رغم تأكد الجميع داخل تونس وخارجها من أنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة هي مجرد مهزلة وضحك على الذقون ومسرحية سيئة الإخراج. ورغم أنّ هذه الانتخابات يمكن أن نطلق عليها كل الأسماء إلاّ اسم انتخابات، فهي ستجرى في ظل سيطرة بوليسية شاملة على كل قطاعات المجتمع وغياب كلّي للحريات العامة والخاصة ومنع تام للأحزاب المعارضة الجادة من التواجد، وقمع وبلطجة لكل مخالف وناقد للدولة. ورغم أنّ نتائجها محسومة مسبقا بدليل أنّ الاحتفالات بالنصر أعدت سلفا، إضافة إلى ما سيشوبها كالعادة من تزوير وتجاوزات وخروقات على جميع المستويات، فالموتى سيصوّتون من قبورهم لبن علي وكذلك الحشاشون والمفسدون، والتجمعي الانتهازي الواحد سيسمح له بالتصويت في أكثر من مركز اقتراع، وشريحة واسعة من الشعب التونسي ستحرم من حق الانتخاب بسبب معارضتها للطاغية، ومن سيصوّت ب"لا" لبن علي فستتولى المخابرات تصحيح خطإه وسيكلفه ذلك الطرد من الشغل ومضايقته باستمرار وكافّة عائلته، وقطع الماء والكهرباء والغاز والتليفون والأنترنت عن بيته، وتهشيم زجاج سيارته وحرق مكتبه وإتلاف محتوياته، وتعنيفه في المطار، وتسليط إدارة الضرائب على محلاته ومشاريعه ومصادرة ممتلكاته، وحرمانه من الجواز والسفر، وتلفيق تهم له وإدخاله السجن حتى لا يكرر الخطأ. رغم كل هذه الفضائح وهذه الانتهاكات الخطيرة الخادشة لكل حقوق الإنسان فإنّ الواجب الديني والأخلاقي والوطني والإنساني يحتّم عليّ وعلى كل الغيورين أن نبين للتوانسة بكل شرائحهم الأسباب التي تمنع تزكية وترشيح وانتخاب ومبايعة بن علي. هذه الأسباب كثيرة ولكننا سنقتصر على أهمها: 1 ) أنّ بن علي ليس رئيسا شرعيا أتى إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع والانتخاب الحر ورضى الشعب وحبه له، إنما هو مغتصب للسلطة نصّب نفسه علينا بالقوة والانقلاب وكل هذه الوسائل لامشروعية ولاسند لها في كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم. 2 ) أنه لا يحكم بما أنزل الله في أي مجال من مجالات الحياة وهذه والله أعظم فتنة أن يبتلى الشعب المسلم بحاكم لا يطبق شرع الله! قال الإمام جعفر الصادق رحمه الله: (إذا جار السلطان وهو من له السلطة في تدبير أمر الأمة والتصرف في شؤونها ولم يحكم بما أنزل الله فسد كل شيء، فسدت القلوب والعقول والأخلاق والأعمال والأقوال وانحطت الأمة في دينها ودنياها إلى أحط الدّركات ولحقها من جرائه كل شر وبلاء وهلاك). 3 ) لا يكفي أنّ بن علي لا يحكم بما أنزل الله إنما هو عدوّ لدود لكل مظاهر التدين، لم يُعتد على شرع الله في تاريح تونس الطويل والعريض كما اعتُدِيَ عليه في عهده، فالمصحف ديس بالأقدام ومزق وألقي في القاذورات في عهده، والمسجد عُطّل دوره التعبدي التربوي والتثقيفي والتوجيهي في عهده، والحجاب لا يحارب في دولة الكيان الصهيوني ويحارب في تونس بلد جامع الزيتونة وعقبة بن نافع، والكتاب الإسلامي القيم ممنوع من دخول تونس وكذلك العلماء الأفاضل والمواقع الإسلامية الوسطية، والشباب المتدين يضطهد في دينه ويدفع دفعا إلى الردة والرذيلة، لم يسجن ولم يعذب ولم يقتل ولم ينكل بأولياء الله كما حدث في عهده. 4 ) ضالّ مُضلّ يشجع على ظهور الأفكار السقيمة والتيارات الفاسدة مثل الصوفية المنحرفة والمخترقة أمنيا والمخدرة للشعوب، والسلفية التقليدية التي تحرم كل شيء على الناس وتزكّي الحاكم المستبد، والشيعة الذين يشككون في كتاب الله ويقدحون في أمهات المؤمنين ويسبّون الصحابة الذين رباهم سيّد الخلق، ويفتح سيادته الأبواب والنوافذ على مصراعيها للعلمانيين واليساريين المتطرفين.. 5 ) فاسد مُفسِد: حجم الفساد الذي أحدثه بسابق إصرار وتخطيط محكم منه ومن عصابته لا يتصوره عقل ولم تعرف له تونس مثيل، فعن الرشوة والتحايل وأكل أموال الناس بالباطل حدِّث ولا حرج، وعن السفور والفسق والفجور والشذوذ حدِّث ولا حرج، وعن الجريمة المنظمة وغير المنظمة حدِّث ولا حرج، وعن السطو والاختطاف والاغتصاب بالليل والنهار حدِّث ولا حرج، وعن المخدرات والمسكرات التي دمرت أجسام الشباب وأخلاقهم حدِّث ولا حرج. 6 ) كاذب كذّاب كذوب: وعد شعبه في بيان الانقلاب بلا ظلم بعد اليوم فإذا عهده كله ظلم وظلام وظلمات، وعد شعبه بحياة كريمة فإذا به يكذب ويبطش به ويشق عليه في كل الأمور مما جعل حياته على الدوام نكدا وضنكا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللهم من ولِيَ من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فأرفق به) رواه مسلم، وعد شعبه بلا رئاسة مدى الحياة فإذا به يغشّ شعبه ويدلّس الدستور ليجثم على صدره حتى يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر. فعن أبي يعلي معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عيه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة) متفق عليه. أنظروا إن شئتم إلى البيان الأول الذي تلاه أبوبكر الصديق على الأمة بعد توليه الخلافة مباشرة: (أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن صدفت فقوموني، الصدق أمان' والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه والقوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه إن شاء الله، أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيت الله فلا طاعة لي فيكم) وعاينوا الفرق. 7) ظالم وغير عادل ومخالف لقوله تعالى في سورة النحل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الآية 90، وقوله في سورة النساء (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) الآية 58، وقد شمل الظلم في عهده كل دواليب الدولة ومؤسساتها، فالأمن ظالم، والجيش ظالم، والقضاء ظالم، والاقتصاد ظالم، والإعلام ظالم، والإدارة ظالمة، والثقافة ظالمة، والتعليم ظالم، وتوزيع الثروة فيه حيف كبير. رأى أعرابي سيدنا عمر نائما بلا حراسة فقال قولته الشهيرة: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر). هل يستطيع بن علي أن يخرج لوحده ويجلس في مقهى ويحتسي فنجانا من القهوة أو يأكل سندويتش في قرطاج أو في شارع الحبيب بورقيبة دون مئات الحراس، إنه لا يستطيع ذلك لأنه ظالم. نستخلص مما تقدم أنّ بن علي ينطبق عليه المثل العربي: "حاميها حراميها"، وكما قال الشاعر: وراعي الشياه يحمي الذئاب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب فعلى كل تونسي شريف غير مكره ولا مضطر أن يتثبت وأن يتبين ولا يعطي صوته لحاكم هكذا صفاته حتى لا يسجل في ملفات الملائكة الحافظين الكرام الكاتبين شاهد زور ومعينا للظلمة وحتى يبرِّئ ذمته أمام الله يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جواز من عند القنصلية ولا عودة ذليلة تسر الأعداء وتحزن الشهداء والمساجين وضحايا إرهاب الدولة (الذين سيقفون في الآخرة خصوما لكل من ذل وانبطح وزكى المجرم السفاح وأشاد بالمنجزات وقدم الدنية في دينه).