البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    تونس تدعو إلى الوقوف صفا واحدا ضدّ حرب الإبادة في فلسطين والتهجير القسري    الأستاذ محمد العزيز بن عاشور يرصد تحولات الموروث الثقافي التونسي في كتاب جديد باللغة الفرنسية    فوشانة: الكشف عن شبكة مختصة في تدليس العملة النقدية    النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تنعى الصحفي علي الجريدي    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    الرابطة ترفض إثارة النادي الصفاقسي.. و لا ويكلو ضدّ النادي الإفريقي    أول تعليق من عميد المحامين على "أزمة المهاجرين"    عاجل - إغلاق محل لبيع منتجات لحوم الخيول في بن عروس    وجيهة الجندوبي :'' ايتها الوطنية رجعلنا المسلسلات المكسيكية والكويتية خاطر كرهتني في وجهي الحقيقة''    وكالة التحكم في الطاقة: نحتاج استثمارات ب 600 مليون دينار لتخفيض الاستهلاك الطاقي في البلديات    أبطال أوروبا: تشكيلة بايرن ميونيخ في مواجهة ريال مدريد    غياب الحفناوي عن أولمبياد باريس: الناطقة الرسمية باسم جامعة السباحة توضّح    كأس الكاف :الزمالك يحتج على تعيين حكمين تونسيين في النهائي ضد بركان    كيفاش تتحصل على منحة العائلات المعوزة ؟    بين المنستير وصفاقس: الاحتفاظ بشخصين والقبض على منظمي "حرقة" ووسطاء    باب بحر: القبض على متورّط في عمليات سرقة    نُصب له كمين: القبض على عون رقابة للصحة العمومية مُتلبّسا بالرشوة    تطاوين: الشرطة البلدية تُنقذ طفلين من الموت    وزارة الفلاحة تؤكّد أهميّة استعمال التقنيّات الرقميّة لإرساء تصرّف ذكي ومستدام في المياه    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    التنوير العمومي للبلديات يستحوذ على 80 بالمائة من استهلاك الطاقة في ظل وجود اكثر من 730 الف عمود انارة    سليانة: تسجيل جملة من الاخلالات بكافة مراكز التجميع بالجهة    منزل تميم: تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي    هام/ تسميات جديدة في وزارة التجهيز..    وزيرة الإقتصاد في مهمة ترويجية " لمنتدى تونس للإستثمار"    بطاحات جزيرة جربة تاستأنف نشاطها بعد توقف الليلة الماضية    انطلاق اختبارات 'البكالوريا البيضاء' بداية من اليوم الى غاية 15 ماي 2024    البطولة العربية لألعاب القوى: ريان الشارني يتوج بذهبية سباق 10 الاف متر مشي    التونسي أيمن الصفاقسي يحرز سادس أهدافه في البطولة الكويتية    عاجل : قضية ضد صحفية و نقيب الموسقيين ماهر الهمامي    أريانة :خرجة الفراشية القلعية يوم 10 ماي الجاري    قصر العبدلية ينظم الدورة الثانية لتظاهرة "معلم... وأطفال" يومي 11 و12 ماي بقصر السعادة بالمرسى    نجيب الدزيري لاسامة محمد " انتي قواد للقروي والزنايدي يحب العكري" وبسيس يقطع البث    إنقاذ فلاّح جرفه وادي الحطب بفوسانة..    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    بطولة مصر : الأهلي يفوز على الاتحاد السكندري 41    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    الاقتصاد في العالم    بأسعار تفاضلية: معرض للمواد الغذائية بالعاصمة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    احتياطي النقد الأجنبي يغطي سداد القروض الاجنبية بنسبة هامة    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    جيش الاحتلال يشن غارات على أهداف لحزب الله في 6 مناطق جنوب لبنان    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    رئيس جمعية مالوف تونس بباريس أحمد رضا عباس ل«الشروق» أقصونا من المهرجانات التونسية ومحرومون من دار تونس بباريس    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد الكريشي: في عدم دستورية قانون المصالحة الاقتصادية

كتب العضو بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي مقالا نشر بجريدة التونسية الصادرة يوم 14 أكتوبر 2015 حول عدم دستورية قانون المصالحة الاقتصادية فيما يلي نصه:
إستهلال: "مشروع قانون المصالحة الاقتصادية غير دستوري بكل المقاييس ، و القائل بغير ذلك يتغافل عن الدستور".
في البدء لا بد من التأكيد على أن الحكم قانونا بدستورية مشروع قانون المصالحة الاقتصادية من عدمه هو من صلاحيات هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين دون غيرها طبقا للقانون الأساسي عدد14 المؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وهي التي تنظر في دستورية مشاريع القوانين بعد مصادقة مجلس نواب الشعب وقبل ختمها من رئيس الجمهورية ونشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية إذا تم الطعن فيها أمامها بعدم الدستورية من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثون نائبا على الأقل مثلما حصل مع مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء ولا تنظر بالتالي في دستورية مشاريع القوانين بمجرد تقديمها لمجلس نواب الشعب ، فالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لا تتعهد من تلقاء نفسها للبت في عدم دستورية مشروع قانون ما ،كما أن مشروع قانون المصالحة الإقتصادية قد لا يتم الطعن فيه بعدم الدستورية في صورة المصادقة عليه نهائيا من مجلس نواب الشعب بعد التوافق على تغييره وتعديله بما لا يتعارض مع أحكام الدستور وقانون العدالة الانتقالية وصلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة كهيئة دستورية - وهذا ما نرغب فيه ونعمل من أجله- وهي المطاعن الرئيسية لرافضي مشروع قانون المصالحة الاقتصادية ، فالتوافق أولا والتوافق أخيرا.
وبالتالي فإن جميع الآراء والتصريحات والكتابات القائلة بدستورية مشروع قانون المصالحة الاقتصادية من عدمه كلها أراء محترمة كأصحابها ولها جانب كبير من الصحة والوجاهة " فرأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " على حد قول الامام الشافعي ، وقد إنصبت كلها على مشروع القانون دراسة وتمحيصا والجزم بالمصادقة عليه نهائيا من مجلس نواب الشعب في صيغته الحالية كما هو دون زيادة أو نقصان متناسين جميعا أنه تجري في النهر مياه جديدة كل يوم، وهي مجرد إجتهادات شخصية لا تلزم إلا أصحابها تعكس رقي المجتمع التونسي المتعدد الآراء والأفكار ومدنيته عبر حل خلافاته بالحوار والجدل ومقارعة الحجة بالحجة ثم الإحتكام إلى مؤسساته الدستورية بما يؤسس الأرضية الخصبة لتعايش التونسيين وانجاز المصالحة الوطنية الشاملة بينهم وهي أس العدالة الإنتقالية ومبتغاها وقد قطعت فيها هيئة الحقيقة والكرامة شوطا مهما.
ولن يشكل هذا الجدل الدائر في المنابر الاعلامية والفضاءات الخاصة والعامة وفي الشارع أحيانا أي قوة ضغط على هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين التي لن تبت في عدم دستورية مشروع قانون المصالحة الإقتصادية تحت ضغط الشارع أو وفق علمها الشخصي.
ومن باب إثراء النقاش القانوني حول دستورية مشروع قانون المصالحة الإقتصادية من عدمه والدفع به إلى أقصاه بغية إيجاد نقطة إلتقاء وسطى لكل الاطراف خدمة للمصلحة الوطنية العليا فإن القصد من وراء ذلك هو ضرورة إحترام مبدأ سمو الدستور الذي لم يمض على صدوره أكثر من سنة ونصف والذي يستمد روحه من تضحيات الشعب التونسي وثورته المجيدة قطعا مع دولة الإستبداد والإفساد من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات أفعالا لا أقوالا، وإحترام القوانين السارية المفعول وجميع الهيئات العمومية المنبثقة عنها على أن تكون احداثها واعمالها مطابقة للدستور وذلك حتى لا يكون مصير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية نفس مصير مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء.
1/ في مخالفة مشروع قانون المصالحة الإقتصادية لروح الدستور.
يعتمد أي نظام سياسي مهما كانت طريقته في ممارسة السلطة و آداءه عند تقديمه لمشاريع قوانين على مجموعة من القيم والأفكار القانونية والاقتصادية والاجتماعية المعتملة في الشارع، فالقانون في نهاية الأمر عملية عكسية لما يطلبه الشارع المتشبع بالمبادئ العليا والموجودة ضمنيا بالدستور وهو ما يعبر عنه بروح الدستور التي تستخلص من أحكامه وخاصة من توطئته التي تتمتع بنفس القيمة القانونية والسياسية للنصوص الدستورية عند النظر فيها من قاضي مراقبة دستورية مشاريع القوانين إضافة إلى مبدأ تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة
في صورة التعارض بينهما والأخذ بمبادئ العدالة و الانصاف و القانون الطبيعي ، لان المشرع الدستوري مهما كان حصيفا وملما بكل الجوانب فانه لا يقدر على الإحاطة بكل قواعد القيم العليا الغير مقننة وهي الموجودة في ضمير الشعب لكي يضمنها كنصوص دستورية مما يجعل منها قواعد مكملة للدستور ومصدر تأويله وتفسيره.
ولم يشذ دستور جانفي 2014 وهو يؤسس لجمهورية ثانية في تونس عن هذه القاعدة اذ يستخلص من أحكامه و خاصة من توطئته روحا ثورية بإمتياز لإلمامه بمختلف الجوانب الفكرية و الفلسفية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و التاريخية في لحظة تاريخية فارقة تؤسس لجمهورية ثانية بعد ثورة عظيمة تقطع مع ماضي الاستبداد و الفساد لتؤسس مستقبل دولة القانون و المؤسسات المتشبعة بروح العدالة و الكرامة و الحرية و الاخاء وغيرها من القيم والمبادئ النبيلة ، دولة لا ينتهك فيها حق أي انسان و ذلك بإعمال آليات العدالة الانتقالية من كشف حقيقة تلك الانتهاكات و جبر ضرر ضحاياها و محاسبة و مساءلة مرتكبيها و اصلاح المؤسسات المتورطة في الانتهاكات و حفظ ذاكرتهم الفردية و الجماعية و انجاز المصالحة الفردية بين الضحية و مرتكب الانتهاك بالاعتماد على آلية التحكيم و من ثمة تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة ، كما أن النجاح في الانتقال إّلى الديمقراطية و بناء دولة القانون و المؤسسات مرتبط ارتباطا وثيقا لا فكاك منه بإنجاح مسار العدالة الانتقالية الذي هو أس الدستور و روحه التي ترفرف على توطئته و فصوله المائة و تسع و أربعون ، فالعدالة الانتقالية جسر المرور من دولة الإستبداد إلى الدولة الديموقراطية وهي قنطرة بناء الجمهورية الثانية.
و بالرجوع الى مشروع قانون المصالحة الاقتصادية يتحصحص أنه قفز على مسار العدالة الانتقالية وآلياتها مخالفا بذلك روح الدستور و مبادئه في " القطع مع الظلم و الاستبداد" و في ضرورة احترام " حياد الإدارة، الحكم الرشيد هي أساس التنافس السياسي، وتضمن فيه الدولة علوية القانون و احترام الحريات وحقوق الإنسان وإستقلالية القضاء والمساواة في الحقوق و الواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات والعدل بين الجهات ...." كما نصت عليه توطئة الدستور ، من ذلك أنه منح عفوا لفائدة الموظفين العموميين وأشباههم من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي و الاعتداء على المال العام باستثناء تلك المتعلقة بالرشوة و الاستيلاء على الأموال العمومية التي يمكنهم ابرام صلح في شأنها دون المرور بألية كشف الحقيقة بمسار العدالة الإنتقالية ومعرفة كل الوقائع والظروف التي حفت بتوجيه التهمة اليه المتعلقة بالفساد المالي و الاعتداء على المال العام و الإجابة عن الأسئلة الجوهرية حول انتهاك الفساد المالي: كيف حصل الفساد المالي ؟ من ساعده في ذلك من المؤسسات العمومية أو الخاصة أو الأفراد ؟ لماذا حصل فساد مالي وإعتداء على المال العام ؟ تصديا لتأبيد الفساد في المجتمع وضمانا لعدم تكراره في المستقبل و نحن نسعى لبناء دولة القانون و المؤسسات خاصة و ان المنتفع من هذا العفو ليس مجبرا على الاعتراف بما اقترفه و طلبه الاعتذار الصريح مثلما هو منصوص عليه بقانون العدالة الانتقالية وفي خلاف يتم تأبيد منظومة الفساد السائدة التي أقرت وثيقة شرح مشروع قانون المصالحة الاقتصادية و جودها و سعيها لتجاوزها من أجل إعادة بناء مناخ الثقة في الإدارة فكانت وثيقة شرح أسباب مشروع القانون المفعمة بروح الدستور بعيدة كل البعد عن مشروع القانون نفسه بعد السماء عن الأرض فالتسبيب في واد و النتائج في واد آخر .

2/ في مخالفة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية أحكام الدستور.
يقتضي مبدأ سمو الدستور ضرورة إحترام جميع النصوص التشريعية والقانونية الصادرة لأحكام الدستور وعدم مخالفتها له ويكون بذلك النظام القانوني للدولة محكوما بالقواعد الدستورية التي لا يجب الخروج عنها من أي طرف كان وهو ما لم يلتزم به مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي كان بكل المقاييس مخالفا للدستور.
في مخالفة الفصل 148 فقرة 9 من الدستور.
جاء في الفقرة التاسعة من الفصل 148 من الدستور ان الدولة ملزمة "بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها... " .
و بذلك وضعت هذه الفقرة على كاهل الدولة إلتزام دستوري وهو إلتزام بتحقيق نتيجة و ليس ببذل عناية و هو ليس حق تتصرف فيه الدولة كما تشاء كالتخلي عنه أو إحداث مسار موازي له ، فهي ملزمة بتطبيق آليات العدالة الانتقالية على أرض الواقع و عليها واجب إنجاح هذا المسار عبر دعم صلاحيات هيئة الحقيقة و الكرامة وتيسير عملها و إزالة العراقيل من طريقها سواءا كانت عراقيل مادية أو تشريعية خاصة وأن هيئة الحقيقة والكرامة جديدة على المجتمع التونسي مفهوما ومؤسسة، وعبارة المنظومة الواردة بالفقرة التاسعة من الفصل 148 من الدستور تعني مجموعة الأفكار و المبادئ و المؤسسات المتكاملة و المتناسقة فيما بينها و في العدالة الانتقالية تتكون المنظومة المتكاملة - أو المسار المتكامل – من مجموعة الآليات والأحكام الواردة بالقانون الأساسي للعدالة الانتقالية الصادر موفى 2013 -الواقع دسترته فيما بعد- و مؤسسة هيئة الحقيقة و الكرامة التي خصص لها القانون كامل العنوان الثاني الممتد على 55 فصلا لتأكيد انها صاحبة الاختصاص المطلق في العدالة الانتقالية و لا يوجد أي قانون آخر محدث لهيئة دستورية مشابهة أو مؤسسة عمومية أخرى منح لها صراحة إختصاص و لو ضئيل في العدالة الانتقالية ، بل ألزمهم بدعم عمل هيئة الحقيقة و الكرامة بكل الوسائل (الفصلين 51 ، 52 من قانون العدالة الانتقالية ) كما ألزم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بإحالة كل الملفات على لجنة التحكيم و المصالحة بهيئة الحقيقة و الكرامة بناءا على إتفاقية تحكيم و مصالحة.
كما أن إلتزام الدولة بمنظومة العدالة الانتقالية هو إلتزام شامل لكل مجالاتها و المدة الزمنية المحددة لها و قد وردت عبارة مجالات مطلقة فتجري على إطلاقها لتشمل مجالات الآليات (كشف الحقيقة ، جبر الضرر ، حفظ الذاكرة، اصلاح المؤسسات ، و الفحص الوظيفي ، التحكيم و المصالحة ، المصالحة الوطنية) و مجالات الانتهاكات الواردة بالفصل 8 من القانون على سبيل الذكر لا الحصر و من ضمنها إنتهاكات الفساد المالي و الإعتداء على المال العام ، فمشروع قانون المصالحة الاقتصادية علاوة على ضربه لمجال إختصاص الهيئة في التحكيم والمصالحة بدرجة أولى فإنه يعتدي أيضا ولو بدرجات متفاوتة على بقية مجالات إختصاص الهيئة - المحصن دستوريا - في كشف الحقيقة والفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات وجبر الضرر .
فلا يقبل منطقا و لا قانونا و الحالة تلك صدور أي قانون جديد يحد من هذه المجالات سوآءا على المستوى الزمني أو الوظيفي و يسحب صلاحيات هيئة الحقيقة و الكرامة كهيئة عمومية دستورية منتخبة من السلطة التشريعية و يمنحها للجنة معينة من السلطة التنفيذية في مجال زمني مفتوح غير محدد كما جاء بمشروع قانون المصالحة الاقتصادية و لا علاقة لذلك بالحق الدستوري لرئيس الجمهورية في التقدم بمبادرات تشريعية لأن مجال التحكيم و المصالحة في ملفات الفساد المالي و الاعتداء على المال العام من الاختصاص الحصري و المطلق بمقتضى القانون للجنة التحكيم و المصالحة بهيئة الحقيقة و الكرامة دون سواها ، والقول بأن المشرع لم يمنح لهيئة الحقيقة والكرامة اختصاص حصري ومطلق في منظومة العدالة الانتقالية وأنها بذلك هيكلا من الهياكل المنصوص عليها بالفصل الفصل 7 من قانون العدالة الانتقالية ينص على أن :" المساءلة والمحاسبة من إختصاص الهيئات والسلطات القضائية والإدارية حسب التشريعات الجاري بها العمل " هو قول مردود على أصحابه ومفتقد لكل أساس واقعي وقانوني ،ضرورة وأن هيئة الحقيقة والكرامة ليست هيئة قضائية تتولى المساءلة و المحاسبة ،ولا تصدر أحكاما قضائية ، بل تتولى فقط إحالة الملفات على النيابة العمومية - بما فيها ملفات الفساد المالي والاعتداء على المال العام التي لم يتم فيها الصلح- التي تحيلها بدورها على الدوائر القضائية المختصة عملا بأحكام الفصل 42 من قانون العدالة الإنتقالية لتمارس هذه الدوائر إختصاصها القضائي دون تشريك هيئة الحقيقة والكرامة في ذلك وإن كان ذلك كذلك وإن تم توخي هذا المنطق وإعتمادا على القياس فإنه من المنتظر إذن إصدار قانون جديد بتعلق بإحداث دوائر قضائية مختصة موازية مهمتها فقط النظر والبت في ملفات الفساد المالي والإعتداء على المال العام إذا فشل ابرام الصلح لدى لجنة المصالحة المحدثة في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية ؟؟.
و قد شرعت لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة بعد المصادقة على دليل إجراءاتها في دراسة ومعالجة ملفات طالبي التحكيم و المصالحة في مختلف الانتهاكات الواردة على مصالح الهيئة بما فيها إنتهاكات للفساد المالي و الاعتداء على المال العام مستمعة إلى العديد منهم صحبة المحتكم ضدهم في جلسات خاصة و العمل تبعا لذلك على غلقها في غضون اشهر قليلة لا تتعدى بداية سنة 2016 حسب اتفاق الطرفين صلب اتفاقية التحكيم و ضبط مهمة بشرط توفر إرادة سياسية من الدولة – بصفتها كمتضررة – في غلق ملفات الفساد المالي والإعتداء على المال العام بإعتماد آلية التحكيم والمصالحة صلب هيئة الحقيقة والكرامة ولا يتطلب الامر سنوات و سنوات كما ذهب البعض الى ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي للبلاد المتردي جدا و من له رغبة في الإنقاذ عبر استرداد الدولة للأموال من بعض رجال الاعمال بالبت في مطالبهم الواردة على الهيئة فما عليه الا دعم لجنة التحكيم و المصالحة و التسريع بإصدار الامر الحكومي المتعلق بإتمام الأمر عدد 2016 لسنة 1997 المؤرخ في 20 أكتوبر 1997 المتعلق بضبط شروط إبرام الصلح في المدنية والإدارية والذي قدمت هيئة الحقيقة والكرامة مشروعا له لرئاسة الحكومة منذ شهر أفريلالمنقضي لا بسن قانون موازي لن يساهم إلا في إطالة أمد النزاع التحكيمي و تعقيدا للإجراءات و تعكيرا لوضعية مرتكبي الفساد المالي و سيف البطاقات القضائية السالبة للحرية و المجمدة الأموال والمحجرة للسفر مازالت مسلطة على رقابهم ،علاوة على قد ما يحدثه من تأثيراته سلبية وتوترات في المجتمع التونسي.
في مخالفة أحكام الفصل 21 من الدستور.
نص الفصل 21 من الدستور على مبدأ المساواة بين المواطنين و المواطنات في الحقوق و الواجبات ، وأنه لا يمكن التمييز بينهم أمام القانون كما يحمل الدولة واجب ضمان كافة الحقوق و الحريات الفردية و العامة لهم، لكن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية جاء مخالفا لهذا المبدأ على عدة مستويات، إذ ميز في مستوى أول بين مرتكبي الانتهاكات الجسيمة و/أو الممنهجة من جهة و مرتكبي انتهاكات الفساد المالي و الاعتداء على المال العام من جهة أخرى الذين متعهم دون غيرهم بإمتياز "العفو"و إمكانية ابرام الصلح بإجراءات و شروط ميسرة في حين منع هذا الإمتياز على مرتكبي الانتهاكات المنصوص عليها بالفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية كالقتل العمد والتعذيب والإغتصاب.... و في المستوى الثاني ميز مشروع القانون المذكور بين الموظفين العموميين و اشباههم الذين لهم الحق في العفو وبين بقية مرتكبي إنتهاكات الفساد المالي والإعتداء على المال العام اللذين منح لهم مشروع القانون الحق فقط في ابرام الصلح ، و هناك مستوى ثالث للتمييز بين المواطنين التونسيين في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في خرق فاضح لمبدأ المساواة الذي يتجلى في التمييز بين الموظفين العموميين و اشباههم الذين ارتكبوا انتهاكات فساد مالي متعلقة بالرشوة و الاستيلاء على الأموال العمومية الذين لا يحق لهم إلا إتباع آلية الصلح ، و بين الموظفين العموميين و اشباههم الذين يتمتعون "بالعفو" ليظهر وكأن مشروع القانون يخص فقط فئة معينة من الشعب التونسي دون البقية في ضرب واضح لقاعدة عمومية للقاعدة القانونية ومبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات ، في حين أن هذا التمييز بين مرتكبي الانتهاكات – وهو مفهوم أوسع من الجرائم - غير موجود بقانون العدالة الانتقالية ،فهم جميعا يتمتعون بآلية التحكيم والمصالحة طبقا للفصل 45 من نفس القانون الذي نص أنه:" تحدث لجنة للتحكيم والمصالحة صلب الهيئة يعهد إليها النظر والبت في ملفات الانتهاكات على معنى هذا القانون ....".
في مخالفة أحكام الفصل 108 من الدستور.
أقصى مشروع قانون المصالحة الاقتصادية السلطة القضائية تماما من إمكانية اجراء رقابة قضائية لاحقة على اعمال لجنة المصالحة في خرق لأحكام الفصل 108 و من الدستور الذي منح لكل شخص حق الالتجاء الى القضاء على درجتين في حين نص الفصل الخامس من مشروع القانون على الصبغة النهائية لقرار الصلح الذي لا يقبل أي وجه من أوجه الطعن او الابطال او دعوى تجاوز السلطة، بينما تخضع القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم و المصالحة بهيئة الحقيقة و الكرامة لرقابة قضائية اذ يتم اكسائها بالصبغة التنفيذية من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس.
في مخالفة أحكام الفصلين 10 و20 من الدستور .
ألزم الفصل العاشر من الدستور الدولة بالعمل على التصدي للفساد و حسن التصرف في المال العمومي ، و اتخاذ تبعا لذلك جميع الإجراءات والآليات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف ، و كانت تونس قد صادقت بمقتضى الامر عدد 7 6 3 المؤرخ في 24 مارس 2008 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموافق عليها بمقتضى القانون عدد 16 المؤرخ في 25 فيفري 2008 والرامية الى كشف مكامن الفساد و منعه و ردعه ، و تتمتع هذه الاتفاقية طبق الفصل 20 من الدستور بمرتبة اعلى من القوانين التي لا بجب ان تتعارض مع أهدافها و روحها ، في حين ان مشروع قانون المصالحة الاقتصادية كان مخالفا لإتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد وللفصل 10 من الدستور فهو لا يضمن كشف حقيقة الفساد و مكامنه و لا يعالج مشاكل و مخاطر الفساد على إستقرار المجتمع التونسي و امنه مما يضرب آليات الديمقراطية و قيمها و أسس العدالة و المبادئ الأخلاقية ، كما يكرس مشروع القانون سياسة الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة العادلة و الشفافة لمرتكبي إنتهاكات الفساد المالي و الاستيلاء على المال العام خاصة و ان لجنة المصالحة المحدثة في مشروع القانون و المعنية من السلطة التنفيذية تفتقر للحياد و الاستقلالية في
تعارض تام مع أحكام باب ضمانات تعزيز النزاهة و الامانة و المسؤولية لدى الموظفين العموميين الوارد بالاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لتجمع لجنة المصالحة المذكورة في يدها كل الصلاحيات والسلطات دون رقيب ولا حسيب " وكل شيء يؤول إلى ضياع إذا حيزت السلطة في يد شخص أو هيئة واحدة" على حد تعبير مونتسكيو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.