المشهد الأول لمجلس نواب الشعب كان باهتا إلى حد كبير ويبدو أنه لن يرتقي كثيرا عن مستوى مهاترات المجلس التأسيسي رغم أننا كنا نعلق آمالا كثيرة على هذا المجلس المنتخب بعد أن تغيرت عديد الوجوه وأقحم الشعب بإرادته وجوها جديدة نعتقد أنها لا تفتقر إلى الحنكة والرصانة والوطنية الصادقة. كما كنا نعتقد أننا أفلتنا من تغوّل الكتلة الواحدة داخل المجلس كما كانت تفعل كتلة حركة النهضة ومشتقاتها, واعتقدنا أيضا أنه من الضروري أن تمارس النهضة دور المعارضة بكتلة لابأس بها مع من سينضمّ إليها من النواب الآخرين وتلك أصول الديمقراطية, طرفان قويان يتنافسان أحدهما يمارس السلطة والأخر يمارس المعارضة, والمعارضة القوية في حد ذاتها سلطة. وبالتالي استبشرنا بتعويض المعارضة الضعيفة التي كانت تقودها بالأساس الكتلة الديمقراطية داخل المجلس التأسيسي بمعارضة قوية ستقودها حركة النهضة. غير أنه يبدو أن كل اعتقاداتنا واستبشاراتنا لم تكن في محلها, فالتناغم الكبير بين نواب نداء تونس ونواب النهضة أمس اشتممنا منه صفقة طُبخت في الخفاء ودُبرت ليلة زار راشد الغنوشي ''صديقه اللدود'' الباجي قايد السبسي في منزله أواخر الأسبوع الماضي. ويقاسمني في هذا الاستنتاج العديد من النواب الآخرين سواء نواب الجبهة الشعبية أو نواب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذين بدا بعضهم مستاء بشدة ومتوجسا من ''المودة'' بين نواب النهضة ونواب النداء إلى درجة الخوف على حظوظ مرشحهم المنصف المرزوقي الذي لا يملك رصيدا شعبيا حقيقيا وإنما كل اعتماده على القواعد الشعبية لحركة النهضة. وإن تمت الصفقة فإنها لن تتمّ إلا على أساس منطق واحد وهو ''الباجي رئيس والنهضة في الحكومة''. وأول بنود الصفقة سيكون على مستوى رئاسة مجلس نواب الشعب حيث كان من الممكن انتخاب رئيس المجلس في الجلسة الافتتاحية ليوم أمس غير أن ''غمزة'' من نواب النداء قابلها نواب النهضة ''بابتسامة'' أفهمتنا أن ''المراودة'' تمّت بنجاح وسنكتشف بقية تفاصيلها في البنود اللاحقة من الصفقة. يعلم الباجي جيدا أن النهضة قادرة على أن تفتح له طريقا سريعة دون مطبات ولا منعرجات تُوصله مباشرة إلى قصر قرطاج وهو ما يطمح إليه الباجي بكل شغف. كما تعلم النهضة جيدا أنها إن سحبت بساط قواعدها الانتخابية من تحت أقدام المرزوقي و''مكّنت'' الباجي من منصب رئاسة الجمهورية فإن الباجي سيكون سخيّا معها وسيشرّكها في الحكم وسيخضع لمنطق المحاصصة الحزبية الذي لطالما انتقده واعتبره سببا رئيسيا في فشل الترويكا. ويبقى السؤال إلى أي مدى, ومن أجل عيون الرئاسة, يقبل الباجي بإعادة إنتاج فشل الترويكا باعتماد نفس أسلوب المحاصصة الذي عملت به حركة النهضة سابقا؟ وإلى أي مدى يمكن للنداء أن يعيد إنتاج نفس أخطاء حزب التكتل بتحالفه مع النهضة سابقا ''فاندثر'' التكتل وبقيت النهضة؟؟؟