تشكلت حركة طالبان إثر الصراع العبثي على السلطة بين إخوان السلاح في الجهاد الأفغاني بعيد انتصاره على الدب الروسي الأحمر، الذي شكل علامة بارزة في تاريخ الأمة وأعطى بريقا لا يضاهى للجهاد والمجاهدين. كان القصف المتبادل على أشده بين الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار من جهة، والجمعية الإسلامية بقيادة رباني وشاه مسعود من جهة أخرى، كما كانت التحالفات التكتيكية مع دستم الشيوعي السابق تزيد النار على الهشيم. في هذه الأجواء، تشكلت حركة طالبان كرد فعل طبيعي على العابثين بتضحيات الشعب الأفغاني المنكوب. وبحكم الجغرافيا، كان تقاطع المصالح مع الجارة الباكستانية هو المحدد للمنتصر في النهاية. من هنا لملم الملا محمد عمر أشلاء المقاومة الأفغانية، معتمدا على القيادات الوسطى للمجاهدين القدماء وطلاب العلم (من هنا جاءت التسمية)، ليطرد تجار الحرب، ويوحد أكثر من ثمانين بالمائة من التراب الأفغاني تحت راية طالبان. ومن مفارقات الدهر، أنّ زحف طالبان على السلطة، تم برعاية باكستانية، ومباركة أمريكية. يخلط الكثيرون بين طالبان وتنظيم القاعدة، وفي الحقيقة إنّهما مختلفان كليا من حيث الإيديولوجيا. فطالبان حركة إسلامية شديدة التعصب للمذهب الحنفي، حتى أنها تجنح إلى أشد الآراء في هذا المذهب وقد تجلى هذا في تطبيقاتهم إبان حكمهم 1996 2001. كما إنّهم أقرب لأن يكونوا حركة تحرير وطني، بل وأحيانا قومي في اعتمادهم الكلي تقريبا على قومية الباشتون. في حين أنّ تنظيم القاعدة، ورغم تأسيس نواتاته الأولى على يد رجل إخواني، وهو الدكتور عبد الله عزام، إلا أنّ قياداته المتأخرة، وأغلبهم مصريون، يجنحون إلى الفكر السلفي الذي يقفز فوق المذاهب ويجنح إلى التسطيح في فهم النصوص، كما أنّه يسقط تماما مفاهيم واقعية كالوطنية والحدود، واختلافات الشعوب. غير أنه ولأصالة في الشعب الأفغاني، أصرّ الملا عمر على استضافة من حارب إلى جانب الأفغان وتحالف معه، وفي النهاية، دفع ثمنا غاليا لهذا التحالف عندما تجاوز الشيخ أسامة بن لادن أميره الملا عمر، والذي رفض عملية 11 سبتمبر. غير أنّ ما أكبرته الأمة في الملا محمد عمر، إنّه لم ييأس أبدا من وعد الله بالنصر على الغزاة الجدد، والذي تبين مع الوقت، أنّ غزوهم لأفغانستان، وحرب القاعدة، لم يكن إلا ذريعة، لوضع اليد على الممر الأقصر لنفط قزوين، ومراقبة الصين عن كثب، وإنّ السبب الحقيقي للغزو لم يكن إلا رفض طالبان، أن يكون لأمريكا موطئ قدم في التفتيش عن الغاز في أراضيها والذي يقدر بكميات خيالية، وكذلك، رفض الحركة مشروع أنبوب النفط القزويني الذي تريد الولاياتالمتحده أن يمر عبر أفغانستان بعد أن يشق أوزباكستان، ليصل إلى المحيط الهندي على الشواطيء الباكستانية. جاء الغزو الغربي الجديد لأرض أفغانستان المباركة، فخلط الأوراق وعقّدها أكثر فأكثر. إنه من الأخطاء القاتلة، أن تتوسع طالبان في الحرب لتشمل دولة إسلامية كالباكستان الآمنة، وهو ما يسهل ضرب المشروع النووي الباكستاني، الذي حقق ردعا أمام الهند الزاحفة. ولعله من المبكيات أن يصرح أحد رموز القاعدة، بأنّ الهدف من الحرب في الباكستان، هو الاستيلاء على السلاح النووي لضرب أمريكا، وهو لعمري غباء ما فعلته براقش في زمانها. وفي ذروة المأساة التي تحطم الباكستان بعد الطوفان الكبير، تطالعنا الأنباء، بتبني طالبان باكستان تفجيرا انتحاريا استهدف الأقلية الشيعية في يوم القدس، ليذهب ضحيته أكثر من خمسين قتيلا. أي أمة هذه؟ وأي غباء؟... لم نفقد البوصلة لهذا الحد..؟ لو سألنا أي موظف في الاستراتيجيا الغربية، عن أسمى أمنياته في تمزيق أمة لا إله إلا الله، لن تجود أحلامه بأقصى من هذه الأفكار التي تمزق الممزق وتفتت المفتت وتدمر المدمر... إنني أحب طالبان، عندما تقف كالأسد في وجه الغزاة لتبقي لنا شعاعا من ثقة في هذه الأمة، ولكنني أنقم منها ما تقوم به في الباكستان مهما كانت الذرائع لتحطم بلدا محطما أصلا. كيف ستحكم بلدا متعدد الطوائف والديانات إن كانت تحمل في رأسها، وبعد كل هذه الأهوال، عقلية الطائفة والمذهب والقبيلة؟... هنا لا أجد ما أقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل.