تتواصل النقاشات حول مسودّة الدستور ومضامينه داخل المجلس الوطني التأسيسي و خارجه على مستوى المجتمع المدني من جمعيات و منظمات،كما يحتدم النقاش أحيانا حول نقاط معينة تتصل بحقوق الإنسان ،و اتجهت الأنظار خلال الفترة الأخيرة إلى مناقشة الهيئة المستقلة للانتخابات و صلاحياتها و تتواصل التجاذبات حول عديد المسائل المتصلة بالوضع الراهن في تونس ،و التي تهم المواطن التونسي و كذلك أهل الاختصاص في المادة الدستورية و القانون الدستوري أيضا. الأستاذ قيس سعيد أحد أبرز الأساتذة المختصين في القانون الدستوري له رأي في مختلف هذه المسائل المطروحة، و صاحب مقترح إبرام صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين ترتيبا تنازليا من الأكثر تورطا إلى الأقل تورطا ويتبنى كل رجل أعمال المشاريع التي يطالب تحقيقها الأهالي في كل معتمدية مع الأستاذ قيس سعيد كان لنا لقاء في حوار مطول. 1)لما تم الحديث في الفترة الأخيرة عن شهر أفريل كآخر أجل للانتهاء من كتابة الدستور ؟ * ليست هي المرّة الأولى التي يتم فيها تحديد موعد للإنتهاء من كتابة الدستور،و كل مرة لا يتم احترام الموعد المطروح وتقدّم عملية وضع الدستور و كأنها عملية صعبة وشديدة التعقيد في حين أنها بالرغم من أهميتها هي دون ذلك ،ثمّ أن البعض يعتقد أن الدستور يمكن أن يحتوي على كل جوانب الحياة في حين أن وظيفته هي ضمان للحرية. فالسلطة يجب أن تكون مقيدة ضامنة للحرية هذا فضلا عن ضمان الحقوق والحريات الفردية والجماعية ،أمّا المسائل الأخرى التي يطالب الكثيرون بإدراجها في نص الدستور القادم لتونس فإن مكانها الطبيعي هو التشريعات العادية للدولة ، وعلى صعيد آخر فإنّ الاجراءات التي تمّ وضعها هي إجراءات غير مناسبة من ذلك على سبيل المثال أن أعمال اللجان التأسيسية تعرض على الجلسة العامة لمناقشتها من جديد في حين أنها نوقشت في اللجان من قبل كل الكتل، علما بأنه ستتم مناقشتها من جديد بمناسبة عرض مشروع الدستور على المصادقة من قبل الجلسة العامة، وأكثر من كل هذا تتحوّل المناقشات داخل الجلسة العامة إلى حملات دعائية انتخابية غير معلنة وهو ما يؤثر كثيرا على مستوى النقاش كما يترك انطباعا سيئا لدى عموم المواطنين على ممثليهم . ففي ظلّ هذا الوضع السياسي العام يبدو من الصعب أن يتمّ الانتهاء من وضع دستور في شهر أفريل القادم. القضية تقدّم دائما كأنها قضية دستورية فنية في حين أنها قضية سياسية و ما لم يحسم الصراع السياسي فإنه لا يمكن التوصل إلى حلّ قانوني وحتّى وإن تم التوصل إلى بعض الحلول القانونية فإنها لن تعمر طويلا. 2)ألم يكن من الممكن مراجعة و تنقيح دستور 59 وتجنيب الدولة والشعب الكلفة المادية والمعنوية للمجلس الوطني التأسيسي؟ * القضية ليست في نص الدستور، لكن لم يكن من الممكن في المقابل مواصلة العمل بالدستور الأول لتونس بعد 14 جانفي 2011 لأن النية كانت تتجه بعد إعلان الشغور النهائي في رئاسة الجمهورية من قبل المجلس الدستوري يوم 15 جانفي 2011 ،نحو تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها طبقا للفصل 57 من الدستور، و بالتالي كانت النية تتجه نحو استمرار النظام القديم بكل مؤسساته ونفس التوازنات التي كانت قائمة لذلك لم يكن من الممكن سوى المطالبة بإلغاء دستور سنة 59 وهو ما تمت المطالبة به أثناء اعتصام القصبة2 . النص الدستوري لا يمثل مشكلا في ذاته حتى وإن كان منقوصا، بل المشكل هو في وجود حزب واحد مهيمن على كل مؤسسات الدولة ،فالديكتاتورية لم تكن نتاج أحكام الدستور بقدر ما كانت نتاج سيطرة حزب واحد وشخص واحد على كل مؤسسات الدولة ،فلو طبق دستور 59 في دولة ديمقراطية توجد بها تعددية سياسية حقيقية لما أنتج نفس الديكتاتورية ولو طبق دستور أي دولة ديمقراطية في ظل الوضع الذي كان قائما في تونس لأنتج بالفعل نفس الديكتاتورية، فدستور 59 وإن كانت به عديد النقائص خاصة بعد التعديلات المتلاحقة التي أدخلت عليه ليس نصا سيئا في المطلق ونص الدستور القادم لتونس لن يقدم كل الحلول، فالحل الحقيقي هو في التعددية السياسية الحقيقية وفي قبول نتائج الانتخابات وفي التداول السلمي على السلطة أما إذا تمكن مرة أخرى حزب واحد من السيطرة على كل مؤسسات الدولة فإننا سنعود مرة أخرى إلى المربع الأول مهما كانت أحكام الدستور. 3) في رأيك بعد أن يتم الانتهاء من كتابة الدستور هل ستتم المصادقة عليه في الجلسة العامة أو سيتم اللجوء إلى الاستفتاء؟ *كل الاحتمالات واردة خاصة في ظل الخلافات التي لا تزال قائمة وخاصة تلك المتعلقة بتوزيع الصلاحيات بين كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فهل سيتم التوصل إلى اتفاق وهل يمكن أن تحصل أغلبية ثلثين بمناسبة القراءة الثانية للدستور؟ قد يحصل ذلك وليس من مصلحة أي طرف داخل المجلس اللجوء إلى الاستفتاء ولكن إذا تمّ اللجوء إلى مثل هذا النوع من المصادقة الشعبية فقد لا تكون المصادقة من قبل الشعب على المشروع الذي سيقدم له كما يتصور الكثيرون ذلك، بل يمكن أن يكون الاستفتاء سلبيا وفي هذه الحالة يجب مبدئيا انتخاب مجلس تأسيسي آخر لأن الاستفتاء السلبي هو دحض لتمثيلية من قاموا بمشروع الدستور على غرار مشروع الدستور الأول للجمهورية الفرنسية الرابعة في ماي 1949. 4) من خلال الندوات التي عقدت والنقاشات الحاصلة على مسودة الدستور هل تم التوافق بين النقاط الخلافية أم أن هناك نقاطا خلافية أخرى برزت؟ * وردت في مسودة هذا المشروع عديد المسائل التي لم يقع الاتفاق حولها ولا يوجد إلى حد اليوم مشروع دستور كامل ،وهناك بطبيعة الحال جوانب ايجابية متعلقة بالحريات الأكاديمية، ولكن في المقابل توجد سلبيات خاصة في مستوى غموض المفاهيم كتلك الواردة مثلا في مشروع التوطئة ،كما توجد بعض الأحكام التي تتطلب إعادة صياغتها ،وعموما فإنه لا يمكن الحكم إلا على التوجهات العامة لأن عديد المسائل التفصيلية لا تزال ،إما محل نقاش وإما أنها لم تصل إلى مرتبة المشروع النهائي. والنصوص القانونية بوجه عام قيمتها ليست في ذاتها بل في المفاهيم التي تسعى إلى تحقيقها وفي الروح التي توجد داخلها فلا بد من استحضار مقصد كل حكم لماذا وضع؟ ولابد من استحضار الوظيفة الأساسية للدستور وهي تحقيق الحرية. 5 ) كخبير في القانون ما هو النظام الأصلح للبلاد :برلماني أم رئاسي أم نظام مختلط وما هي سلبيات وايجابيات كل نظام؟ *هذه مقاربة مغلوطة ليس هناك نظام أفضل من آخر المهم ،هو أن يكون النظام السياسي نظاما قائما على التفريق بين السلط سواء إن كان التفريق بينهما جامدا كما هو الشأن في النظام الرئاسي أو مرنا كما هو الحال في النظام البرلماني، ولكن التوازن لا يتحقق بمجرد التنصيص عليه في الدستور وبمجرد التنصيص على آلياته وتقنياته بل بالتعددية السياسية. ولكل نظام في الجملة ايجابيات وسلبيات ولا يوجد في المطلق نظام نموذجي، المهم هو تحقيق التوازن بإرساء التعددية السياسية ففي ذلك الوقت فقط ومهما كانت طبيعة النظام السياسي الذي سيتم عليه الاختيار فقد يكون نظاما ديمقراطيا. 6 ) كيف تقرأ صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية؟ *لا توجد ايجابيات أو سلبيات في المطلق لكل نظام محاسن وأضداد. المسألة تحولت من عملية اختيار النظام السياسي القائم إلى وضع نصوص دستورية على مقاس من هم في السلطة اليوم ، فالانتخابات القادمة ستفرز نفس النتائج وهو خطر يهدد منذ الآن الدستور القادم لتونس ،فحين توضع النصوص القانونية على المقاس تفقد هذه النصوص قيمتها فليكن النظام القادم لتونس برلمانيا أو رئاسيا أو مختلطا فليس ذلك كله مهما أو محددا بل العنصر المحدد والأهم من الجوانب التقنية المحضة هو كيف تبني نظاما ديمقراطيا؟ النظام الديمقراطي لا يقوم على أساس الدساتير فحسب بل على أساس قبول كل طرف بالطرف الآخر وعلى أساس أن أغلبية اليوم يمكن أن تكون أقلية في الانتخابات القادمة. 7 ) ما هو رأيك في الهيئة الجديدة للانتخابات من الناحية القانونية،وهل تقدّمت لرئاسة الهيئة المستقلّة للانتخابات؟ * إحداث هيئة عليا للانتخابات هو أمر ايجابي في ذاته ولا يوجد مرة أخرى أي نص قانوني لا يقبل النقاش والنص السابق الذي أحدث الهيئة السابقة ليس بالضرورة أفضل من النص الحالي و فيه أيضا عديد النقائص باعتراف الذين كانوا قائمين عليها. فالانتخابات الماضية وإن كانت نجحت بعض النجاح فليس لأن النص الذي أحدث الهيئة السابقة كان نصا كاملا بل لأن الإرادة في إنجاح هذه الانتخابات هي التي كانت متوفرة لذا وجب في ظل النص الحالي الجديد أن تتوفر نفس الإرادة، بالتأكيد مثل عملية الاختيار من قبل الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي للأعضاء التسعة القادمين اختيار قابل للنقاش كثيرا ولكن ليس مدعاة للقول بأن الانتخابات القادمة ستكون بالضرورة فاشلة. أما عن عدد الترشحات يظل ضعيفا فإنه يدعو للتساؤل هل هو عزوف عن تحمل المسؤولية أم أن الأمر يتعلق فقط بالآجال أم هي خيبة أمل عامة في المؤسسات السياسية. قد يكون هذا وذاك ولكن هذا في كل الحالات فإن ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات القادمة يمكن أن يؤثر تأثيرا كبيرا في إمكانية نجاحها. أما في خصوص تحمل المسؤوليات فليس خوفا منها أو تهربا ففضلا عن زهدي في المناصب كلها أفضل المساهمة في هذا البناء من خارج المؤسسات الرسمية ولكن إذا ما دعت المسؤولية إلى تولي أي منصب فلن أقبل إلا حين أرى أنني يمكن أن أقدم الإضافة أما دون ذلك فإن المناصب لا تعني لي شيئا.