بقلم: الاسعد الذوادي عرف برنامج الأممالمتحدة الإنمائي الفساد على أنه إساءة إستعمال القوة الرسمية أو المنصب أو السلطة لتحصيل منفعة خاصة. وباعتبار ان هذا التعريف اقتصر على موظفي الدولة، فقد تم توسيعه ليشمل القطاع الخاص ليعرف الفساد بأنه إساءة إستعمال السلطة المخولة لتحصيل كسب خاص. ويمكن أن يكتسي الفساد أشكالا مختلفة تتراوح من الفساد «الصغير» إلى الفساد «الكبير» الذي يتضمن الرشوة والإختلاس واستغلال الممتلكات العامة لأغراض شخصية وإلحاق ضرر بالإدارة وغير ذلك من الجرائم الخطيرة. يمكن تصنيف الفساد الإداري الذي يتمثل في عدم إحترام الموظف للنصوص التشريعية و الترتيبية و المناشير الملزم بتنفيذها و الاحكام القضائية ضمن الفساد «الصغير» علما بان هذا الاخير يؤدي الى الفساد الكبير اذا ما تم غض الطرف عنه مثلما هو الشان الان. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تصنف ضمن الفساد الإداري الأعمال المتمثلة اليوم في عدم تنفيذ الأحكام القضائية و منح معرفات جبائية للمتلبسين بلقب المستشار الجبائي و عدم الرد على مئات العرائض المرفوعة لدى الإدارة بهذا الخصوص في خرق للأمر عدد 982 لسنة 1993 متعلق بضبط العلاقة بين الإدارة و المتعاملين معها. كما أن تعامل الموظفين مع السماسرة و المتلبسين في الملفات الجبائية، الذين كلفوا الخزينة العامة مئات آلاف المليارات، يندرج ضمن الفساد الإداري. كما أن عدم الرد على عرائض المواطنين في الآجال المنصوص عليها صلب الأمر عدد 982 لسنة 1993 و غيره من الاحكام يندرج ضمن الفساد الإداري. أيضا، يندرج تعطيل كل القرارات التي اتخذت منذ سنة 1997 بخصوص تأهيل قطاع الخدمات وتطوير التشريع المتعلق بالمهن ضمن الفساد الإداري الذي يكتسي نوعا من الخطورة باعتبار أن ذلك قد ساهم بصفة كبيرة في استفحال بطالة حاملي الشهادات العليا الذين إستحال عليهم الإنتصاب لحسابهم الخاص في ظل استشراء الفوضى و اطلاق العنان للسماسرة و الدجالين وخير مثال في ذلك الآلاف من حاملي الشهائد العليا في الجباية. كما أن مطالبة المواطن بالإدلاء بوثائق لم تتم الإشارة اليها صلب النصوص التشريعية أو الترتيبية عند طلب خدمة ما، يندرج ضمن الفساد الإداري. ايضا، يمكن ادراج الاهمال ضمن اعمال الفساد الاداري التي الحقت اضرارا جسيمة بالمجموعة كغض الطرف على الثغرات القانونية التي تساعد على التهرب الجبائي وتبييض كل انواع الجريمة بما في ذلك الجرائم الجبائية وكذلك غض الطرف على آلاف المليارات المنهوبة في اطار برنامج التاهيل او الامتيازات المالية و الجبائية او اعمال الغش التي تقوم بها بعض شركات التنقيب عن البترول من خلال تضخيم اعبائها بالاعتماد على الية اسعار التحويل او الفوترة الوهمية. ونتيجة لعدم تجريم هذه الأعمال التي تمس بصفة خطيرة بحقوق الإنسان الأساسية، تمكن الفاسدون من التحصن بالإدارة التي تحولت إلى رهينة بين أيديهم القذرة. فعادة ما يتوجه المتضررون من المواطنين بسخطهم على الإدارة والحال أنها ضحية لسكوتهم على الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الفاسدون الذين يكادون يتمتعون بحصانة مطلقة. فدافعو الضرائب يتحملون أربعة أعباء، الأول حين يجدون أنفسهم ملزمين على المشاركة في جريمة تمويل أجور الفاسدين و الثاني حين يتكبدون أضرارا جسيمة من جراء الفساد الإداري و الثالث حين يجبرون ضرر الضحايا الذين تظلموا لدى القضاء و الرابع تنمية التخلف و الفقر والبطالة و الفساد. فالمفروض أن لا تتحمل المجموعة تبعات الأعمال الإجرامية الذي يأتيها الفاسدون و هذا يستلزم من المجلس التأسيسي إعادة صياغة الفصل 107 من المجلة الجزائية واحداث جريمة الاهمال صلبها على غرار ما هو معمول به بالتشريع المصري والعراقي والجزائري والفرنسي حتى يتم تحرير الإدارة من أيدي الفاسدين الذين يكبدون المجموعة سنويا آلاف المليارات دون الحديث عن ضحاياهم الذين يعدون بالالاف. وعيا منه بخطورة تلك الأعمال الناجمة عن إنحراف بالسلطة العامة، بادر المشرع المصري من خلال الفصل 108 من قانون العقوبات إلى عزل و حبس الموظف العمومي الذي يستعمل وظيفته في توقيف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين و اللوائح المعمول بها أو تأخير تحصيل الأموال و الرسوم المقررة قانونا أو تنفيذ حكم أو أمر أو طلب من المحكمة أو أي أمر صادر من جهة إختصاصه. أما الفصل 107 من المجلة الجزائية التونسية، فقد صيغ بطريقة رديئة مكنت الفاسدين من احتلال الإدارة و التحصن بها حين نص على ضرورة أن يتفق موظفان فما فوق أو أشباههم بقصد تعطيل إجراء العمل بالقوانين أو تعطيل خدمة عمومية. كما أن المجلة الجزائية لم تجرم بصريح العبارة الأشخاص الذين لا يحترمون أحكام الفصل 29 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يلزم الموظف العمومي بإعلام وكيل الجمهورية بما بلغ علمه من جرائم و مده بما توفر من الحجج و المؤيدات. إن إحداث مؤسسة «المراقب العام» و إدماج كل هياكل الرقابة العمومية الفاقدة لاستقلالها صلبها و إلحاقها بمجلس النواب و كذلك ملاءمة القانون عدد 17 لسنة 1987 المتعلق بتصريح الموظفين بمكتسباتهم مع اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد و المدونات الدولية الخاصة بقواعد سلوك الموظفين يبقى أيضا من أولى الخطوات التي يجب على المجلس التأسيسي القيام بها حتى لا تبقى دار لقمان على حالها مثلما نلاحظه اليوم. فعدم التصريح بالمكتسبات من قبل الموظفين لم يتم تجريمه على غرار ما هو معمول به صلب قانون الكسب غير الشرعي بمصر لتبقى دار لقمان على حالها. و نتيجة لذلك بقي هذا القانون المخالف للمعايير الدولية حبرا على ورق على الرغم من استشراء ظاهرة الفساد الكبير داخل الادارة. إن إستشراء الفساد الإداري، الذي يدل على فساد الماسكين بالسلطة، من شأنه تنمية التخلف و الفقر والبطالة وتعطيل التنمية والحكم الرشيد وشل المؤسسات والقضاء على المبادرة الإقتصادية. عضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا