الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتبرته مخالف للدستور ولمقتضيات العدالة الانتقالية.. جمعيّة القضاة تطالب بسحب مشروع قانون المصالحة
نشر في الصباح نيوز يوم 15 - 07 - 2016

أصدرت جمعية القضاة التونسيين اليوم بيانا جاء فيه أنه وبعد اطلاع المكتب التنفيذي للجمعية على الصيغة المعدلة من مشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي و الذي تضمن تدابير خاصة تتعلق بالانتهاكات ذات الصلة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام وتتمثل في :
* العفو العام على الموظفين العموميين وأشباههم بالنسبة للأفعال التي تمت مقاضاتهم من اجلها والمتعلقة بالفساد الإداري والمالي وبموجب ذلك تتوقف التتبعات والمحاكمات في حقهم (الفصل 2).
* إمكانية تقديم مطلب صلح الى لجنة المصالحة المنصوص عليها بالفصل 4 من المشروع من قبل كل شخص حصلت له منفعة من أفعال تتعلق بالفساد المالي او بالاعتداء على المال العام (الفصل 9).
* العفو عن مخالفات الصرف (الفصل 13).
* إحداث لجنة المصالحة (الفصل 4).
وإذ يذكر بموقف جمعية القضاة التونسيين من مشروع القانون عدد 49 لسنة 2015 في صيغته الأصلية في بيانها المؤرخ في 11 سبتمبر 2015 الذي أكدت فيه على مخالفة ذلك المشروع لدستور 27 جانفي 2014 وللمعايير الدولية للعدالة الانتقالية.
وإذ يستحضر ملاحظات اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية عبر القانون (المعروفة بلجنة البندقية) المضمنة صلب رأيها المصادق عليه بجلستها العامة عدد 104 بتاريخ 23-24 أكتوبر 2015 بخصوص مشروع القانون المذكور في صيغته الأصلية، التي أكدت أيضا على مخالفة مشروع القانون في صيغته الأصلية للدستور التونسي من حيث تجاوز مشروع القانون المذكور لآليات كشف الحقيقة حول ماضي الانتهاكات التي تسلطت على المال العام وجرائم الفساد المالي كآلية أساسية في تفكيك منظومة الفساد وتجنب تكرار تلك الاعتداءات وشدّدت كذلك على انعدام ضمانات الاستقلالية للجنة المصالحة المزمع إحداثها بمقتضى ذلك القانون بما يجعلها عرضة لضغوطات وتأثيرات السلطة السياسية وسجلت من جهة أخرى تغاظي مشروع القانون في ثغرة واضحة عن مقتضيات الإصلاح المؤسسي تجاه الموظفين الذين يقرون بضلوعهم في جرائم الفساد المالي وارتكابهم لأعمال فساد وانتهاك المال العام .
فإنه يبدي الملحوظات التالية بخصوص مشروع القانون المعدل والمزمع عرضه على لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب .
أولا: يشدد على ان مشروع قانون المصالحة الاقتصادية شابته الكثير من الاخلالات القانونية تمثلت في مخالفة أحكام الدستور والمعايير الدولية في ضبط أسس العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد من جهة وفي نقائص وثغرات على مستوى أحكامه من جهة أخرى.
في الخروقات الدستورية :
I- التوطئة
1- خرق مبدأ الالتزام بمكافحة الفساد:
إنّ مشروع قانون المصالحة موضوع المبادرة التشريعية المذكورة يفرغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها ويؤدّي إلى التخلّي عن أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة والتحكيم والمصالحة وإصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار ، كما أنّه يضمن الإفلات من العقاب لمرتكبي أفعال تتعلّق بالفساد المالي و بالاعتداء على المال العام.
إن تهيئة مناخ ملائم للأعمال والاستثمار في البلاد لا يختزل فقط في معالجة ملفات معينة لبعض الأشخاص المتورطين في الفساد المالي والاعتداء على المال العام بل يتطلب وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد والوقاية منه. كما أن ّتنمية الاقتصاد الوطني تستوجب إصلاح التشاريع والمؤسسات التي ساهمت في إضعافه وفي تكريس منظومة الفساد والتستر عليها طيلة كامل الفترة المشمولة بقانون العدالة الانتقالية
2- خرق مبدأ التشارك
لم يخضع مشروع القانون المتعلق بالمصالحة الاقتصادية لأي شكل من أشكال الاستشارة مع الهيئات الرسمية او غير الرسمية المعنية بموضوع العدالة الانتقالية أومكافحة الفساد وعلى رأسها هيئة الحقيقة والكرامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وكذلك الهيئة الوقتية المشرفة على القضاء العدلي فيما يتعلق باختصاص الدوائر القضائية في مجال العدالة الانتقالية وفي ذلك خروج عن مبدأ التشاور والتشارك المكرس بتوطئة الدستور.
3 - خرق مبدأ الحكم الرشيد.
إن إقرار آليتي العفو و المصالحة لمن تورط في الفساد المالي او الاعتداء على المال العام دون محاسبة و دون كشف الحقيقة واصلاح المؤسسات يتعارض بشدة مع مقومات الحكم الرشيد وهي الشفافية والمساءلة كوسيلتين للحد من انتشار الفساد وتفشيه في كيان الدولة والمجتمع.
II- متن الدستور:
خرق الفقرة 9 من الفصل 148 والفصل 10 من الدستور
ان الهدف الأساسي للعدالة الانتقالية ، خلافا لما ورد بالفصل الأول من مشروع القانون، هو البحث عن الحقيقة وكشفها و تحميل المذنبين المسؤولية عن ارتكاب الانتهاكات لمساعدة المجتمع على فهم أسباب تلك الانتهاكات سواء ضد الحقوق والحريات أو ضد مقدرات الشعوب وأموال المجموعات الوطنية حتى لا تعاد ، ذلك أن الإفلات من العقاب أو غض النظر عن الانتهاكات في حق الشعوب سيؤدي حتما إلى تكرارها. لذلك ألزم الفصل 10 من الدستور في فقرته الثانية الدولة على العمل على منع الفساد وهي الغاية التي يعارضها ويتنافى معها مشروع القانون في صيغته المعدّلة.
"يتصادم" مشروع قانون المصالحة مع الفقرة التاسعة من الفصل 148 من الدستور الذي نزّل منظومة العدالة الانتقالية والمدّة المحدّدة لها منزلة دستورية مما اكسبها القيمة القانونية والحماية المقررة للنص الدستوري .
تتحقق المصالحة الوطنية المنشودة من مسار العدالة الانتقالية عبر مجموعة من الآليات والمراحل المترابطة التي تسبقها منها المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر و رد الاعتبار وإصلاح المؤسسات، في حين أنها لا تعدو ان تكون في مشروع القانون المقترح إلا وسيلة لغلق ملفات الفساد وطمسها وتكريس الإفلات من العقاب وفي ذلك خروج صريح عن مبادئ العدالة الانتقالية المكرسة بالقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 وتنصل من الدولة في تنفيذ التزامها الدستوري بتطبيق مسار العدالة الانتقالية بجميع مراحله المترابطة و المتكاملة .
في المخالفة للمعايير الدولية
1- مخالفة المعايير الدولية لمكافحة الفساد:
لا ينسجم مشروع قانون المصالحة مع التزامات الدّولة التونسية في مجال مكافحة الفساد وإنفاذ القوانين الواقية منه على غرار الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد لسنة 2003 التي صادقت عليها تونس منذ سنة 2008، إذ أوجبت المادة 5 من هذه الاتفاقية على كل دولة طرف فيها وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني ,وضع وتنفيذ او ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة
يعتبر مشروع قانون المصالحة تراجعا من الدولة التونسية عن التزامها بموجب اتفاقية مكافحة الفساد باتخاذ التدابير التشريعية لمكافحة الفساد تجسيدا لسيادة القانون وتكريس المبادئ النزاهة والشفافية والمحاسبة بما انه لا يحقق أي هدف من هذه الأهداف بل انه يشجع على إفلات المفسدين من المحاسبة ويحول دون تطبيق القوانين الجزائية الرادعة على الأفعال التي تشكل فسادا ماليا واعتداء على المال العام .
2- مخالفة المعايير الدولية للعدالة الانتقالية:
إنّ العدالة الانتقالية وفقا للمبادئ والمعايير الدولية المتفق عليها هي مسار متكامل ومترابط من الآليات المؤدّية لفهم و معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في مفهومها الواسع وذلك بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يدرا خطر تكرار هذه الانتهاكات ويساهم في إصلاح المؤسسات والتشريع ويحقق المصالحة الوطنية المنشودة ويدعم بناء دولة القانون.
خالف مشروع قانون المصالحة المعايير الدولية للعدالة الانتقالية التي تجعل من كشف الحقيقة مرحلة أساسية وجوهرية ضمن مسار العدالة الانتقالية لا يمكن تجاوزها او تغييبها ولذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها عدد 68 125 \ الصادر بتاريخ 18 ديسمبر 2013 على أهمية احترام وضمان الحق في معرفة الحقيقة من اجل المساهمة في وضع حد للإفلات من العقاب وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
- استبعاد الكشف عن الحقيقة :
لا ينص مشروع القانون بوضوح على كيفية التصريح بالمبالغ المنهوبة كاملة ولا يحدد طرق مكافحة التحيّل ويترك بذلك الفرصة سانحة أمام الفاسدين للتستر على ثرواتهم وعلى الحجم الحقيقي للاختلاسات . فضلا على ان هذا المشروع لم يجبر المورطين في الفساد على الإفصاح عن شركائهم الذين ساعدوهم على اختلاس الأموال وخاصة الموظفين العموميين مما سيمكن الفاسدين من الإفلات من العدالة .
- التخلي على ما كان يقتضيه مشروع القانون في صيغته الأصلية (الفصل 10) من إحالة تقرير حصيلة أعمال اللجنة إلى هيئة الحقيقة والكرامة.
- حجر الفصل 15 من مشروع القانون استعمال المعلومات المصرح بها أو المتحصل عليها في إطار تطبيقه لغير الأغراض التي سن من أجلها بما يعني الإبقاء على هذه المعلومات سرية وحجبها عن المواطنين وحرمانهم من حقهم في الكشف عن الحقيقة المكفول لهم بالفصل الثاني من قانون العدالة الانتقالية المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 فضلا على أن نشر لجنة المصالحة لتقريرها المتضمن نتيجة أعمالها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية طبق أحكام الفصل 17 من مشروع القانون لا يغني عن واجب كشف الحقيقة خاصة أن هذا التقرير لا يتضمن جميع المعلومات المصرح بها من المتورطين في الفساد أو المتحصل عليها من اللجنة بما أن هذه المعلومة سبق منع نشرها صراحة بموجب الفصل 16 من مشروع القانون و لا يعدو ان يكون التقرير الذي سينشر سوى استعراضا لبعض المعلومات العامة والإحصائيات التي لا تحقق الكشف عن الحقيقة كما عرفها الفصل الرابع من قانون العدالة الانتقالية وهو " جملة الوسائل والإجراءات والأبحاث المعتمدة لفك منظومة الاستبداد وذلك بتحديد كل الانتهاكات وضبطها ومعرفة أسبابها وظروفها ومصدرها والملابسات المحيطة بها والنتائج المترتبة عليها..." خلافا لأحكام الفصل 67 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية الذي نص على وضع تقارير الهيئة ومنها التقرير الختامي المتضمن لتحديد الحقائق والمسؤوليات وأسباب الانتهاكات على ذمة العموم ونشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية إعمالا لمبدأ الشفافية. ويظل بهذه الكيفية تجاوز مشروع القانون لأهم آلية من آليات العدالة الانتقالية وهي الكشف عن الحقيقة خلالا قائما في مشروع القانون حتى بعد تعديله طبق ما أسهبت في تحليله لجنة البندقية في رأيها عدد 104 بتاريخ 23-24 أكتوبر 2015 " صفحة 9 ".
- إهدار إصلاح المؤسسات
يهدف إصلاح المؤسسات الى تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات واحترام حقوق الإنسان وإرساء دولة القانون و يقتضي خاصة مراجعة التشريعات وغربلة مؤسسات الدولة ومرافقها ممن ثبت مسؤوليته في الفساد والانتهاكات و تحديث مناهجها وإعادة هيكلتها وتأهيل أعوانها.
سيؤدي العفو المقرر بمشروع القانون, في صورة تطبيقه, إلى منع "لجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات" المحدثة صلب هيئة الحقيقة و الكرامة من إصدار ما يقتضيه الفحص من توصيات في خصوص استبعاد كل شخص يشغل إحدى الوظائف العليا بالدولة إذا تبين انه ارتكب احد الأفعال المنصوص عليها بالفصل 43 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها ذلك أن مشروع القانون قد نصّ على حذف الفقرة "ب" من الفصل 43 المذكور وهذا من الاخلالات الواضحة بمبادئ العدالة الانتقالية التي أكدت عليها لجنة البندقية في رأيها عدد 104 بتاريخ 23-24 أكتوبر 2015 " صفحة 10 " والذي ظل قائما في مشروع القانون كما تم تعديله.
في النقائص القانونية :
- لم يتجاوز مشروع القانون في صيغته المعدلة الإشكال المتعلق باستقلالية رئيس وأعضاء اللجنة "المصالحة" وذلك من جهة إخضاع تعيينهم وبالتبعية إنهاء مهامهم إلى السلطة التنفيذية، وذلك سواء بالنسبة إلى أعضاء اللجنة والذين تتم تسميتهم من قبل رئيس الجمهورية أو إلى رئيسها والذي تتم تسميته في خطته الأصلية كرئيس للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من طرف رئيس الحكومة، وذلك دون إقرار حد أدنى من ضمانات استمرارهم في أداء وظائفهم بمعزل عن تأثيرات غير مستبعدة من سلطة التعيين ومن غيرها من قوى الضغط ومراكز النفوذ.
- إنّ إقحام ثلاثة قضاة ضمن تركيبة اللجنة، فضلا على ما يطرحه من إشكالات تتصل بإجراءات تعيينهم وبغموض وضعياتهم القانونية داخل اللجنة ( وضعيات مباشرة في القضاء أو تفرغ بإلحاق يرجع القرار فيه إلى المجالس القضائية المعنية)، فإنه ليس معيارا حاسما في الإقرار بتحصين اللجنة من تدخل السلطة التنفيذية في أعمالها لغياب الآليات الكفيلة بحماية مدة ولاية أعضاء اللجنة من التعسف في إنهاء العضوية. وهذا ما شدّدت عليه أيضا لجنة البندقية بصفة جوهرية ولم يقع تداركه في التعديل الذي أدخل على مشروع القانون في رأيها عدد 104 بتاريخ 23-24 أكتوبر 2015 " صفحة 8 ".
- لم تمتّع لجنة المصالحة صلب مشروع القانون بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري وبمقر خاص بها ضمانا لاستقلاليتها و بما يؤهلها لاكتساب أهلية الالزام والالتزام لممارسة اختصاصاتها وإبرام الصلح مع الأطراف المعنية والتصرف في ميزانيتها بكل استقلالية . بل أن الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من مشروع القانون أسندت مهمة الكتابة القارة للجنة و متابعة أعمالها وتنظيم اجتماعاتها و تدوين مداولاتها و حفظ وثائقها للكاتب العام للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
- أحدث مشروع القانون تداخلا واضحا بين مهام وهياكل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولجنة المصالحة وهو ما يضعف من موقع الهيئة في مكافحة الفساد كما أحدث المشروع التباسا حول دورها الأساسي في مكافحة هذه الآفة بإسناد الهيئة دورا جديدا في التسامح بصفة واضحة وجلية مع هذه الآفة. (وهو ما يتناقض مع دورها الأصلي الذي يقتضي بروز مجهودات قوية من جانبها في التصدّي لهذه المعضلة بالتباعد على كل ما يمكن أن يفهم منه تطبيعا وتساهلا مع الفساد).
- لم يبيّن مشروع القانون بدقة طريقة تعيين أعضاء اللجنة و لم يحدد ان كانت استشارة المجالس القضائية التي ينتمي اليها القضاة الأعضاء أو الهيئات المهنية او رؤساء الكتل النيابية هي استشارة ملزمة من حيث الرأي او مجرد شكلية إجرائية لا تقيد صاحب سلطة الاختيار.
- لم يحدّد مشروع القانون شروط الترشح لعضوية اللجنة من حيث الجنسية و السن و الخلو من السوابق العدلية و موانع الترشح و حالات عدم الجمع بين عضوية اللجنة وممارسة بعض الوظائف والمهن الأخرى ضمانا لتحقق شروط الكفاءة والنزاهة والحياد.
- عدم التنصيص صراحة على تفرغ أعضاء اللجنة لأداء مهامهم تحقيقا للجدوى و النجاعة.
- عدم التنصيص على وجوبية الرقابة القضائية على تنفيذ بنود الصلح بعدم التنصيص على استئناف التتبع أو المحاكمة أو العقوبة اذا ثبت ان مقترف الانتهاكات قد أخل بتنفيذ الصلح أو تعمد إخفاء الحقيقة أو عدم التصريح بجميع ما أخذه دون وجه حق.
- عدم اخضاع أعمال لجنة المصالحة لرقابة قضائية خلافا لما نص عليه الفصل 108 من الدستور وذلك باعتبار وأن الفصل 11 من مشروع القانون على صيغته النهائية يصف قرار الصلح بالقرار النهائي بما يعني تحصينه من أي طعن قضائي رغم ما قد يعتريه من اخلالات شكلية وأصلية وذلك في مخالفة لمبدأ الشرعية الذي يعتبر عنصرا أساسيا من عناصر دولة القانون .
- اعتبار القيام أمام اللجنة سببا لإيقاف نظر الهيئات القضائية في النزاعات المنشورة والحال أنه كان من الأجدى اعتبار تنفيذ الصلح هو الذي يعلق النظر في القضايا المنشورة.
- عدم وضوح الحدود بين القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بالعدالة الانتقالية ومشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي وهو ما سيفضي حتما إلى تداخل مجالي انطباق كل من القانونين وإلى ازدواجية الصلاحيات وما سيؤدي إلى اضطراب على مستوى تناسق النظام القانوني اضطرابا يمس من مبدأ الشرعية وقواعد دولة القانون .
- إلغاء الفصل 9 من الصيغة الأصلية لمشروع القانون الذي كان ينص على أن التدابير المنصوص عليها بالفصلين 2 و 3 من مشروع القانون لا تنال من حقوق الغير وهو ما سيمسّ مساسا فادحا بحقوق كل من تضرر من أعمال الفساد المالي المنسوبة للموظفين وأشباههم من حق المطالبة بالتعويضات المدنية خاصة وقد منع مشروع القانون في صيغته الأخيرة صراحة نشر المعلومات المصرّح بها من المتورطين في الفساد التي تتحصل عليها اللجنة .
- بخصوص جرائم الصرف والتهرب الضريبي : كرّس مشروع القانون تقليدا دأب عليه النظام السابق وهو العفو الضريبي كل 5 أو 10 سنوات مما جعل كل المؤسسات تتهرب من دفع الضرائب في انتظار العفو الذي يمنح بشروط معينة ولأشخاص معيّنين. وإن هذا النوع من العفو عن جرائم الصرف والتهرب الضريبي يشكل خطورة بالغة باعتباره يشجّع ضمنيّا على ارتكاب هذه الجرائم ويكرّس ثقافة الإفلات من العقاب لأنّ المبالغ التي سيتم دفعها في مقابل "المصالحة" على معنى مشروع القانون هي 5 بالمائة سنويا ولا تفوق ربع ما يستوجب الخلاص فعليا وهو أمر ينخر الاقتصاد ولا يدفعه للتعافي مثلما نصت على ذلك ديباجة مشروع القانون المضمنة بالفصل 1.
- فيما يتعلق بالتصريح بالمكاسب لأعوان الدولة ممّن يشملهم قانون المصالحة:
يوجد عائق قانوني لإطلاع اللجنة على فحوى التصاريح التي أدلى بها المعنيون "بالمصالحة" لدى دائرة المحاسبات (إن وجدت) باعتبار أنّ القانون عدد 17 لسنة 1987 يحجّر الكشف عن مضمون التصاريح إلاّ في إطار دعوى قضائية ضدّ المصرّح وللمحكمة فحسب أن تطلب الاطلاع على التصريح. وبالتالي، وباعتبار اللجنة المكلفة بالمصالحة لجنة إدارية بحتة فإنها لن تتمكن من تجميع ما يكفي من المعطيات بخصوص المعنيين بالصلح من الموظفين العموميين بالرغم من أن الفصل 11 ينص على أنه "لا يجوز معارضتها بالسر المهني" باعتبار مضمون التصريح لا يدخل في هذا المجال.
ثانيا: يؤكد على أن التصوّر الذي يقوم عليه مشروع القانون يخلق سياقا عاما متساهلا ومتسامحا مع جرائم الفساد المالي وانتهاك المال العام لا يشجع ولا يحفّز على تقوية دور القضاء في ردع تلك الجرائم باعتباره حامي حقوق المجموعة الوطنية في عدم نهب المال العام وعدم الاعتداء عليه.
ثالثا: يؤكد انه متى قامت المصالحة على أساس العدالة والمساءلة ،فمن شأنها أن تضمن نجاح الانتقال الديمقراطي وبناء المؤسسات ودولة القانون وتعزز بذلك الثقة في صفوف المستثمرين الأجانب. أما إذا أخرجت عن سياقها وانحرفت عن مسارها الطبيعي كآلية من آليات العدالة الانتقالية فإنها لن تنجح في معالجة منظومة الفساد و تفكيكها ولن تضمن عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل.
رابعا: يذكر بان الفقرة الثانية من الفصل 45 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية أسندت صلاحية النظر في مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي للجنة التحكيم والمصالحة التابعة لهيئة الحقيقة والكرامة ، ضمن منظومة قانونية دقيقة لتوقيع الصلح أو التحكيم بما يغني عن إحداث هيئات موازية في هذا المجال لا تتمتع بنفس القدر من الاستقلالية.
خامسا: يدعو تبعا لذلك الى سحب هذا المشروع المخالف للدستور ولمقتضيات العدالة الانتقالية طبق القانون عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وطبق المعايير الدولية ولعدم ضمانه لتكرار انتهاكات الماضي والتمشي نحو نظام ديمقراطي سليم كما يدعو إلى العمل على تدعيم الإمكانيات البشرية والمادية للجنة التحكيم والمصالحة المختصة بموجب قانون العدالة الانتقالية المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 للنظر في مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي حتى تتمكن من الإسراع في البت في ملفات الفساد المالي المعروضة عليها في اقصر الآجال و في اطار المسار الطبيعي لمنظومة العدالة الانتقالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.