الزغواني: تسجيل 25 حالة تقتيل نساء في تونس خلال سنة 2023    ال "FCR" مرة كل 10سنوات..متى ينطلق تفعيل هذا الاجراء الجديد..؟    في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي.. "تونس لن تكون مصيدة للمهاجرين الأفارقة"    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    العالم الهولندي المثير للجدل ينفجر غضباً..وهذا هو السبب..!!    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    مائة ألف عمود إنارة عمومي يعمل فقط من بين 660 ألف مالقصة ؟    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    «راشد الغنوشي حرباء السياسة التونسية» للكاتب ياسين بوزلفة    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    حوادث/ 6 قتلى خلال يوم فقط..    بوتين يحذر الغرب: قواتنا النووية في تأهب دائم    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    تأجيل إضراب أعوان شركة ''تاف تونس'' بمطار النفيضة    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    وزيرة التجهيز تدعم البلديات في ملف البنايات الآيلة للسقوط    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    ! منديل ميسي للبيع ...ما قصته    خوسيلو يسجل هدفين ليقود ريال مدريد لنهائي رابطة الابطال    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ريكوبا نصيرا للثعالبي
نشر في الجريدة التونسية يوم 10 - 04 - 2013

رفع "ريكوبا" صورة الشيخ عبد العزيز الثعالبي مزهوا يوم احتفال التونسيين بعيد الشهداء في التاسع من ابريل الجاري، و أغلب الظن أنه كان يرغب من أعماقه في إغاظة من يعتقد واهما أن صورة الزعيم الوطني الكبير قد تغيظهم، و هم بالدرجة الأولى "البورقيبيون" أو "أنصار نداء تونس" الذين حضروا بقوة في شارع الحبيب بورقيبة لإحياء هذه الذكرى التونسية العزيزة.
و قد تحول "ريكوبا"، و تلك واحدة من مفارقات عجيبة كثيرة عاشها التونسيون خلال السنتين الماضيتين، إلى شخصية ذائعة الشهرة دون أي مبرر عقلاني مقبول أو موهبة معللة و مفسرة، حتى أن الرئيس المرزوقي نفسه تشرف باستقباله و تكريمه رفقة ثلة من إخوانه البررة، ممن أبلوا البلاء الحسن في إرهاب أعداء الثورة و أنصار الثورة المضادة و أزلام النظام السابق و فلول الرئيس المخلوع، ضمن ما عرف في الشارع التونسي باسم "رابطات حماية الثورة" المظفرة.
و ما ثبت أن "ريكوبا" الذي تحول بقدرة قادر و في زمن قياسي إلى "لوك سلفي" بلحية كثة دكناء و طاقية سوداء عجيبة، قد لقن من المستفيدين من خدماته السريعة أن الشيخ الثعالبي كان "إسلاميا" بينما كان "عدوه المفترض" بورقيبة "علمانيا"، و أن نصرته تدخل البهجة على قلوب "الإسلاميين" أصحاب الجاه و السلطة اليوم، و تصيب "العلمانيين" و "الحداثيين" و "الندائيين" بالغبن و الحسرة.
و لعل معلمي "ريكوبا" الجدد قد نسوا أو جهلوا أن أجداده الذين كانوا يشبهون حفيدهم شكلا و عقلا و جهلا بحقائق الفكر و التاريخ، هم الذين ساروا سنة 1904 في أزقة مدينة تونس العتيقة يرمون الشيخ الثعالبي بالحجارة و يهتفون بموته بتهمة الكفر و الزندقة، و هم من طالب بشنقه أشهرا بعد ذلك إثر نشره لكتاب " روح التحرر في القرآن"، الذي هاجم فيه مظاهر الجمود و التطرف و التخلف و الشعوذة التي كانت تميز حال التونسيين و عامة المسلمين.
يقول الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور، و هو أحد أهم رفاق الزعيم الحبيب بورقيبة في رحلته النضالية قبل الاستقلال و بعده، في سيرة الشيخ الثعالبي ما يلي:" في سنة 1320، الموافق سنة 1901 ميلادية، ظهر بمدينة تونس شاب غريب الشكل و النزعة، غريب المنطق و القلم، كان في أول عهده من طلبة جامع الزيتونة و الخلدونية، منقطعا لركني النهضة الفكرية بتونس يومئذ: الشيخ سالم بوحاجب و الأستاذ البشير صفر، وكان مولعا بحديث السياسة و حركة التطور الفكري، منهمكا في مطالعة الصحف، حاول احتراف الصحافة فأصدر جريدة سماها سبيل الرشاد، لم يلبث أن عطلها و سافر إلى الأستانة و مصر، ثم عاد بذلك المظهر الغريب يتكلم بأفكار جمال الدين الأفغاني و محمد عبده، و يشيد بحسن حسني الطويراني و علي يوسف و عبد الرحمن الكواكبي، و يدعو إلى التطور و الحرية و فهم أسرار الوجود و أسرار الدين، و يعرب بكلام عربي يطفح بمقالات الحكماء الغربيين من الفلاسفة و الطبيعيين".
و كما يمكن أن يلاحظ، فإن العزيز "ريكوبا" لا علم له فيما يبدو بسيرة الشيخ "عبد العزيز"، بل إنه و من لقنه الدرس خاطئا أو مخطئا، يجهل أن الثعالبي كان "مفكرا مسلما مجددا" عاصر نشأة حركة الإخوان المسلمين على أيدي حسن البنا سنة 1928، لكنه لم يفكر يوما في الانتماء إليها، أو حتى تأسيس شيء مشابه لها، و هو المولع بتأسيس الحركات و الأحزاب منذ نعومة أظافره، و قد كان من تلامذة جمال الدين الأفغاني و محمد عبده، بل إن بعض المؤرخين يذهبون إلى حد الإدعاء بأن الثعالبي انخرط في الحركة الماسونية، و كان عضوا في محفل الشرق الاسكتلندي الماسوني حتى وفاته سنة 1944.
و يجهل "ريكوبا" بلا ريب أن عيد الشهداء هو مناسبة "بورقيبية" بامتياز، فقد كان بورقيبة السبب في اندلاع الأحداث الدموية التي طالب خلالها شباب تونسي أعزل الاستعمار الفرنسي ببرلمان تونسي و مانع تحت تأثير مباشر من زعيمهم الشاب في دفن متجنس تونسي بالجنسية الفرنسية في مقبرة الجلاز. و يذكر المؤرخون أن الزعيم بورقيبة طلب من علماء الزيتونة آنذاك إصدار فتوى تحرم المتجنسين من الدفن في مقابر المسلمين.
كما يجهل "ريكوبا"، خلافا لملقنيه الذين يتجاهلون، أن الخلاف بين الزعيمين الثعالبي و بورقيبة، هو خلاف مختلق لا يقوم عليه دليل، و أن سوء التفاهم الذي قد يكون حصل بين الرجلين كان سياسيا فحسب و لم تكن له صلة بالمرجعية الفكرية التجديدية التي ميزت سيرة العظيمين، فقد عاد الزعيم بورقيبة إلى تونس سنة 1927 و كان الشيخ الثعالبي في حينها منفيا، و نظم "الدستوريون الجدد" مؤتمرهم الاستثنائي سنة 1934 و هم يقرون بزعامة الشيخ الثعالبي لحزبهم، الذي لم يعد من منفاه إلا سنة 1937، و لم يقم بحسم الخلاف بين أبنائه حتى دخل بعضهم إلى السجن في رحلة مجهولة طويلة، و من بينهم بورقيبة، استمرت إلى العام 1944 و هي السنة التي توفي فيها الثعالبي رحمه الله.
و إذ يرفع "ريكوبا" و ملقينه، تارة قميص "الثعالبي" و تارة أخرى قمصان "محمد علي الحامي" و "فرحات حشاد" و "صالح بن يوسف" و "محمد الطاهر ابن عاشور"، نكاية في أعدائهم "الوطنيين البورقيبيين"، فإن التاريخ ما فتئ يؤكد أن بورقيبة كان أقرب الناس إلى أصحاب القمصان المرفوعة، و أن هؤلاء المؤيدين زورا و بهتانا لو كانوا أحياء لكانوا ألد أعداء العزيز "ريكوبا" و كل من استغل الجهل و سخر الجاهلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.