أثارت وثيقة مسربة حول فحوى الاختبار الخاص بمناظرة انتداب عرفاء أمن في سلك الحرس الوطني أمس الكثير من الجدل والنقاش وألهبت فتيل التأويلات والتعاليق على الشبكات الاجتماعية ،ذلك أن الاختبار تضمن أسئلة تتعلق بالثقافة الدينية بصفة خاصة، من قبيل : من هو أول من جمع القرآن ؟، وما هي أقصر سورة في القرآن؟، ومن الذي كتب بسم الله الرحمان الرحيم؟،و كذلك من هي أول إمرة قطعت يداها من أجل السرقة؟،و من استقبل القبلة حيا أو ميتا؟، و من قام ببعث نظام الشرطة في تاريخ العالم العربي؟ و عدد من الأسئلة الأخرى التي لا تخرج في مجملها عن هذا الإطار ،و تبعا لذلك تحركت وزارة الداخلية يوم الأحد أيضا لتصدر بيانا توضح فيه أنه تم طرح 60 سؤالا في الرياضة والتاريخ والجغرافيا والعلوم والفن ومن بينها أسئلة تتعلق بالدين الإسلامي وأن ''هذا لا يعدو أن يكون من باب الأسئلة المتعلقة بالثقافة العامة وأنّ محاولة فصلها عن المضمون العام للاختبار هو من باب القراءة الخاطئة''. توضيح أثار المزيد من التعاليق على الشبكات الاجتماعية، و نشر الكثيرون تعاليق ساخرة، لكن و إن كانت المسألة في ظاهرها مضحكة فهي ليست بالبراءة التي نتصورها. بعيدا عن التهويل الذي من السهل الاتهام به، نسأل ما معنى أن تطرح هذه الأسئلة على المترشحين، هل يعني ذلك أن''أكثر المتدينين ''منهم هم الأوفر حظا للنجاح؟ أم أن وزارة الداخلية تريد شرطة دينية لتقوم على تسيير الحياة اليومية؟ ما جدوى أسئلة دينية أو حتى أخرى في مجالات مغايرة في الحياة العملية لعون الأمن؟. إن كانت المسألة بريئة هل ستراعي الوزارة عند الإصلاح ''جهل'' الكثير من المترشحين بالإجابات الصحيحة ،و صمتهم و ذهولهم عند تلقي الأسئلة؟ المسألة ليست بسيطة خاصة مع ما يروج حول انتشار ظاهرة الأمن الموازي و الذي بدأ في التحرك في عديد الولايات و التدخل لفض بعض المشاكل بين المواطنين رغم نفي وزير الداخلية السابق لذلك ورغم تمسك المواطنين بما عاشوه و رأوه. تمرير هذه الأسئلة في هذا الوقت الذي يحتد فيه النقاش حول طبيعة الدولة،دينية أم مدنية، يرفع عنها صفة العفوية و يدفع إلى القول أن ما حدث هو اختبار آخر أكثر جدية هذه المرة لرصد ردود أفعال التونسيين على مسالة الشرطة الدينية أو الأمن الموازي،إذ بعد حادثة المطار و التي ذهبت برأس المسؤول على امن الحدود تأتي أسئلة دينية في مناظرة وطنية ينتظرها الكثيرون للحصول على شغل... ومن جهة أخرى أكدت أطراف أمنية نقابية انه تم طرح الأسئلة في إطار الثقافة العامة ومن بينها الأسئلة الدينية وأنه لا يمكن في أي حال من الأحوال اسلمة المؤسسة الأمنية على اعتبار أن الولاء الكامل هو للوطن وأنهم مسلمون بطبيعتهم ولا يمكن تهويل الأمور لأنها سبقت وإن طرحت بعض من هذه الأسئلة الدينية في مناظرة الحرس الوطني، ولكن العديد اعتبروا أن المسألة ليست هينة وأن التونسيين حتى و إن وقع الاختيار عليهم لإجراء التجارب في سنتهم الأولى فإنهم سيقفون سدا منيعا أمام كل محاولات الارتداد عن المكاسب أو محاولات التستر بالدين لأجل غايات سياسية و أنهم لن يقبلوا بغير الدولة المدنية ولن يقبلوا بغير الأمن الجمهوري المحايد والذي يكون فقط في خدمة الشعب والوطن. وما يثير التساؤل هو أن صياغة بعض الأسئلة جاءت خارج السياق حيث حملت بين أسطرها خدمة لايديولوجيا الإسلام السياسي لذلك اعتبر العديد من الناس أن الأسئلة المطروحة ليس لها أي محل من الإعراب سوى خدمة توجه سياسي معين. كما بدت المناظرة بعيدة عن أسس الدولة المدنية التي تقوم على الاستقلالية وحيادية المنظومة الأمنية والتطبيق العادل للقوانين الوضعية بمنأى عن تأويلات الأحكام الدينية وثقافة التوظيف السياسي للدين الاسلامي .