وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    ياسمين دغفوس تحجز مقعدا في أولمبياد باريس 2024    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر جديدة في غزة    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    عاجل/ حماس تكشف آخر مستجدات محادثات وقف اطلاق النار في غزة..    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضية "روضة القرافي" (نائبة رئيسة جمعية القضاة) ل «التونسية »: القضاء يتعرض لمحاولات ضغط من السياسيين والنقابيين
نشر في التونسية يوم 29 - 08 - 2012


هناك محاولات للالتفاف على الهيئة الوقتية
إعفاء القضاة مجرد دعاية سياسية والتطهير وقف عند القشرة الخارجية إجراء حركة قضائية خارج إطار هيئة وقتية مخالف لقانون 1967
قضية نقابيي مستشفى الهادي شاكر صفقة بين الاتحاد والحكومة

القاضية روضة القرافي هي نائبة رئيسة جمعية القضاة التونسيين وهي مستشارة في محكمة التعقيب. عانت السيدة القرافي من النُقل التعسفية لمدة 9 سنوات كما عانت خلال العهد البائد من إجراءات ظالمة من ضمنها الخصم من الأجر لسنوات طويلة بسبب تمسّكها باستقلالية الجمعية ورفضها للانقلاب عليها سنة 2005 ودفاعها عن استقلال القضاء كما تعرضت لاستجوابات بوزارة العدل التي كانت تعد ملفات لعزل أعضاء الهيئة الشرعية... «التونسية» التقتها فتحدثت بكل حذر عن عدد من المسائل المتعلقة بالسلطة القضائية على غرار الهيئة الوقتية واستقلال القضاء والضغوطات السياسية التي يعيشها هذا السلك بعد الثورة وموقفها من موقع السلطة القضائية في مسودة الدستور.
في ظل الضبابية التي تحوم حول الحركة القضائية والترقيات كيف ستتعامل جمعية القضاة مع هذه المسائل الجوهرية مستقبلا؟
جمعية القضاة ستتعامل مع هذه المسألة حسب المستجدات التي ستطرأ في هذا الإطار وباحترام المواقف والقرارات التي سبق اتخاذها داخل هياكلها مع مواصلة العمل من أجل إحداث الهيئة الوقتية احتراما لمقتضيات الدستور الصغير في فصله 22 (القانون المنظم للسلط العمومية) لأن الدساتير توضع لتكون نافذة وليس للالتفاف عليها ولأن إبقاء الفصل 22 المذكور حبرا على ورق سيكون مؤشرا خطيرا على العودة للممارسات السابقة في تجاوز الدستور وعدم احترامه والتعدي عليه. والمسألة تكون أكثر خطورة إذا تعلقت بالشأن القضائي لأنها ستمثل التفافا على تركيز أولى لبنات قضاء مستقل تسيّره هياكل مستقلة عن هيمنة السلطة التنفيذية. وإن ما يجدر التأكيد عليه في هذا السياق هو وجود وعي لدى القضاة اليوم بحدة الأزمة التي يعيشها الوضع القضائي وهو ما أصبحوا معه لا ينظرون الى الحركة القضائية باعتبارها حلولا فردية أو خلاصا شخصيا لكل قاض في ما يتعلق بنقلته وترقيته بل إنها شأن وطني يجعل من المتأكد أن يقع إقرارها في إطار هيئة تحل محل المجلس الأعلى للقضاء تتشكل على قاعدة الشفافية والتمثيلية الانتخابية وتعمل طبق معايير الكفاءة والنزاهة والحيادية في اجراء نقل القضاة وترقياتهم وهو ما سيكفل الشروع في استعادة القضاء للثقة العامة فيه عندما يتأكد المتقاضي بأن القاضي الذي يحكم في حرّياته وفي حقوقه وأمواله لم يعد يخضع في تسميته ونقلته وترقياته للسلطة التنفيذية بطريقة انفرادية أو للجان تعيّنها تلك السلطة تعمل خارج أطر الشفافية بما يترك المجال مفتوحا للتحكم في تلك النُّقل والترقيات بناء على الولاءات الشخصية وحتى السياسية بعيدا عن المعايير الموضوعية للكفاءة الأخلاقية والمهنية وتكافؤ الفرص والجدارة...
كما أن القضاة يدركون تماما اليوم فداحة الفراغ المؤسساتي الذي يعيشه القضاء العدلي في غياب مجلس أعلى للقضاء وهيئة تأديبية لأنهم مقتنعون بضرورة وجود تلك الهيئة لأهمية القطع مع ما عرفه القضاء سابقا من غياب للرقابة والمؤاخذة في حالات الإخلال بالواجبات المهنية. ولكن الواقع الأكثر خطورة هو ما أصبح يعانيه القضاء من غياب لكل الضمانات التأديبية بما جعل كامل هذه السلطة التأديبية بين يدي وزير العدل يمارسها بطريقة انفرادية بما تعنيه من ترهيب للقضاة يتنافى مع ما يجب أن يتوفر لهم من ضمانات الاستقلالية لينصفوا الناس في حرياتهم وحقوقهم وأموالهم وأعراضهم دون خوف أو تردد.
ما رأيكم في مشروع القانون المقترح من قبل إحدى الكتل النيابية بالمجلس التأسيسي لتكوين لجنة تشرف على الحركة القضائية والترقيات عوضا عن الهيئة الوقتية وهل تعتبرونه مشروعا لضرب الجمعية؟
إن هذا المشروع مخالف تماما لمقتضيات الدستور الصغير الذي يجعل الإشراف على القضاء العدلي بما يشمله ذلك الإشراف من إقرار للحركة القضائية من اختصاص الهيئة الوقتية التي ستحلّ محل المجلس الأعلى للقضاء كما أنه مخالف للقانون الأساسي للقضاة لسنة 1967 الذي يجعل إقرار الحركة القضائية من مهام المجلس الأعلى للقضاء. وهو يتعارض أيضا مع ما هو معمول به في أغلب الأنظمة القضائية المقارنة التي تحيط نُقل القضاة وترقياتهم وتسمياتهم بضمانة الإقرار من قبل مجالس عليا للقضاء تقوم على مبادئ الشفافية والتمثيلية الانتخابية وذلك لأهمية وخطورة دور القاضي في البت في قضايا الحريات وفي النزاعات المرتبطة بسائر الحقوق وصيانة الأموال العامة والخاصة. وهنا أريد أن أشير إنه اذا كانت المحكمة الإدارية قد اعتبرت مشروع الحكومة المرتبط بالهيئة الوقتية مخالفا للفصل 22 أي لا دستوريا فما بالك بهذه اللجنة التي لا سند لها في الدستور الصغير ولا في أي نص قانوني آخر والمسألة ليست بالهيّنة لارتباطها بشرعية تسمية القاضي وشرعية ممارساته للوظيفة القضائية التي ستكون شرعية منعدمة إذا ما تمت بواسطة لجنة وخارج إطار المجلس الأعلى للقضاء أو هيئة تحل محلّه وإننا نؤكد أن مثل هذا المشروع إن كتب له أن يتحول إلى قانون نافذ فسيكون ضربا للهيئة والتفافا عليها وإخلالا بالتزام دستوري وفشلا للإصلاح القضائي من اجل تركيز مؤسسات القضاء المستقل
صرحت نائبة بالمجلس التأسيسي عن كتلة «النهضة» عند مناقشة مشروع قانون الهيئة الوقتية «القضاة يستاهلو على صحة روسهم» ماذا تقصد حسب رأيكم؟
من المفروض التوجه بهذا السؤال إلى النائبة التي صرحت به ولأنكم لا تذكرون اسمها فإنه لا يمكن اعتباره تصريحا رسميا يمكن الرد عليه أما إذا كان المقصود « بصحة رأس القضاة» ثباتهم في المطالبة بتركيز هيئة مستقلة طبق المعايير الدولية فأنا اعتبر ذلك من باب الثناء على القضاة ومدحا لهم لأن المطلوب في القاضي أن يكون قوي الشخصية واثقا من نفسه في الدفاع عن مبادئ الحق والعدل غير خاضع ولا خانع ولا موال لأحد او جهة سواء كان ذلك في ممارسة وظيفته أوفي الدفاع عن السلطة التي يمثلها أوفي مطالبته بإصلاحها طبق المعايير الدولية باعتبار تلك المعايير تنصهر في حقيقة الأمر ضمن مبادئ الحق والعدل بشكل عام .
صرح النائب حبيب خضر عن كتلة «النهضة» بان حضور القضاة بالمجلس التأسيسي عند مناقشة مشروع الهيئة كان يهدف للتأثير على المعارضة وبقية الكتل فما رأيكم؟
ما أريد توضيحه هنا هو أن جمعية القضاة قد اتصلت بالمجلس التأسيسي بكل كتله وبكثير من النواب المستقلين وأن أول كتلة اتصلت بها هي كتلة حركة «النهضة» في اجتماع حضره السيد الحبيب خضر لان الجمعية تعتقد أنه من الواجب أن يكون للأحزاب دور وطني في المسائل الهامة كمسألة الإصلاح القضائي واستقلال القضاء وهودور يتجاوز الخلافات الحزبية ولا يجب ان يتطابق دائما وبالضرورة مع رؤية الحكومة حتى إن كان الحزب المعني بالامر من الأحزاب الحاكمة لأن تصور الحكومات لا يخضع دائما للمقتضيات المبدئية بل قد يؤثر عليه هاجس البقاء في السلطة ولأن القضاء كسلطة مستقلة هيكليا وليس وظيفيا فقط عن السلطة التنفيذية هو من أهم عوامل التوازن في المجتمع والحياة السياسية السليمة .
كما أننا نعتقد أن تحسيس الطبقة السياسية وأصحاب القرار أو الفاعلين فيه بمتطلبات الإصلاح القضائي وهو في عمقه اصلاح سياسي وهو من أهم أدوار الجمعية كهيكل يدافع عن استقلال القضاء. هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فان ما يجب توضيحه أيضا هو أن وجودنا بالمجلس التأسيسي ليس وجود فضول أوتطفل بل إنه يستند للفصل 22 المذكور الذي أقر مبدأ التشاور مع القضاة ونحن قضاة نعي جيدا ما نفعل ولا نتجاوز في ذلك حدود القانون .
ثم إن المسألة القضائية هي مسألة معقدة وهي مسألة اختصاص لا يمكن لنواب المجلس التأسيسي لكثرة مشاغلهم الإلمام بكل تفاصيلها وهنا يأتي دور الجمعية في نطاق مبدإ التشاور وضرورة التفسير والتوضيح ومد النواب بكل ما يطلبونه من معلومات حول سبل الإصلاح القضائي ومعاييره حتى تكون مناقشة المسألة القضائية مناقشة معمقة تنطلق من إلمام ودراية بكل تفاصيلها وليس ذلك في الحقيقة غير مظهر من مظاهر التفاعل الإيجابي بين المجلس التأسيسي والمجتمع المدني في نطاق مبدإ الديمقراطية التشاركية لذلك فإننا نعتبر هذا الاتهام غير لائق ولا مقبول لتعاملنا بكل احترام وعلى قدم المساواة مع كل نواب التأسيسي.
ينص الفصل 22 من القانون المنظم للسلط العمومية على أن السلطة القضائية تمارس مهامها بكل استقلالية فلماذا تصرون على أن تكون الهيئة تحت عنوان هيئة وقتية مستقلة؟
التأكيد على وصف الهيئة بالمستقلة مرجعه أولا هو انه يتماشى مع مقتضيات الفصل 22 كما ذكرتم ولأن ذلك الوصف أو التحديد للطبيعة القانونية للهيئة سيترتب عنه بكل وضوح ودون لبس ضمانات استقلالها القانونية التي من بينها الاستقلال المالي والإداري .
هل لديكم تخوفات من عودة ممارسات النظام السابق في ظل هذه الحكومة؟
نحن كقضاة وجمعية تمثل القضاة ملتزمون بالحياد السياسي بمعنى أننا لا نعارض الحكومة ولا نواليها وإن هذه الحكومة هي حكومة شرعية ولذلك فإن مسؤوليتها هي مسؤولية أكبر في الإصلاح القضائي بناء على جملة الالتزامات التي تعهدت بها داخل المجلس الوطني التأسيسي صلب القانون المنظم للسلط العمومية في باب السلطة القضائية التي من بينها تركيز الهيئة الوقتية التي ستشرف على القضاء العدلي. وإن حيادنا السياسي تجاه الحكومة لا يحجر علينا تقييم أدائها بالنسبة لالتزاماتها حول إصلاح القضاء بصفتنا جمعية تدافع عن استقلال القضاء بل إن ذلك من جوهر مهامنا. وإن ما يجب التأكيد عليه هو أن عدم الشروع في الإصلاح القضائي باعتبار ان القضاء لم يشمله من التغيير من بعد الثورة سواء الإقرار المبدئي بإحداث الهيئة الوقتية التي ستشرف على القضاء العدلي مع إبقاء الوضع على ما هو عليه بالنسبة للقضاء الإداري والقضاء المالي يثير المخاوف من عودة ممارسات النظام السابق في ظل هذه الحكومة أوغيرها من الحكومات القادمة .
ألا تعتقدون أن إصرار جمعية القضاة على ألّا تتم الحركة القضائية إلا من قبل الهيئة يتعارض مع طلبات بعض القضاة الذين ليس لديهم استعداد للتضحية بهذه السنة القضائية؟
أسمحي لي أولا ان أسالك بكل لطف عن مصدر هذه القناعة وعلى أي أساس أصدرت هذا الحكم باسم القضاة. نحن لا نستند لا إلى تخمينات ولا لقراءة النوايا بل إلى الوقائع والقرارات المثبتة في لوائح الجمعية الصادرة عن هياكلها ولا اقصد هنا المكتب التنفيذي أو المجلس الوطني فقط بل الجلسة العامة التي انعقدت يوم 27 ماي الماضي بقصر المؤتمرات بتونس والتي ضمت أكثر من 1200 قاض أكدوا على تمسّكهم بإجراء الحركة القضائية من قبل هيئة وقتية تحل محل المجلس الأعلى للقضاء تحظى بضمانات الاستقلالية الكاملة طبق المعايير الدولية كما شددوا على رفضهم القطعي لمشروع الوزارة الخالي من تلك الضمانات .
إنني أستند سيدتي في سؤالي هذا إلى تصريحات وآراء بعض القضاة الذين أعلموني أن مسألة الترقية والنقلة مهمة بالنسبة إليهم ولا يمكن التضحية بهذه السنة القضائية في ظل التأخير الحاصل في الإعلان عن مصير الحركة لهذه السنة.
يرى بعض السياسيين أن إعفاء وزير العدل ل82 قاضيا هو بمثابة تطهير القشرة الخارجية لجهاز القضاء فهل تساندون هذا الموقف؟
من الأكيد أن الفساد قد مس جميع مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء وكل منظومة العدالة والمتداخلين فيها من محامين وخبراء وعدول وكتبة وإن الاقتصار في عملية التطهير على آلية الإعفاء وما اتسمت به من ارتباك وانتقائية وما نتج عنهما من أخطاء وعدم مساواة أو التراجع في قرار إعفاء بعض القضاة أو بتمكينهم من الاستقالة دون البقية جعل من هذه العملية اقرب الى الدعاية السياسية منها إلى الإصلاح القضائي الفعلي والخالي من الأغراض السياسية وإنه من الضروري أن نوضح في هذا السياق أن إجراءات التطهير تندرج في مسارات العدالة الانتقالية وفي باب إصلاح المؤسسات المتعلق بالإصلاح على مستوى الأشخاص وبان تلك الإجراءات تقتضي أن تتولاها لجان مستقلة تُحدث بقانون للعدالة الانتقالية تعمل في نطاق الشفافية وضمان حق الدفاع لتنتهي إلى استبعاد من يثبت تورطهم في الانتهاكات ضد حقوق الإنسان سواء في القضاء أوغيره من القطاعات وفي القضاء فهي تتعلق أساسا بمن سخّروا أنفسهم لخدمة نظام التعليمات المخالف للقانون وخرق مبادئ المحاكمات العادلة وضرب استقلال القضاة بالخروج عن حيادهم وإعلان موالاتهم لنظام الحكم القائم .أما الملفات المتعلقة بالفساد المالي والأخلاقي فهي ملفات ذات طابع تأديبيي وتبقى لذلك من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء أوالهيئة التي ستحل محله والقضاء الجزائي إن اقتضى الأمر ذلك. إلا أن ما نشهده حاليا هو خلط بين ما هو راجع لمجال العدالة الانتقالية وما يعود للمجال التأديبي مع الهيمنة التامة لوزير العدل على المادة التأديبية التي أصبحت تمارس بواسطة آلية الإعفاء في غياب كل ضمانات الشفافية وحق الدفاع والمواجهة وهي ضمانات لا يمكن أن تكفلها إلا هيئة مستقلة تحل محل المجلس الأعلى للقضاء تتكفل بمؤاخذة القضاة للقطع مع ما ساد في الماضي من غياب للرقابة والإفلات من العقاب عند ارتكاب التجاوزات إلا أنه من الضروري الابتعاد بها عن انحرافات التفرد بالقرار وما يترتب عنه من أخطاء وتوظيف وانتقائية لا تخدم استقلال القضاء قطعا.
لاحظنا أن جمعية القضاة تهتم عادة بالقضايا السياسية وتصدر بشأنها بلاغات وبيانات جعل البعض يتّهمها بالتسييس فما رأيكم؟
جمعية القضاة مكوّن من مكونات المجتمع المدني تنشط في نطاق حرية الاجتماع والتعبير ونحن كهيكل تنفيذي لجمعية تمثل القضاة أي جمعية ذات خصوصية فإننا محايدون تماما ومستقلون عن الولاء أو المعارضة الحزبية وهذا هو مفهوم الحياد السياسي للقضاة. أما الاهتمام بالشأن العام المتعلق باستقلال القضاء وحرية الاجتماع والتعبير والفكر وحرية الإعلام فإننا اتخذنا دائما مواقف مبدئية في الدفاع عنها وهذا شأن سياسي غير محجر علينا بل إنه من واجبنا ان نفعل ذلك كجمعية قضاة كلّما دعت الحاجة إلى الاصداع بموقفنا. لان دفاعنا عن استقلال القضاء مرتبط أساسا بضمان حرية التعبير وكل الحريات الأساسية وضرورة استقلال القضاء لا يمكن أن تتحقق وأن تتم حمايته باستمرار إلا في مناخ سياسي يعزز ويدعم تلك الحريات ولا يضيّق عليها أو يلغيها كما كان حاصلا في العهد السابق وقد كان من تداعيات مصادرة الحريات ذلك القمع الذي عانت منه البلاد وعانت منه الجمعية مما الغى أية امكانية لحركة الإصلاح القضائي.
أصدرت مؤخرا جمعية القضاة بيانا حول قضية نقابيي مستشفى الهادي شاكر فهل هو موجه ضد الحكومة أم ضد اتحاد الشغل؟
لقد أصدرنا بيانا مبدئيا بناء على تصريحات منشورة توحي بما يشبه الصفقة بين الاتحاد والحكومة حول مصير النقابيين على خلفية أحداث مستشفى الهادي شاكر. وهل يمكن أن يكون موقف الجمعية إلا رافضا لتصريحات من هذا القبيل تشكك في استقلال القضاء وتجعل من الأحكام رهين قرار بيد السلطة التنفيذية . نحن ندين أي اتفاق يلغي قرار القضاء ويعوضه باتفاقات بين أطراف لا حق لها في أن تحل محل القضاء أوأن تبتز أحكامه بفعل الضغط أوالترهيب. إن هذا الموقف في صالح الجميع وضد كل ما يشارك في هذا النوع من الصفقات إن حصلت طبعا سواء كان الأمر يعني الاتحاد أوالحكومة اوأي طرف آخر.
تعيش جمعية القضاة صراعات مع وزارة العدل فهل تعتقدون أن سيناريو2005 يمكن أن يتكرر ؟
ليس هناك سيناريوهات تعاد وإن ظروف 2005 ليست الظروف الحالية لقد كانت الجمعية مستهدفة لأنها طرحت بجدية أخطر مشكل على النظام الدكتاتوري وهو مشكل استقلال القضاء من داخل القضاء وقد تمكنت السلطة آنذاك من تخريب الجمعية بالاعتماد على سطوة فئة من القضاة موالين لها. لا خطر اليوم عليها مما نالها في الماضي. فعهد الانقلابات على طريقة نظام المخلوع لم تعد ممكنة في نظري لان للجمعية اليوم موقعها القوي الصلب داخل النسيج الجمعياتي ولها قواعدها المتيقظة والحريصة أيّما حرص على استقلاليتها. لقد تغير واقع البلاد ولم يعد من الممكن افتكاك مقر الجمعية ومنع اجتماعاتها أو تزييف انتخاباتها ولكن يبقى المشكل المطروح اليوم هو تهميش دور الهياكل الممثلة للقضاة واشتغال السلطة بعيدا عن الأطر الجدية للتشاور وهو ما يمكن أن يؤدي للالتفاف على مطالب الإصلاح القضائي كتركيز الهيئة الوقتية غير المستجيبة لشروط الاستقلالية بشكل ناعم وبغطاء قانوني بذريعة أن الرؤية التي تطرحها الجمعية لا تحرز على موافقة الأغلبية الحاكمة اليوم وأن الحسم في المسألة القضائية لا يمكن أن يكون إلا على قاعدة الأغلبية في المجلس التأسيسي حتى وان كانت ارادة الاغلبية النيايبة في تعارض مع المعايير الدولية .
كيف تقيمين المشهد السياسي الذي تعيشه بلادنا حاليا؟
كنا في مرحلة استبداد وخرجنا منها ونحن في مرحلة انتقال ديمقراطي بجميع أوجاعه ومآزقه ويكفي أن نذكر أنه يوجد اليوم أكثر من 100 حزب من جميع العائلات السياسية والإيديولوجية وكل طرف يحاول أن يجد له مكانا وموقعا في الساحة ولكن المشكل هو كيف يمكن أن تتعايش هذه العائلات للتقدم بالمسار الديمقراطي وليس إفساده او الارتداد عليه إذ أن جميع الثورات مهددة بالعنف والتراجعات وإن الخروج من تلك المآزق غير ممكن دون الأدنى من روح التوافق للتصدي للعنف المعنوي والمادي من أي جهة كانت ومن اجل بناء مؤسسات سياسية قائمة على التفريق والتوازن بين السلط حتى لا تهيمن واحدة منها على الأخرى وفي مقدمتها سلطة قضائية تكون ملاذ الجميع ودرعا حصينا يحمي البلاد من عودة الاستبداد ولا يكون ذلك كما قلنا مرارا وتكرارا بإعادة تركيز مؤسسات شكلية وخالية من كل محتوى مثلما كان الأمر سابقا.
هل لما تعيشه تونس حاليا من تجاذبات وصراعات سياسية انعكاسات على السلطة القضائية؟
بالتأكيد وان الخطر كل الخطر في ما أصبحنا نشهده من ضغط مباشر وعلني على القضاء سواء من الشارع أومن منظمات أو أحزاب أو بواسطة تصريحات النقابيين والسياسيين كلّما وقعت أحداث تلتها إيقافات وذلك بتعمد التصريح بحصول اتفاقات بين ممثلي نقابات أو أحزاب أو جمعيات ووزراء للتدخل لدى القضاء وفرض إصدار قرارات إفراج أو أحكام ترضي الأطراف المتدخلة فهذا يمثل في الحقيقة تخريبا لما تبقى من ثقة في القضاء وإن ما وجب التأكيد عليه في هذا السياق انه ولئن كانت التشريعات المنظمة للقضاء لم يدخل عليها الإصلاح بعد في اتجاه إقرار الضمانات القانونية لاستقلال القضاء فإن ذلك لا يعني أن القضاة لا يجب أن يمارسوا استقلالهم بصورة فعلية وبعيدا عن كل الضغوطات لأن الحل ليس في زيادة إضعاف القضاء على هشاشة وضعه بإظهاره بمظهر الخاضع والمنقاد بل في حث القضاة على ممارسة استقلالهم بكل مسؤولية. فمن ينظم اليوم الوقفات الاحتجاجية ضد قرارات الإيقاف أمام المحاكم ويرفع شعارات منددة بالقضاء غير المستقل لا يمكن أبدا تصديقه بعد إصدار المحكمة لقرار سراح لفائدته عندما يغير رأيه في القضاء بين عشية وضحاها فيصبح القضاء غير المستقل مستقلا بقدرة قادر. أن الانطباع الذي يحصل لدى الرأي العام من كل ذلك هو أن الأقوى اليوم والأكثر قدرة على ممارسة درجات الضغط هو الذي سيحرز على الحكم الذي يرضيه. مع العلم أن كلامنا هذا لا يعني البتة أن أداء القضاء غير خاضع للتقييم بشرط أن يكون هذا التقييم مستندا على وقائع ثابتة وموضوعية تكون ثمرة لدراسة ورصد متأنيين للأحكام وملابسات صدورها . فالقضاة ليسوا فوق المحاسبة إذا توفرت قرائن قوية تثبت خروجهم عن الحياد .
كيف ذلك سيدتي؟
إن ممارسة الضغط على القضاء بواسطة السلطة التنفيذية لا يدل على رغبة في تركيز قضاء مستقل بل في الإبقاء عليه غير مستقل بحيث يمكن لكل من يقف أمام القضاء وقد حشد الحشود أمام المحكمة للضغط على قرارها أن يحصل على الحكم الذي يبتغيه. وإذا حصل هذا الأمر فسيكون له عواقب وخيمة على الجميع لأن التجارب أثبتت أن السلطة القضائية القوية والمستقلة هي الضامنة لدولة الحق والعدل والحرية وليس القضاء المهمش والمستضعف. ولذلك فمساعدة الجميع على تركيز القضاء المستقل سواء كان الأمر يتعلق بالسلطة الحاكمة أو بمكونات المجتمع السياسي أمر في غاية الاهمية ولا بد ان تترجم هذه الإرادة الجماعية في شكل إصلاحات تشريعية جريئة للمنظومة القضائية وتعبر عن نفسها بوضوح في الدستور المرتقب بعد ان نعطي لتصورات الإصلاح ما تستحقها من نقاش وجدل عمومي وإعلامي وتعميق للنظر على غرار ما حصل في التعاليق الأولى لمسودة الدستور بالنسبة للنظام السياسي والحريات وحقوق المرأة والتي مع الأسف الشديد فإنها لم تول الأهمية الكافية بالنسبة لوضع القضاء.
هل من فكرة أولية عن باب السلطة القضائية صلب مسودة الدستور المرتقب؟
إن ما يمكن ملاحظته بصورة أولية هو أن وضع السلطة القضائية في الدستور قد خلا من باب مهم يتعلق بمرجعية المبادئ العامة التي تحكم تنظيم السلطة القضائية وهياكلها طبق المعايير الدولية لأنه في غياب التنصيص على تلك المرجعية يمكن بسهولة العودة إلى تنظيم القضاء في تونس بتشريعات خالية من تلك الضمانات كما حصل في السابق .
كما أن اللافت للانتباه في هذا الباب هودسترة مفهوم «مصلحة العمل» كمفهوم لا يتماشى في الأصل ومعنى السلطة التي يمثلها القضاء بل هو قاموس الوظيفة العمومية وقد وقع تسليطه على القضاء وهو علاوة على ذلك مفهوم عام وفضفاض كثيرا ما يقع الاعتماد عليه لإلغاء مبدأ عدم نقلة القاضي بغير رضاه ولإفراغه من محتواه ثم إن هذا المفهوم لا يذكر غالبا في دساتير الدول الديمقراطية ولئن ذكر في القوانين الأساسية فإنه يكون بعد تحديد مفهوم مصلحة العمل تحديدا دقيقا حتى لا يقع استعماله خدمة لأغراض شخصية. وبطبيعة الحال لا ننسى عدم الحسم في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وفي الغاء تبعية النيابة العمومية لوزارة العدل اي للسلطة التنفيذية. وهذه بطبيعة الحال ملاحظات أولية سنعمّقها داخل هياكلنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.