تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكز التوليد في تونس .. تقصير وإهمال و عدم تطبيق للقانون.. فمن يتحمل المسؤولية ؟
نشر في حقائق أون لاين يوم 13 - 02 - 2015

يوم 13 جانفي 2014 توجهت ألفة بن نصر إلى إحدى المصحات الخاصة بالزهرة من ولاية بن عروس لتضع مولودها اثر عملية ولادة قيصرية لكن صحتها تعكرت على اثر العملية ليتبين لاحقا اثر عديد الفحوصات أنها تعاني من التواء على مستوي الأمعاء سبب لها تعفن أودى بحياتها.
التقصير والإهمال وعدم تطبيق القانون من قبل الطاقم الطبي وشبه الطبي تعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الأخطاء الطبية عند الولادة. كما أن سلوك المريضة في التغافل عن المتابعة ونقص التجهيزات في المصحات والمستشفيات من الأسباب المهمة في تواصل هذه الظاهرة.
نساء يذهبن ضحية الأخطاء الطبية عند الولادة يوميا في المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة في حين تغيب إحصائيات تبين مدي تفاقم هذه الظاهرة رغم إن الوزارة تقوم بتسجيل المئات من الشكاوي سنويا.
بعد الولادة مباشرة تعكرت صحة ألفة بن نصر وتدهورت حالتها في حين استعصي على الأطباء والعاملين في المستشفي من قابلات معرفة أسباب مرضها واكتفوا بتقديم إسعافات بسيطة ومسكنات للألم.
فلجأ زوجها عبد العزيز إلى استشارة طبيب من خارج المصحة ليخبره بعد فحوصات عدة أن ألفة تعاني من انعقاد في الأمعاء على إثر العملية القيصرية وأكد له أن حالتها خطيرة تستوجب إجراء عملية جراحية .
وبعد إجراء العملية التي دامت ثلاث ساعات متتالية عاشها عبد العزيز ممنيا نفسه بانتهاء هذا الكابوس ولكن للقدر رأي أخر فالتعفن استفحل في جسد ألفة مما أودى بحياتها تحت العملية تاركة أيوب أربع سنوات وأريج حديثة الولادة ولوعة زوج خسر زوجته بسبب "استهتار و سوء تشخيص بعض الأطباء".
ألفة ليست الضحية الأولي أو الأخيرة التي تفقد حياتها ثمنا لسوء تقدير بعض الأطباء"فهناك حالات عديدة لقت نفس مصيرها في حين عاني بعض النسوة من عاهات وأمراض نفسية وجسدية أثرت على حياتهن جراء الأخطاء الطبية عند الولادة".
فقد قدر معدل الوفيات عند الأمهات ب44.83 بالنسبة لكل 100 ألف حالة ولادة حية لسنة 2013 حسب التقرير الوطني حول أهداف الألفية للتنمية سنة 2013 بعد أن كانت 56 بالنسبة لكل 100 ألف حالة ولادة حية سنة 2010. بما يتضمنه هذا الرقم من نسب الوفيات جراء خطأ طبي، وذلك لغياب إحصائيات دقيقة تحدد حجم الأخطاء الطبية في تونس.
(أنفجرافيك عدد 1 حول معدل الوفيات عند الأمهات )
مع ذلك فإن الوزارة تسجل سنويا بين 500 و650 شكاية حول الأخطاء الطبية وهو ما أكده طه زين العابدين طبيب متفقد في وزارة الصحة كما أكد أن"الأخطاء الطبية تنتج عادة عن التقصير والإهمال من قبل الطاقم الطبي والشبه الطبي عند أدائهم لمهامهم وإن نسبة الخطأ لا تتعدي 1,5 % على كل 1000 عملية تتركز بين قطاعي الجراحة و التوليد و هي أكثر الأقسام التي تحدث فيها الأخطاء الطبية".
لا تعد الأخطاء الطبية في المستشفيات والمصحات الخاصة ظاهرة محصورة بمنطقة معينة. فتشير آخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن الأخطاء المرتبطة بالرعاية الصحية تصيب واحدا من كل 10 مرضى في جميع أنحاء العالم.
وتضيف المنظمة أن هناك نحو 234 مليون عملية جراحية هامة تُجرى كل عام في جميع أنحاء العالم، أي ما يعادل نحو عملية جراحية واحدة لكل 25 شخصيا وأن هناك ما لا يقلّ عن مليون نسمة من الذين يقضون نحبهم كل عام جرّاء العمليات الجراحية.
وحسب تقرير صدر في الولايات المتحدة ألأمريكية حول الأخطاء الطبية كشف أن حوالي 98000 حالة وفاة حصلت في مختلف المستشفيات الأمريكية خلال عام 1997. ويفوق هذا الرقم عدد ضحايا حوادث الطرقات وسرطان الثدي ومرضى نقص المناعة "الايدز".
الأخطاء الطبية والمحاكم
تفاقمت ظاهرة الأخطاء الطبية عند الولادة مؤخرا في المستشفيات التونسية العمومية والخاصة ويبرز ذلك من خلال ارتفاع عدد القضايا المرفوعة في المحاكم التي زادت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة لتصل إلى 98 قضية أمام المحاكم الإدارية و51 قضية أمام المحاكم المدنية سنة 2013 حسب إحصائيات من وزارة الصحة.
وفي دراسة أنجزت بين أوت 2013 و مارس 2014 بينت أن هناك 110 قضية منشورة لدى المحاكم 63 منها في المستشفيات الجامعية التي تشهد ارتفاعا كبير في استقبال المرضى و37 في المستشفيات الداخلية .
كما أشار المحامي ناصر الهرابي أن فترة التقاضي حول قضايا الأخطاء الطبية قد تصل بين 4 إلى 5 سنوات أو تتعدى هذه الفترة إلى حين أن تستوفى القضايا كل شروط و أطوار التقاضي .
ومن جملة القضايا المرفوعة في المحاكم هناك 105 قضية استوفت أطوار التقاضي وتم تنفيذ الأحكام بدفع مبالغ التعويض بين سنة 1998 و2013 منها 23 قضية مرفوعة سنة 2012 والتي وقع البت فيها من خلال الفصلين 82 و83 من مجلة الالتزامات والعقود والفصلين 31 و 32 من مجلة واجبات الطبيب التي تعد قوانين كافية لزجر مرتكبي الأخطاء الطبية وضمان حق المتضرر في التعويض حسب ما أكده المحامي ناصر الهرابي.
(أنفجرافيك عدد 2 حول عدد القضايا في المحاكم )
طبيعة القانون ..هل هو رادع للأخطاء الطبية ؟
يكمن المشكل حسب أراء العديد من المختصين في المجال الطبي والقانوني في عدم تطبيق القانون من قبل الطاقم الطبي والشبه طبي حيث أكد المحامي ناصر الهرابي "إن القانون التونسي سواء كانت مسؤولية الطبيب تقصيرية أو عقدية رادع لمثل هذه الأخطاء سواء من خلال النصوص الموجودة بمجلة الالتزامات والعقود أو من خلال مجلة واجبات الطبيب و يبقى المشكل في تطبيق القانون وخاصة مسألة إثبات العلاقة السببية بين الضرر والخطأ في جانب الطبيب أي إثبات أن الضرر حاصل نتيجة تدخل الطبيب"
كما أكد المحامي صابر بن عمار، رئيس جميعة مساندة ضحايا الأخطاء الطبية، بأن "القانون ما زال قاصرا في مواجهة ظاهرة الأخطاء الطبية التي ما انفكت تتسع وأضاف بأن الهيكل الطبي في تونس لا يريد الخضوع إلى المساءلة القانونية".
واعتبر نبيل بن صالح مدير الصحة بتونس أن "المشكل يكمن في التقصير من حيث تطبيق القانون وغياب الرقابة المستمرة لمؤسسات الصحة من شأنه أن يؤدي إلى تجاوزات من قبل الطاقم الطبي و الشبه الطبي مما يؤدي إلى الأخطاء الطبية " .
وفي الحديث عن المسؤولية القانونية للأخطاء الطبية أفاد طه زين العابدين بأنه وجب الأخذ بعين الاعتبار الجانب الجزائي والمدني في ما يتعلق بالمسؤولية الطبية. ففي جانبها الجزائي فقد وردت العديد من النصوص القانونية التي تؤطرالمسؤولية الطبية من بينها الأمر الصادر في 20 أكتوبر 1973 الذي يتعلق بسن قانون واجبات الطبيب وأمر 29 جويلية 1993 المتعلق بمجلة واجبات الطبيب بالإضافة إلى القانون 13 مارس 1991 والذي يتعلق بتنظيم ممارسة مهنتي الطب و طب الأسنان وكذلك الفصلين 217 و 225 من المجلة الجزائية والمتعلقة بمسؤولية القتل غير العمد والجرح غير العمد والذين يحددان العقوبات الجزائية التي يتعرض لها الطبيب في حالة التجاوزات المهنية المضرة بالمريضة .
أما في الجانب المدني فقد شهدت المسؤولية الطبية جدلا كبيرا تدرج من المسؤولية التقصيرية إلى المسؤولية العقدية والتي اختزلتها مجلة الالتزامات والعقود في الفصلين 82 و 83 و الذين حددا قيام المسؤولية على ثلاثة أركان و هي وجود خطأ نتج عنه ضرر و وجود علاقة سببية بين الفعل الطبي و الضرر وهذه العلاقة السببية يقع التدقيق فيها من قبل لجنة تكلف بالبحث في مدي صحة الخطأ الطبي من عدمها.
كما حدد الفصل 96 من نفس المجلة أن المتسبب في الضرر لا يعفي من المسؤولية إلا متي أثبت الشرطين الوارد بنفس الفصل :
أولا : أنه فعل كل ما يلزم لمنع الضرر.
ثانيا : أن الضرر نشأ بسبب أمر طارئ أو قوة قاهرة أو بسبب من لحقه.
من يتحمل المسؤولية؟
الأخطاء الطبية التي تتعرض لها النساء أثناء أو بعد الولادة تعد من القضايا الاجتماعية التي تؤرق المجتمع و الأسرة بصفة خاصة و يبقي السؤال هنا من يتحمل مسؤولية الأخطاء الطبية؟
يبقي الطاقم الطبي و شبه الطبي أول من يوجه إليه أصابع الاتهام فيساءل عن كيفية و أسباب وقوع الخطأ وقد أشار الدكتور طه زين العابدين أن مسؤولية الطبيب عن الضرر الناجم عن خطأ تنقسم إلى ثلاث جوانب منها خطأ في التشخيص و غياب الكفاءة العلمية أو عدم المعرفة بالشئ نتيجة انعدام الخبرة رغم أن الفصل 31 و 32 من مجلة واجبات الطبيب تلزم الطبيب ببذل عناية كبيرة اتجاه مريضته. حيث جاء بالفصلين:" يلتزم الطبيب بتقديم كل ما في وسعه من علاجات مطلوبة
".كما أن الطبيب مطالب ب" أن يعتني غاية الاعتناء بتشخيص المرض والاستعانة بأنجع الطرق العلمية الملائمة"
.و الأخطاء التي يتحمل فيها الطبيب المسؤولية الجزائية مؤسسة على وجود جريمة فإذا ارتكب الطبيب خطأ في نطاق ممارسته لمهنته يعتمد في هذه الحالة على الفصلين 217 و225 من المجلة الجزائية المتعلقتين بالقتل والجرح عن غير قصد كما يحدد الفصل 33 من مجلة واجبات الطبيب العقوبات التي يسلطها مجلس التأديب في حالة التجاوزات المهنية و التي تتراوح بين الإنذار و التوبيخ والتحجير المؤقت لممارسة المهنة أو الشطب النهائي من جدول العمادة.
كما بين أحمد الزرابي، طبيب مختص في أمراض النساء و التوليد ,بان مسؤولية الخطأ الطبي لا يتحملها الطبيب فقط كما يقع الترويج له إنما المسؤولية يتقاسمها العديد من الأطراف من بينهم الطاقم الشبه طبي كالمبنج و القابلة و مساعد الطبيب الذين يتولون مراقبة حالة المريضة و مد الطبيب بالمعدات أثناء إجراء العملية فمساعد الطبيب مثلا مطالب بتعداد المعدات التي تم استعمالها في إجراء العملية و تذكير الطبيب بنقص احدها مخافة نسيانها في أحشاء المريضة و هنا يقوم الطبيب بتدارك الخطأ و في ذلك مثال الضحية من مستشفي سيدي بوزيد حيث نسي أطباء 7 ضمائد في بطن المتضررة أثناء رتق الجرح تستعمل لتجفيف الدماء والمواد السائلة من الجرح مما تسبب لها بمضاعفات أثرت على صحتها.
وارجع العديد من المختصين في الطب أن اغلب أسباب التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الأخطاء الطبية تعود إلى طول ساعات العمل الإضافية حيث أكد نبيل بن صالح مدير الصحة بتونس أن طول ساعات المناوبة تؤثر سلبا على إنتاجية الطاقم الطبي والتي تصل أحيانا إلى 24 ساعة يؤدي اغلبها إلى الأخطاء الطبية عند الولادة .
وقد ألقت دراسة أعدتها جامعة هارفارد الضوء على الأخطاء الطبية التي يرتكبها الأطباء المناوبون في الولايات المتحدة وتقضي التجربة في أن لا يتعامل الطبيب مع المرضي مباشرة لمدة لا تزيد عن 24 ساعة حيث كشفت الدراسة أن أخطاء الأطباء خلال ساعات المناوبة الطويلة ارتفعت خمس مرات ارتكب خلالها الأطباء 36 في المائة من الأخطاء الطبية.
كما تتحمل المريضة بدورها جانب كبير من مسؤولية الخطأ الطبي،" فالخطأ في الولادة يكون مشتركا في بعض الأحيان ولا يجوز تحميل المسؤولية للطبيب أو القابلة، فعملية الولادة ليست بالشئ السهل، والمريضة تتحمل جزء كبيرا من مسؤولية تدهور حالتها، فهناك نساء لا يراجعن الطبيب المراقب إلا عند اقتراب الولادة أو عندما يأتيها المخاض و ذلك إما تغافلا منها أو لأسباب اقتصادية بحته كارتفاع تعريفات الطب الخاص واكتظاظ المستشفيات العمومية. وهو ما يزيد من مضاعفة المخاطر على الأم كالنزيف أو صعوبة في الوضع و خطر الإصابة بتعفنات على مستوي الرحم قد تصل في بعض الأحيان إلى وفاة الأم و الجنين معا" حسب ما أكده الدكتور أحمد الزريبي.
وأشار الزريبي أن النساء يقمن بالتأثير في رأي الطبيب خاصة في ما يتعلق بطريقة الولادة وكيفية تلقي العلاج وعدم الأخذ بالنصائح الطبيب وهو ما يزيد من تعكر صحة الأم عند الوضع وهناك نساء لا يتقبلن حملهن أو يعانين من أمراض نفسية واضطرابات يصعب التعامل معهن عندما يكن في حالة هسترية تتطلب العناية الفائقة، هذا النوع من الحالات يصعب التعامل معها و قد تؤدي في اغلب الأحيان إلى مضاعفات و أثار سلبية خاصة في الجانب النفسي فالأخطاء الطبية عند الولادة يمكن أن تسبب نوعا من المخاوف لدى المرأة خاصة من عانين من نزيف حاد أو مضاعفات خطيرة أثناء عملية الولادة قد تحدث لها نوع من التخوف من معاودة الإنجاب كما يمكن أن تؤدي إلى خسائر مادية تتمثل في دفع مصاريف ومبالغ كبيرة للمصحات الخاصة والعيادات الخاصة لتفادي الأخطاء الطبية وهو ما ينهك المتضررة ماديا.
كما أن نقص الجانب المرفقي داخل المستشفيات العمومية و المصحات الخاصة من شأنه أن يؤثر في صحة الأم والجنين فمن خلال العديد من الزيارات الميدانية التي قمنا بها لأقسام التوليد بالمصحات الخاصة و المستشفيات و من خلال عديد الشهادات التي تعرضنا إليها في مسار التحقيق بينت أن اغلب المؤسسات تشكو من قلة في التجهيزات فالعديد من الضحايا كانت نتيجة نقص التجهيزات داخل المؤسسات الاستشفائية العمومية و الخاصة منها الضحية سناء التي توفيت في مصحة البلفدير في 3 مارس 2014 بعد أن تعرضت إلى نزيف حاد اثر الولادة بسبب غياب أكياس الدم والتجهيزات اللازمة في المصحة لعلاج المريضة ووقف النزيف الذي أدى إلى وفاتها تاركة ثلاثة أبناء.
حيث اشتكي عديد الأطباء من نقص التجهيزات في المستشفيات الداخلية فقد أكد الطبيب أحمد الزريبي أن نقص التجهيزات يعد المعرقل الوحيد لعمل الطبيب في المناطق الداخلية لعدم توفر المعدات و الآلات التي تضمن إجراء عمليات أمنة دون الوقوع في الخطأ أو مضاعفات غير مرغوب فيها للمريضة و هو ما يحمل العديد من المسؤوليات للقابلات في الجهات الداخلية التي تتولي مسؤوليات عدة منها عمل التخطيط و التشخيص و التنظيم العائلي و الإنجاب وتداوي و الاستشارة و نصح المريضة و هو ما ينهك القابلة و يؤدي إلى ارتكاب بعض الأخطاء في ظل غياب أطباء الاختصاص في المناطق الداخلية حسب ما صرحت به القابلة هند لوحشيي.
وأشار طه زين العابدين بأن الاكتظاظ داخل المستشفيات الجامعية هو عامل لتفاقم الأخطاء الطبية فغياب طب الاختصاص عن المناطق الداخلية يدفع بالمرض للتوجه إلى المستشفيات بالعاصمة حيث يقوم الأطباء بجهد اكبر في العمليات في ظل نقص التجهيزات و في هذا السياق التقينا مريضة دخلت مركز التوليد بوسيلة بورقيبة، حيث لم تجد أسرة كافية لتقضي بها ليلتها إلى حين يأتيها المخاض " دخلت المستشفي لكي ألد ولكني لم أجد مكانا لي وقد قيل لي أن أتشارك مع امرأة أخري نفس السرير إلى حين مغادرتها المستشفي".
وقد وردت عديد النصوص القانونية التي تنظم هذا الجانب و تحدد ما يجب أن توفره المستشفيات و المصحات الخاصة من تجهيزات تضمن سلامة المريضة دون أن تلزم المؤسسة على شراء أو توفير الآلات و معدات و تغريمها في حال عدم توفيرها حسب ما أكده د.طه زين العابدين من بينها قانون 29 جويلية 1991 الخاص بالتنظيم الصحي للمؤسسات الطبية العمومية و الخاصة وأمر 31 أوت 1993 الذي يضبط الهياكل و الاختصاصات و كذلك المواصفات من حيث طاقة الاستيعاب و المحالات و التجهيزات والأعوان بالمؤسسات الصحية الخاصة بالاظافة إلى كراس الشروط بالمؤسسات الخاصة.
الحلول..
وبخصوص الحلول التي يمكن أن تقلل من الأخطاء الطبية أ فاد الدكتور الزريبي على أن "الأخطاء الطبية لن تختفي بين ليلة وضحاها بل يجب تظافر كل الجهود الإطار الطبي و الشبه الطبي للتقليل منها و تفاديها و توفير جو ملائم للولادة و العمل على الاعتناء بصحة الأم و جنينها, كما يجب على الطبيب الاستعانة بزملائه و استشارتهم عندما يتعرض إلى حالة معقدة و بذلك يتفادى الوقوع في الأخطاء فهو مطالب باتخاذ جملة من القرارات التي تخص مريضته لذلك دائما ما يكون الملام الأول و الأخير على كل المضاعفات التي تتعرض لها المريضة ، إلى جانب سعيه الدؤوب إلى النهل من المعارف وتطوير قدراته بما يتماشي مع تطور العلم و المعرفة في مجال الطب واحترام أخلاقيات المهنة."
للحد من تفشي ظاهرة الأخطاء الطبية عند الولادة يجب أن تكون هناك قوانين زجرية لمعاقبة كل من تجاوز القانون من أهل الاختصاص، و العمل على زيادة وعي المريضة بضرورة المراقبة الصحية عند الحمل تفاديا لمضاعفات خطيرة قد تودي بحياتها. كما يجب على الجهات المعنية توفير السبل والإمكانيات الملائمة للطبيب لكي يساهم في تقديم الخدمات الصحية التي تلبي متطلبات المرضي خاصة في الجهات الداخلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.