ربما لم يعد عسيرا على اي متابع للشأن السياسي التونسي أن يلاحظ ان حركة النهضة قد باتت اليوم في مأزق كبير خاصة بعد رفض أغلب التشكيلات السياسية للتحوير الوزاري المقترح من النهضة. الحركة على ما يبدو قد جهزت نفسها لمناورة سياسية جديدة تربك بها منافسيها ومعارضيها وكل منتقديها وتظهر في شكل المنقذ للبلاد وتعطي انطباعا بأنها قد فتحت يديها وحكومتها لكل أطياف المعارضة و أن ما يعنيها هو مصلحة البلاد والتوافق.. إلا انها نسيت أن السحر يمكن ان ينقلب على الساحر. فمركز القرار في الحركة لم يضع في حساباته هشاشة التحالف الثلاثي الذي تلقى ضربات موجعة خلال فترة الحكم ووصل لعنق الزجاجة الذي لم يعد معه مخرج وبان بالكاشف ان كل ما قيل حول "معجزة" الترويكا لم يكن إلا كلاما للتسويق الاعلامي يغطي خلافات عميقة بل وصراعات ايديولوجية قديمة. راشد الغنوشي كان يعتقد أن مكتبه بمونبلزير سيصبح "كعبة" يحج إليها الساسة من كل صوب وحدب من اليمين واليسار من المعارضة والاصدقاء.. كل يطلب رضاه وينتظر حقيبته إلا أن المخطط سقط في اول مراحله وعزف الصديق قبل العدو. اول نتائج هذه المناورة أن عقد الترويكا قد انفرط فبعد ان أعلن حزب التكتل ان بقائه مرهون بتغيير وزارات السيادة وتشكيل الهيئات واللجان الضرورية لدولة ديمقراطية ها أن حزب المؤتمر يعلن استعداده مغادرة قصر الترويكا. فمطالب المؤتمر الأساسية هي الاتفاق على جملة من السياسات و الإجراءات الكفيلة بتحسين أداء الحكومة و لتغيير طريقة إدارة الإتلاف كما تهدف لإدخال تغيير في بعض الوزارات منها وزارات سيادة وهنا مكمن الفرس فالنهضة متمسكة بحقائب السيادة ولا سبيل لتركها. ثاني النتائج هي توحيد صفوف المعارضة وتقويتها ودعم موقفها فمطالبها منذ اشهر والتي كانت محل تندر وسخرية بل ومدعاة للتخوين من طرف حركة النهضة صارت اليوم أحد أول مطالب شركاء النهضة وهي تحييد وزارات السيادة وتشكيل حكومة كفاءات مصغرة. ربما كان على حركة النهضة أن تبتعد عن الحسابات السياسية والمناورات وكان من الأجدى بها ان تفكر في مصلحة البلاد وأن تحدث تغييرا شاملا في سياستها التي اتسمت بالفشل والاخفاق بشهادة القريب قبل البعيد وان تجريا تحويرا وزاريا على اساس البرامج والمنافع لا ان تحاول ابتزاز الأحزاب ومساومتهم.