تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    مدير عام الديوانة يدعو لليقظة و التصدي إلى مختلف أشكال التهريب    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    متابعة/ فاجعة البحارة في المهدية: تفاصيل جديدة وهذا ما كشفه أول الواصلين الى مكان الحادثة..    سوسة: إنقاذ مركب صيد بحري على متنه 11 شخصا من الغرق    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : حكام الجولة التاسعة عشرة    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    المنيهلة - أريانة: إصابة 5 ركاب في حادث مرور    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    أجور مساعدي الصيادلة مجمدة منذ 2022 ماالقصة ؟    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    الاطاحة بعنصر خطير نفذ سلسلة من "البراكاجات"..وهذه التفاصيل..    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    مؤسس "باينانس" قد يواجه السجن لمدة 3 سنوات    جندوبة : اندلاع حريق بمنزل و الحماية المدنية تتدخل    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    قرب سواحل المنستير: تواصل البحث عن بحارة مفقودين في غرق مركب صيد    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق استقصائي: من غرفة العناية المشددة إلى المشرحة
نشر في الجريدة التونسية يوم 26 - 11 - 2015

"أذكر جيّداً تلك الحقنة وأذكر كيف أرسلتني مباشرة للجحيم. في تلك الليلة شعرت أن جسدي تحوّل إلى كتلة ملتهبة بدأت الحروق في التهامها من كل مكان". بهذه الكلمات لخّصت وفاء القروي البالغة من العمر 35 سنة والأم لطفل لا يتجاوز العاشرة من عمره، مأساتها مع الأخطاء الطبية التي ذهبت ببصرها وشوهت وجهها.
في حزيران/يونيو 2014 دخلت وفاء مشفى في قلب العاصمة تونس بعد تعرضها لارتفاع مفاجئ في حرارة جسدها. هناك أعطتها الطبيبة حقنة خافضة للحرارة، أفقدتها بصرها وشوّهت جسدها بحروق بليغة، فظلت تتألّم منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، دون أن تعرف ماذا حصل لها بالضبط وبماذا تم حقنها.
كل ماتعرفه هذه السيدة أن خطأً طبياً قد وقع، وأن التحقيق لم يسفر عن كشف الحقيقة ولم يدن المستشفى أو الطبيبة المشرفة على حالتها.
تضيف بنبرة حزينة "كنت أصرخ وأتلوى من الألم وأطلب من ابني الصغير أن يشعل المصباح بجانب سريري لأني أغرق في العتمة ولا أرى شيئا ولكني صعقت عندما أجابني مذعورا بأن النور الكهربائي مفتوح".
وفاء واحدة من مئات الضحايا لحوادث الأخطاء الطبية في تونس التي تحوّلت إلى ظاهرة ضحاياها بالمئات وخسائرها فادحة.
يبين هذا التحقيق الاستقصائي الذي أعدّه موقع "مراسلون" كيف احتل الطب الجراحي النسب الأعلى من الأخطاء الطبية، خصوصاً في الجراحة العامة والتوليد والتخدير وجراحة التجميل، وكيف تحوّل عشرات الأطباء إلى ما يشبه قتلة وتحوّلت غرف العمليات ببعض المستشفيات إلى معابر مؤقتة إلى المشرحة.
16 مريضا في شهر واحد
تتلقى الجمعية التونسية لمعالجة الاخطاء الطبية 15 ألف شكوى سنويا بحسب مسؤوليها غير أن وزارة الصحة (الجهة الرسمية) تقول ان الحالات التي يمكن ادراجها ضمن الاخطاء الطبية لا يمكن ان تتجاوز 300 حالة في السنة.
ويعود آخر تقرير للجمعية الى سنة 2009 والذي اجراه الدكتور عصام العامري رئيس الجمعية التونسية لإعانة ضحايا الأخطاء الطبية. فقد أنجزت الجمعية دراسة نوعية حول الأخطاء الطبية في المستشفى الجامعي "فرحت حشاد" بمدينة سوسة ثالث أكبر الولايات التونسية.
هذه الدراسة كشفت عن أرقام مفزعة وغير متوقعة في القطاع الطبي، فأكدت أنه خلال فترة شهر تم تسجيل دخول 1428 مريض إلى المستشفى في جميع الاختصاصات باستثناء الطب النفسي وقسم الاستعجالي (الطوارئ) وقسم حديثي الولادة ، تعرض من بين هؤلاء 162 مريضا إلى حادث ناتج عن التدخل الطّبي كما تعرض 184 مريضا إلى أكثر من حادث طبي واحد.
كما تبين الدراسة أن 3.1 بالمائة من الذين تعرضوا إلى الأخطاء الطبية قد أصيبوا بإعاقات جسدية مختلفة. لكن الأخطر من ذلك أن هذه الحوادث الطّبيّة تسببت في وفاة 16 مريضا خلال شهر واحد فقط.
قبل الثورة في تونس وقع التعتيم على هذه الدراسة الخطيرة التي تكشف حقائق صادمة وقاسية على واقع الأخطاء الطبية في مستشفى جامعي يفترض أن تكون الخدمات الطبية فيه خدمات نوعية، وبعد الثورة تم تجاهل هذه الدراسة وعدم ايلائها الاهتمام الذي تستحقه.
قصة شيراز
الاخطاء الطبية عديدة غير أن كل المعطيات تقول بأن التخدير يعد من الاختصاصات المتهمة بتكرّر الحوادث الطبية.
ففي نهاية 2013 وبداية 2014 اهتزت المستشفيات على وقع فضيحة ما سمّي ب"التخدير القاتل". فقد تواترت حوادث التخدير لتبلغ 8 حالات متفاوتة الخطورة في القطّاعين الخاصّ والعمومي.
الطفل محمدّ ياسين كان أحد ضحايا جرعات التخدير تلك. ولد محمد بمشكلة في الدم وعندما أجريت له عملية جراحية تسبب التخدير الخاطئ في تلف خلاياه الدماغية، ففقد حاسة السمع والنطق وبات عاجزا عن تحريك أطرافه .
شيراز الهمامي سيدة تبلغ من العمر 38 سنة، تعمل موظفة في بنك خاص وتقطن بجهة المرسى في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس. شيراز أم لطفل عمره سبع سنوات، عانت بعد ولادتها من زيادة وزنها بشكل جعلها تفكّر في إجراء عملية لتضييق معدتها.
وقد دخلت فعلا احدى المصحات المعروفة في العاصمة يوم 21 آذار/مارس 2013 لاجراء هذه العملية الجراحية البسيطة والتي لا تستغرق وقتا وأذن لها الطبيب حسب رواية العائلة بالمغادرة بعد يوم واحد رغم الآلام المبرّحة التي كانت تشعر بها في معدتها والانتفاخ الظاهر في بطنها.
ما ان عادت شيراز إلى المنزل حتى بدأت حرارتها بالارتفاع مما استدعى نقلها على جناح السرعة مجددا للمصحة لتدخل عملية جراحية ثانية تفارق على إثرها الحياة.
وقد أسفر التحقيق القضائي عن تلقي هذه السيدة جرثومة قاتلة في غرفة العمليات تسببت في هلاكها بسبب عدم تعقيم أدوات الجراحة وتجهيزات غرفة العمليات حسب رواية العائلة.
عملية قيصرية تتحوّل إلى مأساة
غير بعيد عن العاصمة و تحديدا بمصحة "الروابي" بمدينة بنزرت شمال البلاد وبعد فاجعة شيراز الهمامي واجهت سمية بوعشير المصير نفسه: الموت جرّاء خطأ طبي.
سمية سيدة في بداية عقدها الثالث، وأم لطفل في الثامنة من عمره وكانت حاملا بتوأم، دخلت مصحة الروابي الخاصّة ببنزرت بتاريخ 15 تشرين أول/أكتوبر 2013 بعد أن شعرت بآلام المخاض.
في المصحة خضعت سمية لعملية ولادة قيصرية، لكن بعد ساعات من الولادة بدات تشعر بآلام حادة وتعاني من انتفاخ غير عادي في البطن وارتفاع في حرارة الجسم ورغبة مستمرة في التقيؤ وعجز عن شرب حتى الماء.
سليم بوعشير شقيق سمية يقول ل"مراسلون": "بقيت شقيقي تصارع الموت بعد خطأ طبي في التدخّل الجراحي أثناء العملية القيصرية، ولم يجر إسعافها، وعندما شارفت على الموت خضعت في نفس المصحّة إلى عملية جراحية ثانية لرتق ثقب الأمعاء الذي نتج عن العملية الأولى ولكن العملية الجراحية الثانية فشلت وفارقت سمية بوعشير الحياة بعد أيام من ولادة التوأم".
شقيق سمية اتهم زوجها بالتواطؤ مع الطبيب قصد الإجهاز عليها والتخلّص منها بطريقة لا تثير الشبهة من خلال الإهمال والتقصير المتعمّد في التدخّل والإسعاف الطبي وهو ما لم تثبته التحقيقات. وقد أقرّت اللجنة الطبية المسخّرة بحكم قضائي أن هناك خطأ وتقصيراً طبياً واضحاً في إجراء عملية الولادة القيصرية.
مساعدة الضحايا
تعمل الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية وتقديم الإحاطة النفسية والمساعدة القانونية في استرداد حقوقهم واثبات الأضرار التي لحقت بهم جرّاء أخطاء طبيبة أو تقصير وإهمال.
ويتولّى رئيس الجمعية صابر بن عمار نيابة المتضررين في القضايا أمام المحاكم المعنية ويعدّ من المحامين القلائل في تونس المتخصصين في إثبات المسؤولية في مجال الأخطاء الطبية.
قصة حزينة تقف وراء تأسيس صابر بن عمّار لهذه الجمعية، إذ فقد والدته منذ سنوات قليلة جرّاء خطأ في تشخيص مرضها.
كانت الوالدة تعاني من انسداد شرايين في القلب لكن الطبيبة التي تابعت حالتها كانت تصرّ على أن الاوجاع التي تنتابها أسفل رقبتها من حين الى آخر ناجمة عن مرض الروماتيزم الى أن تدهورت حالتها وفقدت حياتها.
وفي تصريح ل"مراسلون" قال صابر بن عمار إن "القانون ما زال قاصرا في مواجهة ظاهرة الأخطاء الطبية التي ما انفكت تتسع والهيكل الطبي في تونس لا يريد الخضوع للمساءلة القانونية".
وبحسب بن عمّار فإن الهدف الرئيسي للجمعية الضغط على الدولة لتبنّي مبدأ "المسؤولية دون خطأ" وإسقاط واجب الإثبات المحمول على المتضرّر على غرار ما هو معمول به في فرنسا.
ويقصد بمبدأ "المسؤولية دون خطأ" أن المؤسسة الطبية سواء كانت خاصة او عمومية تتحمل طبق القانون المسؤولية عن الخطأ الطبي في حال وقوعه والمسؤولية عن تعويض المتضررين أو ذويهم، ولكن من دون تحميل الطبيب الجراح والكوادر الطبية الخطأ الشخصي.
صندوق للتعويض
تتلّقى الجمعية التونسية لمساعدة الأخطاء الطبية يوميا عشرات الشكاوى من خلال مكالمات هاتفية وعشرات الزيارات لمقرّ الجمعية.
يقول صابر بن عمار ان الجمعية تسجّل سنويا قرابة 15 ألف خطأ طبي بين القطاع الخاصّ والعام بدرجات خطورة متفاوتة.
ويتابع: "هذا الرقم تحاول وزارة الصحة التعتيم عليه هو رقم يعكس العدد المهول للشكايات اليومية، هذا دون احتساب تعمّد البعض إخفاء الأمر خاصّة في مجال جراحة التجميل تفاديا للفضيحة، خاصّة بالنسبة للنساء".
ويطالب رئيس الجمعية بصندوق وطني للتعويض الآلي لضحايا الأخطاء الطبية، مؤكّداً أن غياب هذا الصندوق أزّم وضعية المتضررين. "فبعض المتضررين لقي حتفه لغياب الإمكانات المادية لترميم ما خلّفته الأخطاء من مشكلات، ناهيك عن أن إجراءات التقاضي تطول وقد تستغرق أحيانا خمس سنوات ليحصل المتضرّر على تعويض".
ويوضح هذا المحامي المختص أن "الأطباء يتضامنون فيما بينهم على مستوى اللجنة الطبية المسخّرة وهناك تواطؤ سافر لإهدار حقوق المتقاضين والمتضررين، وهو السبب نفسه الذي دفع بالدولة الفرنسية في فترة ما إلى اعتماد مبدأ المسؤولية دون خطأ".
قتل وابتزاز
رئيس الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية تحدّث أيضا عن التعويضات الزهيدة غير الملائمة للضرر التي تقدّمها الدولة لضحايا الأخطاء والتي لا تتجاوز أحيانا وفي حالة الوفاة 100 ألف دينار تونسي (نحو خمسين ألف دولار أمريكي). وعرّج أيضا على ظاهرة "تنخر المصحات التونسية الخاصّة" على حد وصفه، عندما يكون المريض من جنسية أجنبية.
ويروى بن عمار قصة وثقتها جمعيته لمريض ليبي أصيب بورم في المخّ وخضع لعملية جراحية بمصحة يتحفظ "مراسلون" عن ذكر اسمها باعتبار الملف ما زال في عهدة القضاء. وقد أجرت المصحة لأوّل مرة في تاريخها هذه العملية رغم خطورتها، وهو ما نتج عنه إعاقة شبه كاملة للمريض.
رغم إصرار عائلته على إخراجه من المصحة وتسفيره لألمانيا الا ان المصحة رفضت وأجرت له عملية ثانية دخل على إثرها في غيبوبة استمرت ثلاثة أشهر تمت فوترتها على حساب المريض الذي توفّي. وفي النهاية رفضت المصحة تسليم جثمانه للعائلة إلا بعد دفع ما قدره 360 ألف دينار تكاليف إقامته بالمصحة!
وفي النهاية رفع ذوو المريض قضية أمام القضاء يتهمون فيها المصحة بالقتل على وجه الخطأ، وبالابتزاز.
صابر بن عمّار تحدّث أيضا عن السيدة الفرنسية ميشال تيري التي قدمت إلى تونس لإجراء عملية تجميل تتمثّل في شفط دهون في مصحة نتحفظ عن ذكر اسمها في بداية 2014 ولكنها عادت لفرنسا جثة هامدة بعد خطأ في التخدير اعترفت الطبيبة في ما بعد به وأعادت نفقات العملية للزوج الفرنسي المكلوم.
وتوعّد صابر بن عمار بأنه في تقرير الجمعية القادمة سيقوم بنشر أسماء المصحات غير الملتزمة بالأخلاقيات المهنية بعد أن لاحظ مراقبو الجمعية تواتر هذه الأخطاء الطبية في خمس مصحات بعينها على كامل تراب الجمهورية.
حدود الطب وتحدياته
د.طه زين العابدين طبيب متفقّد عام بوزارة الصحة يباشر يوميا متابعة ملفات الأخطاء الطبية، ويقول في تصريح ل"مراسلون" إن "الطبيب أمام جسم لم يصنعه عكس المهندس الذي يستطيع إصلاح آلة صنعها بشر وتلك هي حدود الطب وتحدياته في نفس الوقت".
وحول عودة ملف الأخطاء الطبية والإهمال والتقصير والتهاون في التدخّل أو في التشخيص الطبي يقول زين العابدين ل"مراسلون" إن المشرّع التونسي لم يحدّد مفهوم الخطأ الطبي واكتفى بتحديد الخطأ على أنه "فعل ما توجب تركه أو ترك ما توجب فعله دون نية الضرر"، وجعل تحديد الخطأ الطبي من مهام القضاء.
ويؤكّد طه زين العابدين أنه لا بدّ من "تنقيح القانون لتوضيح تعريف مفهوم الخطأ، لأن ذلك خلّف فراغا صعّب مسألة التقاضي".
ولكن عكس ما تقوله الجمعية التونسية لمساندة ضحايا الأخطاء الطبية فان طه زين العابدين يصّر على أن عدد قضايا الأخطاء الطبية لا يتجاوز سنويا 300 قضية مناصفة بين القطاع الخاصّ والعام، و"يشمل المستشفيات والمستوصفات وحتى العيادات الخاصّة حيث يعمد بعض الأطباء إلى إجراء تدخلات طبية تفتقر الى التجهيزات اللازمة".
وحسب احصائيات وزارة الصحة فقد تطوّر عدد القضايا من 249 قضية منشورة لدى المحاكم التونسية بين سنتي 2013 و2014 منها 147 في المؤسسات العمومية لدى القضاء الإداري و 102 قضية في المصحات الخاصة لدى المحاكم العدلية إلى 300 قضية في 2015.
واحتل الطب الجراحي النسبة الأعلى خاصّة في الجراحة العامة والعظام وجراحة التوليد والتجميل.
وبالنسبة لتعويض المتضررين يقول زين العابدين "اذا كانت المؤسسة عمومية فيكون ذلك من صلاحيات المحكمة الدارية أمّا اذا كانت مصحة خاصّة فالأمر يعود للمحاكم العدلية بشقيها المدني والجنائي".
لا وجود لمجاملات
ينفي المتفقّد العام بوزارة الصحة ما يشاع عن التضامن بين الأطباء بما يهدر حقوق المتقاضين. "صحيح أن هذا الانطباع سائد ولكن الواقع غير ذلك، لأن القاضي غير ملزم برأي اللجنة إذا رأى عكس ذلك، فهو الأكثر قدرة على تحديد مسببات الوفاة من الطبيب لأنه له إمكانية الاطلاع على حيثيات وملابسات القضية كاملة والاستماع إلى العديد من الشهود والخبراء".
ويتساءل "إذا كانت المحكمة تقرّ بان هناك إدانة كيف يكون هناك تعاطف؟ نحن لا نحكم بالنوايا ولكن بالنتائج..هناك تعويضات تصل إلى عشرات الملايين وسنويا تدفع الوزارة تعويضات".
ويضرب د.طه زين العابدين مثلا في قضية خطأ طبي وقع عام 2014، إذ لم يلتزم القاضي حينها بقرار اللجنة الطبية التي نظرت في ملابسات وفاة طفلة على اثر دخولها للمستشفى حيث رأت اللجنة أن الطبيب فعل ما يجب فعله ولكن القاضي رأى أن هناك إهمال وتقصير في إسعاف الطفلة ممّا نتج عنه الوفاة.
وتتراوح العقوبات التي تطال الأطباء بعد ثبوت الأخطاء بين الإنذار والتوبيخ والتجميد الوقتى وتصل إلى حد الشطب نهائيا من قائمة الأطباء الممارسين.
وقد أكّد المتفقّد العام بوزارة الصحة أن ادانه الأطباء جنائيا موجودة حيث تمت إدانة عشرات الأطباء بالسجن أو بالشطب من المهنة ومنعه من ممارستها، لافتا إلى ان "القضاء ليس ملزم بالاختبار ولا برأي عمادة الأطباء وله كل الصلاحيات في تحديد مفهوم الخطأ ولا وجود لمجاملات في هذه المسألة".
التخدير القاتل
أمام ظاهرة الاخطاء الطبية لا تملك وزارة الصحة الا وعودا بالحد من الظاهرة وايجاد حلول لها من اجل تفادي الاسوء.
أما بخصوص لاخطاء الطبية الناتجة عن التخدير فقد أكّد د. طه زين العابدين أن وزارة الصحة وبعد تكّرر الحوادث واشتباهها في الأمر عمدت الى سحب دواء تخدير معين من السوق وفتحت تحقيق في الغرض لتحديد المسؤوليات.
من جهته أكّد المتفقّد العم لوزارة الصحة أن الوزارة تفكّر "في بعث صندوق لغرم الضرر الناتج عن الأخطاء الطبية".
بين الوعود الرسمية بفتح ملف الاخطاء الطبية وتعويض المتضررين يتواصل نزيف ظاهرة اصبحت تؤرق المرضى في المستشفيات التونسية حيث اضحت المصحات عامة وخاصة محطة وقتية نحو المقابر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.