديدة    مباراة تونس اليوم ضد غينيا الاستوائية: كل ما تحتاج معرفته عن مدينة مالابو    طقس متقلّب اليوم في تونس: خلايا رعدية وأمطار في البلايص هذه بعد الظهر    من الأربعاء: منخفض قوي وأمطار غزيرة ''غسالة النوادر'' في الطريق    بعد صيف طويل: غيث نافع يوم الاربعاء    استراليا: علماء يكتشفون فيروسا خطيرا جديدا    كيف الوقاية من أمراض العودة إلى المدارس؟    أحد عشر عاما على اختفاء الصحفيين الشورابي والقطاري في ليبيا .. والأمل لم ينقطع في كشف مصيرهما    ألكاراز يهزم سينر ويحرز لقبه الثاني في بطولة أمريكا المفتوحة    هجوم مسلح في القدس يسفر عن سقوط قتلى وجرحى    يوم الطالب التونسي في دورته الاولى بالبرتغال يوم الجمعة 26 سبتمبر الجاري    عاجل/ قضية مقتل تونسي في مرسيليا: تطورات الجديدة..    جبل الجلود: إيقاف مجرم خطير محل 20 منشور تفتيش    غار الملح تستعيد بريقها الثقافي بعودة اللقاءات الدولية للصورة    الاحتلال يدمر 50 بناية كليا و100 جزئيا بمدينة غزة منذ فجر اليوم..#خبر_عاجل    عاجل/ هذه الدولة تقر إجراءات جديدة نصرة لغزة..    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    مادورو يأمر بنشر 25 ألف عسكري على حدود كولومبيا    لسبب غير معلوم.. قطع كابلات بحرية في البحر الأحمر يعطل الإنترنت في آسيا والشرق الأوسط    ترامب: قريبون من اتفاق حول غزة والإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين في القطاع    الدورة 69 من مهرجان لندن السينمائي: 'صوت هند رجب' و'سماء موعودة' ضمن القائمة    عقارب تفتتح مهرجان العلوم: 3 أيام من الاكتشاف بين الفلك والرياضيات والبيئة    بالمتحف الأثري والإثنوغرافي بالمكنين أنشطة فكرية وفنيّة تخليدا لذكرى 5 سبتمبر 1934    بنزرت: انتفاع 4400 تلميذ بالمساعدات الاجتماعية    المهدية..أبوابه بقيت مغلقة منذ 8 سنوات.. مطالب بتخصيص متحف دار البحّار ل«كنز المهدية» الإغريقي    تشريعية جزئية : انتهاء عمليات التصويت في دائرة دقاش حامة الجريد تمغزة ونسبة الاقتراع ناهزت 17,40 بالمائة    ما لا تعرفه عن الكولسترول: ضروري للذاكرة والتعلم    عاجل: عطب مفاجئ يتسبب في انقطاع الماء بعدد من مناطق ولاية سوسة    نادي الحرس الوطني يحيي حفلا فنيّا ساهرا بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث سلك الحرس    مستقبل قابس يفوز وديا على مستقبل القصرين 2-1    البنك المركزي يرفع سقف التحويلات المالية للطلبة بالخارج: التفاصيل    مجموعة "مصابيح صوفية" للمصمّم التّونسي حسان جلجلي حاضرة ضمن "أسبوع التصميم بباريس 2025"    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    بطولة العالم للكرة الطائرة أكابر: المنتخب التونسي يواجه كوريا يومي 8 و 9 سبتمبر وديا    الدورة الثانية من صالون "آرتي كريا" من 6 إلى 12 أكتوبر 2025 بقصر المعارض بالكرم    الداخلية: احالة صيغة محينة لمشروع القانون الأساسي للعمد على رئاسة الحكومة لاستكماله ونشره بالرائد الرسمي    ديوان الحبوب: بامكان الفلاحين "مقايضة" جزء من محاصيل القمح "ببذور مثبتة"    الدورة الرابعة للصالون الدولي للسياحة والعمرة يومي 12 و13 سبتمبر الجاري بالعاصمة    وزارة التجهيز والاسكان تنتدب...    الداخلية: عمليات مراقبة وتحسيس متزامنة على أسواق الجملة في كافة أنحاء الجمهورية    القهوة على معدة فارغة: فايدة ولا ضرر؟ شوف شنوّة يصير للجسم    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    توقعات الأبراج لليوم: بين الأمل والحذر.. اكتشف ماذا يخبئ لك الأحد    أمطار منتظرة الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    وزارة الداخلية.. الدّولة لن تتخلى عن مسؤوليّاتها في الدّفاع عن حقوق المُستهلك والحفاظ على قدرته الشرائيّة    خسوف كلي للقمر في معظم الدول العربية بداية من ليلة الأحد    الخطوط التونسيّة تسجّل نتيجة صافية سلبية ب335 مليون دينار في 2021    الزهروني: إيقاف منحرف نفّذ 3 براكاجات في وضح النهار استهدفت نساء    غدا.. خسوف كامل والقمر "دموي"    عاجل/ فيروس "إيبولا" يعود من جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كفى بالموت واعظا
نشر في الحوار نت يوم 25 - 08 - 2010


كفى بالموت واعظا

كتبه: عبدالحميد العدّاسي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات" . وقال صلّى الله عليه وسلم: "كفى بالموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة". أمّا عمر رضي الله عنه فقد نقش على خاتمه عبارة "كفى بالموت واعظا يا عمر".. ولقد رأيت الموت يأخذ منّا - بدون استئذان - رجلين من رؤسائنا في رمضان هذه السنة. أمّا أحدهما فهو الشيخ زائد رحمه الله وكان قد اشتهر بسخاء دولته التي لم تقصّر في الجود بالمال الذي أنعم الله به عليها في أغلب بلاد الإسلام، ولعلّه إن أخلص لله في بذله شفع له عند ربّه. وأمّا ثانيهما فهو عرفات غفر الله له وكان قد ارتبط اسمه بنضال شعب طالت محنته مع العدوّ الغاصب الذي استعان عليه طيلة ما يقارب الستين سنة بتخاذل حكّامنا وتخرُّق قادتنا. ولقد حضر الكثير من الرّؤساء جنازة عرفات في مراسم أرادتها فرنسا أن تكون بتلك الدرجة التي حدّث بها كلّ من رأى وسمع. وتونس كأغلب البلاد العربيّة لم تتأخر عن جنازة عرفات سيّما وقد تكرّمت مصر العروبة بإقامة مراسمها على أرضها مقرّبة بذلك شقّة كانت بعدت كثيرا مع الشيخ زايد رحمه الله ما أفقدنا القدرة على بلوغ تلك الأرض... رئيس تونس، زين العرب كما يسمّيه الفقيد، تأثّر كثيرا للمصاب الجلل فلبس الأسود واسودّت الدنيا في عينيه إلى درجة أنّه أبطل الاحتفال بالعيد الذي لم يتأخّر هو الآخر عن العزاء في دور المسلمين حيثما كانوا في فلسطين أو في العراق أو في تونس أو في غيرها من البلاد التي تعيش النكبة نتيجة وهن بعض أبنائها أو خيانة بعضهم الآخر. ولقد رأيته في الصفّ الأوّل يشيّع جنازة قائد شعب "الجبّارين" مطأطئ الرأس مرخي الطرف شارد الفكر وقد تصوّر المشهد (أحسبه): حفرة أضيق من تلك الغرف التي يقبع فيها سادتنا المناضلون من أمثال لطفي السنوسي وبوراوي مخلوف ونجيب اللواتي والهادي الغالي وغيرهم كثير، يسجّى فيها ويترك هناك وحده بلا أنيس ولا صاحب ولا حتّى سجّان أو كلب مدرّب على أكل لحوم "الإرهابيين" إلاّ ما كان من العمل الذي قدّمه. وملكان يسألانه عن الربّ هل وُحِّدَ وعن الرّسول هل اتُّبِعَ وعن الكتاب هل طُبّق، واللسان في ذلك لا ينطق إلاّ بما يُسِّر له. وضمّة قبر لا يسلم منها كبير ولا صغير ولا غنيّ ولا فقير ولا رئيس ولا وزير. ونافذة في القبر لا يدري صاحبه أتُفتح له على الجنّة فيسعد، أم على نار جهنّم فيشقى ويُنَكّد (نعوذ بالله من عذاب القبر). وصراط أرقّ من الشعرة وأحدّ من السيف لا يثبت عليه إلاّ من عرف قدر نفسه فأوقفها عند الحدود وألزمها طاعة ربّه. وشمس تدنو من الرؤوس حتّى يذهب عرق النّاس في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتّى يبلغ آذانهم. وظلّ لا يتظلّل به إلاّ من سبقت له رحمة الله أو عُدّ من أولئك السبع المبشّرين ومنهم إمام عادل. ووقوف بين يدي مَنْ بيده الملك، صاحب الأمر الواحد القهّار. وكتاب لا يدري صاحبه أين هو واقع، أبِاليَمِين فالعيشة راضية أم بالشّمال فالأمّ هاوية. وجنّة أعدّت للمتّقين ونار أعدّت للكافرين والمنافقين والمتكبّرين والقاطعين والظالمين والكاذبين.

ثمّ سرعان ما أخذت العربة المخصّصة الجثمان، وسارع المضيّف إلى الاعتناء بالأحياء بعدما أدّى واجب الموتى، فقطع بذلك عن رئيسنا تلك السياحة المفيدة (أحسب) التي وفّرها له ذكر هاذم اللذّات. ورحل عرفات إلى قبره وعاد الرّئيس إلى قصره وهو لا يدري أنّ الجميع بانتظار ما ستسفر عنه تلك الوقفة مع الواعظ البليغ، فقد ذهب البعض منّا إلى تصوّر سيناريوهات قد تصل إلى حدّ ردّ المظالم والاعتذار لدى المظلومين من قومنا عمّا لحقهم من أذى وتقتيل وتشريد لا يرتكب ذرّة منه إلاّ مَنْ كان مِنْ أصحاب الأهواء والمعاصي والبدع إذ "لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به" وحديث الساسة عن العفو التشريعي العام وعن ضرورة إشاعة أجواء الديمقراطيّة التي قد لا تكون مكتملة عند بعضهم إلاّ بتغييب الإسلاميين عن أنظارها... غير أنّ التقدّم في السنّ قد يُفقد البعضَ حُسنَ الذاكرة، فقد نسي الرئيس للأسف بمجرّد الاستواء على كرسيّه هناك بقرطاج كلّ تلك المُناكدة التي سبّبها له أبو عمّار، هذا الذي لم "يحسن" حتّى اختيار وقت اختفائه عن الأنظار، وعزم على مواصلة دربه الذي خطّه بمناصرة "التونسيين، كلّ التونسيين" (94,48 %)، فلا مكان للإسلاميين بالبلاد خاصّة إذا كانوا من هذا الصنف (تصالحت حكومة الجزائر مع من رفع السلاح ضدّها، وعفا النظام المصري عن أكثر من سبعمائة من المتشدّدين الإسلاميين... فكأنّ مشكلة الإسلاميين في تونس إذن هي عدم التشدّد وعدم رفع السلاح، ولذلك فإنّهم لم يجدوا وقد لن يجدوا الآذان الصاغية! مذهل والله!..)، وبيّن أنّه لا يوجد لديه في سجونه أيّ سجين سياسي بقوله "إني أشير بكل وضوح إلى أنّه ليس لدينا سجناء رأي أو سجناء سياسيون"، وذلك في الوقت الذي تنادي فيه كلّ المنظّمات الحقوقية والإنسانيّة - على علاّت فيها - بوجود أكثر من خمسمائة سجين سياسي، وفي الوقت الذي يقول فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم "أربع من كنّ فيه كان منافقا، وإن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر"...

ثمّ ما هذا الخوف من الاعتراف بوجود سياسيين بالسجون وقد علمت الدنيا بأسرها بوجودهم فيها؟! ألِخَوْفِ ظلّ يلازم الرئيس منذ سمح لنفسه بالتعدّي على مبادئ السياسة والسياسيين يوم تجاوز حدودها فانقلب على قائده الأعلى وليّ نعمته؟! وما هي التهم المتعلّقة بالحقّ العام التي نالت الدكتور الصّادق شورو مثلا؟! أهيّ شيكات بدون رصيد أم هي تَعَدٍّ على الأخلاق الحميدة أم هي خيانة مؤتمن وتصرّف أخرق في الممتلكات العامّة أم هي اغتصاب أم هي تعاطي مخدّرات أم هي كلّها جميعا؟! وما تهم حمَلةِ القرآن وحملة الشهادات العليا ممّن بطّأ بهم الانتساب إلى العائلة الرّئاسيّة أو إلى الأسرة التجمّعية؟! ثمّ ما ذنب أبنائهم وعائلاتهم، ولماذا يعاقبون؟! ألأنّهم تستّروا على الجريمة المرتكبة من ذويهم؟! أم لمجرّد تحوّط ضروري خشية تسرّب العدوى إليهم؟! أم لتطبيق ما جاء بالفصل (13) من الدستور "العقوبة شخصية ولا تكون إلا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع".

وعندما يتكلّم الرئيس عن العمل السياسي الحرّ بقوله "العمل السياسي حر ينظمه الدستور الذي يمنع قيام أي حزب على أساس الدين أو العرق أو اللغة. إنها ثوابت نظامنا الجمهوري ومبادئ العمل الوطني السليم" ألا يتحرّج من ذلك، وهو يعلم علم اليقين أنّ هذا الدستور قد تلاعبت به الأيدي لتجعله شاهدا على قتل المبادئ ومشرّعا للرّئاسة مدى الحياة ومجيزا للكذب الذي لا يأتيه مؤمن؟!.. ثمّ أين حريّة الفكر والتعبير وتأسيس الجمعيات التي ضمنها الفصل الثامن من الدستور؟! أم أنّ الممارسة قد عُلمت سابقا بأنّها ستكون مخالفة لما يضبطه القانون (ولعلّي أعود يوما فتكون لي وقفة مع هذه الجملة الخبيثة التي لا يكاد يخلو فصل من ذكرها "حسبما يضبطه القانون")؟!...

قلت عاد الرئيس إذن من جوار قبر عرفات رحمه الله، ليتفرّغ لعمله بعيدا عن أجواء السواد وذكر الموت دون زهد في دنيا أو رغبة في آخرة ليُقسم أمام الأعضاء الجدد "الممثّلين" لشُعبهم - تطبيقا للفصل (38) من الدستور القاضي بإسلام رئيس الدولة – بما نصّه:"أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة ترابه وأن أحترم دستور البلاد وتشريعها وأن أرعى مصالح الأمة رعاية كاملة".فهل سيحترم دستورالبلاد وهل سيرعى مصالح الأمّة بصفة كاملة أو جزئية؟!... قد لا أكون هذه المرّة مع المتفائلين، حيث لا أنتظر من الرجل إلاّ ما مكّنه منه فهمه للنصّ وما أعانه عليه قومه ممّن نقم على الحريّة ومنشديها... ولكنّي لا أزال وسأظلّ أؤمن بأنّ الله غالب على أمره، وكفى بالموت واعظا...


نشر أوّل مرّة بتاريخ 19 نوفمبر 2004.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.