ما معنى أن يدعو مجلس الشورى لحركة النهضة رئيس الحكومة المؤقتة، حمادي الجبالي ،إلى الإسراع في الإعلان عن التحوير الوزاري المرتقب خلال الأسبوع الجاري؟ ألا يعد هذا فصلا جديدا من فصول المسرحية الرديئة التي انكبت النهضة على إخراجها في محاولة يائسة لإلهاء الرأي العام عن عملية "تسلح" التونسيين؟ و كيف"يجرؤ" مجلس الشورى على توجيه هذه الدعوة و كل أعضائه يعلمون علم اليقين ،و التونسيون يعلمون أيضا، أن الأمر يخرج عن إرادة رئيس الحكومة؟ الواقع أن مسألة التحوير الوزاري ،التي وصفتها مية الجريبي بالمسلسل الممل، واعتبرها شكري بلعيد مسلسلا كتبه راشد الغنوشي ولا يهم التونسيين ،و أن التحوير لن يقع ورغم أنه شغل الناس لمدة طويلة و تحديدا منذ 23 أكتوبر الماضي ،قد فقدت بالنسبة إلى التونسيين كل مقومات المصداقية و الثقة ،ذلك أن المشاورات و المناورات لم تتوقف خاصة أمام إغراءات الوزارات على اختلافها، و كل يتكلم باسم تونس ،كما أن الاجتماعات التي كانت ماراطونية أحيانا لم توفق سوى في إصدار تصريحات أو بيانات تكذب ما يتسرب من أخبار، و الأهم من ذلك كله هو أن من بيده "الحل و الربط" في هذه الحكومة و تحديدا في تعيين المسؤولين هو ساكن منطقة مونبليزير، شيخ الحركة، و رأسها المدبر الذي يزكي و يسمي و يعزل من "يراه الأصلح" من الأسماء دون أية معارضة تذكر بل بالعكس كل أوامره التي ترد في شكل مقترحات ناعمة تلقى كل التأييد و المباركة سواء من قبل أعضاء مجلس الشورى في الحركة أو قيادييها و خاصة منخرطيها. التحوير الوزاري إن حدث، فسيقوم به راشد الغنوشي من خلف الستار ليوهم التونسيين أن القرار في يد رئيس الحكومة، و الحال أن حمادي الجبالي و من خلال سلسلة الأحداث المتلاحقة ليس سوى مجرد واجهة لحكومة هشة في أعماقها و بائتلاف ديكور مستعد للتضحية بعدد من الأسماء فيه من أجل البقاء في الحكم، و هو ما يعكس حكومة "متفككة" تتمسك بغباء بأسماء فيها من حركة النهضة لم تقدم لها شيئا حزبيا و سياسيا، و ترفض تحييد وزارات السيادة رغم ما تعانيه هذه الوزارات من مشاكل و خاصة منها الخارجية و العدل. وهي أيضا حكومة متفككة تتمسك برفض كل مطالب المعارضة و المجتمع المدني كرفض الحوار مع كل الفرقاء السياسيين للاستماع إلى مقترحاتهم لإنجاح هذه المرحلة، و تصر على الإقصاء قانونا و ممارسة و هي التي عانت منه لسنوات طويلة. من جهة أخرى و بصرف النظر عن موعد إجراء هذا التحوير و عن "العزلة" السياسية التي وجد فيها رئيس الحكومة نفسه مؤخرا، لأن المشاورات لا تتم معه، فإن خطورة التحوير تكمن في أنه كشف للتونسيين عن حقيقة نوايا عديد الأحزاب التي سمت نفسها أحزابا معارضة، عن طمعها و تعطشها للسلطة، حيث حصلت الانشقاقات في العديد منها و الملاسنات و الخلافات بسبب الحقائب الوزارية و انفجرت أحزاب أخرى بسبب الخلاف حول مبدإ الانضمام من عدمه، ليس فقط لهشاشتها بل لأن هدفها الأساسي هو الوصول إلى كرسي الحكم و ليس خدمة البلاد. لعبة نجحت فيها حركة النهضة خلال تشكيلها للحكومة الحالية بعد الانتخابات حيث قامت بإغراء حزبي التكتل و المؤتمر بمناصب و حقائب سرعان ما تم اكتشاف حقيقتها مما أحدث تصدعات كبرى داخلها ،و هي تعود إليها مجددا لتتحسس مكامن خلافات أخرى داخل أحزاب جديدة غير الترويكا ليواجه الطامعون في السلطة و المنشقون عن أحزابهم ذات المصير بعد فترة و هو ما ثبت لسابقيهم بالتجربة، فلا هم مرغوب فيهم في التحالف الجديد و هم أيضا "منبوذون" في أحزابهم بعد الانشقاق عنها و حصول الطلاق بين الطرفين . التحوير الوزاري كشف أن رئيس الحكومة لا صلاحيات له ،و أن القرارات تصدر عن شيخ الحركة و مرشدها رغم المسرحية الرديئة التي يتم عرضها على التونسيين، و هي مسألة قد تؤدي إلى عديد التطورات، كما فجر التحوير المزعوم تحالفات و أحزابا ،و رمى بالتونسيين وسط شكوك لا حد لها حول مدى الإخلاص للوطن و حول من سيختار ليقود البلاد في الانتخابات المقبلة، هذا إن تم إجراؤها .