بعد عامين من الثورة رفعت شعارات تنادي باستقلالية القضاء و تتالت معها التحركات الاحتجاجية لجمعية القضاة التونسيين للمطالبة بحيادية القرارات القضائية و عدم خضوعها للسلطة التنفيذية أو للمصالح الشخصية أو السياسية ,خاصة وأن العلاقة بين القضاة و وزير العدل نورالدين البحري زادت توترا في الفترة الأخيرة . وعلى خلفية هذا الحراك الذي يعرفه قطاع القضاء جلست "الجريدة" إلى رئيسة جمعية القضاة التونسيين،القاضية كلثوم كنو،و كان حوارنا التالي معها: هل هناك مؤشر ايجابي نتج بعد التحرك الاحتجاجي الأخيرة لجمعية القضاة التونسيين أمام المجلس الوطني التأسيسي ؟ بعد الاحتجاج الذي قامت به الجمعية مؤخرا أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي حول تردي وضع القضاء بعد عامين من الثورة و تأخر إحداث الهيئة الوقتية للقضاء، تم الاتفاق مع رئيسة لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي على مناقشة ماجاء في مسودة الدستور بخصوص السلطة القضائية في أقرب الآجال. علما بأن الإسراع في سن قانون الهيئة الوقتية للقضاء هو في نظرنا المدخل الأساسي لإصلاح القضاء بما أن هذا القانون لم ير النور بعد عامين من الثورة رغم تعدد أشكال التحركات الاحتجاجية لجمعية القضاة التونسيين للتحسيس بأن استقلالية القضاء هي مطلب ثوري و شعبي ضروري. ما هي أهم النقائص التي رصدتها جمعية القضاة التونسيين في باب السلطة القضائية بمسودة الدستور؟ من أهم المآخذ التي رصدتها الجمعية فيما ورد في باب السلطة القضائية بمسودة الدستور هي أن المبادئ العامة وردت متداخلة ومبعثرة ومنقوصة من بعض الضمانات الجوهرية فمن الضروري ترتيبها إلى مبادئ تتعلق باستقلال السلطة القضائية، ومبادئ تتعلق باستقلال القاضي، ومبادئ تتعلق بالمتقاضي وهو الباب الذي اقترحته جمعية القضاة في تصورها لباب السلطة القضائية في الدستور.. كما أن المعايير الدولية لاستقلال القضاء وحصانة القاضي والوضع المادي هي من الضمانات الجوهرية و قد غابت في باب السلطة القضائية، هذا إلى جانب تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية غير المتوازنة فثلاثة أرباع المجلس معين وربع فقط منتخب من طرف القضاة إضافة إلى وجود أعضاء من غير القضاة في هذا المجلس ويمثلون النصف . ولم ينص المشروع على الشروط التي يجب أن تتوفر في الأعضاء من غير القضاة فيكون هناك احتمال لوجود أعضاء ينتمون إلى ألوان سياسية مختلفة وهذا مخالف للمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية . كذلك غاب في المشروع التنصيص على الفصل بين النيابية العمومية و السلطة التنفيذية رغم أنه مطلب أساسي تمسك به القضاة وغيرهم، وبالتالي فان هذا المشروع في باب السلطة القضائية سيفرز قضاءا مسيرا وخاضعا للحزب السياسي الحاكم . ماذا بخصوص حملة التشكيك في استقلالية ونزاهة السلطة القضائية ؟ اعتبر أنه طالما لم يتم الشروع إلى حد الآن في إصلاح القضاء فان ذلك يفتح المجال أمام كل من يريد أن يشكك فيه ويروج بأن هناك فساد متفش في السلك أكثر مما كان قبل الثورة ،وبالتالي فإنه من الضروري الإسراع بإحداث الهيئة الوقتية للقضاء التي ستكون من أهم مهامها فتح ملفات التأديب وبالتالي لايبقى للسلطة التنفيذية أن تستغل آلية الإعفاء مثلما حدث حيث قام وزير العدل نور الدين البحيري بإبعاد عدد من القضاة بتعلة الفساد دون التثبت مما نسب إليهم . وأعتبر أن تصريحات وزير العدل تغذي شبهة ما يروج حول تفشي ظاهرتي الرشوة و الفساد في القضاء خاصة حين يؤكد أنه سيواصل عملية الإعفاء لتشمل عددا من القضاة ،هذا بالإضافة إلى ماحصل مؤخرا في محكمة التعقيب عندما قام البحيري بالضغط على رئيسة إحدى الدوائر للتخلي عن قضية بعينها وذلك عندما اعلمها يوما واحدا قبل التصريح بالحكم بوصول شكاية ضدها وهو أمر لم يحصل قبل و يمثل سابقة خطيرة يؤكد تدخل السلطة التنفيذية في القضاء عبر الضغط على القضاة و ترهيبهم. هل يمكن أن تطالب الجمعية باستقالة وزير العدل نورالدين البحيري ؟ لم يقدم وزير العدل أي بادرة للتشاور مع جمعية القضاة رغم أنه أعلن أنه بصدد التحضير لمشروع قانون هيئة وقتية للقضاء بالتشاور مع بعض الأطراف التي نجهلها ....ورغم ذلك فإن جمعية لن تطالب باستقالة البحيري لأن المسألة لاتتعلق في نظرنا بالأشخاص وإنما بالإرادة السياسية للحكومة. لذلك سنتوجه بالأساس بمطالب القضاة إلي المجلس الوطني التأسيسي الذي له صلاحيات في سن القوانين وكذلك إلى للسلطة السياسية التي بإمكانها أن تقترح القوانين وهي ممثلة داخل المجلس الوطني التأسيسي . وكما ستواصل الجمعية الضغط إلى أن يتحقق مطلب استقلالية القضاء ونصل إلى سن قانون الهيئة و مراجعة ما جاء في مسودة الدستور في باب السلطة القضائية . كيف حال القضاء بعد مرور سنتين من الثورة ؟ اعتبر أن القضاء لم يشهد أي إصلاح على المستوى المؤسساتي فالمجلس الأعلى للقضاء الموروث من نظام بن علي هي المؤسسة الوحيدة التي تم الابقاء عليها رغم أنه تم تعليق العمل بالدستور، كما أن هذا المجلس يضفي الشرعية على القرارات الفردية التي يتخذها وزير العدل . كما لم يشهد القضاء تغييرا جوهريا فيما يتعلق بالأشخاص باعتبار أن وجود عدد من القضاة الذين خدموا بن علي في مناصب هامة في القضاء وهو يمثل عائقا أمام إصلاح المنظومة القضائية وأمام استرجاع ثقة المواطن في الهيكل القضائي. وقد تسبب ذلك في حالة من الإحباط في صفوف القضاء في الفترة الأخيرة مع خاصة تواصل تصاعد حملة التشكيك في القضاء التونسي .وأما بخصوص الوضع العام فإني أعتقد أنه في غياب إصلاح واضح للقضاء لايمكن في أي حال من الأحوال الحديث عن نجاح المسار الانتقالي والانتخابات المقبلة ،ولايمكن توفير حرية التعبير في ظل قضاء تابع للسلطة التنفيذية ومجرد من الاستقلالية . لكني أبقى متفائلة في ظل وجود قوى حية في البلاد تناضل من أجل تحقيق أهداف الثورة.