العنف المدرسي يهدّد جودة المدرسة سامية زواغة ونحن على أبواب العودة المدرسية علينا أن نذكر أن المدرسة تمثل المؤسسة الأمّ الساندة للبيت الأسري باعتبارها نظاما اجتماعيا وظيفتها الأساسية تكوين مواطن المستقبل عن طريق تكوينه وتأهيله للحياة العامة وذلك بإكسابه جملة من المعارف والمهارات لفهم العالم والتعامل معه. لكن هذه الوظيفة باتت تشكو بعض الإخلالات بسبب ما نراه من مظاهر عنف بادية في تصرفات تلاميذنا في الأوساط المدرسية و الذي يمكن أن نصفها بالخطيرة أو المسيئة لواقع المدرسة والسلط المشرفة عليها فما هي أسباب انتشار هذه الظاهرة وكيف السبيل إلى الرقيّ بمدرستنا التي اخترنا لها أن تكون محل تحد؟ يعيش واقعنا التربوي العديد من الصعوبات يجعل من المدرسة في وضع متأزم بسبب تضاد وضعها مع جوهر رسالتها ومهمّتها ألا وهي التربية قبل كل شيء والدليل على ذلك ما نراه اليوم من تصرفات أشبالنا في الأوساط التعليمية. ورغم خطورة هذا الأمر فإن سلوكيات العنف التي تمارس في مؤسساتنا لم تنل الحظ الكافي من الدراسة و التحليل بل اختص التحليل على مظاهر العنف التي يمارسها المربّي على المتعلّم حتّى تحوّل هذا الأخير إلى جلاد فضّ لا يرحم تلاميذه و هذا الحكم يربط العنف بمرحلة معينة من التعليم دون غيرها و هي مرحلة الإبتدائي أو ما قبلها في حين أنّ التركيز يجب أن يوجه إلى مرحلة المراهقة بإعتبارها مرحلة حرجة و صعبة يمرّ بها التلاميذ الشبان لما يرافق هذه المرحلة من انفعالات مختلفة من أجل حسن التعامل مع هذه الفئة ومساعدتها على تخطيها بوعي. لقد تمظهرت اشكال ممارسة العنف من خلال فعل الضرب و اساءة الآداب و العنف الرمزي مثل التحرشات المختلفة كاستفحال ظاهرة الكلام النابي و بالتالي وجب قرع ناقوس الخطر على المنحى اللاتربوي الذي غدت تعرفه الكثير من مؤسساتنا التعليمية . وإن كانت ظاهرة العنف المدرسي قضية ليست بالجديدة فإن حدّتها أصبحت ظاهرة للعيان أكثر من ذي قبل، فما هي العوامل المولدة لهذا العنف وما هي مقاربات الإصلاح التربوي من أجل النهوض بمستوى مدارسنا و ثقافتنا التربوية؟ يمثل رجال التعليم إلى زمن معين الأشخاص الأكثر سلطة على التلاميذ في مختلف المستويات الدراسية و الأرفع قيمة لدى الجميع حتى أن الشعراء قد أسهبوا في مدح هذه الفئة لينالوا الاحترام المطلوب من تلاميذهم لكنّ هذه المنزلة اليوم راحت تتقهقر من درجة إلى أخرى أقل منها بسبب تدنّي المستوي الثقافي العام في المجتمع و استفحال ظاهرة القيمة النفعية المادية لوظيفة رجل التعليم بشكل غابت فيه الغاية التربوية بل وانتفت امام متطلبات المعيشة المتزايدة باستمرار مما قد ينجرّ عنه فقدان المربي لسلطته المعتادة فيغيب الإحترام لتحضر أشكال التسيّب والانحلال الأخلاقي وهذا يستوجب إعادة النظر في أهمية التنشئة الاجتماعية للطفل التي لا تتوقف فقط على المدرسة بل تبدأ أساسا من الأسرة باعتبارها النواة الأولى للتربية ثم الرّوضة وهي أولى المؤسسات التي تحضن أولادنا وهم في أهمّ مراحل التربية. لكن الأكيد أنّ هذه التنشئة الاجتماعية بمفردها غير كافية إذا انتقلنا بالطفل من البيت و المدرسة إلى المحيط الخارجي الذي يمثل أخطر هذه الأطر تأثيرا على سلوكه, فيستوجب الأمر في هذه الحالة ايلاء أوفر الأهمية للبيئة المجتمعية التي يتربّى وسطها الطفل ويلتقي فيها بالآخرفي تكاتف حينا وتنافر حينا آخر لكن وإن أولينا دور التنشئة الاجتماعية الأهمية المطلوبة فإن للتنشئة النفسية مثل هذه الخطورة خاصّة عندما ينشأ الطفل وهو محروم من الأسرة مثلا بسبب فقدان الوالدين بالطلاق مثلا أو بالوفاة ومن ثمّ يتأكد لنا أنّ عوائق التربية في المؤسسة التربوية هي في جانب منها في علاقة مع المحيط الخارجي الذي ينشأ فيه الطفل ومن جانب آخر يمكن أن نرجع دوافع العنف والانحرافات السلوكية أيضا إلى تلك العلاقة بين المربي والتلميذ و القائمة على الفعل وردّ الفعل وكل هذه الدوافع والأسباب ترجع بالأساس إلى غياب الثقافة الحوارية بين الطفل والمربي أو بينه وبين الأسرة . ونظرا لأن العديد منّا يعتقد أنّ المدرسة هي وحدها المسؤولة عن التربية والقادرة على تغيير شكل المجتمع وتطويره فيتوجب علينا حينها أن نبين أن مهمّتها وسط مجتمع تسوده مظاهر الفقر والإقصاء والكبت والتهميش هي القادرة على إبقاء هذا الوضع بل وحمايته وهذا ما يفسّر إخفاق أنظمتنا التربوية في كل مرّة حتى أصبحت مؤسساتنا مركز تجارب يكون التلميذ فيها هو المتضرّر قبل كل أحد . لكن يبقى التذكير ضروريا بأن الحلول لا يمكن أن تكون آلية بل يجب ايلاء الأمر إلى الفاعلين التربويين للتفكير بجديّة في خطر انتشار مثل هذه الظواهروعلى الجميع من أولياء ومربين ومجتمع مدني أن ينخرط في الإصلاح حتى تجد هذه الإصلاحات صداها لدى التلميذ باعتباره رأسمال هذا المجتمع الفتيّ وحتى تستطيع مدرستنا الفوز برهان الجودة.