احتفلت بلادنا الايام الفارطة باليوم الوطني والدولي لمقاومة الفساد...هذا المفهوم الذي تشعبت فروعه وتغلغلت في كل القطاعات دون استثناء ونخرت جل المجالات, على غرار مجال التنمية , فمن الواضح أن الفساد يشكل تحديا رئيسيا أمام التنمية ويعيق البرامج الهادفة إلى تخفيف وطأة الفقر وتعزيز أمن الإنسان. أيضا يساهم الفساد في نهب الموارد الوطنية ويعمق المديونية الخارجية التي نحن اليوم في غنى عنها اذا ما حافظنا على مواردنا الوطنية. كما يساهم في استفحال البطالة من خلال تعطيل الاصلاحات في عديد المجالات. ان المتطلع عن عمق لهذا المفهوم من مختصين وباحثين واهل المجال يدركون لا محالة " ان الاستثمار الوحيد المربح الذي سيمكن تونس من القضاء على المديونية الخارجية وتوفير الموارد اللازمة لمجهودات التنمية يبقى الاستثمار في مكافحة الفساد والتهرب الجبائي فالفساد يقوض الديمقراطية وحكم القانون ويؤدي إلى إنتهاك حقوق الإنسان ويزعزع ثقة الشعب بالحكومة... حول "الفساد" بمفهومه العام اجرت "الجريدة" لقاء مع الاسعد الذوادي عضو المجمع المهني للمستشارين الجبائيين و عضو الجمعية العالمية للجباية و عضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا. حول ضرورة وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد على الرغم من مصادقتها على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 إلا أن الدولة التونسية لم تبادر إلى حد الآن بوضعها حيز التنفيذ إلا من خلال التجربة الفاسدة للجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد. فالفصل 5 من الإتفاقية يلزمنا بوضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. ان الحديث عن التنمية في غياب استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يبقى ضربا من ضروب المغالطة. فعلى الحكومة ان تبادر فورا بتحرير هياكل الرقابة العمومية صلب مؤسسة "المراقب العام" التي يجب احداثها بمقتضى قانون، علما بان المجلس التاسيس يبقى في حاجة الى مثل هذا الهيكل الذي يجب التنصيص عليه صلب الدستور مثلما هو الشان بامريكا وكندا. كما عليها ان تسن قانون الكسب غير الشرعي وتعيد النظر في المرسوم عدد 120 لسنة 2011 متعلق بمكافحة الفساد قصد ملاءمته مع اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد باعتبار انه جاء مشوبا بالفساد نتيجة تضارب المصالح. ايضا، يبقى من المفروض تجريم الفساد الإداري والإهمال صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية لتحسين مناخ الاستثمار وتطهير الادارة المحتلة اليوم من قبل عصابات الفساد. كما ان وضع سجل وطني للفاسدين يبقى ضرورة اكثر من ملحة لما لذلك من اثار وقائية في مجال مكافحة الفساد. الفساد والنمو الإقتصادي للفساد أثر سلبي على المشروعات الإقتصادية لأن أصحاب المشروعات و المبتكرين يحتاجون إلى تراخيص وتصاريح وخدمات عامة، و لأن دفع الرشوة للحصول على تلك الخدمات يؤدي إلى خفض هامش ربحها دون الحديث عن المشاريع التي لا تنجز نتيجة رفض أصحابها دفع رشى. كما يحد الفساد من جودة البنية الأساسية العامة عن طريق تحويل الموارد العامة وإهمال المعايير المطلوبة لإنجازها. كما لا ننسى ألاف المليارات التي تضيع سنويا نتيجة استشراء الفساد في المجال الجبائي وهذا من شأنه تعميق مديونية المجموعة الوطنية. أيضا، هناك ثروات وطنية تنهب في مجال البترول والمناجم نتيجة استشراء الفساد. الفساد والفقر عادة ما يعزز الفساد والفقر بعضهما البعض لأن الفساد هو أحد العوامل التي تفاقم الفقر خاصة داخل البلدان التي تكافح في ظل ظغوط النمو الإقتصادي و التحول الديمقراطي. كما أن البلدان التي تعاني من الفقر عادة ما تكون منابت خصبة للفساد بسبب استمرار عدم المساواة الإجتماعية و التفاوت في الدخل. فالإنسان عندما يكون محتاجا عادة ما يسقط المبادئ الأخلاقية من حساباته. الفساد وحقوق الإنسان يعتبر الحق في مجتمع خال من الفساد حقا أصيلا من حقوق الإنسان. وعندما تفشل حكومة إحدى البلدان في جمع أو إحتواء الفساد، فإنها تخفق أيضا في تنفيذ إلتزاماتها بتعزيز وحماية حقوق الإنسان لمواطنيها. ويؤدي إنتشار الفساد إلى التمييز في الحصول على الخدمات العامة كالصحة والتعليم والقضاء لصالح أولئك الذين بمقدورهم التأثير على السلطات لتحقيق مصالحهم الشخصية. ويؤكد إعلان الأممالمتحدة لسنة 1986 أن "الحق في التنمية من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، بموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية إقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية و التمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما". الفساد والحكم الرشيد إتفق أعضاء مجتمع التنمية على وجود علاقة سببية بين الحكم الرشيد و التنمية. وينظر إلى الفساد بشكل متزايد على أنه ناتج عن ضعف في الحكم. فالفقر لا يمكن مواجهته بشكل فعال ما لم تلتزم الحكومة بالعمل على مكافحة الفساد الذي يقوض الجهود التي تبذل لتحقيق الأهداف الإنمائية، بإضعاف القواعد المؤسسية و المساءلة والشفافية والنزاهة داخل المؤسسات العامة. الفساد والبطالة نلاحظ أن الفاسدين صلب الإدارة لا يحركون ساكنا تجاه ظاهرة إستيراد البطالة التي هي في تنامي بمقتضى الفصل 2 من مجلة التشجيع على الإستثمارات وأمرها التطبيقي الفاسد عدد 492 لسنة 1994 متعلق بقائمة الأنشطة المنتفعة بالإمتيازات الجبائية والمالية. فاستشراء الفساد مكن العاطلين عن العمل من الأجانب من غزو سوقنا في الوقت الذي أصدرت فيه أروبا توصية العودة في جوان 2008 لطرد المهاجرين وتحول فيه طرد الأجانب داخل فرنسا إلى ورقة اإنتخابية. لا ننسى أيضا الأشخاص الذين حازوا على أكثر من موطن شغل من بين الموظفين وغيرهم وكذلك الأجانب الذين يباشرون بتونس في خرق للفصل 258 من مجلة الشغل. الفساد و التهرب الجبائي لا يمكن للحكومة أن تقوم بمجهودات تنموية فعالة في ظل شح الموارد المالية أو بالإعتماد عن مديونية مكلفة قد تكون لها إنعكاسات خطيرة على السيادة الوطنية، علما ان اغراق تونس في المديونية الخارجية بعد 14 جانفي 2011 يعتبر خيانة عظمى وجريمة لا تغتفر. فحتى المنظمات المقرضة أصبحت تحث البلدان الفقيرة على وضع استراتيجية وطنية لمكافحة التهرب الجبائي. بالنسبة لتونس، كان من المفروض أن تبادر الحكومة بضبط قائمة في مخربي الخزينة العامة ومبيضي الجرائم الجبائية واغلبهم من السماسرة المحسوبين على التجمع وبعض رجال الاعمال ووزراء مالية العصابة وبعض المديرين العامين الذين لا زالوا ينعمون بالحرية. كما عليها ان تضع في اطار قانون المالية لسنة 2013 سجلا وطنيا للمتهربين من دفع الضريبة مثلما هو الشان بامريكا والجزائر. الفساد والتنمية البشرية ان فساد برامج التعليم وعدم تلاؤمها مع المعايير الدولية ساهم في استفحال ظاهرة البطالة ويكفي بهذا الخصوص معرفة المرتبة المتأخرة التي تحتلها تونس في التصنيف الجامعات. كما ان الفساد الاداري والاهمال غير المجرمين صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية، عطل اعمال المجلس الوطني للخدمات الذي كان من المفروض ان يلعب دورا هاما في تنمية المهارات وتاهيل قطاع الخدمات.