إنّها الحقيقة و الله، نعم لقد تقرّر إزاحة بن علي منذ سنة 2003، صدّقوا أو لا تصدّقوا، و لكنّها الحقيقة الدّامغة التّي لا لبس و لا شكّ فيها، لقد دار حوار بيني و بين صديق من الذّين كانوا ينشطون بالخارج ضدّ بن علي و نظامه، و قد قال لي هذا الصّديق الصّدوق الذّي هو محلّ ثقة تامة و لا أشكّ البتّتة في ما قاله لي يومها، فقد تحاورنا سنة 2012 في كثير من المسائل، و قد ذكر لي أنّ الأمريكان اتّصلوا به و بالعديد من الرّموز من الذّين كانوا ينشطون في المعارضة من الذين كانوا يتصدّون لبن علي و منظومته، و قد أعلموهم منذ سنة 2003 أنّ بن علي سيزاح من السّلطة سنة 2011، و قد أعلموهم مذ ذاك التّاريخ أنّهم سيعوّلون عليهم في قيادة مرحلة ما بعد بن علي، و طلبوا منهم الإستعداد لهذا الحدث لأنّهم سيكونون رجالات و قيادات المستقبل، و طبعا طلبوا منهم التّكتّم و عدم نشر هاته المعلومات. ربما سيستغرب السّادة القراء من هذا الكلام، و لكن لمذا الإستغراب؟ فهل نحن أحرارا و مستقلون حقّا، و هل نحن نملك السّيادة الحقيقية على أوطاننا؟ و هل يمكننا اتّخاذ قرارات سياديّة دون تدخّلات و إملاءات خارجية؟ طبعا لا... فالتّدخلات الخارجيّة أصبحت مكشوفة بعد إزاحة بن العلي، و الكلّ أصبح يلعب على المكشوف، و الكلّ يحج للسّفارات الغربيّة و خاصة منها سفارتي فرنسا و الولايات المتّحدة الأمريكيّة، و لكن الخونة و العملاء في عالمنا العربي لا يعتبرون، و هذا هو ديدن السّاسة في منظومة العحكم الصهيو-غربية المهيمنة على العالم، فقد يستعملون العملاء من حكّام العرب و بعد انتهاء مدّة صلوحياتهم و بعد انتفاء الحاج لهم يتخلّصون منهم إما بالقتل و الإغتيال أو النّفي و الإسكات، و الأمثلة عديدة و متعدّدة من الشّاه في إيران إلى العديد من حكّام العرب و الأفارقة و غيرهم من حكّام جنوب القارة الأمريكيّة، أمّا في ما يخصّ بن علي فقد نصّبوه يوم 7 نوفمبر سنة 1987 و تخلّصوا منه يوم 14 جانفي 2011، و بعد ذلك نفاقا و تماهيا و تمويها صفّقوا للشّعب التّونسي تحت قبّة الكنقرس الأمريكي و البرلمان الأوروبي، و لكن في الحقيقة هم صفّقوا على نجاح خطّتهم و تنفيذ برامجهم و أجنداتهم، و بعد مدّة قصيرة انقلبوا و تحالفوا مع القوى المظادّة للثّويرات العربيّة، إن كان في مصر أو ليبيا أو تونس، فهل بعد هذا النّفاق من نفاق عند ساسة الغرب الأشرار المتصهينين؟ الحاكمون و المتحكّمون في عالمنا العربي بقوّة السّلاح و تعاون العملاء من أبناء جلدتنا. و للسّاءل أن يسأل لمذا سنة 2011؟ و الجواب سهل و جلي، فقد طلبوا من بن على عبر وزيرة الخارجيّة كوندوليزا رايس عدم التّرشح سنة 2009 و لكنّه لم يمتثل، فمرّوا للخطّة (ب) و نفّذوها سنة 2011 مباشرة بعد إعادة انتخابه لدورة خامسة، لأنّ الأمريكان يقرؤون الواقع السّياسي و يعرفون جيّدا أن بن علي إنتهت مدّة صلوحيّاته، و قد تجاوزته المرحلة، و عليه الرّحيل بهدوؤ تجنّبا لعواقب وخيمة و لكنّه لم يفعل، فتحرّكوا و حرّكوا... و أزاحوه، و لكن انفلتت الأمور من أيديهم بعض الشّيء، و لكنّهم أعادوها إلى نصابها بعد انتخابات سنة 2014، و يبارك في ترابك يا تونس... و لو لا ستر الله و بركة الأولياء الصالحين و تعقّل أبان الشّعب التّونسي، لكانت حالنا مثل أحوال الأشقّاء في مصر و ليبيا و سورية و اليمن... و لكن في النّهاية أقول لو لم تكن عندنا قابليّة الإستعمار لما تمكّنوا من احتلال أوطاننا، و لو لم تكن عندنا قابليّة الإستحمار لما تمّ استحمار شعوبنا لعقود تحت حكم العملاء و الطواغيط، و لو لم تكن عندنا قابليّة للتّحريك لما تمكّنوا من تحريك الجماهير سنة 2011، و دفع الله ما كان أعظم و لله الحمد من قبل و من بعد و الرّحمة لأرواح الشّهداء، و اللهم أرزق أهاليهم الصبر يا رب... *كاتب و ناشط سياسي و إيكولوجي