تستقبل بلاد الغرب عموما وأروبا خصوصا خلال شهر رمضان الفضيل ثلّة من أبناء الإسلام من المقرئين والعلماء والواعظين... فتغنم الجالية المسلمة من حضورهم الخير الكثير، حيث تعمر المساجد بمرتاديها، وتتعدّد مجالس المُدارسة... وقد حُظي المجلس الإسلامي الدّنماركي بقدوم الشيخ الشاب الخلوق ذي الصوت الجهوري الشجيّ الجميل، إبراهيم الشايب... الحوار نت كان حاضرا ضمن الجالية المسلمة بالمكان، ولم يترك الفرصة تفوت دون أن يجريَ حوارا رمضانيا طيّبا ومسؤولا مع الشيخ إبراهيم الذي تفضّل مستجيبا بتواضع جمّ، فجزاه الله خيرا كثيرا...
الحوار نت: مَنَعَنا حبُّك من الغوص أكثر في شخصيتك احتراما وتوقيرا، غير أنّ القارئ الذي لم يحضر دروسك أو القيام معك في المسجد لا يزال مصرّا على معرفة المزيد عنك، فهلاّ تكرّمت بإعطاء نبذة موجزة ولكنّها ضافية عن الشيخ إبراهيم الشايب وعن مجال أو مجالات تخصّصه وعمله؟!
الشيخ إبراهيم: أنا شاب مصري من محافظة كفرالشيخ إحدى محافظات وسط الدلتا، من قرية مسير. تربّيت يتيما وتعلّمت بالأزهر وحصلت على درجة الليسانس من كليّة الدعوة الإسلاميّة، وعيّنت إماما وخطيبا منذ إحدى عشرة سنة. متزوّج ورزقت طفلين...مجال عملي هو المجال الدعوي عموما أي الإمامة والخطابة وإلقاء الدروس بالمساجد، بالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم للنّاشئة في القرية... وتحفيظ القرآن - كما تعلمون – من أفضل القربات إلى الله تعالى، فقد قال جلّ جلاله: "وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ"، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"...
الحوار نت: بارك الله لك في ولديك وأهلك...، قد عرفنا من خلال تناول بعض مناحي الحياة، أنّك لم تغادر الأهل ولا الوطن من قبل... فكيف كانت تجربتك الأولى، هذه، وكيف رأيت الغربة؟!
الشيخ إبراهيم:أعتقد أنّ الغربة والابتعاد عن الوطن أمر صعب جدّا على النفس البشريّة، ويمكنني الشعور بما يحسّ به المغترب وأسأل الله الأجر والثواب للجميع وبخاصّة لذلك الذي أخرج من بلده عنوة وظلما، وكان ذنبه الوحيد أنّه يقول ربّي الله... وإنّي ما أحسست بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عندما أخرج من مكّة وقد التفت إليها مودّعا: "والله لأنت أحب بلاد الله إليّ ولولا أنّ قومك أخرجونى منك ما خرجت"، ولا أحسست بحب الوطن وحنيني إليه شعوري بهما هذه المرّة!...
الحوار نت: بمَ تنصح المغتربين الذين اضطرّوا إلى مغادرة الديار والعيش خارج ربوعهم؟!
الشيخ إبراهيم:أنصح المغتربين بلزوم الصحبة الطيّبة...، بالمحافظة على الهويّة الإسلاميّة...، بألاّ يذوبوا في هذه المجتمعات الغربية: نريد من تعايشهم مع هذه المجتمعات أن يكون إضافة لها ولا يكون إنقاصا منهم أو من شخصيتهم الإسلاميّة، بل لا بدّ أن يكونوا متميّزين بدينهم وأخلاقهم المحمّديّة... كما أنصحهم – وهذا هو الأهمّ – بتربيّة أولادهم التربية الإسلاميّة الرّسالية، وقبل ذلك أنصح بتعجيل الزواج قدر المستطاع لأنّ الزواج يمثّل حصن أمان في هذه المجتمعات التي تحارب المولى تعالى بالمعاصي ليل نهار...
ولنذكر ونتذكّر جميعا أنّه ليس أعزّ على المرء المسلم من دينه... ونحن نأمل منكم خيرا ومن تواجدكم في أروبا خيرا، فعسى الله أن يجعلكم مفاتيح لنشر الإسلام في هذه الدّيار المحتاجة إلى من يُخلّصها ممّا هي فيه، وما ذلك على الله بعزيز إذا ما تمسّكتم كما قلت بدينكم وأخلاق نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم... على أنّي مع ذلك أسأل الله تعالى ألاّ تطول مدّة غربتكم وأن تعودوا إلى دياركم سالمين غانمين...
الحوار نت: ما هي أهمّ المسائل التي على المغتربين أو على العاملين في بلاد الغرب من المسلمين التركيز عليها؟
الشيخ إبراهيم: أهمّ المسائل التي ينبغي على المغتربين أو العاملين للإسلام التركيز عليها أوّلا وآخرا هي تربية الأولاد على الإسلام وحبّ الدّين والاعتزاز بهويتنا الإسلاميّة. ثمّ تحسين العلاقة بالله سبحانه وتعالى... ثمّ الاتّحاد والاعتصام بحبل الله تعالى... لقد لاحظت أنّ كثيرا من المؤسّسات الإسلاميّة هنا تريد أن تثبت وتؤكّد أنّها هي الأصل، وهي وحدها التي تعمل للإسلام وغيرها عالة عليها... بل لقد رأيت من الأفراد من يهتمّ بشخصه وشؤونه الخاصّة فقط، وهو أمر لا يخدم اتحادنا، وبالتالي قد يُذهب ريحنا لا قدّر الله تعالى...
الحوار نت: ما الذي سرّك في وسط إخوانك المغتربين وما الذي ساءك؟
الشيخ إبراهيم: سرّني هذه الألفة وهذا الحبّ الذي أراه بينهم وهذه الأخلاق الكريمة في التعامل... سرّني تفاعلهم مع قضايانا المصيرية، كقضيّة فلسطين وبخاصّة غزّة وأهلها... كما سرّني متابعتهم لمختلف الأحداث الجارية على الساحة العربيّة والإسلامية. وساءني – وأسأل الله أن أكون قد أخطأت التقدير – عدم الاهتمام بتربية الأطفال...، غياب كيان عام يجمع تلك الجاليات الإسلامية...، التعصّب لبلاد المصدر، وهذا أمر مذموم ينبغي الإقلاع عنه، فإنّ الذي يجمعنا هو الدين، والحبيب صلّى الله عليه وسلّم قد استقبح ذلك فقال: "دَعُوهَا فَإنَّهَا مُنْتِنَةٌ"... كما ساءني عدم ممارسة الرّياضة من قبل المسلمين هنا...، وساءني عدم تميّز البعض فينا أخلاقيا بين هذه المجتمعات حتّى يكون ذلك تحريضا لهم على دخول ديننا الحنيف...
أجرى الحوار: عبدالحميد العدّاسي
الحوار نت: وأنت تتهيّأ إن شاء الله للعودة إلى الدّيار وإلى العائلة عامّة والصاحبة والولدين خاصّة حفظهم الله جميعا... ما الذي تظنّ أنّك تركته في مَن زرتهم وما الذي ستعود به منهم؟!...
الشيخ إبراهيم: ما تركته فيهم، هم الذين يعبّرون عنه ولست أنا، ولكنّي أسأل الله تعالى أن يكونوا قد استفادوا من وجودي بينهم، وأن أكون سببا في اقترابهم من الله تعالى أكثر بما واضبوا عليه من الطاعات، فحازوا رضاه والجنّة... ثمّ إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء، فنسأل الله الإخلاص والقبول والهداية للجميع...
وأمّا الذي سأعود به منهم فهو كثير... صدّقني إنّه كثير، ولعلّي أعتذر عن سرده، فقد خصصته للأهل أحدّثهم به الوقت الطويل!... ويكفي أن أقول بأنّي سأعود بملء قلبي حبّا لكم جميعا...
الحوار نت: سيعود رمضان بإذن الله، ونسأل الله أن يبلّغنا رمضانات عديدة، فهل تجد في نفسك رغبة العودة معه إلينا؟!
الشيخ إبراهيم: ربّما يكون عندي رغبة للعودة، ولكنّ هذا لن يُعرف إلاّ بعد الجلوس مع نفسي جلسة محاسبة، وتقييم لهذه الرحلة وضبط أهمّ المكاسب فيها... لا أقصد المكاسب الماديّة فأنا أعيش مستورا والحمد لله، ولكنّي أعني المكاسب الدعوية ومردودها عليّ وعلى سير دعوتي في مصر...
الحوار نت: لو كنت مخيّرا، أكنت تختار العيش في هذه البلاد، وإن كان كذلك فما الذي يرغّبك في ذلك؟!
الشيخ إبراهيم: لو خيّرت بين العيش هنا والعيش في بلادنا لاخترت العيش في مصر... ذلك أنّي أخاف على نفسي وعلى ديني... ودين المرء كما أسلفت أهمّ شيء في حياته... كما أنّ طموحي المادي ليس كبيرا، ولا يمكنه صرفي عن عملي الدعوي في بلادنا، فإنّ بها أناسا لايزالون يحتاجون إلى جهد كبير لتعريفهم بالإسلام وفهمه الفهم الصحيح... مشكلة كثير من أفراد هذه الأمّة هي مشكلة متعلّقة بفهم وترتيب الأولويات في الحياة... وأحسب أنّه لا بدّ من التوقّف عند الأسباب التي جعلت أفراد هذه الأمّة التي تجاوز عديدها المليار ونصف، تعيش حالة من التخلّف والتأخّر والظلم والفساد، ولعلّنا لو فعلنا وجدنا أنّ العامل الرّئيس هو عدم نجاحنا في ترتيب الأولويات...، وانظر إن شئت إلى غيرنا في كثير من البلاد الأخرى التي خاضت الحروب وشهدت الأزمات المتكرّرة، فقد خرجت قويّة وفتيّة، وصرنا نحن إلى الذيل في أسفل القائمة... بلادنا تحتاجنا جميعا غير أنّها بحاجّة إلى رجال، حقّا رجال! وليس إلى أشباه رجال... ولو أنّ كلّ من اغترب وجد المناخ الطيّب في بلده لما وجدت من يرغب في الاغتراب، أو لما وجدت هذا الكم الهائل من الطاقات تُحرم منه بلداننا... أسأل الله للجميع الحفظ والتوفيق والسداد...
الحوار نت: هل من كلمة حرّة لقرّائك في الحوار نت، تتناول فيها ما لم تتناوله الأسئلة، مشكورا؟!...
الشيخ إبراهيم: كلمة للشباب وأولياء الأمور... أصف باجتهاد شخصي بعض النصائح لمعالجة انحراف الشباب، فأقول ملخّصا: - نريد من الأهل وبخاصّة الأم والأب ومن حمل أمانة المسؤولية أن يهتمّ بكلّ جوانب التربية مع أولاده نفسيا واجتماعيا وعقليا وفكريا... - ابحثوا مع أولادكم عن الصحبة الصالحة وتذكّروا قول القائل "الصاحب ساحِب"، (أي إمّا إلى الخير وإمّا إلى الشرّ) وقبل ذلك قول سيّد ولد آدم عليه الصلاة والسلام: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"... - الاهتمام بمختلف مراحل الشباب وبأسس التكوين النفسي وغيرها... - الحدّ من الحريّة غير المنظبة وغير المسؤولة... - التربية على الدين كما كان يفعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم... - الاهتمام بتعليم أولادنا اللغة العربيّة، فلا خير في أمّة فرذطت في لغتها، ولغتنا هي لغة القرآن ولغة أهل الجنّة... - توعيتهم وتحسيسهم بقضايا أمّتهم المصيرية وتعريفهم بما يحاك لهم ليل نهار... - البحث عن / وإيجاد البدائل الإسلاميّة لأولادنا في مختلف المجالات... - العمل على إعادة دور المسجد في حياتنا وحياة أولادنا... - تيسير أمر الزواج، فقد قال تعالى: "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"، وقال صلّى الله عليه وسلّم: "أقلهنّ مهورًا أكثرهنّ بركةً"... - إيجاد القدوة للشباب عبر الأب والأمّ...
وقبل الختام أسأل الله تعالى أن يحفظنا، ويحفظ أولادنا من سبل الضلال، وأن يجعلهم خير خلف لخير سلف.
وفي الختام أشكر الوالد الحبيب الذي عوّضني هنا عن حنان الأب، أخي الكريم أبو معاذ، سائلا الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن يجمعنا به في الجنّة مع سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم... إنّه وليّ ذلك والقادر عليه... وجزاكم الله خيرا كثيرا...
الحوار نت: في الختام، فإنّ الحوار نت يشكرك شيخنا الفاضل على هذا الحوار النّافع بإذن الله، ويسأل الله أن يوفّقك ويتمّ نعمه عليك وأن يردّك إلى زوجك وولديك وأهلك ووطنك سالما غانما آمنا معافى، ويهنّئك الحوار نت بالعيد المبارك، أعاده الله عليك وعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها باليمن والإيمان والسلامة والإسلام... وكلّ عام وأنتم وأهل مصر والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بخير.